5 طرق لتكون قائداً متكاملاً

لن أقولَ أبداً أنَّ التَّنمر الذي تعرضت له في مدرستي الابتدائية قد جعلني ما أنا عليه اليوم، ومع ذلك، فإنَّ تلك التَّجارب التي مَرَرتُ بها في مراحلَ مبكِّرة من حياتي، قد شكّلت مسيرتي وأسلوبي القيادي بطُرُقٍ لا أزال أستكشف أبعادها لحدِّ الآن.

لقد درست في مدرسة ابتدائيةٍ صغيرةٍ جداً - أعتقد أن العدد الكلي كان 40 طالباً - وحاولت دائماً مساعدة الفتيات الجدد اللائي جئن من بُلدان أخرى، و اضطررن للانضمام إلى هذه المجموعة الصغيرة، ولكن كما هو الحال في أغلبِ الأحيان، فإنَّ جهودي المبكرة لضمِّ الغرباء قد حولتني إلى واحدةٍ منهم. فقد قامت الفتيات اللواتي يحظين بشعبيَّة في صفي بالتَّنمر علي، ومطارتي في ساحة المدرسة كلَّ يومٍ في وقت الغداء وهنَّ يرددن: "ليس لديكِ حياة! ليس لديكِ أصدقاء! "



ومن أجل تفادي أن يتم التَّنمر عليّ، بدأت أتناول غدائي في الحمام لوحدي. لقد كنت وحيدة، لكنَّنِي تعلَّمت أيضاً أن أكون مرنة. لقد تعلَّمت قيمة تشارك وجبات الطعام كوسيلةٍ للتَّواصل مع الآخرين. وعلى الرَّغم من أنَّني لم أكن أدرك ذلك في حينها، إلا أنَّه يمكن القول بأنَّ تأسيسي لشركة "Chewse" كان بمثابة طريقتي لمحاولة خلق عالم أكثر ارتباطاً وأصالة: عالمٌ حيث لا يُضطَّرُ أحدٌ فيه لتناول غداءه بمفرده.

القيادة الصَّادقة:

إنَّ تناولي لوجبات الغداء وحدي قد ألهمني ما هو أكثر من هدف شركتي، إذ إنَّ معرفتي لِما يبدو عليه الشُّعور بأن تكون شخصاً غريباً ومنبوذاً، قد أثَّرت بشكلٍ مباشر على كيفية قيادتي لفريقي، وعلى الثقافة الشَّفافة والمتكاملة للشَّركة التي بنيناها معاً.

لقد قمنا بتأسيس شركتنا لسبب واحد، وهو ضمان ألَّا يتمَّ تجاهل أيِّ شخصٍ أو نبذه. نحن نُشَغِّلُ سائقي التَّوصيل ومقدمي الوجبات لدينا كموظفين، وليسَ كمتعاقدين. فبهذه الطريقة، يُصبِحُ كلَّ عضوٍ من أعضاء فريقنا قد تمَّ ضمَّه واستثماره في نجاح الشركة. وبينما يكون تشغيل العمال المستقلين أمراً جيداً في العديد من الحالات، إلا أنَّ العملَ القائمَ على العمَّال المستقلين لن يخلق ثقافةً قويَّة وشاملة من شأنها أن تساهم في تمكين أعضاء فريقنا.

وبمجرد أن يصبح الموظفون يعملون معنا، فإنَّنا نسعى جاهدين لتوفير جوٍّ من الدعم يأخذ الشخص بأكمله بعين الاعتبار؛ إذ لا يمكن فصل العمل عن الحياة الشخصيَّة في أيامنا هذه. ومحاولة إلقاء حياتنا الشخصية جانباً عند الذَّهاب للعمل أمر غير ممكن - وغير صحيٍّ حتَّى.

ولأنَّ الشعور بالوحدة أمرٌ شائعٌ للغاية، داخل وخارج العمل على حدٍّ سواء، يَحرِصُ أعضاءُ فريقي على تحيَّة جميع من نلتقي بهم بدفءٍ ومودَّة. فالعناق أمرٌ شائعٌ في مكاتب شركة "Chewse"! وبصفتي "منبوذة" سابقة، أعرف مدى أهميَّة أن تَمُدَّ يدك للمصافحة وأن تنظر في وجه من تصافِح وتخلق تواصلاً مباشراً معه.

5 خطوات نحوَ قيادةٍ متكاملة:

إنَّ تعرضي للتَّنمر حين كنت طفلة لا يحدد من أنا، ولكنَّه شكَّل الطَّريقة التي أردُّ بها على العالم. إليكَ خمسة أمورٍ تعلمتها حول تمكين نفسي والأشخاص من حولي:

أولاً: أن تكونَ شفَّافاً

أحد أفضل القرارات التي اتَّخذتها فيما يتعلق بثقافة شركتنا هو الحفاظ على الشفافيَّة في منحِ الرَّواتب، نحن نحدد الرَّواتب على أساس الأداء، لا على أساس القدرة على التفاوض، ثم نتشارك المعلومات حول ما يجنيه كلُّ فردٍ في المؤسسة، بما في ذلك أنا.

هذا النوع من الشفافية يُمكِّن الجميع من اتِّخاذ قراراتٍ مدروسةٍ ومستنيرةٍ تماماًَ، وكما تُظهر الدِّراسات، فإنَّ ذلك الأمرَ يُسهم في خلق مجموعةٍ أكثرَ إنتاجية و إبداعاً وتعاوناً و تحفيزاً.

لقد بدأنا القيام بذلك في شركتنا لأنَّني لاحظت أنَّ النساء لم يَكُنَّ بهذه القوَّة التي عليها الرجال في التَّفاوض على الرواتب، ونتيجةً لذلك، كان -في معظم الشركات- يُدفَع للنِّساء رواتبَ أقل مقابل نفس المستوى من العمل. لذا أردت لِشركتنا أن تكون جزءاً من الحل، وليس المشكلة، ولهذا السَّبب جعلنا الشَّفافية عنصراً أساسيَّاً في ثقافتنا.

ثانياً: أنْ تقومَ بتخصيص وقت لتطوير الشَّخصية

عندما تكون في موقع السُّلطة، فإنَّك لا تحصل دائماً على الملاحظات التي تحتاجها لتنمو وتتطور كإنسان وقائد، لهذا السَّبب من المهم بناء شبكة من الأشخاص الذين سيعطونك مُدخَلَاتٍ صادقة، ويشيرون إلى نقاطك العمياء ويقدمون لكَ الأدوات المناسبة لمساعدتك على الاستمرار في النُّمو. لقد قمت بصوغ شبكتي تلك من مجموعةِ نظراءَ تتكون من مزيجٍ من معالجين نفسيين ومدربين ومرشدين ورؤساء تنفيذيين. وهذا يعني العمل الجاد لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات أسبوعيَّاً من أجل تطوير الشَّخصيَّة. لقد وجدتُ أنَّ هذا النوع من الرعاية الذاتية أمرٌ بالغُ الأهمية لفهم تأثيري على الآخرين، مما يتيح لي اتِّخاذ قرارات متكاملة.


اقرأ أيضاً:
9 نصائح ذهبيّة لتطوير الذات وتنميتها

 

ثالثاً: أن تقوم بممارسة التَّعاطف مع النَّفس

لقد عانينا جميعاً من مواقف في ماضينا حيث شعرنا بعدم الأمان والخوف والوحدة. يحاول الكثير منَّا تجاهل ذلك أو الحدَّ من تأثيره، لكن هذا النوع من الكبت يضر بالصِّحة البدنيَّة والعقليَّة. فقد أظهرت العديد من الدِّراسات أنَّ ممارسة التَّعاطف مع الَّنفس- بمعنى أنْ تكون داعماً ومتفهماً لنفسك - تزيد من الذَّكاء العاطفي والسَّعادة والصِّحة بشكل عام، بينما تقلل من القلق والاكتئاب والخوف من الفشل.

بالنِّسبة لي، فالتَّعاطف الذَّاتي يعني بناء علاقة مع ماضيَّ الخاص. ولكي أقومَ بذلك، أستخدم تقنية التَّصوُّر: إذ أتخيّل نفسي عندما كنت أصغر سناً في حمام المدرسة أثناء الغداء، وأدخل وأنا بالغة وآخذ برفقٍ بِيَدِ تلك الفتاة الصغيرة الوحيدة (التي هي أنا عندما كنت أصغر سناً) وأخرجها إلى المقهى، وأشتري لها الحلوى، وأخبرها كيف ستتجلَّى حياتنا، وأؤكد لها أنَّ كل شيء سيكون على ما يرام. إنَّ الشُّعور بهذا النَّوع من التَّعاطف مع نفسي يخلق مساحة لي لمساعدة وتمكين الآخرين في المقابل.


اقرأ أيضاً:
ما هو التعاطف؟ وكيف يمكن أن يكون مفيداً للقادة؟


رابعاً: أن تُوَفِّرَ مساحةً كافيةً لسماعِ كُلِّ صوت

بصفتي قائدة، تقع على عاتقي مسؤولية الحرص على سماع صوت الجميع. إنَّه أمر جيد للعمل- فكلما زادت الأفكار التي يتم مشاركتها، كان ذلك أفضل للمؤسسة- لكنَّه مهم بنفس القدر بالنِّسبة لتطور كلَّ فرد من أفراد شركتي. ولكي يتطوروا في حياتهم المهنية، هم بحاجةٍ إلى تعلم مهارات الحزم، والمهارات التي تعزز احترام الذَّات وترتبط بحلِّ المشاكل بثقة والتَّواصل الصَّريح.

إنَّ تشجيع فريقي على إسماع آرائهم ليس كافياً؛ لذا أقوم أيضاً بِخلق فُرَصٍ من أجل سماعِ آراء الجميع. في مؤسستنا على سبيل المثال، لدينا لجنة ثقافية تضم أعضاءً تمَّ ترشيحهم لمشاركة التَّعليقات وردود الفعل، وإنشاء مبادراتٍ ثقافية. إنَّ ذلك الأمرَ يُمكِّن الفريقَ من المساعدة على زرع ثقافة متكاملة تنمو مع الشَّركة.


اقرأ أيضاً: 7 نصائح ذهبية لبناء فريق عمل ناجح


خامساً: أن تقوم بكسرِ حاجِز الصَّمت

بالنسبة للقادة، فإنَّ إدارة الموظفين الذين يعيشون أوقاتاً عصيبة، عبارةٌ عن اختبار لموازنة التَّعاطف مع احتياجات العمل.

في "Chewse"، نستخدم نظاماً لتسجيل الدُّخول مرمَّزاً بالألوان، يمنحنا طريقةً لمشاركة ما نشعر به في أي يوم من الأيام. يساعدنا هذا في الإشارة إلى الوقت الذي قد لا يكون الأفضلَ لتلقي ردود فعلٍ قاسية، أو المشاركة في مشروعٍ كبير. كنت أتمنى في كثير من الأحيان، عندما كنت تلك الطفلة التي تمَّ التَّنمر عليها، أن يقوم شخص ما بالاطمئنان علي، ويشعرني أنَّني لست وحدي.

نحن أيضاً نبذل قصارى جهدنا لنعترف بقيمة العمل الشَّاق ونُعلِي من شأنه. إذ نقوم كلَّ يوم جمعة، بتخصيص 20 دقيقة لما نسميه "وقفة شكرٍ وعرفان"، والتي نتشارك فيها امتناننا لما قام به الآخرون على مدار الأسبوع. على سبيل المثال، قد يعترف فريق الدَّعم بفضل فريق الهندسة في توفير ساعاتٍ من العمل عليهم عند إصلاحهم لخلل في النِّظام. هذه الممارسة الجميلة تسد الفجوات بين الفرق، وبين القادة وأعضاء الفريق، وتساعدنا جميعاً على أنْ نكون أكثر صحة وإنتاجية.


اقرأ أيضاً:
55 نصيحة في الإدارة والقيادة الحكيمة


ما نوع القائد الذي سَأكونه إذا عملت فقط على تطوري الشخصي ولم أساهم في نمو فريقي؟ لن أكون عندئذٍ أقمعُ الإمكانات الفردية فقط، بل سأضع الشركة بأكملها في وضع مُجحِف، وذلك عن طريق غلق الباب أمام المساهمات التي يمكن أن يقدمها كل شخص.

قد يكون أسلوب قيادتي ناجماً بشكلٍ غير مباشر عن تعرض للتَّنمر عندما كنت طفلة، لكنَّه أضحى أكثر من ذلك بكثير. لقد كان التَّوق لإنشاء أماكن ترحاب حيث لا يتعيَّن على أحد أن يأكل بمفرده، هوَ الذي ألهمني إنشاء شركتي، وكان الشَّغف بتطوير فريقٍ متكاملٍ ومتمكّن، هو ما جعلها تزدهر.




مقالات مرتبطة