5 مبادئ أساسية لبناء فريق ناجح

أعتقد أنَّ ثمة قيماً عديدة في الرياضة يمكن الاستفادة منها في عديد من جوانب الحياة الأخرى، على سبيل المثال، يستخدم بناء فريق ناجح في الرياضات مفاهيم يمكن أن يستخدمها القادة في أي نشاط.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "بات سوليفان" (Pat Sullivan)، ويُحدِّثنا فيه عن 5 مبادئ أساسية لبناء فريق ناجح.

سأشارك في هذا المقال خمسة مبادئ تؤدي دوراً هاماً في بناء الفريق في عالم الرياضة:

1. الاهتمام الصادق بأعضاء الفريق:

يجب على الكوتشز في الرياضة أن يطالبوا لاعبيهم ببذل جهد جسدي كبير كل يوم في أثناء التدريبات، فبرأي "جون وودن" (John Wooden) مدرِّب كرة السلة المرموق من "جامعة كاليفورنيا" (UCLA) "لا بديل للعمل الجاد"، ويُثبت ذلك لاعبوه الذين صدَّقوه وفازوا بسبع بطولات لكرة السلة على التوالي، وعشرٍ في السنوات الاثني عشر الماضية التي قدَّم لهم الكوتشينغ خلالها.

توجد أسباب متعدِّدة ليبذل اللاعبون الجهد من أجل من يقدِّمون لهم الكوتشينغ، لكنَّني أعتقد أنَّ السبب الأهم هو أنَّهم يعرفون أنَّ الكوتشز يهتمُّون بهم لأكثر من مجرد كونهم لاعبين في فريقهم.

يشارك "ريك ماجيروس" (Rick Majerus) كوتش كرة السلة في "جامعة يوتا" (University of Utah)، و"جامعة سانت لويس" (St. Louis University)، مع زملائه الكوتشز الآخرين اقتباس المؤلِّف "جون ماكسويل" (John Maxwell) الشهير: "لا يهتم الناس كم تعرف حتى يعرفوا كم تهتم".

فقد حضرتُ عدة تدريبات لـ "ريك"، وكانت أخلاقيات العمل لدى لاعبيه مثالية، لأنَّ الشباب كانوا يعرفون مقدار اهتمامه بهم، وأحدهم كان اللاعب "أندريه ميلر" (Andre Miller) الذي يتمتَّع بمسيرة رائعة في الدوري الأميركي للمحترفين.

فقد كنَّا معاً في شيكاغو ذات ليلة عندما اضطر "ريك" إلى المغادرة في رحلة مبكِّرة في صباح اليوم التالي، لأنَّه عندما انضم "ميلر" إلى فريقه وعده هو وأمه أنَّه سيحضر تخرجه.

كان علينا تأديب أحد لاعبينا وتحديد عدد جولات الجري التي يجب عليه ركضها، لكن كان لدي موعد، لذلك قام الكوتش المساعد "جاك هيرمانسكي" (Jack Hermanski) بتنفيذ العقوبة لمدة ساعة، فظلَّ الرياضي لسنوات بعدها يتصل بـ"جاك" ويلعنه بسبب تلك العقوبة، لكنَّه أنهى كل هذه المكالمات بقوله: "أحبك يا كوتش"، لأنَّه كان يعرف ويقدِّر مقدار اهتمام "جاك" به، على الرَّغم من كل الجري الذي فرضه عليه بوصفه عقوبة.

2. روح الفريق:

أكد "بيل راسل " (Bill Russell) لاعب فريق "بوسطن سيلتيك" (Boston Celtic) العظيم أنَّ زملائه الذين فازوا بإحدى عشر بطولة في "الدوري الأميركي للمحترفين" (NBA) في المواسم الثلاثة عشر التي لعبها في بوسطن، عندما يدخلون الملعب ينسون غرورهم الفردي ويستبدلونه بروح الفريق.

فبالنسبة إلى فريق "سيلتيك" كان يجب على الخصم أن يقدِّم أداءً مذهلاً كي يهزمهم، لأنَّهم كانوا يدخلون الملعب عازمين على تقديم أفضل ما لديهم، فيعلمون أنَّهم لن يفوزوا في كل مباراة، ولم يكونوا مغرورين بأنفسهم، لكنَّهم كانوا يعلمون أنَّهم سيلعبون بقوة وذكاء، وبصفتهم فريقاً واحداً.

يعرف الكوتش متى يؤمن فريقه بروح الفريق، فقد درَّبت لاعباً كان يحقق أفضل النتائج في "مؤتمر شيكاغو لاند الرياضي الجماعي" (Chicagoland Collegiate Athletic Conference)، فإنَّ إنهاء الموسم متصدِّراً مثل هذا المؤتمر المحترم في تسجيل الأهداف شرف كبير.

كنَّا سنلعب ضد أضعف فريق في المؤتمر، لذلك كان في إمكان لاعبنا زيادة معدل نقاطه زيادةً ملحوظة وترك فارق أكبر بينه وبين اللاعب الذي يليه في الترتيب، لكنَّ لاعبنا كان يهتم فقط بالفريق، وأثبت ذلك من خلال تسديد رمية واحدة فقط في المباراة بأكملها، وبدلاً من زيادة معدل تسجيله، مرر الكرة إلى زملائه في الفريق ليسددوا هم أيضاً.

إنَّه شعور رائع بالنسبة إلى كوتش الفريق عندما يكون أعضاء فريقه فخورين جداً بنجاح الفريق ككل، لدرجة أنَّهم يضحون بفرصة تحقيق الإنجازات الفردية لحصد الجوائز بصفتهم فريقاً، فهذا هو المفتاح لتعلُّم كيفية بناء فريق.

شاهد بالفديو: 6 خطوات لبناء فرق العمل الفعالة

3. الإصغاء:

يهتمُّ بناة الفريق الناجحون كثيراً في فنِّ الإصغاء لأنَّه هامٌّ جداً لبناء الفريق، وتُعَدُّ الرياضات مكاناً رائعاً ليتعلَّم الشباب أهمية الإصغاء، لأنَّ الكوتشز يشرحون لهم أساسيات رياضتهم ثمَّ نظام أو استراتيجية اللعب، فهذه طريقة تعليم متقدِّمة تتطلَّب إصغاءً جيداً ليستوعبها المستمع.

ففي الفصل الدراسي، يعرض المعلِّم موضوعه، وعندما يحين وقت الاختبار، يكرِّر الطلاب المعلومات التي تلقوها من المعلم، أمَّا في الرياضة يجب أن يتعلَّم الرياضيون أساسيات ونظام الرياضة حتى ينجحوا في الاختبار الذي هو المباراة، وخلالها يحاول الخصم عرقلة اللاعبين، لذلك يجب عليهم أولاً تعلم أساسيات الرياضة ونظام اللعب، ثمَّ تطبيق ما تعلَّموه رغم الظروف.

فالاختلاف الثاني في الإصغاء في عالم الرياضة والإصغاء في الفصل هو أنَّه يجب على كل لاعب أن يتحمَّل مسؤولية التعلم بالتنسيق مع زملائه في الفريق؛ أي يجب أن أستمع أنا واللاعبين الآخرين في الفريق إلى الكوتش، وفي الفصل أتعلَّم فقط لأُفيد نفسي.

ففي الملعب، يمكن أن يتسبَّب عدم إصغاء أحد اللاعبين في خسارة الفريق، وغالباً ما تتوقف نتيجة المباريات على آخر تسديدة للكرة، ويكون الفرق بين النجاح والفشل هو الإصغاء للكوتش بعناية.

يجب على الكوتشز أيضاً أن يكونوا قدوة في الإصغاء للاعبيهم، على سبيل المثال، أقنعني كوتش الكرة الطائرة لدينا بالتدرُّب على تمرينات القفز لزيادة ارتفاع وسرعة قفز لاعبينا، وأخذت بنصيحته وأضفتها إلى نهاية جلسات تدريبنا.

فقد تحدث معي قائدا الفريق بعد أسبوع من هذا التمرين وأخبراني أنَّهما يخشيان الإصابات التي قد تؤدي إليها تلك التمرينات، ولأنَّهما كانا أفضل لاعبين لدينا، كان لا بدَّ لي من الإصغاء إليهما، وكانا على حق، لأنَّها كانت تمرينات شاقة جداً، ويمكن أن تؤدي إلى حدوث إصابات، وخاصة في نهاية التدريبات حين يكون اللاعبون مرهقين؛ لذا أصغيت إليهم وعدَّلت على البرنامج لنقلها إلى بداية جلسة التدريب.

يجيد بناة الفرق العظماء فنَّ الإصغاء، ويطوِّرون فِرقاً يكون فيها الإصغاء مهارة بارزة في شركاتهم.

إقرأ أيضاً: كيف تحسن مهارات الإصغاء وتعزز التواصل الفعال في مكان العمل؟

4. التقدير:

قال كوتش كرة السلة "جون وودن" (John Wooden): "يعود فضل النجاح إلى اللاعبين"، وكان كوتشي في الجامعة "جوردي جيليسبي" (Gordie Gillespie)، الذي فازت فِرقه في كرة القدم وكرة السلة والبيسبول في 2402 مباراة، وأُضيف اسمه إلى ثمانية عشر قاعة مشاهير في حياته المهنية اللامعة يقول للكوتشز الآخرين: "لا يتعلق الأمر بكم".

كنت محظوظاً لوجودي مع الكوتش "وودن" في مناسبات عديدة، وقد عملت مع الكوتش "جيلبسي" لمدة خمسة وعشرين عاماً، فلم أسمع أبداً أيَّاً منهما يتحدث عن مسيرتهما التدريبية الاستثنائية، فبالنسبة إليهما كان الأمر يتعلَّق بفِرقهما ولاعبيهما وليس بهما.

فإذا كنت القائد الذي بنى الفريق ستحصد الجوائز، لكنَّك في الوقت نفسه تعلم أنَّك ما كنت لتستطيع تحقيق النجاح وحدك، وأنَّك تحتاج إلى الأشخاص الذين أنشأت معهم الفريق؛ لذا امنحهم التقدير الذي يستحقونه.

فقد اشتهر أحد كوتشز كرة السلة في الجامعة بإخبار جميع الأشخاص أنَّه المسؤول عن نجاح فريقه، وكان تعجرفه واضحاً للكوتشز الآخرين حين اجتمعوا لمناقشة المباريات؛ إذ تحدث ذلك الكوتش عن نفسه كما لو أنَّه اخترع اللعبة، وعندما انتهى من الكلام لم يكن لديه أبداً وقت للتحدث مع بقية الكوتشز الأقل قدراً منه، فقد أنتج بالفعل بعض الفرق الجيدة، لكنَّه لم يكن يحظى باحترام زملائه مطلقاً، وأنا متأكِّد من أنَّ أعضاء فريقه سئِموا من غروره.

يَنسب الكوتشز النجاح إلى لاعبيهم، ويركِّزون خاصة على أولئك الذين لا يتلقون كثيراً من التقدير، على سبيل المثال، في كرة السلة يحصل اللاعبون الذين يسجلون الأهداف على معظم التقدير والشهرة؛ لذا فإنَّ هؤلاء الكوتشز يمدحون اللاعبين الذين مرروا الكرة للنجوم ليتمكَّنوا من التسجيل، ويشيدون باللاعبين الذين لا يتلقون التقدير من وسائل الإعلام أو الجماهير.

في الكوتشينغ أو في أي شركة، يجب أن يكون القادة محاطين بالأفراد الموهوبين لتحقيق النجاح، ومن الهامِّ جداً أن يقدِّر القادة مساهماتهم وجهودهم.

إقرأ أيضاً: أهمية التقدير في ربط الموظفين بقيم ورسالة الشركة

5. الثقافة:

يعني تعلُّم كيفية بناء فريق فعَّال معرفة كيفية إنشاء ثقافة إيجابية، فقد قرأت ذات مرة قول أحد قادة الأعمال، أنَّه عندما تستلم وظيفة جديدة، يجب أن يكون أول شيء تفكِّر فيه هو الإرث الذي تريد تركه وراءك، لكنَّني أخالفه الرأي، لا أعتقد أنَّ بناة الفِرق الناجحين الذين عرفتهم فكَّروا في إرثهم، لكنَّهم فكَّروا كثيراً في الثقافة التي أرادوا بناءها.

فبمجرد تحديد الثقافة التي تريد تأسيسها، يمكنك اختيار الأشخاص الذين يناسبون هذه الثقافة للعمل في شركتك؛ إذ لدى الكوتشز الذين يبنون فِرقاً توقعات محددة من اللاعبين الذين يختارونهم، لأنَّهم يدرسون شخصياتهم والتزامهم الأكاديمي وأخلاقياتهم الرياضية قبل التواصل معهم.

فعندما وصلت أنا و"جوردي جيليسبي" إلى "جامعة سانت فرانسيس" (University of St. Francis)، قدَّم رئيسنا، الدكتور "جاك أور" (Jack Orr)، الثقافة التي أراد منَّا أن ننشئها في البرنامج الرياضي، وكان لها أربعة مكونات:

  1. استخدام الرياضة لزيادة معدلات الالتحاق بالجامعة.
  2. إدارة البرنامج بنزاهة.
  3. إعداد الرياضيين للتخرج.
  4. إنشاء نشاط لكل طالب.

نحن نعتقد أنَّنا نجحنا في تحقيق هذه الثقافة، لأنَّنا كنَّا قادرين على تعيين كوتشز يتناسبون معها ويؤمنون بها، فعندما بدأنا العمل كان لدينا 45 طالباً رياضياً في ثلاث رياضات، وفي أوج نشاطنا، كان لدينا 377 رياضياً في أربع عشرة رياضة، لم نخالف أبداً قواعد الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات (NCAA) للفوز، وعندما خرقنا القواعد دون قصد اعترفنا بذلك على الفور، لأنَّ النزاهة كانت ضرورة مطلقة.

عندما ضمَّت فرقنا لاعباً في سنته الدراسية الأخيرة، توقَّعنا أن يتخرَّج ذلك الرياضي، ولم تكن توقعاتنا مثالية في هذا الصدد، لكنَّ 92% من لاعبي فرقنا طوال خمسة وعشرين عاماً تخرَّجوا بالفعل، ولإنشاء نشاط لكل طالب، أنشأنا برنامجاً شاملاً للرياضات التي يمكن ممارستها داخل المبنى.

فعندما حدَّد لنا "جاك" هذه الثقافة، أنهى حديثه قائلاً، "الفوز سيكون مكافأة إضافية"، وبسبب الثقافة والكوتشز الذين ينسجمون معها، فزنا بالفعل، وعندما شارك مؤتمرنا في تسعين بطولة وطنية، لعبنا ستين مباراة من أصل تسعين.

شاهد بالفديو: 11 طريقة كي تكون عضو فريق عظيماً في العمل

في الختام:

يتذكَّر بناة الفريق الناجحون هذه المبادئ الخمسة لبناء الفريق الفعَّال:

  1. الاهتمام: لا يهتم الناس كم تعرف حتى يعرفوا كم تهتم.
  2. روح الفريق: انسَ غرورك الفردي في الملعب، وركِّز على روح الفريق.
  3. الإصغاء: لن يتسبَّب لك الإصغاء بمشكلة أبداً.
  4. الفضل: انسب كل الفضل إلى اللاعبين، لا يتعلَّق الأمر بك.
  5. الثقافة: حدِّد الثقافة التي تريد بناءها في بداية مسيرتك.

المصدر




مقالات مرتبطة