6 أمور يحتاجُها الناس لتحسين صحتهم النفسية

يمكن لمؤثِّرِك المُفضَّل أن ينشر صوراً وفيديوهات على تطبيق إنستغرام "Instagram" تتعلق بالعناية بالذات طوالَ اليوم عارضاً صوراً ساحرة عن حمامات الفقاعات والخلوات في أثناء العُطَل لممارسة التأمُّل مثلاً، كما يمكن للقادة في جميع أنحاء البلاد أن يتشدَّقوا بالكلام والوعود الفارغة المتعلقة بالحاجة إلى معالجة الصحة النفسية للناس والعناية بها.



كذلك يمكن لأيِّ شركةٍ إرسال بريد إلكتروني لمُوظَّفيها لاستذكار شهر التوعية بالصحة النفسية "Mental Health Awareness Month" والاحتفاء به، إلَّا أنَّ التغييرات الحقيقية للصحة النفسية والعقلية تبدو مختلفةً كثيراً عمَّا سبق.

يُقدَّر أنَّ 1 من كل 4 بالغين أمريكيين يعانون حالة مرضية نفسية، ومن المُحتمَل أن تكون أزمة كوفيد-19 "COVID-19" قد فاقمَت ذلك الرقم مؤديةً إلى ما يُسميه خبراء الصحة النفسية باللُّغة العامية "جائحةً ثانية"؛ فقد أثَّر الاحتراقُ النفسي ومشكلات إدمان الكحول والاكتئاب والقلق والحزن وغيرها في ملايين الأمريكيين خلال العامَين الماضيَين.

بالإضافة إلى ذلك ازدادَ القلق بخصوص الصحة النفسية للأطفال، ممَّا عقَّد الوضع القاتم والكئيب الموجود من قبل، وزاد من صعوبته، ودفع الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال "American Academy of Pediatrics" وغيرَها من المجموعات الطبية الأخرى لإعلان حالة الطوارئ الوطنية في مجال الصحة النفسية عندَ الشباب، ويعرف أعظم خبراء الصحة النفسية والعقلية طرائق لمعالجة المشكلات السابقة، لكنَّ تحقيق ذلك أصعب بكثير في ظلِّ بحرٍ من الآراء السياسية المُختلِفة ونقصِ التمويل وكذلك نقص مُوظَّفي الرعاية الصحية وغيرها من العقبات الأخرى. 

نُورِد فيما يأتي قليلاً فقط من التغييرات الحقيقية التي يشير اختصاصيو الصحة النفسية إلى حاجتنا إليها لتنبعَ من داخل أنفسنا، في منازلنا وفي جميع أنحاء البلاد الآن:

أولاً: تعلُّمُ استراتيجيات التأقلم والتكيُّف في سنٍ مبكرة

من المُحتمَل أنَّك لم تتعلَّم باكراً كيفية التنفُّس بعُمق لتخليص نفسِك من الضغط النفسيّ خلال المواقف المُجهِدة والباعثة على التوتر، هذا ما أشارت إليه الطبيبة النفسية التعليمية "رينا ب. باتيل - Reena B. Patel" مُحلِّلةُ السلوك المُجازة والحائزة على شهادة البورد ومؤلِّفة كتاب "ويني ومخاوِفُها - Winnie & Her Worries" وهي تعلِّم الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارُهم الثلاثَ سنواتٍ كيفيةَ تجزئة المشكلات وترتيبها وتخفيف القلق من خلال برامجها الخاصة، مصرِّحةً بضرورة وجود مزيد من الأنظمة التعليمية المُماثِلة.

فقالَت: "نحنُ بحاجةٍ إلى ابتكار طرائق علاجية للتعامل أو التكيُّف مع الضغوطات وعوامل التوتر اليومية التي يتعرَّض لها الشباب في سنٍّ مبكِّرة؛ وأنا أفهم المراهقين وأعلم أنَّ الأمرَ صعبٌ للغاية بالنسبة إليهم؛ لأنَّهم أنشؤوا لأنفسهم آليات تأقلم ضعيفة وسيئة، ومن ثمَّ يكبُر هؤلاء المُراهقون ليُصبحوا بالغين ونجدَ أنفسَنا في هذه المشكلة الكبيرة".

تريد د. باتيل من الآباء أن يتوقَّفوا عن محاولة إنقاذ أطفالهم الصغار من المواقف الصعبة وحلِّ مشكلاتهم بدلاً من مساعدتهم على التعامل مع تلك المواقف ومعالجتها بأنفسهم بتوجيهٍ منهم، بالإضافة إلى تغييرٍ هامٍّ آخر يشمل كيفية تعامل الآباء شخصياً مع الضغط النفسي الذي يتعرضون له لأنَّ أطفالهم يُشاهدونهم ويتعلَّمون منهم.

شاهد: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

ثانياً: التعلُّم الاجتماعي العاطفي الإلزامي

لا تنسجم هيكلية المدارس وتنظيمها حالياً مع طريقة عيشِنا في الوقت الراهن، وذلك وفقاً للدكتورة "بيثاني كوك" (Bethany Cook) وهي اختصاصية نفسية سريرية مُجازة في مدينة شيكاغو "Chicago"، وقد أوضحَت أنَّ هذا النظام أُنشِئَ ليناسب مجتمعاً زراعيَّاً وليس لمزيجٍ واسع من الأفراد المتنوِّعين عصبياً، ومن ذلك أولئك الذين يُعانون اضطراباتٍ في الصحة النفسية كاضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط .

سيسمحُ إدخالُ التعليم الاجتماعي العاطفي حيِّزَ التنفيذ في جميع المدارس للشباب بالنجاح والازدهار بطريقة أفضل ضمنَ بيئة تعليمية، وسيُلبِّي هذا التعليمُ احتياجات الأطفال الاجتماعية والعاطفية والسلوكية والصحية النفسية، كما أنَّه سيشمل وفقاً للدكتورة كوك زيادةَ فُرَص الحصول على موارد واستراتيجيات الصحة النفسية والتثقيف بشأنها، وذلك بدءاً من آليات التأقلُم كالتنفُّس العميق وصولاً إلى زيادة تدريب مُوظَّفي المدارس على التعامل مع الاهتمامات والشؤون الاجتماعية والعاطفية.

حالياً تُطبِّق نحو 3 من كل 4 مدارس نظامَ التعليم الاجتماعي العاطفي وتعلِّمُه في أنحاء البلاد كافَّة وذلك وفقاً لاستطلاعٍ أجراه مركز "إديوكيشن ويك - Education Week" للبحوث.

ثالثاً: تخصيص أيام مدفوعة الأجر للعافية النفسية وتحسين مرونة العمل

صرَّحَت د. باتيل عن حاجة كلٍّ من الطلاب والبالغين إلى أيامٍ مُخصَّصة للصحة النفسية ولا ترتبط هذه الأيام بأيام المرض بأي شكلٍ من الأشكال أيضاً، قائلةً: "يجب على الشركات فعلاً الفصل بين هذين النوعين من الإجازات في سياسات قسم الموارد البشرية وقوانينه، بالإضافة إلى الإشادة بأفرادها والثناء عليهم ودعمهم؛ ليأخذوا وقتهم لإعادة تنشيط أنفسهم وترميم صحتهم النفسية"، مؤكِّدةً أنَّه لا ينبغي على المُوظَّفين إخفاء حاجتهم إلى أيامٍ يستعيدون فيها عافيتَهم النفسية تحت حجة المرض أو أي عذرٍ آخر.

كما أوضحت د. باتيل: "لا يُعدُّ يومُ الاستراحة الذي تأخذُه في سبيل استعادة عافيتك النفسية عطلةً لأنَّك تُعاني من الزُّكام، كما أنَّه ليس يوم استراحةٍ شخصيٍّ لك لشعورك بتعبٍ شديد؛ بل هو يومٌ تحتاج إليه فعلياً لمساعدة نفسِك ومساعدة الأفراد من حولك" مع الإشارة إلى أنَّه سيكون من المثالي أيضاً توفيرُ الموارد أو النصائح والمَشورات التي من شأنها أن تساعد على تعزيز العافية النفسية للشخص.

تشمل التوصيات الأخرى المبنيَّة على الصحة النفسية الانتقالَ إلى نظامِ أسبوع عمل مدَّتُه أربعة أيام فقط، وتشير د.كوك إلى أنَّه أمرٌ أساسيٌّ وضروري للغاية إلى جانب مرونة العمل قائلةً: "دَعِ الناس يعملون حين يرغبون في ذلك".

رابعاً: تجديدٌ إعلاميٌّ شامل

تُشجع د. باتيل على رؤيةِ المشاهير مثل المُغنِّية سيلينا غوميز "Selena Gomez" والممثِّلة الأمريكية آشلي جاد "Ashley Judd" وهما تتحدثان عن صراع الصحة النفسية وصعوباتها علناً، وتؤمِّلُ في أن تصبح العروض التلفزيونية الأخرى أكثرَ شيوعاً أيضاً كالإعلانات التجارية الواقعية التي تصوِّرُ ما يبدو عليه حقاً العيشُ في ظل الإصابة بحالة مرضية نفسية.

تقول د. باتيل إنَّ الناس ينبغي أن يروا حالات واقعية في أنواع الوسائط الإعلامية جميعها، مع الملاحظة أنَّ بعض الإعلانات التجارية للصحة النفسية ينبغي أن تعرضَ مثلاً صورة لأمٍّ تركض فرِحةً مع أطفالها في الأرجاء بدلاً من التحديق بحُزن من نافذتها.

كما تلعب المعايير الجمالية غير الواقعية دوراً هُنا أيضاً، وأضافَت د.كوك أنَّ المشكلات الإضافية المتعلِّقة بوسائط الإعلام تدور حول الصور غير الواقعية التي تقدِّمُها تلك الوسائط قائلةً: "هل يمكننا أن نتوقَّف عن تجميل عارضات الأزياء وتغطية عيوبهنَّ؟ أتفهَّم جيداً أنَّه أمرٌ مستحيل، لكنَّ ذلك كلَّه يؤثِّر في الصحة النفسية".

يمكن للعملاء دعمُ الشركات التي تعهَّدَت بالتوقُّف عن إجراء التعديل على صور عارضات الأزياء وتجميلها بطريقة غير واقعية، وكذلك يمكنهم إعادة تقييم مُوجَز أو خلاصات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم للتشجيع على زيادة التعرُّض لرؤية الأجسام الحقيقية دون أي تعديل.

كما أنَّ متابعة المؤثِّرين الذين يُشبهونك من الناحية الشكلية، قد تساعدك على إعادة تجديد دماغك وبرمجته لرؤية جسمك على حقيقته الطبيعية الفِعلية، والتقليل من الضغوطات النفسية التي تُعاني منها من أجل اتباع أشياء غير صحية للحصول على أجسامٍ مُعدَّلة وغير حقيقية فعلياً.

شاهد أيضاً: فوائد الرياضة على الصحة النفسية

خامساً: إجازة أمومة مدفوعة الأجر مع توافر خياراتٍ أفضل لحضانة الأطفال

لقد كشفَت الجائحة عن مأزق الوضع الخاسر في جميع الحالات التي يواجهُها الوالدَين - والأمهات على وجه الخصوص - يومياً، وتُشير د.كوك إلى أنَّ جزءاً من الحل لتخفيف صراعات الصحة النفسية التي يُعانيها الآباء هي إجازة أمومة لا تقل عن سنة واحدة، بالإضافة إلى توسيع خيارات حضانة الأطفال النهارية لمساعدتهم على الاعتناء بصغارهم في أثناء العمل.

تقترحُ إنشاءَها ضمنَ الشركات التي يعمل فيها الآباء أو بالقرب منها قائلةً: "يحتاج الآباء إلى بناء الرابط الذي يقرِّبُهم من أطفالهم، وكذلك من الهام أن يشعر الأطفال بالتواصل معهم، وحين تكون الحضانة النهارية قريبةً من المكان الذي يعمل فيه الشخص، يمكنه عندَها أخذُ استراحةٍ قصيرة والذهاب لإلقاء التحية على طفلِه مع إمكانية رؤيته والاطمئنان عليه إن كان مريضاً مثلاً، أو يمكنهم تناول الغداء معاً".

هذا من شأنه أن يُزيلَ مشكلة إجبار الأمهات مُكرَهاتٍ على العودة إلى العمل قبل أن يكُنَّ مستعداتٍ لذلك تماماً، وكذلك مشكلةَ إقحام الطفل في جوِّ الحضانة النهارية في وقت مبكر جداً من عُمره.

لقد تضمَّنت الأفكار الإضافية لإصلاح حضانات الأطفال النهارية أو تحسين وضعَها في مراكز كبار السن لِما تعود به من فوائد عاطفية على كلٍّ من الأمريكيين الأصغر والأكبر سناً، بالإضافة إلى الرعاية الصحية المموَّلة فدرالياً ممَّا يخفِّف من الأعباء المالية.

إقرأ أيضاً: علم الصحة النفسية: أهميته ومجالاته ومظاهره

سادساً: معالجة أوجه عدم المساواة فيما يخصُّ الإسكان والرعاية الصحية والحصول على الغذاء وغيرها

على الرَّغم من أنَّ الأشخاص الذين يُواجهون تحدياتٍ في صحتهم النفسية قد يعملون بجدٍّ لتفادي ظروفهم الصعبة وتحسينها قدرَ الإمكان، إلَّا أنَّ عدم المساواة يمكن أن يصعِّب من ذلك أو يجعلَه مستحيلاً حتَّى؛ وذلك لأنَّ انخفاض قدرة الناس على الوصول إلى الرعاية الصحية والغذاء والحصول على المسكن المُناسِب وغيرها، يثبِّط كثيراً من قدرتهم على معالجة صحتهم النفسية أو تحسينها، وهذا يشمل بالتأكيد قدرتَهم على الوصول إلى العلاجات والأدوية.

تشير د.كوك إلى الحاجةِ الضرورية إلى وجود مَرافِق للصحة النفسية مُموَّلة من الحكومة وتديرُها الجامعات ومراكز البحوث؛ إذ يمكن لتأمينِ مصدرِ مساعدةٍ حسنِ السُّمعة وسهل الوصول أن يساعدَ الناسَ على الحصول على الرعاية التي يحتاجونها حقاً.

كما أشارَت د.كوك إلى ضرورة إجراء إصلاحاتٍ وتحسيناتٍ حين يتعلق الأمرُ بالتأمين، فقد شهِدَت مباشرةً كيف يمكن للتأمين أن يتسبَّب بوضع عوائق كثيرة أمام المرضى ومُقدِّمي الرعاية الصحية، وتؤمِّل في تغيير الرقابة المسؤولة؛ لتقليل عدد حالات رفض تقديم العلاج للمرضى.

تُردِف د.كوك قائلةً: "أودُّ أيضاً أن يُدفع التأمين مقابلَ الرعاية المُبتكَرة"، بالإضافة إلى إزالة أي قيودٍ أو شروط مفروضة على الرعاية الصحية النفسية، التي من شأنها مثلاً أن تحدَّ من عدد الزيارات العلاجية للطبيب النفسي التي يستطيع المريض تغطيتها ودفع أجرها.

إقرأ أيضاً: عادات يوميّة تؤدي لتدمير الصحة النفسيّة للإنسان

في الختام:

الترهات والعبارات المُبتذَلة المتعلقة بالاعتناء بنفسك وإعطاء الأولوية لصحتك النفسية والعقلية تصلحُ إلى حدٍّ ما فقط؛ لذا فإنَّنا بحاجةٍ إلى تغييرات حقيقية بالإضافة إلى تفعيل إمكانية الوصول إلى الموارد المتوافرة من أجل إحداث نقلةٍ حقيقية في الصحة النفسية للناس حالاً.

المصدر




مقالات مرتبطة