5 إرشادات للتعامل مع شخص مكتئب

"ثمَّة جروح لا تظهر على الجسم وهي أعمق وأكثر إيلاماً من أي جرح ينزف".

" لوريل ك. هاملتون" (Laurell K. Hamilton).

إذا كنت تحب شخصاً يعاني من الكآبة، فلا تسأله أبداً عن السبب؛ لأنَّه لا يعرف، فالاكتئاب ليس استجابة مباشرة ومدروسة لموقف صعب؛ بل حالة مفاجئة لا يمكن الوقوف على أسبابها بسهولة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب.

انتبه إلى شعورهم بالخمول واليأس والوحدة، وقف إلى جانبهم على الدوام إلى أن يتعافوا، فمن الصعب أن تكون صديقاً حقيقياً لشخص مصاب بالاكتئاب، لكنَّه واحد من ألطف وأفضل الأشياء التي ستفعلها وأكثرها تأثيراً على الإطلاق.

عملت أنا وزوجتي "إنجل" مع العشرات من الأشخاص المصابين بالاكتئاب على مرِّ السنين، وقد اختبرنا معاً نوبات اكتئاب، وما تعلَّمته هو: لا يوجد نصائح تناسب الجميع؛ لذلك الإرشادات أدناه ليست شاملة، وإنَّما تمثِّل نقطة انطلاق عامَّة لمساعدة أحبائك المصابين بالاكتئاب على الصمود والشفاء تدريجياً:

1. الاكتئاب ليس أمراً يختاره الشخص بملء إرادته:

عندما تتوه في غياهب تلك الغابة، قد يستغرق الأمر بعض الوقت لتدرك أنَّك تائه، فمن السهل إقناع نفسك لبرهة من الوقت بأنَّك قد خرجت للتوِّ عن المسار، وأنَّك ستجد الآن طريق العودة في أي لحظة، ثمَّ تمضي الأيام دون أدنى فكرة عن مكانك، ومع أنَّه أمر مؤلم، فقد اقترب الوقت للاعتراف بأنَّك قد توغَّلت بعيداً عن المسار في أعماق الغابة، ولم تعد تعرف الاتجاه الذي تشرق فيه الشمس أو تغرب منه، فأنت لم تختر أن تكون حيث أنت، لكن لا يمكنك أن ترى مخرجاً، هذا ما شعرت به عندما عانيت من الاكتئاب لعدة ليالي خلَت.

الاكتئاب هو واحد من أكثر التجارب العاطفية التي تستنزف قوى المصاب وتوهن عزيمته، ففي بعض الأحيان تشعر بالضياع، وأحياناً تشعر باليأس، وأحياناً تتبلَّد مشاعرك فلا تشعر بأي شيء، فثمَّة أوقات يتملَّكك الاكتئاب فيسكنك الموت من الداخل، وتصبح غير قادر على الحركة والقيام بالأشياء التي اعتدت الاستمتاع بها، فالاكتئاب ليس مجرد مزاج سيئ، وليس شيئاً يمكنك "تجاوزه" عندما تشعر بالرغبة في ذلك، الاكتئاب ليس خياراً يتحكَّم به المرء كيفما يشاء.

شاهد بالفديو: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب

2. من الصعب أن تدرك ماهية الاكتئاب ما لم تختبره:

قد يشير بعض الأشخاص إلى أنَّهم يعرفون كيف يكون الشعور بالاكتئاب لمجرد أنَّهم مروا بطلاق أو فقدوا وظيفة أو فقدوا أحد أحبائهم، ففي حين أنَّ مواقف الحياة الصعبة يمكن أن تؤدِّي إلى الاكتئاب، فإنَّها لا تؤدي إلى الاكتئاب بصورة افتراضية؛ إذ تحمل هذه التجارب في معظم الحالات مشاعر عاطفية قوية، لكن من ناحية أخرى، غالباً ما يكون الاكتئاب ضحلاً أجوفاً ولا يطاق بكل معنى الكلمة، ويجرِّد المرء من العاطفة والأمل والمنطق.

تشعر أنَّك شخص مختلف مجرَّدٌ من إنسانيته؛ أنت ميؤوس منك، ومرتاب، ومُجرَّد من حسِّ الدعابة، وحياتك خاوية، ويائس ومتطلِّب، وليس لديك إحساس كاف بالطمأنينة، أنت خائف، وتخيف الآخرين، تشعر بوعكة صحية وتظنُّ أنَّها غمامة صيف وستمضي، لكنَّك في قرارة نفسك تعلم أنَّ هذا لن يحدث.

يوضِّح الكاتب "ديفيد فوستر والاس" (David Foster Wallace) هذه النقطة قائلاً: "إنَّ ذاك الشخص "المكتئب نفسياً"، الذي يحاول قتل نفسه لا يفعل ذلك بسبب "اليأس"، أو أي قناعة مجرَّدة بأنَّ الحياة مساوية للموت، ليس لأنَّ الموت يبدو جذَّاباً فجأة، فالشخص الذي يصل فيه عذابه الخفي إلى مستوى معيَّن لا يمكن تحمُّله سيقتل نفسه بنفس الطريقة التي يقفز بها الشخص المحاصر في النهاية من نافذة مبنى شاهق يحترق؛ لذا لا تخطئ التقدير المتعلق بالناس الذين يلقون بأنفسهم من النوافذ المحترقة، فما يزال رعبهم من السقوط من ارتفاع شاهق كبيراً كما هو بالنسبة إليك أو إليَّ إذا وقفنا في نفس النافذة وألقينا مجرَّد نظرة؛ أي إنَّ الخوف من السقوط يظلُّ ثابتاً، المتغيِّر هنا هو الرعب الآخر؛ ألسنة النار، فعندما تقترب النيران لدرجة كافية، فيصبح السقوط حتى الموت أهون الشرَّين؛ إذ إنَّها ليست الرغبة في السقوط؛ بل هو الرعب من اللهب، ومع ذلك لا أحد من الموجودين على الرصيف ينظر إلى الأعلى ويصرخ: "لا تفعل" و"اصمد" يمكنه أن يدرك السبب الذي دفعك إلى القفز ما لم يكن في مكانك تحاصره ألسنة اللهب ولا خيار لديه سوى الموت حرقاً، أو القفز على أمل النجاة".

إقرأ أيضاً: العلاج السلوكي المعرفي لمرض الاكتئاب

3. العبارات التشجيعية لا تنفع الشخص المكتئب:

من السهل إخبار شخص ما أنَّك تحب الأشياء "الإيجابية"؛ لأنَّك تظنُّ أنَّك تمنحه الأمل وتساعده على تخفيف آلامه، لكن بالنسبة إلى شخص يعاني من الاكتئاب، غالباً ما يُساء فهم هذه العبارات التشجيعية، فتبدو طائشة وفارغة ولا قيمة لها في الأساس، فهذه العبارات لا تعالج الواقع، وتثير القلق الداخلي، ممَّا يجعل الشخص المكتئب يتمنَّى لو كان وحده، فالجرح أعمق من أن تداويه هذه العبارات.

إذاً، ماذا يمكنك أن تقول عوضاً عن ذلك؟ مرة أخرى، لا توجد إجابة واحدة تناسب الجميع، فقط كن داعماً، إليك فكرة تقريبية عمَّا قد تقوله (ربما ليس دفعةً واحدة):

"أنا أحبك، ولست الوحيد، أرجوك صدِّقني، من فضلك صدِّق أنَّ الأشخاص الذين يحبونك يستحقون أن تعيش من أجلهم حتى عندما لا ترغب بذلك، اسعَ جاهداً إلى استرجاع الذكريات الجيدة التي يخفيها عنك الاكتئاب، تخيَّلها الآن، تنفَّس، تحلَّ بالشجاعة، ركِّز على الحاضر واخطُ اليوم خطوة واحدة تلو الأخرى، مارس الرياضة لأنَّها مفيدة لك حتى لو كانت صعبة ومؤلمة، وتناوَل الطعام حتى عندما تفقد شهيتك، احتكم إلى المنطق حتى عندما لا ترى أي شيء منطقياً، أنا هنا الآن، وسأكون هنا غداً أيضاً، أنا أثق بك وأشعر بألمك"

شاهد بالفديو: 6 نصائح لتقديم الدعم لشخص يعاني من الاكتئاب

4. حتى عندما يرفضون مساعدتك، ما يزال في إمكانك مساعدتهم:

"أنا لا أريد رؤية أحد، أستلقي في غرفة النوم والستائر مسدلة والفراغ يقتلني رويداً رويداً، أيَّاً كان ما يحدث لي فهو خطأي، لقد فعلت شيئاً خاطئاً، شيئاً عظيماً لا يمكنني فهمه، شيئاً يقض مضجعي، أنا غير كافٍ وغبي، ولا قيمة لي، وأستحق الموت".

هذا الاقتباس من كتاب "عين القطة" (Cat’s Eye)، للكاتبة "مارجريت أتوود" (Margaret Atwood’s)، وهي كاتبة كندية وشاعرة وناقدة أدبية وناشطة في المجال النسوي والاجتماعي، تذكِّرني هذه العبارات بالوحدة البائسة والإحباط الذي يشعر به المرء عندما يعاني من الاكتئاب، لكن مع أنَّ الاكتئاب يجعل الشخص يشعر بالوحدة اليائسة، وهو تماماً ما يفعله الاكتئاب غالباً بالإنسان حيث يدفعه للسعي إلى مزيد من العزلة، فعادةً ما يشعر الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب بالإحباط من الشعور بأنَّهم عبء على أحبائهم، وهذا يجعلهم يعزلون أنفسهم ويرفضون مساعدة الأشخاص الذين هم في أمسِّ الحاجة إليهم.

إذا أصبح أحد الأحباء منعزلاً وبارد المشاعر تجاهك بسبب إصابته بالاكتئاب، فقط ابذل قصارى جهدك لتذكيره كلما أمكن أنَّك ما تزال قريباً، لكن لا تجبره على معاشرة الآخرين أو التحدث عن مشاعره إذا كان لا يريد ذلك، تحلَّ بالصبر، واسترخ، وضع في حسبانك: على الرَّغم من أنَّهم قد يريدون الانزواء في مكانهم، إلا أنَّ هذا لا يعني أنَّهم يريدون مواجهة آلامهم وحدهم طوال الوقت.

لذا خصِّص وقتاً تقضيه معهم، اعرض عليهم اصطحابهم إلى مطعمهم المفضل، أو حتى شراء بعض الأطعمة اللذيذة لهم، قدِّم الكثير من الفرص لتعزيز مبادرةٍ ودِّيةٍ في وقت ما حيث يمكنك إخراجهم من روتينهم، حتى لو كان ذلك لبضع دقائق فقط، تواصل معهم على فتراتٍ عشوائيةٍ، أثبت لهم أنَّهم ليسوا وحدهم.

5. الاكتئاب يرهق ويستزف قوى المصاب؛ لذلك لا تأخذ سلوكهم على محمل شخصي:

الإرهاق المستمر هو أحد الآثار الجانبية الشائعة للاكتئاب، فمجرَّد النهوض من السرير في الصباح يمكن أن يكون تجربةً مرهقةً ومؤلمةً، فقد يشعر الشخص المصاب بالاكتئاب بحالة جيدة في لحظة ما، ويشعر بالإرهاق التام في اللحظة التالية، حتى لو كان يأكل بطريقة صحيحة ويحصل على قسطٍ كافٍ من النوم، يمكن أن يؤدي ذلك إلى قيامهم بإلغاء الخطط، أو مغادرة اللقاءات مبكِّراً، أو الكلام بصورة مقتضبة، فقط تذكَّر أنَّ الأمر لا يتعلق بك، لا علاقة للأمر بما فعلته أو لم تفعله، هذه ليست سوى بعض الآثار الجانبية الشائعة التي تظهر بسبب الاكتئاب.

ابذل قصارى جهدك لعدم أخذ أي شيء يفعلونه على أنَّه شخصي، يمكن للناس فقط إعطاء الآخرين ما لديهم، والاكتئاب يجرِّد الشخص المصاب من كل شيء، يجب أن تكون كلماتك وأفعالك بدافع الحب، لكن لا تتوقَّع من حبيبك المكتئب أن يبادلك نفس المشاعر على الدوام، ولا بأس بذلك، فعندما لا تأخذ الأمور على محمل شخصي، فإنَّك تحرِّر نفسك، وتفتح قلبك لشخص يحتاج إليك، دون السماح للتوقعات التي لا داعي لها أن تقف في طريق السيل الجارف من العاطفة التي يمكنك منحها.

إقرأ أيضاً: 10 أشياء يجب تذكرها قبل أن تأخذ الأمور على محمل شخصي

في الختام:

أودُّ أن أتحدَّث أكثر قليلاً عن وجهة نظري المذكورة آنفاً عن حقيقة أنَّ فاقد الشيء لا يعطيه"، تذكَّر هذا ينطبق عليك أيضاً، فالاهتمام بحبيبٍ مكتئبٍ يمكن أن يكون مرهقاً، فإذا لم تعتنِ بنفسك بطريقة صحيحة، فلا يمكنك الاعتناء بهم بطريقة صحيحة مهما حاولت جاهداً، قد تكون قادراً على البقاء معه جسدياً، لكن إذا نفد مخزونك العقلي والعاطفي، فلن يكون لديك الكثير لتقدمه.

لذا؛ اعتن بنفسك، واسترخ بين الفينة والأخرى لكي تجدِّد نشاطك، وهذا يعني النوم لوقت كافٍ، وتخصيص وقتٍ للمرح والضحك، وتناول الطعام الصحي بما يكفي للحفاظ على مستويات الطاقة القصوى، وتخصيص وقت للتعافي من ضغوطات شخص ما تحبه خلال اكتئابه.




مقالات مرتبطة