5 دروس يمكن أن يتعلمها مديرو المنتج من الطهاة

غوردون رامساي (Gordon Ramsay) طاهٍ مشهور يعرف بدقَّةٍ ماذا يريد من فريقه، وكيف ينفِّذ ما يريد، وكيف يجعل الزبائن يعودون إليه، حتى لو أدى هذا إلى إرباك المنافسين أو حتى أعضاء الفريق.



ثمَّة كثيرٌ من الدروس التي تستطيع أن تتعلَّمها من أشخاصٍ كهؤلاء يقضون كثيراً من الوقت في خدمة الآخرين، لا سيَّما الذين يمارسون مهنةً يتقن الناس فيها التخطيط، والتدبير، وحتى خوض التغيير. فكيف تكون مُنتِجاً في عالمٍ تَعُمُّه الفوضى العارمة؟

إذا بدأنا من المطاعم الفاخرة، تستطيع بسهولة أن تفهم أنَّ كل شيءٍ يبدأ من قمة الهرم، ويبدو أنَّ كل شخصٍ لديه مهام منتجة يؤديها. وفي صورة المطبخ المثالي، ثمَّة قائدٌ يعمل كوتشاً ويتقن منح القوة للآخرين، ويضبط كل تفاصيل العمل ضبطاً متناسقاً؛ يُدعَى هؤلاء الأشخاص الطُهاة، حيث يختار هؤلاء سماكة شرائح اللحم اللازمة للحصول على درجات حرارة مرتفعة، ويضعون الكمية المثالية من التوابل والزُبد فوق الأطباق، ويختارون الأعشاب المناسبة لإعداد أشهى أطباق المقبلات، ويتقنون فن إعداد ألذ وأدسم طبق بطاطا مهروسة، بينما جموع الزبائن ينتظرون في الخارج؛ لذلك يستطيع هؤلاء المحترفون تقديم كثيرٍ من دروس تعزيز الإنتاجية لمديري المشاريع.

يبيِّن لنا الطُهاة لماذا يجب أن نتعلم منهم أكبر عددٍ ممكنٍ من الدروس ونطبِّقها في شركاتنا، ذلك لأنَّهم يضطرون باستمرارٍ إلى العمل تحت ضغطٍ شديد وفي بيئاتٍ يُعَدُّ عامل الوقت حسَّاساً جدَّاً فيها.

على الرغم من أنَّ كلَّاً من التقليب، والشواء، والقلي، والتقطيع تبدو أعمالاً تؤدَّى بلمح البصر حينما تُمارسها يدان ماهرتان، إلَّا أنَّ العمل طاهياً يُعَدُّ مُجهداً، وهو ليس مهمَّةً فردية، وحينما تكون طاهيَّاً يجب عليك أن تدير فريقاً يحتاج أعضاؤه إلى العمل بكفاءة وتلبية الطلبات بسرعة؛ إذ إنَّ التأخُّر قليلاً يمكِن أن يؤدي إلى ترك انطباعات سيئة، وإغضاب الزبائن، وتلقِّي سيلٍ من الاتهامات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يمتلك مديرو المشاريع أدواتٍ لإدارة المهام عبر الإنترنت وقوائم مهام في متناول أيديهم؛ وفي المقابل، يضطرُّ الطُهاة إلى تَدبُّر أمورهم وحدهم باستخدام مجموعة مهارات إدارة الوقت التي يمتلكونها، لهذا السبب ثمَّة قواعد ذهبية حينما يتعلق الأمر بالعمل طاهياً والتحلي بالإنتاجية لتقديم تلك الأطباق الشهية التي تُسيل اللُعاب وملئها بأغنى المكونات، وكل ذلك في وقتٍ قصير.

في إمكان مديري المشاريع أن يأخذوا الاستلهام من الطهاة وأن يطبقوا ما يأخذونه على حياتهم اليومية. وفيما يلي أبرز العادات التي يتبعها هؤلاء الطُهاة المرموقون:

1. تحضير كل شيءٍ مسبقاً:

تُستخدَم هذه العادة في المطابخ الاحترافية لتنظيم كل شيءٍ وترتيبه قبل بدء الطهي؛ إذ يقلل هذا هامش الخطأ ويضمن إعداد الطعام في الوقت المُحدَّد. يقول الطاهي أنتوني بورداين (Anthony Bourdain) في كتابه الذي يحمل عنوان "أسرار المطبخ" (Kitchen Confidential): "إنَّ التحضير المُسبَق هو ديدن كل الطُهاة المميزين. حينما تكون طاهياً، فإنَّ مطبخك، وحالته، وترتيبه يُعَدُّون امتداداً لحالتك العصبية. الكون كله يكون مرتباً حينما تُرتِّب مطبخك بالطريقة التي تحب؛ فأنت تعرف أين تعثر على كل شيءٍ وعيناك مغمضتان. وكل شيءٍ تحتاجه في أثناء الطهو في متناول يديك؛ وهذا بمنزلة التحصينات التي تدافع بها عن نفسك".

إذا أردتَ وضع البصل والطماطم أوَّلاً في المقلاة على سبيل المثال، فيجب عليك أن تضعهما في وعاءٍ أمامك مباشرةً، وبعد ذلك يأتي القَبَّار والزيتون، وأخيراً يُوضَع السلمون في وعاءٍ ثالث، وأخيراً الصلصات والبهارات.

على الرغم من أنَّ معظمنا لا يعملون في المطبخ وليسوا مضطرين للتعامل مع المكونات التي تحتاج إلى وزنٍ، أو تحضيرٍ، أو جمعٍ، أو تقطيعٍ، أو شواءٍ، أو قلي، إلَّا أنَّ تخصيص وقتٍ للتخطيط قبل البدء، واستيعاب قيمة اتِّباع نهجٍ مشابه يُعَدَّان أمرَين رائعَين. ويضمن النظام المذكور في الأعلى لمديري المشاريع أن يُنفَّذ كل شيءٍ تنفيذاً جيداً، سواءً كنتَ تنفِّذ مشروعاً واحداً أم عشرة مشاريع. فبعد أن تكون المصادر والأغراض في متناول يديك تستطيع توسيع العمليات لتنفيذ مشاريع ضخمة، وتستطيع بدءاً من اليوم ترتيب مكتبك بالاعتماد على أكثر الأشياء التي تستخدمها؛ إذ يمكِنك مثلاً وضع القلم في المكان نفسه الذي يُوضَع فيه كل يوم، كما يجب عليك أن تعرف أين وضعتَ الدفتر الذي استخدمتَه يوم أمس حتى لو كنتَ معصوب العينين.

إقرأ أيضاً: سر كسب الزَّبائن وتوسيع نطاق عملك

2. التنظيف بعد الانتهاء فوراً:

تملأ الفوضى المطابخ عادةً، ولهذا السبب أنت في حاجةٍ إلى تنظيفها كلما انتقلتَ من مهمَّةٍ إلى أخرى؛ إذ يضمن لك هذا أن يبقى المطبخ مرتباً وألَّا تنفد الأواني في أثناء إعداد الطعام. وإذا كنتَ مارستَ قَطُّ لعبة أوفركوكد (overcooked)، لا بُدَّ أنَّك شعرتَ بتشنج الأعصاب وزيادة ضربات القلب حينما يوشك الطعام على الاحتراق، ثمَّ تكتشف فجأةً أنَّك نسيتَ غسل الأطباق، وأنَّ مطبخك تَعُمُّه الفوضى، وأنَّ عليك أن تهرول مسرعاً إلى الزاوية البعيدة لتقطيع حبات الطماطم تلك بينما ينتظر الزبائن طعامهم بفارغ الصبر.

يقول أحد مُدرسي الطهي: "إذا لم ترتب المكان قبل مغادرته ستَعُمُّه الفوضى. فيجب على الناس أن يفعلوا ذلك في منازلهم، ذلك لأنَّه لا يوجد ما هو أسوأ من تنظيف كومةٍ من الأطباق بعد نهاية حفلة عشاء مسلية، وإذا نظفتَ كل شيءٍ بعد الانتهاء من استخدامه ستصبح حياتك أسهل".

ثمَّة أشخاصٌ في المكاتب يحتسون القهوة ويتركون فناجينهم على الطاولات. ويعني المكتب الذي تَعُمُّه الفوضى عقلاً تَعُمُّه الفوضى؛ مما يصنع بيئةً غير ملائمةٍ للعمل، وصحيحٌ أنَّ بعض الأشخاص ينتظرون تجمُّع أغراض عديدة معاً قبل رميها في القمامة، إلَّا أنَّه من الأفضل تنظيف المكتب بمجرد أن تُوضَع عليه أول آنيةٍ فارغة. وفي المقابل، إذا احتسى طاهٍ كوباً من القهوة، فمن المؤكَّد أنَّه سيتذكَّر مباشرةً التخلص منه، حيث يشوِّش ترك الأغراض مبعثرةً هنا وهناك نظرك، ويصرف تركيزك بعيداً عن الأنشطة الهامة التي تؤديها، ولهذا السبب يُفضِّل الطهاة تنظيف أغراضهم في أثناء تأدية أعمالهم.

3. جعل اتخاذ القرارات عملاً آليَّاً:

هل الذي يجعل عمل الطهاة فاعلاً هو بساطة الأسئلة التي يطرحونها على أنفسهم؟ يطرح الطهاة أسئلةً بسيطة يُجاب عنها إمَّا بنعم أو بلا؛ هل نضيف مزيداً من الملح؟ وهل اكتسب البصل لوناً بنيَّاً مثاليَّاً؟ وهل حان وقت خفق الطحين؟ وهل طُهيَت شريحة اللحم طهياً نصف كامل؟

قد يطرح الطاهي أسئلةً كهذه مراراً وتكراراً خلال عملية الطهي، لكنَّه إذا سهى مرةً واحدةً أو أخطأ الحساب، فقد يعني هذا فساد الوجبة كلها. ويتَّبع جُلُّ الطهاة عادةً تحديد عدد الأسئلة التي يطرحونها على أنفسهم؛ إذ لا وقت لديهم للتنبُّؤ، ذلك لأنَّ كل شيءٍ يحدث في وقتٍ قصير وأي شيءٍ يمكِن أن يؤثِّر في النتيجة النهائية، كما ينطبق الشيء نفسه على مديري المشاريع، لكن من حسن حظ هؤلاء أنَّ في إمكانهم أتمتة مهامهم باستخدام أدوات إدارة مهام إلكترونية فاعلة.

إقرأ أيضاً: 7 طرق هامة لإتقان عملية اتخاذ القرار

4. حلقة التغذية الراجعة:

ما الذي يخطر في بالك إذا تخيلتَ طاهياً؟ هل تتخيل رجلاً يرتدي قبعةً بيضاء مُدبَّبة ويمسك في يده ملعقةً خشبية؟ لا يقتصر الأمر على هذه الصورة النمطية وحدها؛ بل يُشتهَر الطُهاة حقيقةً بأنَّهم يتذوقون طعامهم كل دقيقة من أجل أن يُبدو رأيهم بمذاق الطعام ونوعيته.

تُعَدُّ حلقة التغذية الراجعة هذه جزءاً من عملية الطهي؛ إذ لا يستطيع الطهاة من دون تذوق الطعام التنبؤ إن كان مُتبَّلاً تتبيلاً جيداً أو إن كان المزيج متوازناً توازناً جيداً، حيث يُجري الطاهي تعديلاتٍ اعتماداً على هذه التغذية الراجعة حتى يصل إلى المزيج والقَوام المناسبَين.

يُجري الطاهي التعديلات الضرورية بحسب ما يرى مع تغيُّر النتائج، ثمَّ تغيَّر مكونات الطعام - من أجل تغيير النتائج - النكهة أو الطبق النهائي.

مثلما أنَّه ليس لدى الطاهي رفاهية انتظار النتيجة النهائية حتى يتصرف وفق ما تمليه عليه حلقة التغذية الراجعة، لا يستطيع مدير المشروع الانتظار أياماً وأسابيع، وحتى شهور لتعديل المشروع حينما يجد فيه مشكلةً ما، ذلك لأنَّ تأخراً بسيطاً يمكِنه أن يحبط الزبائن؛ لذلك يجب على مدير المشروع إجراء التغييرات الضرورية في مشروعه مباشرةً حتى ينجز مشروعه في الوقت المحدد وضمن إطار الميزانية المحددة. وكلما اكتُشِفت حالات الخلل في وقتٍ مبكر، كان الرجوع إليها وتلافيها قبل أن تعيث فساداً أهون من القيام بذلك حينما يشارف المشروع على الانتهاء.

5. وضع اللمسات النهائية:

لا تنتهي مهمة الطاهي حينما يُوضَع الطعام أمام الزبائن ليبدؤوا تناوله، وحينما تكون مدير مشروع، قد يبدو أنَّ الهدف ينتهي عند تسليم المنتج النهائي للزبون، فتفترض أنَّ عملك انتهى حينما يُقدَّم العرض النهائي، أو يُعرَض المُنتَج.

بيد أنَّ الطاهي المحترف يعلم أنَّ عمله لا ينتهي إلَّا حينما يغادر الزبون والابتسامة تَعلو مُحيَّاه، وتُنظَّف الصحون، ويُرتَّب المطبخ، وتُعقَّم الطناجر، وتُشحَذ السكاكين، وتُجهَّز ألواح التقطيع استعداداً لليوم التالي. فلا تعني رؤية المُنتَج النهائي - الأطباق - يُقدَّم أنَّ العمل قد انتهى.

إقرأ أيضاً: بناء الألفة مع الزبائن: منح زبائنك القيمة التي لم يشهدوا مثلها

في الختام:

مَن كان يتوقع أنَّ في إمكان الطُهاة أن يُقدِّموا لنا أطباقاً من الحكم الثمينة التي علَّمَتهم إياها الحياة؟ إنَّهم أساتذة المهنة بلا شك، لكنَّهم أيضاً قادةٌ، وخبراء، ومُعلِّمون رائعون؛ فاستوعِب هذه الدروس، وتعلَّم أن تنظر إلى الحياة من زاويةٍ أوسع.

المصدر




مقالات مرتبطة