9 خطوات لجعل التعلم ذاتي التنظيم أكثر فاعلية

ربما سمعتَ المثل القائل: "لا تعطني سمكةً؛ بل علِّمني كيف أصطاد"؛ فقد يُستخدَم في المدارس أحياناً، ولكن ما الذي يساعد على إلهام الناس ليصبحوا متعلمين مستقلين مدى الحياة؟ تابِع قراءة المقال لمعرفة المزيد عن التعلم ذاتي التنظيم وطريقة جعله أكثر فاعلية.



التعلم ذاتي التنظيم:

يُعدُّ التعلم ذاتي التنظيم أحد النظريات حول تعليم الناس طريقة التعلم؛ أي بمعنى أوسع، يتمحور حول قدرة الأفراد على تحديد أهداف تعلُّمِهم والعمل بصورة مستقلة والشعور بالمسؤولية والاستقلالية لتحقيق تلك الأهداف. إنَّه عكس الطريقة التي يوزع فيها المعلم ورقة عمل على الطلاب ليكملوها لمجرد أنَّه طلب ذلك منهم.

يُعدُّ التعلم ذاتي التنظيم بنَّاءً وذاتي التوجه؛ فبدلاً من استخدام وإكمال ورقة العمل، يتمحور التعلم ذاتي التنظيم حول تحديد الطلاب لأهداف التعلم الخاصة بهم، وتحديد أفضل طريقة لتحقيق هذه الأهداف، ثمَّ العمل بصورة منهجية واستراتيجية لتحقيقها. وتتوافق استراتيجيات التعليم، مثل: نموذج حلقات العمل ومحفظة الطالب (هي ما يسمى بفهرس إنجازات الطالب في أثناء دراسته؛ حيث يساعده على تقييم أدائه وتقدُّمه، وكذلك المهارات والمعارف المكتسبة نتيجة النشاط العلمي)، مع التعلم ذاتي التنظيم أكثر من الاعتماد على ورقة عمل أو محاضرة تناسب الجميع.

نموذج حلقات العمل:

يتكون هذا النموذج من ثلاثة أجزاء: تبدأ الحصة الدراسية بدرس صغير، ثمَّ يقضي الطلاب وقتاً في العمل بصورة مستقلة، بينما يدور المعلم بين الطلاب ويحاورهم. وأخيراً، تنتهي الحصة الدراسية بتقديم ملخص مستمَدٍّ مما تعلَّمه الطلاب من خلال عملهم المستقل.

ومن الأشخاص المؤثرين الذين استخدموا نموذج حلقات العمل المديرة والمؤسسة لمشروع القراءة والكتابة في كلية المعلمين في كولومبيا، لوسي كالكينز (Lucy Calkins) والمعلمة الأمريكية نانسي أتويل (Nancie Atwell)، فقد كان عملهما مفيداً في نشر أفضل الممارسات كي يعرف المعلمون طريقة إنشاء تجارب تعليمية حقيقية يقودها الطلاب.

محفظة الطالب:

مثال آخر على التعليمات التي تتوافق مع التعلم ذاتي التنظيم هو محفظة الطلاب؛ حيث يضع الطلاب أهدافاً تعليمية ويتحققون بصورة دورية فيما إذا كانوا يحققون هذه الأهداف أم لا، ويحتفظون بأفكارهم وأعمالهم في مجلدات، ويعقدون اجتماعات دورية مع معلميهم ليحرصوا على أنَّهم يسيرون في تحقيق أهدافهم.

لكنَّ المشكلة هي أنَّ نموذج حلقات العمل ومحفظة الطالب يتطلبان عقلية ومهارات مختلفة من المعلمين؛ وهنا يأتي دور نظرية التعلم ذاتي التنظيم.

3 عناصر للتعلم ذاتي التنظيم:

تتمثل إحدى طرائق التعلم ذاتي التنظيم في تقسيمه إلى ثلاثة عناصر: تنظيم أساليب المعالجة، وتنظيم عملية التعلم، والتنظيم الذاتي، حيث يساعد تقسيم التعلم ذاتي التنظيم بهذه الطريقة المعلمين على تحديد أفضل طريقة لمساعدة الطلاب في تحقيق أهدافهم الشخصية، كما أنَّه يمنحنا لمحةً عن الطريقة التي يمكِننا أن نصبح فيها متعلمين منظَّمين ذاتياً.

نستعرض فيما يلي العناصر الثلاثة للتعلم ذاتي التنظيم:

1. تنظيم أساليب المعالجة:

تتمثل الخطوة الأولى في التعلم ذاتي التنظيم في إعطاء المتعلمين خياراً في معرفة كيف ولماذا يتعلمون أساساً.

في مثال ورقة العمل الذي ذكرناه سابقاً، يُكمِلُ الطلاب المهمة لأنَّ المعلم يطلب منهم ذلك، ولكن عندما نحدد سبب تعلُّمنا في الأساس؛ فإنَّنا نبدأ في وضع أساس للتعلم ذاتي التنظيم.

يميز الباحث التعليمي نويل إنتويستل (Noel Entwistle)، بين ثلاثة أسباب مختلفة للتعلم، حيث يجعل عمله هدفنا من التعلم أكثر وضوحاً؛ إذ يمكِن للطلاب إما محاولة إعادة صياغة المعلومات أو حفظها، أو محاولة الحصول على درجات جيدة، أو يسعون إلى الحصول على فهم شخصي أو هادف.

والهدف من التعلم ذاتي التنظيم هو تشجيع الطلاب على الابتعاد عن أول اتجاهين للتعلم وهما: اتباع الأوامر، ومحاولة الحصول على درجات جيدة، والتحرك نحو الاتجاه الثالث، والتعلم من أجل تحقيق بعض المكاسب الجوهرية ليصبح التعلم بذلك هدفاً بحد ذاته.

2. تنظيم عملية التعلُّم:

المستوى التالي من التعلم ذاتي التنظيم هو عندما يكون الطلاب مسؤولين عن عملية التعلم الخاصة بهم، ويُعرَف أيضاً باسم ما وراء المعرفة؛ حيث أظهرَت الدراسات أنَّه عندما يقوم المعلمون بمعظم الأعمال الصعبة، مثل: تحديد الأمور التي ينجح أو لا ينجح فيها كل طالب؛ ستنخفض مهارات ما وراء المعرفة لدى الطلاب.

يوجد قول مفاده أنَّ: "إذا غادر المعلمون المدرسة في نهاية اليوم الدراسي وشعروا بالإرهاق أكثر من الطلاب؛ فهذا يعني أنَّهم لم ينجزوا عملهم كما يجب"، ويعني ذلك أنَّه يتوجب على المعلمين إيجاد طريقة لجعل الطلاب يقومون بالأعمال الصعبة المتمثِّلة فيما وراء المعرفة، كما ويجب على الطلاب أن يقبلوا التحدي ويكونوا فضوليين في تحديد الأمور التي تنجح أو لا تنجح في خطط تعلُّمهم الشخصية.

قد يتضمن تعزيز أسلوب ما وراء المعرفة التعرف إلى طريقة عمل الدماغ، وما الذي يعنيه مصطلح ما وراء المعرفة، وأساليب التعلم المختلفة جميعها، ويُعدُّ التحلي بالفضول حول اكتشاف وتحديد نقاط قوَّتك الشخصية وأساليب التعلم التي تفضلها أمراً هاماً جداً في تعزيز مهارات ما وراء المعرفة.

3. التنظيم الذاتي:

إذا كان الطلاب سيصبحون متعلمين منظمين ذاتياً، فيجب عليهم البدء في تحديد أهدافهم الخاصة، ثمَّ التفكير في طرائق لتحقيق تلك الأهداف.

شاهد بالفيديو: 7 خطوات لجعل التعلم الذاتي فعالاً

9 طرائق لجعل التعلم ذاتي التنظيم أكثر فاعلية:

الآن بعد أن تعرفتَ إلى العناصر الهامة للتعلم ذاتي التنظيم، نُقدِّم إليك 9 طرائق يمكِنك من خلالها جعل التعلم ذاتي التنظيم أكثر فاعليةً بالنسبة إليك:

1. تغيير طريقة تفكيرك بشأن التعلم:

الطريقة الأولى لتصبح متعلماً ذاتي التنظيم هي تغيير طريقة تفكيرك حول سبب تعلُّمك أساساً. فبدلاً من القيام بواجباتك المدرسية لأنَّ المعلم يطلب ذلك، أو لأنَّك تريد الحصول على أعلى معدل، حاوِل الاتجاه نحو التعلم لإرضاء فضولك، والتعلُّم رغبةً بذلك.

قد يسهل عليك هذا الأمر أحياناً، لا سيَّما عندما تتعلَّم شيئاً اخترتَه بنفسك؛ إلا أنَّه يمكِن أن يكون الأمر أصعب أحياناً أخرى، كأن تنجز واجباً محدداً أسنده إليك مُعلِّمك.

حاوِل إيجاد طريقتك الخاصة للقيام بها قبل إنجاز واجبك دون تفكير، واكتشِف الأمور الجيدة المتعلقة بالموضوع الذي تعمل عليه، وتمسَّك بذلك عند إنجاز مهمتك. صحيح أنَّ إنجازها هام لتتمكن من التخرج؛ ولكن من خلال العثور على الأمور الممتعة التي تهمك، ستكون قادراً على البدء في تجربة نوع أكثر تنظيماً ذاتياً من التعلم.

2. اكتشاف أساليب التعلم المختلفة:

يوجد العديد من الطرائق المختلفة للتعلم وهي: التعلم السمعي، والتعلم البصري، والتعلم المكاني، والتعلم الحسي الحركي. فتعرَّف إلى هذه الأنماط فيما يلي، وحدِّد أيُّها يُعدُّ أكثر فاعلية بالنسبة إليك.

3. تعلُّم كيفية نجاح عملية التعلم:

توجد طريقة أخرى رائعة لتصبح متعلماً أكثر تنظيماً ذاتياً، وهي أن تتعلم كيفية نجاح عملية التعلم، فاقرأ عن العلوم المعرفية وعلم النفس لمعرفة طريقة تكوين الذكريات، والاحتفاظ بالمعلومات، ومدى تأثير العواطف في تعلُّمنا، كما يجب عليك أن تفهم الأدوات المتاحة لديك قبل أن تتمكن من استخدامها على النحو الأمثل.

4. التعمق في عملية التعلم:

أجرِ جرداً لعملية التعلم الخاصة بك، وحدِّد الوقت الذي كنتَ فيه أكثر وأقل نجاحاً في تعلُّمك؛ فما هي مادتك المفضلة؟ ولماذا اخترتَها؟ ومتى فقدتَ اهتمامك بمادة ما؟ ولماذا فقدتَ اهتمامك بها؟ واسأل نفسك أسئلةً صعبة حول طريقة تعلُّمك، حتى تتمكن من المضي قدماً بطريقة أكثر استراتيجية.

إقرأ أيضاً: كيف تصبح ذاتي التعلم بطرائق بسيطة؟

5. البحث عن شخص يخبرك الحقائق كما هي:

من المفيد جداً إيجاد شخص يمكِن أن يكون صادقاً في إخبارك نقاط قوَّتك وضعفك في التعلم. فابحث عن شخص تثق بأن يخبرك بمدى تقدُّمك في التعلم بصدق؛ وإذا كنتَ تفتقر إلى الوعي الذاتي حول أسلوب تعلُّمك وقدراتك، فمن الصعب أن تكون متعلماً ذاتي التنظيم؛ لذا اعمل مع شخص آخر لتصبح مدركاً لذاتك أكثر.

6. وضع بعض الأهداف الذكية:

يُعدُّ وضع أهداف ذكية محددة، وقابلة للقياس، ويمكِن تحقيقها، ومناسبة، ومؤطرة بإطار زمني، طريقةً رائعةً لتصبح متعلماً ذاتي التنظيم.

على سبيل المثال: بدلاً من قول: "أريد التحسن في تعلُّم اللغة الإسبانية"، يمكِنك وضع هدف ذكي بقولك: "أريد حفظ 100 كلمة جديدة من المفردات الإسبانية بحلول الأسبوع القادم"؛ حيث يمكِنك اختبار نفسك في الأسبوع القادم وقياس فيما إذا كنتَ قد حققتَ هدفك أم لا.

من الصعب أن نلاحظ مدى تقدُّمنا وتعلُّمنا عندما يكون هدفنا غير واضح؛ لهذا السبب، يمنحك وضع أهداف ذكية مقياساً واضحاً لتعلُّمك.

7. التمعُّن في تقدُّمك:

لا تعني الأهداف الكثير ما لم تَقِس تقدُّمك بين فترة وأخرى. فخصِّص وقتاً كافياً لتحديد فيما إذا كنتَ قد حققتَ أهداف التعلم الذكية الخاصة بك أم لم تحققها، ولماذا حققتَها، أو لماذا لم تحققها؛ حيث يُعدُّ التفكير الذاتي طريقةً رائعةً لتعزيز الوعي الذاتي، وهي طريقة جيدة أيضاً لتصبح متعلماً ذاتي التنظيم.

8. البحث عن رفاق المساءلة:

لقد آن الأوان للعثور على بعض الأشخاص الجديرين بالثقة لمساعدتك في أن تكون مسؤولاً عن تعلُّمك. ويُعدُّ تحقيق التقدم في التعلم مسؤوليتك عندما تكون متعلماً ذاتي التنظيم، ولكن لا بأس بأن يكون لديك بعض الأصدقاء الذين يعرفون ما هي أهدافك؛ بحيث يمكِنك اللجوء إليهم لمناقشة تقدُّمك في التعلم وبقائك متحفزاً.

إقرأ أيضاً: مراحل التعلم الثلاث التي تساعدك على التعلم بفاعلية

9. الصراحة والوضوح:

يساعدنا إخبار الآخرين عن أهدافنا على تحقيقها؛ لذا جِد طريقةً تجعل أهدافك التعليمية معروفة، وهذا يعني إخبار رفاق المساءلة، أو مُعلِّمك، أو ربما مجموعة أصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي عنها. ويجب أن تعلم أنَّه من المحتمل أن تنجح في تحقيق أهدافك عندما لا تكون الشخص الوحيد الذي يعرفها.

شاهد بالفيديو: 9 خطوات لجعل التعلم ذاتي التنظيم أكثر فاعلية

أفكار أخيرة:

يُعدُّ التعلمُ ذاتي التنظيم التعلمَ من أجل التعلمِ. لذلك، غيِّر موقفك بالكامل فيما يتعلق بالأسباب التي تدفعك نحو التعلم في الأساس، واختر الأمور التي تريد معرفة المزيد عنها، أو ابدأ بالأمور التي تثير اهتمامك أكثر عندما تُكَلَّف بمادة أو مشروع ما.

بعد ذلك، ضع أهدافاً ذكيةً، وراقِب التقدم الذي أحرزتَه بصورة دائمة؛ حيث يُعدُّ الإدراك الذاتي مهارةً يمكِن ممارستها وتحسينها؛ واجعل من التعلم وظيفتك ومسؤوليتك، وستصبح متعلماً ذاتي التنظيم.

لن تحتاج أبداً إلى إلقاء اللائمة على شخص أو أمر ما عندما تواجه صعوبةً في التعلم. وبدلاً من ذلك، ستتمكن من خلال الإدراك الذاتي والقدرات اللازمة من التعامل مع التعلم، وإيجاد طريقة للمضي قدماً بغضِّ النظر عن وضعك الحالي والقيود التي تعوقك.

المصدر




مقالات مرتبطة