5 خرافات حول السلوك الذهني الإيجابي

لا شكّ في أنَّني شخصٌ إيجابي، أو أسعى على الأقل إلى أن أكون شخصاً إيجابياً، لكنَّني أعلم أنَّني لست إيجابياً دائماً وأحاول باستمرارٍ أن أراعي ما يمليه عليَّ ضميري في خياراتي، وأفكاري، وردود أفعالي.

يسألونني دائماً عن التفكير الإيجابي لذلك أودُّ أولاً أن أوضح بعض النقاط غير الواضحة.

لا يعيش الأشخاص الإيجابيون في عالمٍ خياليٍّ بعيدٍ عن الواقع، إذ قد يُركّز الأشخاص الإيجابيون اهتمامهم على الأشياء الإيجابية أكثر من السلبية لكنَّ هذا لا يعني بالضرورة أنَّهم غير واقعيين، حيث يتمتّع الشخص الإيجابي بقدرةٍ كبيرةٍ على فهم الواقع.



مع وجود العديد من الخرافات المتعلقة بالسلوك الذهني الإيجابي من المهم أن نفرق بين الواقع والوهم فدعنا نستكشف بعض هذه الخرافات ونتعرف على الحقائق التي تقف خلفها:

الخرافة الأولى: التفكير السلبي يُعَدُّ واقعياً أكثر

أَسَمِعْتَ قطُّ شخصاً سلبياً يقول أنَّه سلبي؟ أم يقول إنَّه واقعيٌّ فقط؟ تُبْقي هذه الخرافة الناس محتجزين في عالمٍ سلبيٍّ من صنع يديهم.

تؤثر أفكار الشخص في البيئة التي يعيش فيها سواءً كانت سلبيةً أو إيجابية، فإذا كنت تفكر بطريقةٍ سلبية سيبحث عقلك بشكلٍ آلي عن إثبات أنَّ هذا العالم مكانٌ فظيع. وبما أنَّك ستُصدّق ما تراه عيناك سيُعزّز العقل الإيمان بأنَّ الواقع سلبي وستظل محتجزاً في دوامة الأفكار السلبية. وإذا كنت تتوقع نتائج سلبية لن تجازف على الأرجح وتُجرّب أشياء جديدة وسيغطي التفكير السلبي انطباعاتك بغطاءٍ من الخوف.

يعمل التفكير الإيجابي بالطريقة ذاتها إذ ستسعى من خلال اتّباع سلوك ذهني إيجابي إلى اتخاذ خيارات إيجابية وتوقع نتائج إيجابية. سيساعدك هذا في تجاوز الشعور بالخوف وتجريب أشياء جديدة قد يعتقد الآخرون بأنَّها غير ممكنة وهذا سيقدم لك في النهاية نتائج إيجابية.

إنَّ الطريقة التي يُفكّر بها الشخص تُحدّد واقعه فالتفكير السلبي يُعَدُّ تفكيراً واقعياً بالنسبة إلى الأشخاص السلبيين فقط لأنَّ أفكارهم السلبية تصبح واقعاً حقيقياً. ومن المثير للسخرية أيضاً أنَّ الأفكار الإيجابية تتحقق على أرض الواقع أيضاً لكن بطريقةٍ مختلفة. هذان النوعان من الأشخاص يريان كلاهما الواقع بطريقته وكِلاهما يعتبران ما يريانه واقعاً.

إقرأ أيضاً: أهم علامات التفكير السلبي

الخرافة الثانية: يتوقع الأشخاص الإيجابيون أن تهطل عليهم أكياس النقود من السماء إذا تمنوا ذلك

يعتقد الذين لا يؤمنون بالتفكير الإيجابي أنَّ الأشخاص الذين يفكرون تفكيراً إيجابياً يتوقعون أنَّ رغباتهم ستتحقق ببساطة إذا فكروا فيها بشكلٍ إيجاب، وهذا أبعد ما يمكن عن الحقيقة.

إنَّ جميع الأشخاص الذين يحققون أي شيء – سواءً كان جمع مليون دولار أم أن يصبح ممثلاً ويكسب جائزة الأوسكار – يحققونه بالطريقة نفسها: بالمبادرة. يُعَدُّ الأشخاص الإيجابيون أشخاصاً مميزين لأنَّهم يعتقدون بأنَّ رغباتهم يمكن تحقيقها بسهولة ويتمتعون بعقليةٍ إيجابية. لا تعتمد تصرفاتهم على الخوف من ندرة الموارد بل على الإمكانات المتاحة بين يديهم لذلك يساعد السلوك الإيجابي الشخص في تحقيق رغباته ليس من خلال جعله يحلم بها فقط بل من خلال حث الشخص أيضاً على المبادرة.

الخرافة الثالثة: التفكير الإيجابي لا يغير الواقع

يرى الأشخاص الذين يؤمنون بهذه الخرافة مشكلةً ويعتقدون بأنَّ كل ما سيفعله التفكير الإيجابي هو تجاهل بشاعة الواقع. لكنَّ الحقيقة هي أنَّ التفكير الإيجابي لا يتجاهل المشكلة بل يساعدك في رؤيتها من زاويةٍ جديدة. أمَّا المشكلة تكون حينما لا ترى أنَّ المشاكل ليست مشاكل. فكر في المشكلات ومهما كان رأيك في العوامل الخارجية سيبقى الموقف على حاله. وإذا كان الشعور بالإحباط لن يغير نتيجة المواقف الماضية فبماذا سينفعك وهل سيكون مفيداً لك صحياً وهل سيجعلك ترى الجوانب الإيجابية؟

يؤدي السلوك الذهني الإيجابي إلى تبني عقلية مبنية على الوفرة والحماسة وتؤمن بالحلول، وعوضاً عن التفكير بالأمور التي لا يمكن إنجازها لا يقيد الأشخاص الذين يفكرون تفكيراً إيجابياً أنفسهم بما "يمكن" وما "لا يمكن". يبتكر الأشخاص الذين يفكرون تفكيراً إيجابياً طرائق جديداً لحل المشكلات لأنَّهم لا يقيدون أنفسهم بالخوف من الإخفاق. وحينما نكون في حالٍ من الوفرة نكون أرضاً خصبةً للإمكانات وجعل الأحلام أمراً واقعاً. وحينما نكون متسامحين نتقبل بصدرٍ رَحِبْ الهدايا التي تغدقها علينا الحياة، حينما أدركت هذا المبدأ وغيرت عاداتي في التفكير بدأت تظهر المعجزات في حياتي.

يستطيع السلوك الذهني الإيجابي تغيير الواقع من خلال السماح للشخص بأن يتصرّف بطريقةٍ مختلفةٍ كُلِّيَّاً – وهو يستطيع فعل ذلك بالفعل – وبالتالي جني نتائج مختلفة كلِّيَّاً.

الخرافة الرابعة: الأشخاص الذين يفكرون تفكيراً إيجابياً ليس لديهم أدنى فكرة عن العالم الواقعي

من السهل الاعتقاد بأنَّ الأشخاص الذين يفكرون تفكيراً إيجابياً يعيشون حياةٍ مثالية ولا يعانون أبداً من صعوبات الحياة، والناس لا يكونون إيجابيين إلى درجةٍ ما إذا واجهوا ربما بعض الأوقات العصيبة في حياتهم، لكن الحقيقة تقول أنَّ هذا الكلام مجرد تبريرٍ للتفكير السلبي.

لا أعرف شخصاً إيجاباً لم تشهد حياته مِحَناً حقيقيةً وخطيرة فقد رأوا إحباطاتٍ، وفقدوا أشخاص عزيزين عليهم، وعانوا من إعاقاتٍ جسدية، وكابدوا من التجارب الإنسانية ما كابدنا جميعاً. الفرق بيننا وبينهم أنَّ هؤلاء الأشخاص لم يسمحوا لتلك التجارب أن تغير طريقة تفكيرهم. إنَّ السلوك الذهني الإيجابي يعني أن تتحكم بأفكارك وعواطفك.

يمرّ كل إنسان بحالات حزن ومِحَن تمتحن صبره لكن أشخاصاً قليلين لديهم الشجاعة للتصرف بشكلٍ إيجابيٍّ وعقلاني. السلوك الذهني الإيجابي لا يعني أنَّ الشخص لا يعاني حياةً عصيبة بل يعني ببساطةٍ أنَّه اختار أن يرى الأمور الجميلة التي تقدمها له الحياة وأن يشارك فيها بدلاً من أن يرى الأشياء السلبية فقط.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتبنّي التفكير الإيجابي كمنهج حياة

الخرافة الخامسة: الأشخاص الذين يتمتعون بسلوكٍ ذهنيٍّ إيجابي أشخاصٌ مثيرون للإزعاج وغير صادقين

حسنٌ فلنعترف أنَّ بعض الأنواع من الأشخاص الإيجابيين مزعجون قليلاً. نحن نتحدث عن الأشخاص الذين يقولون أشياء تافهة ويتوقعون أن يكون كل شيءٍ مثالياً بغض النظر عن كل شيء. الأشخاص الإيجابيون لا يرددون عباراتٍ جوفاء لا معنى لها بل هم أشخاص يمتلكون أفكاراً واقعية ويعانون من انتكاساتٍ وإحباطات مثلهم مثل أي شخصٍ آخر لكنَّهم مَرِنون أيضاً ويبحثون عن طرائق ليحافظوا على الإيجابية. هذا ليس سلوكاً مزعجاً بل هو طريقة تفكيرٍ صحية وطريقة عيشٍ ذكية.

الأشخاص الإيجابيون فعلاً لا يتوقعون أن تكون الحياة مثالية بل يتوقعون أنَّ كل حدثٍ يحصل هو أفضل ما كان يمكن أن يحصل في تلك اللحظة. الآن وأنت تفكر فيما حصل تذكر أنَّ ما حصل ذهب مع الماضي وأنَّك لا تستطيع الرجوع إلى الماضي وتغييره لذلك يجب عليك أن تقتنع أنَّ ما حصل كان الأفضل وأن تنتقل إلى اللحظة القادمة.

وحتى الظروف الخارجية التي تبدو أنَّها خارج السيطرة نستطيع التحكم بها من خلال ردود الأفعال النفسية، إنَّها في الواقع الشيء الوحيد الذي نسيطر عليه سيطرةً كاملة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة