6 طرق بسيطة لزيادة الوعي واليقظة في الحياة اليومية

كوني طبيبة نفسية وأمارس التأمل؛ أقابل عدة أشخاص سمعوا بفوائد التأمل وميزاته ويرغبون في التزام ممارسته يومياً كي يساعدهم على الشعور براحة واسترخاء أكبر.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "إرين فالكونر" (Erin Falconer)، وتُحدِّثنا فيه عن أهم الطرائق لممارسة التأمل وزيادة الوعي والانتباه في أثناء ممارسة أعمالنا اليومية.

قد يتحجج بعضُهم بأنَّ حياته حافلة بالمشاغل ولا يوجد وقتٌ فيها لممارسة التأمل، ولكن لحسن الحظ ليس عليك أن تقضي ساعاتٍ كلَّ يوم معتكفاً في مكان معزول كي تحصل على تلك الفوائد الكثيرة والهامة للتأمل؛ بل على النقيض من ذلك يمكنك استثمار التجارب والأحداث التي تمرُّ بها يومياً بوصفها فرصاً للتدرب على التأمل؛ كي تزيد من إدراكك ويقظتك وارتباطك باللحظة الراهنة التي تعيشها؛ وذلك من خلال الطرائق الآتية:

1. ممارسة القيادة اليَقِظة:

أعيش في مدينة "لوس أنجلِس" (Los Angeles) حَيثُ تتمحور الحياة اليومية حول تقلُّبات الحركة المرورية في ساعة الازدحام؛ لذا لا داعي للقول إنَّني أقضي كثيراً من الوقت داخل سيارتي، وقد اعتدتُ الشعور بالانزعاج والغضب والاستياء خلال هذا الوقت، أمَّا الآن فأستثمره على أنَّه فرصة لممارسة التأمل.

اكتبْ كلمة (قُدْ بوعي ويقظة) على بطاقة صغيرة وعلِّقْها على عجلة القيادة الخاصة بك لتذكير نفسك بالتمرين الجديد الذي عليك التدرب عليه، وأطفئ الراديو وضع هاتفك المحمول بعيداً، وحاول خلال القيادة أن تنتبه وتركز جيداً على الأحاسيس التي تتجاهلها عادةً، وجرب أن تفكر بمدى راحتك في أثناء جلوسك في مقعد سيارتك، سواء كان ذلك المقعد قاسياً أم مريحاً، وبكيفية إمساكك لعجلة القيادة، وبالأصوات التي تسمعها صادرةً عن سيارتك وقادمةً من الخارج عبر النافذة، وانظر إن كان الطريق مُعبَّداً حديثاً أم مليئاً بالحُفر.

حين أقود بهذه الطريقة أجدُ أنَّ قيادة السيارة تصبح تجربة أكثر هدوءاً وراحة بكثير، حتَّى لو كنتُ عالقةً في زحمة المرور.

2. التدرب على تناول الطعام بيقظة وانتباه:

حاول أن تتناول طعامك فحسب دون ممارسة أي نشاطٍ آخر خلال ذلك، مبتعداً عن التهامه بسرعةٍ خلال قراءة الصحيفة أو مشاهدة التلفاز أو الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو غيرها من الأمور التي تُلهيك عن التركيز على طعامك ومدى لذَّته، وجرِّب أن تتناوله ببطء قدرَ الإمكان.

حاول أن تشعر بمذاق اللقمة الأولى، وإن كانت مختلفةً عن اللقمة التي تليها، ومتى ستلتقط الشوكة لتناول اللقمة التالية، وفكر كذلك بالصوت الذي يصدر عن الطعام حين تمضغه وبشعورك في أثناء بلع ذلك الطعام، كذلك يمكنك حتَّى أن تنقل الأمر إلى مستوىً أعلى وتحاول أن تتخيل منشأ طعامك؛ فمثلاً إن كنت تشرب فنجاناً من القهوة يمكنك أن تتخيل من أين جاءت حبات القهوة ومَنْ الذي قطفها وأين حُمِّصَت وكيفَ شُحِنَت إلى المتجر الذي اشتريتَها منه.

شاهد بالفديو: 6 خطوات لممارسة تأملات اليقظة الذهنية

3. التدرب على عدم ترك أي أثر:

سأعترفُ بأنَّني أسمحُ للفوضى بالتراكم والتبعثر داخل منزلي حين أغرق في مسؤوليات الحياة اليومية وأنشغل للغاية؛ لذا قررتُ اختيار غرفةٍ واحدة فقط من غرف المنزل؛ ومن ثمَّ تطبيق قاعدة (عدم ترك أي أثرٍ) فيها، وقد اخترتُ أولاً المطبخ؛ وتعني تلك القاعدة أنَّني سأحاول عندما أغادره أن أتركه تماماً كما كان عندما دخلتُه، كما لو أنَّني لم أكنْ هنا من قبل.

مثلاً بعد تناول الطعام أغسل الصحن والملعقة وأجففهما، ثمَّ أعيدهما إلى خزانة الصحون، وكذلك إن أعددتُ العشاء، لا أنتظر حتَّى وقتٍ لاحق من تلك الليلة أو حتى اليوم التالي كي أنظف الفوضى التي أحدثتُها؛ بل أنظفها وأرتب المطبخ مباشرةً في الوقت نفسه، وإن أوقعتُ شيئاً على الأرض من دون قصد أحضر منشفةً وأمسحه مباشرة قبل فعل أي شيءٍ آخر.

يمكن لهذا التمرين أو العادة مساعدتك على أن تصبح أكثر وعياً وانتباهاً للتأثير الذي تمتلكه في بيئتك، ومن المُرجَّح أن يجعل أيَّ شخصٍ يعيش معك سعيداً للغاية أيضاً.

4. التدرُّب على الإصغاء بانتباه ووعي:

غالباً ما يصغي جزءٌ واحد فقط من أذهاننا حين نستمع إلى حديث شخصٍ آخر، في حين يكون الجزء الآخر مشغولاً بالتفكير فيما سنقوله رداً على ما يُقال، أو إطلاق الأحكام بشأن موافقتنا لذلك الكلام أم لا، أو حتَّى مستغرقاً في أحلام اليقظة عن شيءٍ مختلف كلياً عما يتحدث عنه، بدلاً من ذلك حاول التدرب على الإصغاء جيداً لِما يقوله الشخص الذي أمامك كما لو أنَّك إسفنجةٌ تمتص تلك الكلمات، وانتبهْ وركِّز جيداً على أحاسيسك ومشاعرك الجسدية فيما تستمع إلى كلامه، وحاول تحديدها ومعرفة طبيعتها؛ سواء كانت مشاعر حماسة أم توتر أم هدوء وراحة، وانتبه كذلك إلى صوت الشخص الذي يتحدث ولغة جسده وأسلوبه ونبرة صوته، وتخيَّل المشاعر والعواطف التي يحاول التعبير عنها في أثناء كلامه.

أفضل ما في هذا التمرين هو أنَّك تمنح هديةً للشخص الآخر؛ فمن النادر جداً أن يلقى الإنسان اهتماماً كاملاً من شخصٍ آخر.

إقرأ أيضاً: 8 أنواع للإصغاء لتحسين تواصلك مع الآخرين

5. التدرب على الانتظار بيقظة ووعي:

ربَّما هذا تمريني المُفضَّل؛ لأنَّنا عادةً ما ننظر إلى الساعات التي نقضيها بانتظار شيءٍ ما على أنَّها مضيعة كبيرةٍ لوقتنا؛ لكنَّها في الواقع فرصةٌ لك للتوقف مؤقَّتاً عن جميع انشغالاتك ومراقبة ما حولك ومحاولة أن تكون يقظاً ومتنبهاً.

في المرة القادمة التي تقف فيها في طابور أو تجلس في غرفة الانتظار في عيادة طبيبك أو تجلس في مطعمٍ ما بانتظار قدوم أصدقائك حاول استثمار ذلك الوقت بأن تكون متنبهاً ويقظاً لكل ما حولك، وراقب مشاعرك وأحاسيسك التي تسري داخل جسدك دون إطلاق أي أحكام عليها، وحاول تحديد طبيعتها إن كانت حماسةً أم مللاً، وجرب كذلك تحديد مكانها داخل جسدك، ومعرفة إن كانت تبدو مثل ضيقٍ في صدرك أم طنينٍ داخل رأسك.

يمكنك حتى أن تتدرب على توجيه انتباهك وتركيزك نحو شيءٍ محايد كأصوات تنفُّسك أو الأصوات المحيطة بك؛ فحين يتشتت ذهنُك ولا تجد ما تفكر فيه، أعدْه إليك لتعيشَ لحظتك الراهنة وتستمتعَ بكل ما فيها.

إقرأ أيضاً: 7 طرق مثبتة علمياً لزيادة اليقظة والانتباه والتركيز

6. الرد على الهاتف بانتباه ويقظة:

غالباً ما نسارع للرد على الهاتف بعجلة حين نسمعه يرن، ولكن عليك أن تتدرب على التوقف قليلاً وأخذ نفسَين عميقَين قبل الرد على الهاتف بدلاً من ذلك؛ إذاً توقف برهةً وخُذْ نفساً عميقاً، ثمَّ زفيراً عميقاً، وكرر ذلك مرة أخرى قبل الرد عليه.

لاحظ ما تمرُّ به في هذه الثواني القليلة، وانظر إن كنتَ تشعر بالحماسة تجاه هوية المتصل أم القلقِ والتوتر إزاء المهمة أو الالتزام الذي قد تفرضه عليك هذه المكالمة؛ فكلُّ ما عليه فعلُه هو التوقف وملاحظة مشاعرك فحسب؛ ومن ثمَّ يمكنك المتابعة للرد على الهاتف.

في الختام:

كما ترى لا ينبغي أن تكون اليقظة الكاملة فكرةً صعبة الفهم أو مجردةً وغير واضحة، ولا تحتاج إلى تخصيص وقتٍ إضافي خلال يومك لممارستها، وستلاحظ الفوائد الجمَّة بمُجرَّد أن تبدأ بممارسة هذه العادات البسيطة؛ فاليقظة الكاملة مهارةٌ يمكنك تطويرها وتحسينها، وعندما تعمل على ذلك ستبدأ بملاحظة الأفراح والبهجات الصغيرة التي كنتَ تغفل عنها سابقاً خلال يومك وتقديرها.




مقالات مرتبطة