5 طرق لإتقان مهارة القراءة السريعة

تُعد القراءة السريعة تقنية غير عادية تختلف الآراء حولها، ولطالما احتدم الخلاف بين الدراسات العلمية وبيانات معلمي القراءة السريعة التي أطاحت بتلك الدراسات؛ ولا يزال هذا الجدل قائماً حتى الآن، ولا يزال الكثيرون يتساءلون عما إذا كانت القراءة السريعة تقنيةً فعالةً حقاً؛ لذا سنوضح بالضبط لك في هذا المقال، كيف يمكنك القراءة والفهم بوتيرةٍ أسرع بكثير من وتيرتك الحالية؛ لكن قبل أن تبدأ، عليك أن تضع في الحسبان توقعات معيَّنةً.



دعونا نبدأ البحث فيما يمكنك تحقيقه من وجهة نظر علمية.

هل القراءة السريعة مهارة فعالة؟

في كتابه "كتاب القراءة السريعة" (The Speed Reading Book)، يقدم الكاتب "توني بوزان" (Tony Buzan) للقراء بعض قصص القراءة السريعة المذهلة التي تجعلهم يتحرقون شوقاً لتعلم هذه المهارة.

يطرح بوزان (Buzan) مثالين عن شخصيتين اشتُهرتا بشغفهما بالقراءة السريعة: وهما الرئيسان الأمريكيان السابقَان "جون إف كينيدي" (John F. Kennedy)، و"فرانكلين دي روزفلت" (Franklin D. Roosevelt)؛ حيث كان معروفاً عن "كينيدي" (Kennedy) قدرته على قراءة 1000 كلمة في الدقيقة، مقارنةً بمتوسط قراءة معظمنا الذي يصل إلى 284 كلمة في الدقيقة.

وأحرز مدير الأبحاث في معهد ألفا ليرنينغ (Alpha Learning)، شون آدم (Sean Adam)، رقماً قياسياً عالمياً في القراءة السريعة، بمعدل قدره 4450 كلمةً في الدقيقة.

لكن قد يبدو مستحيلاً أن تقرأ بتمعُّنٍ بهذه السرعة، فهي لا تكفي إلا لتقليب صفحات كتاب مصور! في الواقع، لقد علَّم كل من "شون آدمز" (Sean Adams) والرئيس الأمريكي الأسبق "كينيدي" (Kennedy) نفسيهما كيفية القراءة السريعة من الألف إلى الياء، وطبعاً كانت بدايتاهما بطئية كباقي الناس العاديين بمعدل 284 كلمة في الدقيقة.

ربما تستغرب إمكانية القراءة بتلك السرعة، أليس كذلك؟

من وجهة نظر علمية، ليس بإمكاننا قراءة أكثر من 500 كلمة في الدقيقة باستيعاب كامل؛ فأين نحن من العلم لنشكك فيه!

ولكن كيف تفسر مسابقات القراءة السريعة القانونية والمُعلنة التي تقيِّم سرعة قراءة الأشخاص بناءً على مقدار استيعابهم؟ فقد استطاع بعض هؤلاء القُرَّاء قراءة آلاف الكلمات؛ لذا يَصعُب مع وجود هذه الآراء المتعارضة التوصُّل إلى نتيجة دون التحيز إلى رأي؛ فتابع معنا القراءة، فربما توافقنا الرأي.

شاهد بالفيديو: كيف يقرأ الأذكياء؟ 5 نصائح تساعدك على القراءة بذكاء

العقل القابل للتكيف:

بعيداً عن القراءة السريعة، تحققت إنجازات أخرى تتطلب معالجةً ذهنيةً سريعةً أكثر إثارة للإعجاب، قام بها أشخاص بدؤوا كغيرهم من الناس وطوروا هذه القدرات من الصفر.

هناك أشخاص يحفظون الكثير من المعلومات في بضع ثوان، في حين يستطيع بعضهم الآخر إجراء حسابات ذهنية مباشرة لأرقام كبيرة، ناهيك عن الموهوبين في العزف على البيانو الذين يمكنهم عزف المقطوعات الموسيقية المعقدة. تجعلنا كل هذه الأمثلة نأخذ في التساؤل عن كيفية القيام بذلك، دون أن ننكر وجود تلك القدرات.

إليك الجزء الأهم: يُحسِّن التدريب أداءك في أي مهارة؛ فإن تدرَّبتَ على مهارة قراءة النص وفهمه بسرعة، فسوف تتحسن لديك تلك المهارة حتماً، ذلك حسب كيفية استجابة عقلك لأفعالك.

عندما تجبر نفسك على بذل أقصى طاقاتك، وتحاول أن تفعل أمراً أسرع مما اعتدت، فأنت بذلك تخبر عقلك أنَّك بحاجة إلى إنجاز كل المهام التي تؤديها بشكلٍ أسرع أو أفضل، فيضطر عقلك إلى التكيف، لأنَّ هذه هي الطريقة التي تتطور بها أدمغتنا.

لكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لمعظم الناس الوصول إلى سرعات قراءة تبلغ 1000 كلمة في الدقيقة مع استيعاب ما يقرؤونه استيعاباً تامَّاً؟ طبعاً لا، نظراً لبعض القدرات المحدودة لدى الدماغ البشري، ناهيك أنَّ الكثيرين لن يقبلوا قضاء آلاف الساعات التي يتطلبها الوصول إلى هذا المستوى.

ولن يكون بمقدور الشخص الوصول إلى تلك السرعات الفائقة للغاية، دون الالتزام بفترة تدريب قد تأخذ حيزاً كبيراً من وقته، ولا تستحق هذا الجهد كله.

انظر إلى الجانب المشرق، إذا كنت قارئاً عادياً لا يستخدم أية تقنيات قراءة سريعة، فمن الممكن حتماً زيادة سرعة القراءة لديك إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف، ذلك على الأغلب بتغيير عادات القراءة الخاصة بك.

ستتعلم في هذا المقال كيفية قراءة ما يصل إلى 500 كلمة في الدقيقة، مع استيعاب بنسبة 100٪، يبدو هذا سريعاً، أليس كذلك؟

يمكن تخطي تلك السرعة، ولكنَّك بذلك تصطفي الكلمات اصطفاءً، مع إمكانية فهم المعلومات، ولكن بأسلوب مختلف؛ لذا عندما تقوم بالاصطفاء، فإنَّك تلتقط فقط أهم المعلومات، وتتخلص من الكلمات والمقاطع التي تعتبرها أقل أهمية.

إقرأ أيضاً: 8 أسباب تُوضح لك لماذا يجب أن تُتقن القراءة السريعة

أما الآن، فدعونا نركز على كيفية إتقان القراءة السريعة بالطريقة الصحيحة:

1. البدء بمجموعة من الكلمات:

عليك هنا أن تدرك أولاً أنَّ عقلك قادر على قراءة أو استيعاب المعلومات الواردة في 3-5 كلمات معاً عوضاً عن قراءة واستيعاب معنى كل كلمة وحدها؛ لذا بدلاً من قضاء جزء من الثانية على كل كلمة في السطر، في الشكل أدناه:

القراءة السريعة

استثمر نفس الجزء من الثانية في قراءة مجموعة من الكلمات كما يوضح الشكل التالي:

القراءة السريعة، التقسيم إلى دفعات

ربما تعتقد أنَّ فهمك سيتأثر نتيجة التسريع بهذه الطريقة، لكن اطمئن فلن يحدث شيء من هذا القبيل، فعندما تركز نظرك على كلمة واحدة في كل مرة، سيحاول عقلك أن يستوعب كل كلمة على حدة؛ لكن لا تعطي الكلمات أي معنى عندما تكون بمفردها، بل اجتماعها مع بعضها بعضاً هو الذي يعطي المعنى المطلوب؛ إليك الجملة نفسها، لكن وُضعت الكلمات كل واحدة على حدة:

القراءة السريعة

أيَّة هاتين النسختين تُفهَم بشكلٍ أسرع؟ الجواب واضح وضوح الشمس؛ حيث يصبح كل من القراءة والفهم أسرع عندما تجمِّع الكلمات معاً في حزم ذات معنى مقارنةً بالتركيز على كل كلمة على حدة.

تخلَّص من عادات القراءة البالية:

إن كنت تريد التخلُّص من هذه العادة، فكُفَّ عن النظر إلى كل كلمة على حدة عند القراءة، حيث يعود السبب في بطئنا في القراءة إلى مرحلة المدرسة الإبتدائية؛ فعندما تعلمنا كيفية القراءة في سن مبكرة، تعلمنا أولاً النظر إلى كل حرف على حدة، ثم استخدمنا تلك الحروف لتركيب الكلمات، وبمرور الوقت، ومع تسريع هذه العملية، تعلمنا أنَّه باستطاعتنا إلقاء نظرة سريعة على كلمة واحدة ككل، وأنَّ تركيب تلك الأحرف قد أعطى معنىً.

لكن لسبب أو لآخر، توقفت عملية القراءة عند هذا الحد، ولم يعلِّمنا أحد في الواقع أنَّه بمقدورنا الانتقال إلى مستوى أعلى، واستيعاب مجموعة كبيرة من الكلمات من نظرة واحدة فقط، فضلاً على أنَّنا لم نسعَ بعدها لتطوير هذه المهارة لدينا.

لكن هذا لا يعني أن تتوقف عن المحاولة، وكل ما عليك، أن تتعرف إلى مفهوم الرؤية التي تعتمد على النُّقرة المركزية (fovea centralis) والاستفادة منه.

توضح الصورة أدناه ثلاثة أنواع من "الرؤية المحيطية" (peripheral vision) التي نمتلكها:

أنواع الرؤية المحيطية

يمكن لرؤيتنا المحيطية (peripheral vision) والمجاورة للنُّقرة (parafoveal vision) أن تكتشف الأشكال والألوان المبهمة فقط؛ ولكن كلما تقدمنا ​​باتجاه منتصف رؤيتنا، أمكننا رؤية المزيد من التفاصيل (انظر الشكل أعلاه)، وهناك منطقة صغيرة تحيط برؤيتنا البؤرية (focused vision) تُدعى الرؤية النقرية (foveal vision)، حيث تلتقط أعيننا أيَّ شيء يقع ضمن هذه المنطقة بتفاصيل كافية لفهمه عند القراءة، هذه النقطة هي الأهم في عملية القراءة السريعة.

عليك من الآن فصاعداً أن تغير عادتك القديمة في القراءة التي تعتمد فيها على رؤيتك البؤرية (focused vision) فقط، إلى استخدام رؤيتك النقرية (foveal vision) في قراءة النص على حد سواء، يبلغ قطر الرؤية النقرية (foveal vision) عند النظر إلى صفحة في كتاب حوالي 4-5 سم.

ستلاحظ كم ستتحسن سرعة قراءتك عند استخدام الرؤية النقرية (foveal vision) لدرجة قد تصل إلى 70%.

2. التركيز على ما تقرأه:

عليك التركيز إن كنت تريد تعلُّم كيفية إتقان القراءة السريعة، إذ يضمن لك التركيز ألا تضيع وقتك الثمين في الرجوع إلى الوراء دون أن تُحِسَّ.

2. 1. العودة للخلف:

العودة إلى الخلف هي عودة عينيك إلى الوراء للنظر إلى الكلمات التي قرأتها للتو، رغم عدم ضرورة هذا الفعل، وغالباً ما يحدث ذلك نتيجة ضعف التركيز، أو ربما يحاول عقلك إخبارك لا شعورياً أنَّك بحاجة إلى إلقاء نظرة ثانية على كلمة ما ربما قد فاتتك.

للتغلب على هذه العادة، عليك أولاً أن تدرك بكامل وعيك أنَّك تفعل ذلك؛ لذا صبَّ جُلَّ انتباهك على هذا الأمر عندما تقرأ، ولاحظ متى يحدث معك ذلك، ثم حاول تجنبه في المرة القادمة.

تعد القراءة باستخدام جهاز رقَّاص الإيقاع تمريناً فعالاً لتعلم كيفية الحفاظ على تركيزك أثناء القراءة وتجنب العودة للخلف.

دَع رقَّاص الإيقاع يسير بإيقاعٍ بطيء، كي يكون لديك وقت كافٍ لقراءة وفهم سطر كامل في كل مرة يقرع فيها رقَّاص الإيقاع، وعندما يقرع، انتقل إلى السطر التالي.

ضع في هدفك عند القراءة أن يكون لديك إيقاع ثابت ومتساوٍ، كما لو كنت تعزف مقطوعةً موسيقيةً، وسيجبرك استخدام رقَّاص الإيقاع بهذه الطريقة على معرفة معنى النص أثناء تقدمك، والتخلص من عادة العودة للخلف.

سرِّع رقَّاص الإيقاع بمجرد أن تتأقلم مع سرعته الحالية، مما يجبرك على القراءة أسرع.

قد يجد كثيرون أنَّ استخدام رقَّاص الإيقاع أمر غريب بعض الشيء، ولكنَّه في الواقع طريقة فعالة للغاية تعلِّمك التركيز في أثناء القراءة.

إن واظبت على هذا المنوال لفترة طويلة، فستتعلم كيفية التوصُّل إلى الفهم، فتتابع قدماً قراءة الكلمات، بدلاً من العودة للخلف، وعندما تتغلب على عادة العودة للخلف، سيتكيف كل من عقلك وتركيزك بحيث يلتقط معاني الكلمات دون العودة للخلف.

2. 2. التراجع في القراءة:

رغم ارتباط التراجع بالعودة للخلف، لكنَّه يختلف عنه؛ فالتراجع هو أن تختار بمحض إرادتك العودة وقراءة كلمة أو عبارة أو فقرة مجدداً.

عادةً ما نتراجع في القراءة لسببين: إما لأنَّنا لا نستطيع التركيز والتوصُّل إلى معنى النص في المقام الأول، أو لأنَّ النص ذاته كان عصيَّاً على الفهم.

من غير المسموح لك العودة للخلف في قراءة النص، لكن لا حرج عليك في التراجع إن كانت أسبابك مقنعة، ويجب ألا يوقعنا ضعف التركيز ضحية التراجع؛ لكن لا بأس من العودة بمحض إرادتك لقراءة الفقرة إن كان النص عصيَّاً على الفهم، ولتجنب التراجع غير الضروري، عليك التركيز باهتمام على ما تقرأه بنيَّة فهم فحواه.

إقرأ أيضاً: ماهي الخرائط الذهنية وكيف نستخدمها لتسريع الحفظ وعلاج النسيان؟

3. تقليل عرض الصفحة:

تعد نصيحة "تيم فيريس" (Tim Ferriss) واحدةً من أفضل النصائح وأكثرها سهولةً من حيث التطبيق، حيث يشتهر "تيم فيريس" (Tim Ferriss) بكونه رائد أعمال ومؤلِّفاً أجرى تجارب كثيرة حول قدرة العقل البشري.

يقدم اقتراحاً رائعاً حول كيفية الاستفادة من الرؤية النقرية (foveal vision)؛ فينصحنا أن نتخطى الكلمة الأولى عند قراءة كل سطر ونبدأ القراءة من الكلمة الثانية، ثم ننتقل إلى السطر التالي قبل أن تصل أعيننا إلى نهاية السطر هذا.

تقليل عرض الصفحة

إن طبقت ذلك، فستتجنب حركات العين غير الضرورية، وبذلك ستزيد من سرعة القراءة.

4. استخدام دليل القراءة:

تحتاج إلى معرفة كيفية التحكم في حركة عينيك، لتجنب العودة للخلف والتراجع الناجم عن قلة التركيز؛ حيث تنظر العين غير المدربة بصورة مُتقطِّعة نوعاً ما على الصفحة، مما يؤثر سلباً على سرعة قراءتك.

يفيدك استخدام قلم كدليلٍ يساعدك على التحكم في حركات عينيك، استخدم هذا الدليل للتنقل عبر السطور أثناء قراءتك من اليمين إلى اليسار، مما يساعدك في إبقاء عينيك على المكان الذي يجب أن تنظر فيه، بدلاً من التخبط ضائعاً في الصفحة.

ادمج تقنية القلم الدليل مع تقنية "تيم فيريس" (Tim Ferriss)، وابدأ بقراءة الأسطر سطراً فسطراً جميعها في الصفحة، علاوةً على ذلك، يساعدك استخدام دليل القراءة أيضاً في الوصول إلى إيقاع قراءة متساوٍ.

شاهد بالفيديو: كيف تتقن مهارة القراءة السريعة

5. الحرص على زيادة مهاراتك اللغوية:

هناك شيء آخر له تأثير كبير على سرعة القراءة لديك، وهي مهاراتك اللغوية ومفرداتك، إذ يعد فهم اللغة السبب الكامن وراء قدرتك على فهم ما تقرأه، وفي كثير من الأحيان، عدم فهمنا للكلمات، هو ما يعيق قراءتنا.

توضِّح مقدمة مقال رائع نشرته مجلة "سايكولوجيكال ساينس إن ذا ببليك إنتريست" (Psychological Science in the Public Interest) ما يقوله العلم حالياً عن سرعة القراءة:

"إنَّ طريقة الحفاظ على مستوى عالٍ من الفهم، والانتهاء من النص بسرعة، هي من خلال التدرب على القراءة، وأن تصبح مستخدِماً أكثر مهارة للغة، (على سبيل المثال: من خلال زيادة عدد المفردات)؛ هذا لأنَّ المهارة في اللغة هي أساس سرعة القراءة"، وإذا كنت ترغب في القراءة بشكلٍ أسرع، فاقرأ كثيراً وبانتظام وابذل جهداً.

الخلاصة:

تحتاج طريقة إتقان القراءة السريعة إلى نفس الجهد المبذول في إتقان أي مهارة أخرى، فكلما اجتهدت أكثر، كانت النتائج أفضل، ومع ذلك، يعلمنا مجال اكتساب المهارات درساً إضافياً آخر هو: أنت بحاجة إلى التدريب كي تتحسن، وزيادة قدراتك باستمرار قدر ما أمكنك.

المصدر




مقالات مرتبطة