5 أنواع للمماطلة، وكيف نتغلب على كلٍّ منها؟

نرتكبُ جميعنا ذنب المُماطلة من حينٍ إلى آخر، حيثُ نجدُ دوماً ما هو أكثر إثارةً من العمل؛ فالموعد النهائي هو ما يهمنا، لذلكَ لا مُشكلة إذا ماطلنا قليلاً، إذ سنبذلُ قُصارى جهدنا في العملِ حين يأتينا الإلهام، حتى أنَّنا نتبادل المُزاح حيال هذا الموضوع أحياناً.



ومع ذلك، وكما هو معروف للجميع، فإنَّ المُماطلة مضيعةٌ هائلةٌ للوقت؛ فقد وجدَ مسحٌ إحصائي عام 2015 أنَّ الشخص يهدرُ وسطياً أكثر من 55 يوماً في المماطلة كلَّ عام، حيثُ يضيِّع حوالي 218 دقيقة كلَّ يوم في القيام بأشياء غير هامة.

لنحسب ذلك رياضياً: 218 دقيقة في يوم × 365 = 79570 دقيقة = 55.3 يوماً كاملاً في السنة.

وهذا يساوي الكثير من الوقت الضائع.

يجب أن نكافح المماطلة من أساسها، ويُمكننا القيام بذلكَ إذا عرفنا أنفسنا أكثر، وأدركنا أنَّ هذه العادة السيئة تُسمَّى المماطلة (التسويف)، وعندها فقط يُمكن أن ننجح في التخلص منها والوصول إلى أهدافنا.

5 أنواع للمماطلة وكيفية التغلب عليها:

هناك خمسة أسبابٍ شائعةٍ تجعلُ الناس يُماطلون؛ ولمُساعدتك على تحديد سبب تأجيلكَ للأشياء، إليك 5 من الشخصيات المماطلة، والتي تساعدك على تحديد النوع الذي تنتمي إليه:

1. النوع الأول، الساعي إلى الكمال:

يولي هؤلاء الأشخاص اهتماماً كبيراً للتفاصيل الثانوية، ويَخشون البدء بالمَهمَّة لأنَّهم يشعرُون بالتوتر حيالها؛ فهم يريدُون تنفيذ كلِّ التفاصيل بإتقان؛ لذا يُمكن لهم أن يبقوا عالقين في هذه العملية لأنَّهم يخشون كثيراً من المُضي قدماً.

نصيحة للشخص الكمالي:

بدلاً من تركِ هوسكَ بالتفاصيلِ يستنزف كلَّ وقتك، كُن واضحاً حولَ هدفكَ المنشود من المهام التي تقوم بها، وحدد جدولاً زمنياً لكلٍّ منها؛ حيث سيُرغمك هذا على التركيزِ والانتهاء من مَهمَّتك خلال الإطار الزمني المحدد.

فمثلاً: إذا كنت ستكتبُ تقريراً، فلتكن واضحاً بشأن الغرض من التقرير أولاً؛ وإذا كان الهدف من التقرير هو عرض التغييرات في البيانات على مدى الأشهر القليلة الماضية، فلا تُفرِط في كتابةِ الكثيرِ من الكلمات المُنمقة، وركِّز أكثر على الأشكالِ والرسوم البيانية، واحرص فقط على إمكانية الوصول إلى الغرض المنشود دون حاجةٍ إلى العملِ على الأشياء التي لا تُساعدك على تحقيقِ الهدف النهائي.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلّص من السعي إلى المثالية!

2. النوع الثاني، الشخصية الحالمة:

يستمتعُ هذا الشخص بوضعِ الخطة المثالية أكثرَ ممَّا يفعل عند اتخاذِ الإجراءات، ويكون مبدعاً للغاية؛ لكنَّه يجد صعوبةً في إنهاءِ المَهمَّة.

نصيحة للشخصِ الحالم:

لمنعِ نفسكَ من الانجرافِ في خيالك، عُد إلى الواقعِ عن طريقِ تحديدِ أهداف مُحددة وقابلة للإنجاز كلّ يوم، بالاعتماد على هيكلية SMART لتحديد الأهداف.

حدد الهدف، وقسِّم الخطة إلى مهام صغيرة، بحيثُ يُمكنكَ اتخاذ إجراءات فورية؛ فمثلاً: إذا كنتَ تحلمُ بالاستيقاظ أبكر كلَّ يوم، فحدد هدفاً واضحاً بشأنِ ذلك، مثل: "سأستيقظ الساعة 6:30 صباحاً كلَّ يوم، وذلك في غضونِ 3 أسابيع".

ثمَّ قسِّم هذا الهدف إلى مهام أصغر:

  • من الليلةِ فصاعداً، سأنام قبل الساعة 11 ليلاً.
    • سأضبط المُنبه للتذكير بوقتِ النوم.
    • سأحددُ موعداً أبكرَ للقاء الأصدقاء حتى أتمكَّن من النوم مُبكراً.
  • الأسبوع الأول: سأستيقظُ في الساعة 7:30 صباحاً، حتى في أيام العُطلات.
    • سأذهب لمُمارسة الهرولة أو السباحة في الصباح في عُطلةِ نهايةِ الأُسبوع.

وتستمرُ قائمة المهام.

يجب أن ينعكس هذا على تقدمكَ في العمل، لذا تتبَّع مدخلات ومخرجات كلِ مَهمَّةٍ تقومُ بها، بحيثُ يُمكنك معرفة المهام التي لا تتعدَّى كونَها مضيعةً للوقت؛ إذ يُمكن لهذا أن يُساعدك في التركيزِ على القيامِ بالأشياء التي تُحقق نتائج إيجابيةً، ممَّا سيُحسن الإنتاجية.

3. النوع الثالث، الشخصية المُتهرِّبة:

يخشى الشخصُ القَلِق من القيام بمهام يعتقدُ أنَّه لا يستطيع القيامَ بها؛ إذ إنَّهُ يُفضل تأجيل العمل على تلقي الاحكام من قِبلِ الآخرين في حالِ ارتكابِهِ الأخطاء.

نصيحة للمُتهرِّبين:

يبدو التحقق من رسائلِ البريد الإلكتروني مُغرياً، لكن لا تعطِ الأولوية لمَهمَّة الإجابة على الرسائل البريدية الإلكترونية،؛ فأحياناً تكون غير هامة؛ لكنَّها تسرق وقتكَ وطاقتكَ العقلية قبل أن تُلاحظ حتى.

ركِّز بدلاً من ذلك على المهام الأهم أولاً، واقضِ فترة الصباح في العملِ على ما تجد أنَّه يُشكِّل التحدي الأكبر لك؛ إذ سيُعطيك هذا شعوراً بالإنجاز، ويُساعدك على تحقيق الزخم ليومٍ مثمرٍ قادم.

حاول تقسيم مهامك إلى مهام فرعيةٍ أصغر، وتعرَّف على كمية الوقت والجهد المطلوبين حقاً لمَهمَّة معينة، واعتمد على عملياتٍ حسابية واقعية.

فمثلاً: قد يتطلبُ تقريرٌ من 2000 كلمة الكثير من الوقتِ والجهد، ويبدو أنَّ بدء العمل عليه مُخيفٌ حقاً؛ ولكن هل هناك طريقة لتقسيم هذا إلى أجزاء أصغر، بحيثُ يُصبحُ العمل عليه أقلّ رهبة؟ ماذا عن تقسيم العمل كما يلي:

  • مُقدمة: حوالي 100 كلمة (15 دقيقة).
  • جدول المحتوى (5 دقائق).
  • تقرير عن الوضع المالي: مُخطط يحتوي على 100 نص داعم (20 دقيقة).
  • دراسة الحالة: 3 حالات بناءً على نموذج الأعمال الجديد، وتتألف كل حالة من 400 كلمة (حوالي 40 دقيقة لكلٍّ منها).
  • الخُلاصة: حوالي 800 كلمة (30 دقيقة).

هل تبدو المَهمَّة أسهل بكثيرٍ الآن؟

4. النوع الرابع، الشخصية صانِعة الأزمات:

يؤجِّل صانِعُ الأزمات العملَ عمداً حتى آخر دقيقة، فهو يجدُ المواعيد النهائية (الأزمات) مُثيرةً ومُحفِّزة، ويعتقد أنَّهُ يعمل بطريقةٍ أفضل عندما يُضطر إلى الاستعجال.

نصيحة لصانِع الأزمات:

إنَّ اعتقادكَ أنَّ الحاجةَ إلى الإسراع في أداءِ العملِ ستُعطي نتائج أفضل مُجرَّد وهم؛ ذلك لأنَّهُ في الواقع لا يترك لك مجالاً لمراجعة العمل وتحسينه بعدَ ذلك.

إذا تركتَ العمل دائماً حتى اللحظة الأخيرة، فحاول استخدام تقنية بومودورو (Pomodoro)؛ والتي تعني حرفياً "تقنية الطماطم" التي طورَها رجلُ الأعمالِ الإيطالي "فرانشيسكو سيريلو" (Francesco Cirillo).

إنَّها تتمحور حول العمل على دفعاتٍ مُركزة وقصيرةٍ بتركيزٍ مُكثَّف، ومن ثُمَّ إعطاء نفسك استراحةً قصيرةً للتعافي والبدء من جديد.

فمثلاً: استخدم جهاز توقيت، وقسِّم عملك المُعقَّد إلى أقسامٍ صغيرة يُمكن إدارتها، وامنح نفسك فترة راحةٍ للتعافي بين الأقسام الصغيرة.

إنَّ إعطاء دِماغكَ استراحةً مُنتظمة يُمكن أن يُعزِّز أداءك من خلال إعادة شحن طاقةِ دماغك، في حين يتيح لكَ إكمال المهام مُسبقاً وقتاً أكثر لمراجعة عملكَ مرةً أُخرى وجعلِهِ أفضل.

إقرأ أيضاً: هل تعيش حياة مُستعجلة، أم حياة ذات أهمية؟

5. النوع الخامس، الشخصية المُماطِلة المشغولة:

هؤلاء المُماطلون يصعب إرضاؤهم، ولديهم مشكلةٌ في إعطاء الأولوية للمهام؛ ذلك لأنَّ لديهم الكثير من المهام، أو لأنَّهم يرفضون العمل على ما يرون أنَّه لا يستحق جهدهم.

هُم لا يعرفون كيفية اختيار المَهمَّة الأفضل بالنسبةِ إليهم، ويُرجِئون ببساطةٍ اتخاذ أيِّ قرارات.

نصيحة للمُماطل المشغول:

عليكَ تحديد أولوياتك مباشرةً، وإعطاء الأولوية للمهام الهامة لا العاجلة منها؛ ذلك لأنَّ كونها "عاجلة" لا يعني دائماً أنَّها هامة، ولديكَ بالتأكيد الكثير من الوقت والطاقة، ولا تُريد هدرهما على الأشياء غير الهامة.

حدد الغرض والنتيجة المُتوقعة لمَهمَّتك، فالمهام الهامة هي تلك التي تُضيف قيمةً على المدى الطويل.

يبدو أنَّ الرد على البريدِ الإلكتروني الذي يقولُ "الرجاء الرّدّ في أسرعِ وقتٍ مُمكن" هو أمرٌ مستعجلٌ جداً؛ ولكن قبل الردّ عليه، فكّر في مدى أهميتهِ مقارنةً بالمهام الأُخرى.

فمثلاً: تخيَّل أنَّ البريد الإلكتروني أُرسِل من قِبل عميلٍ يسأل عن تقدم المشروع، ويريدُ منك الرد عليهِ في أقربِ وقتٍ مُمكن؛ وأنَّ لديكَ في الوقت نفسه مَهمَّةً أُخرى تتعلقُ بإصلاحِ مُشكلة الخدمات اللوجستية التي تُؤثر في جميعِ المشاريعِ التي تعمل عليها؛ فعلى أيِّ مَهمَّة يجب أن تعملَ أولاً؟

لا يتجاوز الوقتُ الذي يتطلبهُ الرد على البريد الإلكتروني 5 دقائق، ولكنَّ الفائدة منهُ مُنخفضة جداً أيضاً؛ ذلك لأنَّك تُرضي عميلاً واحداً فقط؛ في حين ربَّما يستغرق إصلاح المشكلة اللوجستية وقتاً طويلاً، لكنَّهُ يستحق العناء؛ ذلك لأنَّك تُنقذ جميع المشاريع التي تعمل عليها من خلال إصلاح هذه المُشكلة، ممَّا يعود بالفائدة على الشركة بأكملها.

تغلَّب على مشكلة المُماطلة الآن:

قد تلاحظ أنَّ مُعظم خصائص المُماطِل تتعلق بعقليته، حيث يستمر الناس في تأخيرِ العمل بسببِ الخوف؛ وهذا هو بالضبط السبب في أنَّ تعديل موقفنا تجاه العمل يُمكنهُ مُساعدتنا على التوقف عن التأجيل.

قد يبدو أنَّ عليك القيام بالكثير لتغيير طريقةِ تفكيركَ، ولكنَّكَ ستعتاد على طريقة قِيامك بالعمل من خلال تنفيذ أقسام صغيرة منهُ كلَّ يوم، بدءاً من تحديدِ الأهداف، إلى تقسيم المهام، إلى تقييم قيمة كلٍّ منها.

لا يجبُ التأجيل عندما يتعلق الأمر بهذه العادة؛ عليكَ فقط أن تتغلَّب على المماطلة على الفور.

 

المصدر




مقالات مرتبطة