5 علامات تشير إلى أنَّك غير سعيد في حياتك وتتجاهلها في الغالب

تعلَّمنا جميعاً أنَّ الاهتمام بالآخرين هو سِمةٌ نبيلةٌ، وغالباً ما نكتسب إحساساً بقيمتنا، وأنَّنا فاعلون في المجتمع من خلال ما نقدِّمه للآخرين من مساعدة.



وفي حين أنَّ اهتمامنا بالآخرين ينعكس إيجاباً على حياتهم بلا شك، إلا أنَّ معظمنا يفشلون في وضع حدود لهذا الإيثار لمنعه من إلحاق الضرر بحياتهم، وقد لا يكون الضرر واضحاً كما تعتقد، وقد لا يكون هناك ألم جسدي أو نفسي مباشر، ولكنَّ الشعور بالحَيرة في الحياة، وعدم وجود هدف محدَّد، أو الشعور بأنَّ حياتك خالية من البهجة، وأنَّك تسير دونما وجهة واضحة، كل ذلك ضرر حقيقي يلحق بك وأحياناً كثيرة يتسلَّل إلى حياتك تدريجياً.

ونظراً لأنَّ هذا الضرر يتشكَّل بصورة تدريجية، فمن الصعب التعرَّف إليه إلَّا بعد مرور وقت طويل، وعند هذه النقطة نكون قد فقدنا الرؤية الواضحة لمصدر المشكلة، لذلك يصعب تحديدها، ومن ثمَّ إصلاحها.

في بعض الأحيان، يحدث ذلك لأنَّنا نعطي أولوية للآخرين على حساب أنفسنا ونستمر في هذا النهج لفترة طويلة جداً، ويحدث ذلك في أحيان أخرى لأنَّنا وقعنا في الروتين ونسينا سبب قيامنا بذلك في المقام الأول.

وذلك بمعنى أنَّك كنت تراعي مصلحة الآخرين لفترة طويلة في أثناء اتخاذك للقرارات، كشريكك وأطفالك ومديرك في العمل أو زملائك أو الموظفين في شركتك وغير ذلك، وتستمر بذلك لفترة طويلة لدرجة أنَّك لا تعود تمتلك رؤية واضحة لما يجعلك سعيداً في الحياة، وعلى أيَّة حال قد يعدُّ شخص ما مقرَّب منك أو حتى أنت أنَّ العلامات التي سنذكرها في هذا المقال هي شيء طبيعي، ومن ثمَّ يصبح السؤال الذي يجب طرحه، هل هذا الأمر "الطبيعي" الذي يحدث معك هو ما تريده لحياتك؟ أم أنَّك تريد شيئاً آخر لنفسك؟

إذا بدت هذه العلامات التي سنذكرها مألوفةً بالنسبة إليك، فقد حان الوقت لإعادة تحديد هويتك وما تريده في حياتك:

أولاً، فقدان الرؤية الواضحة المتعلقة بهويتك:

تتكاثر الأولويات في الحياة بسرعة كبيرة، كالأطفال، والوظيفة، والعلاقات، وكل الأشياء التي تساهم في تحديد ما نحن عليه الآن، وكل جانب من هذه الجوانب يتطلَّب طاقتنا واهتمامنا، وأحياناً بدرجة مفرطة، وما يحدث غالباً أنَّ هذه النواحي من الحياة تستهلك وقتنا واهتمامنا لدرجة أنَّ كل قرار نتخذه هو من أجل شخص آخر.

فنسعى دائماً إلى إرضاء الآخرين، بصرف النظر عمَّن هم هؤلاء الآخرون حتى نجد أنفسنا قد نسينا هويتنا وما الذي يجلب الرضى لنا وليس للآخرين، ونجد أنفسنا حائرين لا نملك ما نفعله وحدنا، لأنَّنا اعتدنا على فعل كل شيء من أجل الآخرين.

عندما نغفل عن الأشياء التي تستحوذ على اهتمامنا الشخصي بصرف النظر عن الآخرين، فإنَّ ذلك علامة على أنَّنا أهملنا أنفسنا لفترة طويلة جداً، وأصبحنا نحتاج إلى وقت لاستعادة التركيز والتأكُّد من أنَّنا على المسار الصحيح.

ثانياً، عدم وضع حدود واضحة:

تعكس الحدود التي نضعها المعايير التي نلتزم بها ومدى تقديرنا لذواتنا، وفي المقابل يعطي الفشل في وضع هذه الحدود رسالةً إلى المحيط الخارجي أنَّنا مستعدون لتلبية أي طلب، بصرف النظر عن مدى سلبيته وتأثيره الضار في حياتنا.

فقد لا تكون المواقف التي تؤكِّد على هذه العلامة الخطرة أشياء لافتة للنظر، يكفي أنَّك تتناول وجبة لا ترغب فيها في المطعم لتساير الشخص الذي تأكل معه، أو عدم الاعتراض على شخص ينسب فكرتك الخلَّاقة في العمل إليه؛ فكلما تسامحت مع الآخرين، تمادوا في ظلمك.

لكن، ما هو سبب فشلنا في وضع حدود في حياتنا الشخصية؟ حتى الأشخاص الذين يحققون مستويات عالية من النجاح نجدهم أحياناً يفشلون في اختيار شريكهم العاطفي ويختارون شخصاً يضرُّ بحياتهم، فنحن جميعاً بشر، وفهم هذه الحقيقة بصرف النظر عن منصبنا الوظيفي هو أمر بالغ الأهمية لامتلاك السعادة الشخصية.

يتعلَّق وضع الحدود باحترام أهم التزام يمكن أن تتصوَّره، وهو التزامك تجاه نفسك، ولكي تكون قادراً على الوفاء بهذا الالتزام يجب في البداية أن تعترف بقيمتك الجوهرية بصفتك إنساناً؛ أي أن تُدرك أنَّك ذو قيمة حتى لو لم تكن تقدِّم المساعدة للآخرين، وحتى لو لم تكن متزوجاً، فأنت ما تزال هامَّاً حتى لو لم يكن يوجد شخص واحد في العالم يحتاج إليك.

إنَّ التخلي عن هذه المعتقدات المُقيِّدة والخاطئة هو الخطوة الأولى لوضع حدود تعزِّز وتحافظ على سلامتك العاطفية التي لها دور بالغ الأهمية في تقدمك؛ لذا لا ينبغي أن يكون وضع الحدود أمراً صعباً كما نتصوَّر، فلا أحد يخبرك بأن تعتزل كل الأشخاص وتعيش في جزيرة نائية، ولكن في نفس الوقت لا تسمح للآخرين باستغلال لطفك وطيبة قلبك.

كيف تضع حدوداً وتفرض على الآخرين احترامها؟

1. تعلُّم الرفض:

تتمثَّل إحدى العادات السيئة لدى الأشخاص الذين يهتمون بإرضاء الآخرين في أنَّهم غير قادرين على قول "لا" للأشخاص الذين يطلبون منهم خدمة أو مساعدة بصرف النظر عن مدى شعورهم بالإرهاق.

فلا نقصد أن ترفض كل ما يُطلب منك دائماً، بل من الجيد أن تساعد من حولك عندما تستطيع، بشرط ألا يكون ذلك على حساب صحتك النفسية والعاطفية، لأنَّك عندما تُرهق لن تكون قادراً على مساعدة أحد حتى نفسك.

فالهدف من وضع الحدود هو الحفاظ على طاقتك ووقتك حتى تتمكَّن من استثمارها مع الأشخاص والأشياء التي تختارها، ويعني وضع الحدود استثمار إمكاناتك بحكمة، وعدم تحمُّل أكثر ممَّا يمكنك التعامل معه واقعياً؛ فإذا كنت ممَّن يريد أن يرضي جميع الناس، فإنَّ الخطوة الأولى لوضع حدود لحياتك الشخصية هي تقبُّل حقيقة أنَّك لست مسؤولاً عن إنقاذ العالم.

2. الدفاع عن النفس:

قدرتك على الدفاع عن نفسك تتناسب طرداً مع مقدار تقديرك لذاتك، فإن شعرت بغصَّة بعد قراءة هذه العبارة، لا تقاومها، فلربما هذه بداية التغيير؛ فعندما تتعرَّض لسوء المعاملة سواء في علاقة أم في العمل أم حتى من قبل أحد أفراد عائلتك، فيجب أن تدافع عن نفسك دون خجل، ويجب أن تصرِّح بأنَّ هناك حدوداً لا يجب تجاوزها.

لنكن أكثر واقعية، أنت تحتاج إلى وضع حدود لمقدار ما تقدِّمه، فإذا كان الآخرون لا يضعون حدوداً لمقدار ما يأخذونه، فبمجرد أن تؤمِن بأنَّك تستحق معاملة لائقة، ستتوقف عن قبول تجاوز الآخرين لحدودك، ومن الهامِّ جداً أن تعبِّر عن اعتراضك عندما تشعر بعدم الاحترام، أو عندما يتم تجاهل رغباتك.

لذا ابدأ بتطبيق هذه القواعد مع الأشخاص الذين تشعر بالأمان عند الوجود معهم، فحتى الأشخاص الذين يهتمون لأمرك قد لا يكونون مدركين لمدى تأثير تصرفاتهم فيك، وعندما تلاحظ تغييرات في سلوكهم معك ستشعر بمزيد من الثقة للتصرُّف بنفس الطريقة في مواقف أشد حدَّةً.

3. عدم الاكتفاء بالكلام بل التعبير عن الحزم بالتصرفات:

قد تُعرب عن عدم رضاك عن سلوك شخص ما في تعامله معك، ومع ذلك لا يغيِّر شيئاً في سلوكه، فماذا تفعل؟

لا تفرض الحدود بالأقوال فقط، بل بالأفعال أيضاً، فمثلاً إذا كان لديك صديق يستمر بالضغط عليك للقيام بأشياء لا ترغب في القيام بها حتى بعد أن عبَّرت عن انزعاجك، فعليك عندها أن تُدرك أنَّه قد لا يكون صديقاً جيداً كما كنت تعتقد، ويجب أن تبتعد عنه؛ لا نعني بذلك قطع كل صلة وصل بينك وبين هؤلاء الأشخاص، المطلوب فقط الحفاظ على مساحتك العاطفية من خلال التقليل من الجهد والطاقة التي كنت تبذلها في علاقتك معهم.

فقد تعتقد أنَّ ما ذكرناه ينطبق فقط على الأصدقاء أو زملاء العمل دون أفراد العائلة، ولكن في الواقع يجب أن تعمِّم هذه القاعدة في التعامل مع جميع من حولك بمن فيهم أفراد عائلتك؛ إذ من الضروري أن تتذكَّر أنَّه في حال عبَّرت عن حدودك بالكلام ومع ذلك استمر الآخرون بتجاوزها، فهذا يعني أنَّك لم تضع حدوداً في الأساس، فكل ما فعلته أنَّك عبَّرت عن رغبتك في أن تكون لحياتك حدود، لكن يجب أن تتحلَّى بالشجاعة لفرضها، وهذا يعني فرضها بالأفعال، وإلا لن يأخذك أحد على محمل الجد.

4. التوقف عن الاعتذار بشأن أشياء ليست من مسؤوليتك:

إذا كنت شخصاً يعتذر كثيراً، فتوقف عن ذلك، على سبيل المثال، بدلاً من أن تقول: "آسف على تأخري" قل "شكراً على صبرك"؛ وذلك لأنَّ ما يخفيه هذا السلوك، هو فكرة موجودة في عقلك الباطن مفادها أنَّك مسؤول عن حدوث أي خطأ.

فكِّر في الأمر على النحو التالي، عندما تتأخر عن موعد بسبب حصول حادث على الطريق، فما هو خطؤك الذي يجب أن تعتذر عنه؟

إنَّ الاعتذار بأسلوب متواصل يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس، وتقليل قيمتك أمام نفسك وأمام الآخرين؛ لذا اعتذر عندما تكون مخطئاً فقط، ولكن في نفس الوقت اعتد على عدم فعل ذلك عندما لا تكون مسؤولاً عن الخطأ.

5. التحدُّث مع النفس بإيجابية:

ابدأ بالتدرُّب من خلال حديثك مع نفسك، فالحدود التي تضعها هي المظهر الخارجي لهويتك التي اخترتها لنفسك، وتُحدَّد في المقام الأول من خلال الطريقة التي ترى نفسك بها.

تتأثَّر الطريقة التي ترى نفسك بها بحديثك مع نفسك عندما تكون وحدك، على سبيل المثال تقول لنفسك: "لا أحد يصغي إليَّ بالعمل"، فيعزِّز هذا الحديث حقيقة أنَّ لا أحد يصغي إليك في العمل، لأنَّك تكرِّس هوية شخص لا يصغي إليه أحد.

إذا كانت هذه هي هويتك، فمن المؤكَّد أنَّك لن تلتزم بالنصائح التي قدَّمناها في المقال، مثل الدفاع عن نفسك، وأنت شخص لا يصغي إليه أحد، لكن ماذا لو غيَّرت حديثك الداخلي من خلال التحكُّم به: "سأواظب على إبداء رأيي حتى يصغي إليَّ الآخرون"؛ إذ يرسل هذا الحديث رسالة مختلفة تماماً، ويشجعك على اتخاذ إجراءات للمضي قدماً بحيث تظهر بمظهر أكثر ثقة وقوة.

عندما تغيِّر نظرتك لنفسك، ستتغير الإجراءات التي تتخذها لتعزز هويتك الجديدة والتي بدورها ستساعدك على فرض الحدود الخاصة بحياتك الشخصية؛ إذ إنَّ حدودك هي حدود حياتك، وتحدِّد من تسمح له وماذا تسمح به، إذا لم تتخذ القرار فثق أنَّ الآخرين سيتخذونه بدلاً منك.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لتبدأ نهارك وأنت في قمة السعادة

ثالثاً، مواجهة صعوبة في اتخاذ القرارات الهامة:

نتخذ قراراتنا المصيرية غالباً مستعينين بحدسنا، ويدفعنا هدفنا وهويتنا لاتخاذ القرار الذي نرى أنَّه الأكثر انسجاماً مع قيمنا؛ لذلك، من المستحيل أن نتمكَّن من اتخاذ القرارات المناسبة إذا لم نتمتَّع بوضوح الرؤية بخصوص الأشياء الهامة بالنسبة إلينا.

هذا ضروري بديهياً لنتمكَّن من تحديد المسار الذي سنتخذه، ولكن إذا كنت ولفترة طويلة تضحي بسلامتك وعافيتك لدرجة أنَّك فقدت مهارة الإصغاء إلى حدسك، فذلك مؤشر خطير يعني أنَّه حان الوقت لإعادة التركيز على نفسك.

رابعاً، خشية البقاء وحيداً:

بالتأكيد، يمكن أن يكون الوجود مع الآخرين أكثر متعة من البقاء في عزلة، ولكن هناك فرق بين الرغبة في مشاركة الوقت مع الآخرين، والاعتماد على وجود الآخرين حولنا؛ لذا يجب أن تطوِّر قدرتك على الاكتفاء الذاتي والشعور بالرضى عن النفس في الحالات التي تقضي فيها وقتاً وحدك.

لكن إذا كان إدراكنا لهويتنا وتقديرنا لذاتنا معتمداً كلياً على ما نقدِّمه للآخرين، واستمر هذا الوضع لفترة طويلة، لدرجة أنَّنا لم نعد نعرف كيف نهتم بأنفسنا، فمن الطبيعي أن نشعر أنَّ قضاء الوقت وحدنا أمر صعب جداً.

إذ يمكن أن يؤدي ذلك، ونتيجة لخشيتنا من البقاء وحدنا، إلى علاقات خاطئة مع الأشخاص الخاطئين فقط لكيلا نبقى وحدنا حتى لو لم تكن هذه العلاقات لمصلحتنا.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من وحدتك عندما تكون وحيداً؟

خامساً، التخلِّي عن اهتماماتك وهواياتك:

فكِّر في الأشياء التي تثير شغفك، والتي تحب القيام بها سواء القراءة أم الرسم أم ممارسة رياضة معيَّنة وغير ذلك، بصرف النظر عن هواياتك، فكَِر في آخر مرة خصَّصت فيها الوقت لممارستها.

فقد تفرض الحياة علينا التزامات على الدوام، كالعمل، ودفع الفواتير، وغير ذلك، وكلها مهام لا يمكن إغفالها، ولكن في الوقت نفسه، علينا تحقيق التوازن في حياتنا؛ إذ يجب ألا ننسى تخصيص وقت للاستمتاع بالحياة، فهذا يمنحنا استراحةً نفسية وذهنية لاستعادة طاقتنا وحيويتنا.

إذ إنَّه بمكانة مكافأة نمنحها لأنفسنا بعد العمل الشاق والالتزام لفترة طويلة، واسأل نفسك ما لم تكن تستمتع بالمكافآت التي تحصل عليها بعد عملك، فما الفائدة من الجهد الذي تبذله في المقام الأول؟

إقرأ أيضاً: كيف تختار بين اهتمامات عدة؟

في الختام:

غنيٌّ عن القول، هناك مزيد من العلامات التي تشير إلى أنَّك تستنزف نفسك عاطفياً، وعديد منها يستدعي التوسُّع بالشرح أكثر ممَّا ذكرناه، ومع ذلك، فأنت تعرف نفسك جيداً، فقد يكون لديك علامات أخرى، ولذلك من الضروري دائماً التأكُّد من مشاعرك وما إذا كان الأشخاص والأشياء التي توليها انتباهك تدعم سلامتك وعافيتك.

إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد حان الوقت لإجراء بعض التغييرات الحقيقية، فأنت لن تعيش سوى مرة واحدة؛ لذلك احرص على عيش الحياة التي تريدها.

المصدر




مقالات مرتبطة