4 نصائح تساعدك على تغيير واقعك من خلال التحكُّم في أفكارك

سنذكر الآن اقتباساً يعود إلى 2000 عاماً مضى، ومع ذلك تجده ينطبق على يومنا هذا: "مُعظم ما يُعدُّ وسائل طبيعية للترفيه، هو مضيعة للوقت أو حماقة تستغل مكامن الضعف لدى الناس".



هذه المقولة للفيلسوف الرواقي إبكتيتوس (Epictetus)، ولا نعتقد أنَّه يوجد اقتباس يعالج علاجاً أفضل الأمور التي نوليها اهتمامنا وتركيزنا؛ فنحن نسمح للآخرين بالتحكُّم فينا لأنَّنا ضعفاء جداً أمام إغراءات وسائل الإعلام، بالطبع لا نعني هنا كلَّ أشكال وسائل الإعلام، لكن لا نعتقد أنَّ تأثيرها في حياتنا يتم بطريقة عفوية.

يكفي أن نلقي نظرة على منصات التواصل الاجتماعي، ومواقع الأخبار على الإنترنت، ومواقع مشاهدة العروض من أفلام ومسلسلات وغيرها، فضلاً عن تطبيقات الهواتف الذكية، فكلُّ هذا لا يدع مجالاً للشك أنَّنا نُستغل استغلالاً واضحاً.

يكفي فقط أن تراقب هذه المؤشرات، عندما تتلقى إشعاراً من موقع نيتفليكس (Netflix) يخبرك أنَّه يوجد موسم جديد لبرنامجك المفضَّل، غالباً ما ستتوقف عن أيِّ شيء آخر تفعله وتشاهد الموسم الجديد في بضعة أيام فقط، وعندما تنتهي، فإنَّك غالباً  سترى ما الجديد في موقع برايم فيديو (Prime Video) أو قد تشاهد بعض المقاطع على موقع يوتيوب (YouTube).

لا يفعل الجميع ذلك، فمن المؤكَّد أنَّ بعض الناس لديهم الرغبة في توجيه انتباههم ذاتياً؛ لأنَّهم إذا لم يفعلوا ذلك فهذا يعني شيئاً واحداً، يعني أنَّهم يسمحون لملايين الأشخاص والشركات بالتحكُّم في انتباههم بدلاً منهم، وما يحدث عندما نسمح للآخرين بتوجيه انتباهنا هو أنَّنا نصبح أشخاصاً عشوائيين، ونفقد القدرة على توجيه أنفسنا.

نصائح لمزيد من التحكُّم بالأشياء التي نوجِّه إليها تركيزك:

أولاً يجب عليك أن تكون واعياً لمدى أهمية هذه الأشياء بالنسبة إليك حتى تتمكن من معرفة ما هي الأشياء التي توجِّه إليها تركيزك.

بالعودة إلى أبكتيتوس، نرى أنَّه يوضِّح فكرته بشيء من التفصيل في كتابه "دليل الحياة" (A Manual For Living)؛ إذ يقول في أحد فصول الكتاب: "إذا لم تختر بنفسك أفكارك والأشياء التي تسترعي انتباهك فإنَّ غيرك سيفعل ذلك، وقد لا تكون دوافعه نبيلة".

الآن لننتقل إلى النصائح العملية التي تساعدك على التحكُّم في تركيزك:

1. أوقف الإشعارات غير الضرورية:

يمكنك إيقاف تشغيل الإشعارات لكلِّ تطبيق على هاتفك الذكي؛ وبذلك لست بحاجة كي تضع هاتفك بشكل دائم بوضع عدم الإزعاج؛ فالمشكلة في وضع عدم الإزعاج أنَّه يوقف كلَّ الإشعارات؛ لذلك ادخل إلى الإعدادات واختر التطبيقات غير الضرورية وأوقف تشغيل إشعاراتها.

بذلك تستطيع تحديد ما تريد مشاهدته على هاتفك؛ فمثلاً إذا كنت تريد تلقِّي المكالمات والرسائل النصية من أفراد عائلتك وأصدقائك، وربما فريق العمل أو الأشخاص الذين تعمل معهم، فيكفي أن توقف إشعارات التطبيقات التي لا تخدم هذه الغاية؛ وبذلك تبقى على تواصل، ويمكنك أيضاً إبقاء الإشعارات الخاصة بالتقويم وتطبيقات التذكير بالمواعيد.

الغاية من ذلك هي أن تبدأ باستخدام هاتفك بوعي، وتحدد ما إذا كنت بحاجة إلى تلقي إشعارات من هذا التطبيق أو ذاك، ربما ستجد أنَّ بعض تطبيقات الأخبار العاجلة لا تهمك، أو ربما تقلل جداً من استخدامك لتطبيق فيسبوك (Facebook).

شاهد: عناصر التفكير الاستراتيجي

2. لا تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها مصدراً للمعلومات:

تعج مواقع التواصل الاجتماعي بالمعلومات الخاطئة؛ لذلك يجب ألا تستخدمها إلا بغرض التواصل مع الآخرين، وليس بوصفها بديلاً للكتب والمقالات وموسوعة ويكيبيديا (Wikipedia).

ليست المشكلة في مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها أداة، المشكلة أنَّ معظم الناس لا يدركون أنَّهم يتأثَّرون في محتوى هذه المواقع إلى درجة الإدمان وفقدان السيطرة؛ لذلك يجب استخدام هذه المواقع بحذر، فعلى الرَّغم من سلبياتها، إلا أنَّها ليست سيئة بالمطلق؛ لذا احرص على استخدامها لغايات جيدة فقط إذا كان لا بدَّ من ذلك، ولا داعي للقلق من عدم استخدامها طيلة الوقت؛ لأنَّه لن يفوتك شيء.

3. ركِّز على المعرفة لا على المعلومات:

تُحصَّل المعلومات من خلال البيانات والحقائق والتصريحات، أمَّا المعرفة فهي تطبيق المعلومات في موضوع معين، وكمثال على ذلك، نقول إنَّ متوسط أداء صندوق التحوط (المحفظة الوقائية) كان أقل من أداء السوق خلال العقد الماضي؛ فهذه عبارة عن معلومات، أمَّا استخدامك لهذه المعلومات لإنشاء استراتيجية استثمار فهذه هي المعرفة.

إنَّ الناس يكتسبون في الواقع معلومات كثيرة ومعرفة قليلة، والسبب هو سهولة الحصول على المعلومات، بينما اكتساب المعرفة يستغرق وقتاً، على سبيل المثال تُعدُّ قراءة كتاب أو أخذ دورة تدريبية استثماراً جيداً للوقت، ويتطلب قراراً جدياً؛ لأنَّك تفكِّر في مدى أهمية ما تفعله، وإذا ما كان يستحق هذا الوقت؛ لكنَّك لا تفعل ذلك عندما تمسك هاتفك وتحصل على معلومات عشوائية، فأنت تعدُّها مجرد وسيلة للتواصل الاجتماعي، أو تقول لنفسك سأشاهد هذا الفيديو القصير أو سأقرأ هذا المنشور وما إلى ذلك، لكن المشكلة هي أنَّك تستمر بالتصفح لساعات دون أن تشعر، وينتهي بك الأمر باستهلاك معلومات كثيرة غير مفيدة، لكن الأمر مختلف عن اكتساب المعرفة التي تكتسبها بوعي ولغرض محدَّد.

إقرأ أيضاً: التفكير السلبي: أسبابه وطرق التخلص منه

4. اختر ما تقرؤه فيما يخص اهتماماتك:

اختر كاتباً محدداً أو مجموعة كتَّاب وتابعهم؛ أي اختر ما يفيدك عندما تريد قراءة مجلة أو صحيفة، والأمر نفسه بالنسبة إلى المدونات، يجب اختيار كاتب محدد للموضوع الذي يهمك يعجبك أسلوبه أو أعماله؛ وبذلك تتجنب هدر الوقت وتشتيت الانتباه الذي تتسبب به القراءة العشوائية، جدير بالذكر أنَّ إعجابك بكاتب معيَّن لا يعني أن تقتنع بكلِّ ما يكتبه؛ لكنَّك تُعجب بأسلوبه ووجهة نظره.

في الحالات جميعها كن انتقائياً بخصوص المحتوى الذي تقرؤه، وتجاهل كلَّ شيء آخر، وقد يعني هذا أنَّك تقع إلى حدٍّ ما في الانحياز التأكيدي وتفوتك بعض المعلومات، لكن تبقى هذه المشكلات في إطار محدود إذا كنت على وعي بها.

إقرأ أيضاً: 6 أنماط تفكير تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب

في الختام:

من الضروري أن تتحكم بتركيزك؛ لأنَّه يؤثِّر في أفكارك وسلوكك، وقد أوضح الفيلسوف الأمريكي ورائد علم النفس الحديث ومؤسس المذهب البراغماتي (أحد مذاهب الفلسفة) ويليام جيمس (William James) هذه الفكرة بقوله: "الأفكار تصبح وجهة نظر، ووجهة النظر تصبح واقعاً؛ لذلك غيِّر أفكارك إذا أردت تغيير واقعك".

لفعل ذلك أنت بحاجة إلى أمرين؛ الأول الوعي بالأفكار السلبية التي تدور في ذهنك والتحكم بها بممارسة التأمل، وبالمثل التحكُّم في الأفكار السلبية التي تصدر من البيئة المحيطة؛ وذلك سهل إذا قلَّلت من تعرضك لمصادر المعلومات الخارجية؛ ولا يعني ذلك أن تنغلق على نفسك أمام العالم الخارجي، تأكَّد فقط أنَّ ما يثير اهتمامك يستحق الجهد والوقت، إذا لم يكن يثري حياتك، فتجاهله ببساطة.

You Become What You Focus On




مقالات مرتبطة