5 أساليب لمواجهة التنمر في مقر العمل

في الشهر الماضي انتشر مقطع فيديو قصير على الإنترنت لشخص متنمِّر في مقرِّ عمله، فيظهر في الفيديو مشرف يصفع متدرِّباً بتكرار، وقد أُزيل الفيديو منذ ذلك الحين.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "سلستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُقدِّم لنا فيه بعض الأساليب لمعاملة التنمر في بيئة العمل.

من الجيد أنَّه قد سُلِّط الضوء على القضية، وتُعامِلُها الشرطةُ الآن، لكن على الرغم من ذلك لا يسع المرء إلا أن يسأل هل هذا حادث عرضي؟ أم يوجد المزيد من حوادث التنمر في أماكن العمل التي ببساطة لا يُبلَّغ عنها؟

أذكر المدير العام في عملي السابق في شركة أمريكية متعددة الجنسيات ذات سمعة طيبة، فقد اشتهر بمزاجه الخارج عن السيطرة، وارتكب فظائع عدَّة في بيئة العمل من شتم أعضاء الفريق وتوبيخهم، وصفع باب غرفة الاجتماعات بشدَّة لدرجة أنَّه كسر مقبض الباب، ورمي كرسي على موظف، وتهديد موظفي الشركة بالإيذاء الجسدي.

تجاوز سلوكه بوضوح حدود السلوك المناسب في العمل وخارجه، ونظراً لأنَّني لم أعمل معه بشكل مباشر؛ فلم أشهد أبداً انفجارات الغضب هذه؛ لكنَّني سمعت عنها فقط من زملاء العمل، كما بدا عليه التهذيب في تعاملنا مع بعضنا في أثناء الاجتماعات وخارجها.

عندما سمعت عن سلوكه العنيف مع الآخرين، رأيت أنَّ ذلك غير مقبول، وتساءلت بذهول ما الذي يحدث هنا؟ وكيف يمكن السماح بذلك؟ شاركت أفكاري مع زملائي؛ لكنَّهم تجاهلوا كلامي وعدُّوا سلوكه عاديَّاً ولا بأس به؛ لأنَّه المدير العام في الشركة.

كان منصب المدير العام في عملي السابق منصباً رفيعاً يقتصر فقط على الموظفين العاملين في الشركة منذ 12 عاماً على الأقل، إلى جانب أصحاب الأداء المثالي، وكان هذا المدير يحقق النتائج المرجوة في عمله ويشغل منصبه بكفاءة إلى حدٍّ ما، ربَّما ظنَّ مديروه أنَّه ما دام يحقق النتائج المرجوة في عمله فما من شيء آخر يهم حقاً.

واصلت العمل في الشركة دون أي مشاحنة مع هذا المدير، لكن استغرق الأمر وقتاً حتى تقبلت قليلاً حقيقة أنَّ شخصاً ما يمكن أن يفلت بتصرفاته القبيحة هذه وما من أحد يفعل أي شيء حيال ذلك بحكم أقدميته.

إقرأ أيضاً: التنمر: تعريفه وآثاره

5 أساليب لمعاملة التنمر في العمل:

أظنُّ أنَّ سلوكاً متنمراً كهذا في العمل ليس حالة عرضية؛ فربَّما يحدث المزيد مثله في مكان عمل آخر، وقد لا يكون التنمر دائماً جسدياً أيضاً؛ بل يمكن أن يكون إساءة عاطفية ولفظية.

كثيراً ما أسمع عن أصدقاء يواجهون اضطهاد زملائهم في العمل على الدوام، ويوكل المديرون إليهم وابلاً من المهام بمواعيد نهائية غير معقولة وغير قابلة للتفاوض، ويتوقَّعون منهم التخلي عن التزاماتهم العائلية والاجتماعية من أجل العمل، وعند عدم تلبيتهم لهذه التوقعات يتعرضون للتوبيخ بدلاً من تلقي التدريب والدعم المناسبين لسد الفجوات في أدائهم.

إذا كنت ضحية للتنمر في عملك فإنَّ آخر ما يمكنك فعله هو السماح لهذا السلوك بالاستمرار؛ لأنَّ ذلك لن يؤدي إلَّا لمزيد من التنمر وحسب.

فيما يأتي 5 أساليب لمعاملة مثل هذه الحوادث.

1. تنبيه شخصية ذات نفوذ أو استشارتها:

التنمر في مكان العمل أمر غير مقبول على اختلاف الظروف، فإذا رأيت مديراً أو زميلاً في العمل يتجاوز حدوده معك أو مع زميل لك فأبلغ عن ذلك على الفور، اجمع أدلة موضوعية على سلوكه المسيء، سواء كانت سجلات محادثة أم سجلات البريد الإلكتروني أم تقارير أشخاص شهدت إساءته، وأبلغ عن هذه الجريمة إلى شخصية ذات سلطة.

كان لدي ذات مرة زميل يتجاوز الحدود في تعامله معي، لقد كان سلوكه يميل للمضايقة وجعلني أشعر بعدم ارتياح شديد، وبعد عدة مواقف مزعجة أبلغت مديرتي بالوضع، وعرضت مقتطفات من سجلات المحادثة وقدمت شرحاً مفصَّلاً للحوادث التي شعرت فيها بالإهانة حتى تعرف ما يجري، فكنت أخطط لحل المشكلة وحدي؛ لكنَّني أخبرت مديرتي على أيَّة حال؛ لأنَّني أردتها أن تكون على دراية بما يجري، فإن لم أتمكن من حل المشكلة يمكنها بعد ذلك التدخل للمساعدة.

في النهاية قمت بحل المشكلة من خلال التحدث إلى زميلي عن استيائي من سلوكه، وبعد ذلك اعتذر وتراجع، وعلى الرَّغم من أنَّني لم أحتج من الأساس إلى مشاركة مديرتي ما يجري إلا أنَّني شعرت بالاطمئنان لدرايتها بالمشكلة، وكان من الجيد أيضاً معرفة أنَّها كانت في صفِّي وجاهزة لمساعدتي في حال احتجت إلى ذلك.

مديرك هو الشخص الذي يجب أن تتوجَّه إليه في حال احتجت لاستشارة أو الإبلاغ عن شيء ما، وفي الحالات التي يكون فيها المتنمر هو مديرك أبلغ عن المخالفة مباشرة إلى قسم الموارد البشرية في عملك، وفي الحالات الأكثر شدَّة يجب إخطار الشرطة، مثل عندما ينطوي التنمر على الإساءة الجسدية.

شاهد بالفيديو: 5 طرق للتعامل مع الغضب في العمل

2. معرفة حقوقك:

مثلما لدى شركتك توقعات منك بوصفك موظفاً لديك حقوق الموظف أيضاً، فتحدد الوزارة المسؤولة عن شؤون العمال في كل بلد مجموعة من ممارسات التوظيف التي تنظم العلاقة بين رب العمل والموظف.

يجب أن يكون لأقسام الموارد البشرية كافَّة إرشادات توظيف تفرض السلوك المناسب في الشركة، سواء للشركة أم للموظف، أخيراً وليس آخراً يجب أن تكون قد وقعت عقد عمل عندما انضممت إلى شركتك يوضح بالتفصيل شروط عملك، والمهام المطلوبة منك، ومن المدير المسؤول عنك، وما هو متوقَّع منك.

ادرس هذه الممارسات والإرشادات بعناية، اعرف حقوقك حتى تتمكن من معرفة مواقف التجاوزات للحدود ويمكنك التصدي أو الإبلاغ عن السلوكات المسيئة وفقاً لذلك.

3. تعلُّم مساندة نفسك:

مثلما عليك معرفة حقوقك عليك تعلُّم مساندة نفسك أيضاً، ليس عليك الموافقة لمجرد أنَّ مديرك هو الذي يطلب؛ ففي بعض الأحيان يطلب المديرون مهام غير معقولة مثل توكيلك بمهمة في اللحظة الأخيرة، وتوقع العمل الإضافي منك وتسليمها خلال اليوم نفسه، وعدم احترام وقتك الشخصي خارج العمل وما إلى ذلك، ولديك الحق في الرفض إذا كانت الطلبات خارج المعقول، تذكر أنَّك تستطيع الإفصاح عن رأيك أيضاً.

إضافة إلى ذلك في بعض الأحيان لا يدرك المديرون أنَّهم غير عقلانيين بسبب استمرار موظفيهم بالموافقة، ويعدُّون موافقة موظفيهم مؤشراً على أنَّ كلَّ شيء على ما يرام ويمكنهم مواصلة سلوكهم الحالي، إنَّهم ليسوا صعبي المراس؛ وإنَّما ببساطة لا يدركون مدى سخافة طلباتهم.

أعلم أنَّني لا أدري بالعقبات التي يواجهها كادر الموظفين المستقلِّين لديَّ حتى يقدموا تغذية راجعة لي، وبعد ذلك أقوم بتعديل طلباتي مع مراعاة التحديات التي يواجهونها.

خلافاً للظنِّ الشائع فإنَّ مساندة نفسك لا تنطوي على العدائية، عبِّر عن رأيك بما يجري، وحدد العوامل المسيئة مثل تجاوز المدير لحدود المعقول في توقعاته منك، أو اتباع سلوك غير متحضر معك، وكرر له ذلك دون عدائية.

ركِّز على الحقائق، وابتعد عن التصريحات العامة، سيكون شرح وضعك أفضل من تسليط الضوء على أفعاله، مثل: "أعمل على ثلاثة مشاريع الآن وليس لدي القدرة على العمل في هذا المشروع الرابع"، بدلاً من: "أنت تطلب كثيراً من العمل ولا يمكنني التكفُّل به".

4. تكوين علاقات اجتماعية متينة في العمل:

لا أحد يمكنه الاعتماد على نفسه فحسب؛ فنحن البشر أقوى حين نكون في مجموعات، وينطبق الأمر نفسه على بيئة العمل.

التنمر في مكان العمل هو تجربة بغيضة للغاية ولست مجبراً على مواجهة ذلك وحدك، سيساعدك وجود شبكة اجتماعية قوية على مواجهة الأمر على نحو أفضل، فأولاً: يمكن لزملائك تقديم الدعم العاطفي لك، وثانياً: يمكن للذين واجهوا مواقف مماثلة منهم وعملوا مع شخصيات متنمرة من قبل تقديم المشورة لكيفية معاملتهم؛ إذ سيكون لديهم آراء ذات صلة.

5. الحصول على منتور:

لقد مررت ذات مرة بتجربة سيئة للغاية مع مديرة مستبدة، لم أُسعَد أبداً بالعمل تحت إشرافها، حتى أنَّني فكرت ذات مرة في ترك الوظيفة، لحسن الحظ كان لدي منتور في الشركة استوعب وضعي وتدخَّل بسرعة لإخراجي من المأزق، وقام بالعديد من الإجراءات التي أدَّت في النهاية إلى نقلي إلى قسم مختلف تحت إشراف مدير مختلف.

يعد وجود منتور أمراً مفيداً في حالات التنمر في العمل؛ إذ يمكن لمنتورك تقديم المنتورينغ نظراً لخبرته الأكبر في الحياة وفي الشركة، كما يمكن له إن كان يعمل في الشركة نفسها التدخل مباشرة لمساعدتك إذا لزم الأمر، وحتى بعيداً عن التنمر في العمل سيكون وجود منتور مفيداً للغاية في تطوير حياتك المهنية ونموِّك الشخصي.

ابحث عن واحد أو اثنين من المخضرمين في شركتك ممَّن ترغب في أن يكون منتوراً لك، والأفضل أن يكون في الوظيفة نفسها التي تعمل بها أو يعمل في وظيفة إشرافية بحيث يمكنه تقديم منتورينغ مهني ذي صلة، كما يجب أن تجمعك به صداقة جيدة، فادعوه لتناول الغداء واطلب منه أن يكون منتورك، وأخبره أنَّ العلاقة بين المنتور ومتلقي المنتورينغ لا تنطوي على التزام هائل، وأنَّك سعيد بالتعلم منه بالطريقة التي يشعر بالراحة بها.

بمجرد تأسيس العلاقة بينك وبين المنتور حدد موعد غداء تجتمعان وحدكما فيه شهريَّاً وسيكون بمنزلة جلسة لتحديث معلوماتك عن الشركة، وطلب المشورة المهنية، والحصول على التغذية الراجعة، سيكون منتورك دليلاً خلال عملك في الشركة، في كثير من الأحيان تستمر العلاقة بين المنتور ومتلقي المنتورينغ حتى بعد مغادرة أحد الطرفين للشركة؛ إذ يستفيد كلا الطرفين من العلاقة.