4 طرق لحماية نفسك من التلاعب العاطفي (الجزء الثاني)

يوجد أشخاص متلاعبون عاطفياً بدرجات متفاوتة في كل مكان حولنا، وعندما كنَّا صغاراً، كنَّا نعتقد أنَّنا محصنون ضد الضغوطات النفسية التي تربك الآخرين وتتلاعب بهم وتؤثِّر فيهم.



في الجزء الأول من المقال تحدَّثنا عن التلاعب العاطفي، وذكرنا مثالاً عن قصة مدينة جونز تاون، ثم تحدَّثنا عن الاحتياجات الأساسية للإنسان وقابلية التطبيق والرضوخ، ثم ذكرنا أخيراً وليس آخراً المبررات العقلانية للسلوك غير العقلاني، وفي هذا الجزء الثاني والأخير من المقال سنتابع الحديث عن أفكار أخرى؛ لذا تابعوا معنا.

أسلحة النفوذ والتلاعب:

أجرى عالم النفس الاجتماعي الشهير روبرت سيالديني (Robert Cialdini) دراسة عن طريقة رضوخ الناس في مواقف العمل وأسبابها، وحدَّد مجموعة من المبادئ التي أطلق عليها اسم "أسلحة التأثير"، وعلى الرَّغم من أنَّه كان يبحث في الأحداث والتفاعلات المتعلقة بالعمل، إلا أنَّ مبادئه تنطبق جيداً على العلاقات غير الملائمة التي تتضمن التلاعب أيَّاً كان نوعها، وإذا نظرت عن كثب، فليس صعباً رؤية الرابط بين مبادئ سيالديني والاحتياجات الأساسية التي أشرنا إليها في الجزء الأول من المقال.

أسلحة تأثير سيالديني:

1. المعاملة بالمثل:

"لكنَّهم فعلوا الكثير من أجلي"، عندما تشعر بأنَّك مدين لشخص ما، فإنَّ قانون المعاملة بالمثل يؤثِّر فيك، فقد كان جيم جونز يذكِّر أتباعه باستمرار بكل ما فعله من أجلهم، وكيف أنقذهم، وإذا ذكَّرك شخص ما باستمرار بما يفعله أو فعله من أجلك، فهذا يعني أنَّه يتلاعب عاطفياً.

ينطبق هذا المبدأ بدءاً من العينات المجانية لتسويق منتج إلى شخص يقدم خدمة غير مطلوبة لك فقط حتى يتمكن من طلب خدمة في المقابل، الهدف هو جعلك تشعر بأنَّك ملزم بالمعاملة بالمثل.

2. الالتزام والثبات:

إذا التزم الناس شفهياً أو كتابياً بصورة علنية بفكرة أو هدف، فمن المرجح أن يحترموا هذا الالتزام، فنحن نحب أن نُظهِر الثبات وإمكانية الاعتماد علينا لأنفسنا وللآخرين، والتوقف فجأة عن اتباع الأوامر أو التخلي عن المعتقدات الراسخة أمر مستحيل بالنسبة إلى الكثيرين، حتى مع تزايد الأدلة التي تدحض هذه المعتقدات.

شاهد بالفديو: 8 تصرفات لا يفعلها الأشخاص الأقوياء عاطفياً

3. العقل الجمعي:

سيفعل الناس الأمور التي يفعلها الآخرون، وربما نفكر أنَّ معظم الأشخاص فعلوا أمراً ما، ومن غير المحتمل أن يكون الجميع على خطأ، أو إذا كان الجميع يفعل ذلك، فيجب أن يكون الأمر على ما يرام.

هذا النوع من التفكير هو السبب في طريقة تحول الأشخاص إلى "ضحايا الموضة" وكذلك "ضحايا الانتماء إلى جماعة معينة"، وهو أمر معقد أيضاً؛ لأنَّ هذا ليس مجرد عمى طائش من جانبنا.

منذ مئات السنين، حتى يتمكن البشر من العيش في عالم محاط بالحيوانات المفترسة، كان يجب علينا أن نشكِّل مجموعات اجتماعية متماسكة، ونراقب الآخرين للحصول على إشارات سلوكية، وما يزال هذا مفيداً إلى حدٍّ ما، لكنَّ المتلاعبين في العالم يمكنهم بسهولة استخدام هذا لمصلحتهم.

إقرأ أيضاً: الشخصية التبعية: أسبابها وأعراضها وعلاجها

4. السلطة:

يميل الناس إلى الانصياع لشخصيات السلطة، حتى لو طُلِبَ منهم القيام بأعمال غير عادلة، وتأتي شخصيات السلطة في أشكال عدة وأنواع مختلفة.

5. الإعجاب:

يَسهُل إقناع الأشخاص والتلاعب بهم من قبل أشخاص آخرين يحبونهم؛ لكنَّ الأشخاص المحبوبين قد لا يفعلون أموراً محبوبةً جداً، وهنا تكمن المشكلة؛ إذ أظهر سيالديني أنَّ الناس يميلون إلى الشراء من الأشخاص الذين يحبونهم، أو شراء الأشياء التي يحبونها، ونحن نميل أيضاً إلى حب الأشخاص الجذابين، وليس صدفةً أن يميل قادة الجماعات إلى أن يكونوا أصحاب شخصية جذابة ومحبوبة.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح تجعلك شخصاً جذاباً ومحبوباً بين الناس

6. الندرة:

إذا بدا شيء ما نادراً، سيزداد الطلب عليه، "العرض لفترة محدودة" أو "حتى نفاد الكمية" أو "فقط لأول 100 مشترٍ"؛ كلها طرائق يُستخدَم فيها مبدأ الندرة، وفي العلاقات المتلاعبة يمكن استخدامه على النحو الآتي: "لن تقابل أبداً أيَّ شخص آخر مثلي"، لكنَّ المعنى الضمني هو أنَّني شخص نادر؛ ومن ثَمَّ أكثر قيمةً بالنسبة إليك، وقد صاغها جيم جونز على النحو الآتي: "معبد الشعب" هو المكان الوحيد الذي يمكن إنقاذك فيه.

4 طرائق ذكية لحماية نفسك:

لحماية نفسك من التلاعب المفرط والشر من المنظمات والأفراد، أنت تحتاج إلى:

  1. إدراك أنَّ الوعود المشبوهة تغريك بالمكاسب وتهددك بالخسارة، وهذه أداة يستخدمها جميع المتلاعبين للتلاعب بالمعتقدات والسلوك.
  2. فهم أنَّه إذا لم تُلبَّ احتياجاتك العاطفية والجسدية بصورة كافية، فإنَّك تصبح أكثر عرضةً للتلاعب من قبل أي شخص يرغب في استغلال هذه الفجوة، ومجرد فهم هذا يمكن أن يساعد على تحصينك من الوقوع ضحية لهم.
  3. ملاحظة كيف تعمل أسلحة تأثير سيالديني في الحياة اليومية، وكيف ترتبط بصورة غير مباشرة باحتياجات الإنسان الأساسية.
  4. البقاء هادئاً، يمكن للعقل الهادئ أن يرى العالم بصورة أكثر وضوحاً وموضوعيةً.

في الختام:

لا يعمل معظم الناس والمنظمات في الواقع لاستغلال والتلاعب بالآخرين بطريقة شريرة؛ وإنَّما كما اكتشف أتباع جيم جونز عندما يفعلون ذلك يمكن أن تحدث أموراً مروعة.

لذلك، يجب أن نعيش عن طريق الاختيار، وليس عن طريق الصدفة؛ لذا أجرِ التغييرات، ولا تقدِّم الأعذار، وكن متحمساً وليس عرضة للتلاعب، واسعَ نحو التفوق وليس المنافسة، واختر الإصغاء إلى صوتك الداخلي، وليس إلى آراء الآخرين.

إذا كنت تشعر بأنَّك تعاني علاقة فيها تلاعب أيَّاً كان نوعها، فاعلم أنَّك لست وحدك، فالكثير منَّا يعاني هذا الأمر، وخلاصة القول: يوجد أشخاص متلاعبون في هذا العالم سيحاولون العبث بعقلك، لكن يمكنك الدفاع عن نفسك، ويتعلق الأمر بتسليح نفسك بالوعي.




مقالات مرتبطة