4 خطوات لفض النزاعات
إنَّني أشرف اليوم على تدريبات واحدة من أكبر المباريات في مسيرتي الكروية، فأنا أستعد لتدريب منتخب غيانا الوطني للسيدات (Guyana’s Women’s National Team) ضد فريق ترينيداد وتوباغو (Trinidad and Tobago)، وسوف يتأهل الفائز فقط إلى تصفيات الدور النهائي لكأس العالم.
ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدرِّبة "إيفان جوزيف" (Ivan Josef)، وتُحدِّثنا فيه عن 4 خطوات فعالة لفض النزاعات.
يتنافس ثلاثون فريقاً في هذه الجولة وينتقل ستة فقط إلى جانب كندا والولايات المتحدة إلى النهائيات، سيكون حدثاً ضخماً للغاية بالنسبة إلينا وإلى فريقنا.
خلال الأيام العشرة الماضية كنَّا في معسكر التدريب، في حين تظن أنَّنا نركز في التدريبات على مهاراتنا الفنية والتكتيكية، إلا أنَّك قد تتفاجأ بسماع أنَّنا نبذل الجهد الحقيقي على بناء التماسك بين أعضاء الفريق؛ فالحرص على شعور اللاعبين بأهميتهم وانتمائهم هو مبدأ ثابت لمنظمة عالية الأداء.
لا يختلف فريق كرة القدم عن أي فريق عمل في شركة؛ فعندما تسعى إلى جمع أفضل الأشخاص يأتي الناس من جميع أنحاء العالم؛ إذ لدينا في الفريق لاعبون من غيانا يعيشون في أيسلندا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وماليزيا والمملكة المتحدة وغيانا، ويأتي اللاعبون من جميع أنحاء العالم بمبادئهم وقيمهم الثقافية وطرائقهم المختلفة بالتواصل.
لا يختلف الأمر عن الموظفين القادمين من كليات دراسات عليا مختلفة أو عاشوا تجارب عمل متنوعة، يتعلم الأفراد الذين يجتمعون معاً العملية أو النهج بطرائق مختلفة، ودفعهم جميعاً للعمل معاً وتقدير بعضهم هو التحدي الذي يقع على عاتق القائد الذي يسعى جاهداً إلى تحقيق الأداء العالي.
أقضي كثيراً من الوقت في تعزيز التماسك بين أعضاء الفريق، والأمر ليس بالمتعة التي يبدو عليها، أتمنى لو كان الأمر بسيطاً مثل أمسية من التعارف وتناول الطعام معاً على الرغم من أنَّ تعزيز التماسك ناتج عن العمل الجاد جنباً إلى جنب مع بعضنا كما نفعل في أثناء التدريبات الصباحية إلا أنَّه يتعزز أيضاً بمواجهة الشدائد معاً، كما نفعل في أيام السفر الشاقة، والأهم من ذلك ينشأ التماسك من مساعدة اللاعبين على فهم أنَّ الفرق عالية الأداء تعرف كيف تحل خلافاتها فيما بينها.
تجاوز الخلافات هو مرحلة ضرورية من الترابط الجماعي، فإذا تركتها دون حل فإنَّها في أحسن الأحوال تصبح مصدر تشتيت، وفي أسوأ الأحوال تصبح بمنزلة قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار وإبعاد الفريق عن أهدافه.
يوجد نموذج مشهور لطريقة تعامُل المجموعة وضَعَه عالم النفس بروس تاكمان (Bruce Tuckman) في عام 1965 الذي يتحدث عن المراحل الخمس التي يجب أن تمر بها المجموعة من أجل تحقيق أداء عال، وهذه المراحل هي:
1. مرحلة التشكيل:
إنَّه مثل يومك الأول في وظيفة جديدة، فالجميع مهذبون للغاية ومتحمسون لما قد يحمله المستقبل، ويصل كلٌّ منهم حاملاً فكرة كبيرة عن كيفية تأثيره في الفريق، عادة ما تُحدَّد الأهداف في هذه المرحلة وتوضع القواعد الأساسية.
2. مرحلة الصراع:
تبدأ هذه المرحلة عندما تبدأ الأمور الصغيرة في إزعاجك؛ كأن لا يستبدل أحد زملائك الورق الموجود في الطابعة أبداً، ويطرح آخر كثيراً من الأسئلة في الاجتماعات، يبدأ الصراع في التكشف حينها، قد يبدأ بعض أعضاء فريقك في الشك في قدرة الفريق على تحقيق أهدافه، في حين يريد آخرون تجنب الصراع والتظاهر بأنَّ كل شيء على ما يرام، من الهام للغاية فض النزاع في هذه المرحلة وإلا يمكن أن يبدأ الفريق بالانقسام أو قد ينتشر العداء بين أفراد المجموعة.
3. مرحلة التوافق:
هذه المرحلة هي عندما نتجاوز النزاعات وتصبح الأدوار القيادية مقبولة، فيشعر زملاء الفريق بالراحة ويقدرون بعضهم لما يقدمونه للمجموعة، ويصبحون على استعداد لتقديم تغذية راجعة بنَّاءة وتلقيها في أثناء مضيهم نحو تحقيق أهدافهم، من الأسهل فض الصراع في هذه المرحلة؛ لأنَّ العلاقات تكون قد تشكلت.
شاهد بالفيديو: نصائح لإدارة وحلِّ النزاعات
4. مرحلة الأداء:
يعتمد أعضاء الفريق في هذه المرحلة على أنفسهم ويثقون في حل مشكلاتهم، وتتضح الأدوار والمسؤوليات لهم؛ فهم يحبون عملهم ويشعرون بتقدير المنظمة، هذه هي المرحلة التي تسعى المجموعات للوصول إليها عندما تجتمع معاً ولكنَّ قليلاً منها ينجح في بلوغ هذه المرحلة؛ لأنَّهم لا يتجاوزون مرحلة الصراع.
5. مرحلة الاختتام:
هذه هي المرحلة التي نختتم جميعاً عملنا فيها، الليلة قد ينتهي أمر فريقنا، وقد لا نصل إلى هدفنا، كما قد لا تجتمع هذه المجموعة المكونة من 23 لاعباً معاً مرة أخرى؛ لذا من الهام أن نجتمع ونحتفي بالانتصارات، فاحتفوا ببعضكم وقدروا إنجازاتكم، حتى لو لم تصلوا إلى كل هدف سعيتم إلى تحقيقه، طقوس النهايات هي جزء هام من هذه المرحلة؛ فمن دونها قد يشعر أعضاء المجموعة بالخسارة والخذلان.
بالنسبة إلي المرحلة الأكثر أهمية هي مرحلة الصراع؛ فعدم الاعتراف بالخلافات يتسبب في انهيار الفريق ذي الأداء العالي، وفي كثير من الأحيان نحاول أن نكون مهذبين للغاية فنستمر بالتغاضي عن المشكلات الصغيرة مراراً وتكراراً حتى نصل إلى نقطة الانهيار.
إليك طريقتي في فض النزاعات لجعل الفريق يتقدم ليحقق الأداء العالي:
- إجراء محادثة حاسمة مع كل طرف من أطراف الخلاف للاستيضاح وتفسير الموقف، وأعني بذلك إجراء محادثة فردية بينهما، قد يستغرق الأمر وقتاً؛ لكنَّه يستحق العناء.
- مناقشة النزاع بطريقة تجعل الشخص الذي يصغي على استعداد لرؤيته والاعتراف به بوصفه عقبة تقف في وجه تحقيق الأهداف.
- مناقشة الأمر بطريقة تجعل مَن يصغي يتحمل مسؤولية الدور الذي يلعبه في النزاع دون إهانة أو لوم أحد في كيفية حدوث النزاع، وفي بعض الأحيان يعني ذلك أنَّ القائد يتحمل جزءاً من تلك المساءلة.
- التعاون على وضع خطة يتفق عليها الجميع، ومعالجة المشكلة بما يرضي الجميع، فيجب على الناس التحدُّث بصراحة للوصول إلى خطة فعالة، فمن الصعب أحياناً دفع الناس للإفصاح عمَّا يجول في خاطرهم، كما يصعُب أحياناً سماع الحقيقة أيضاً؛ لذا يجب أن يتمتع القادة بعقل متفتح ويكونوا على استعداد لتقديم تنازلات أو التكيف كي يتوصل الجميع إلى اتفاق.
هذا ليس حلاً سهلاً؛ فليس له وقت محدد، وما من وصفة سحرية تحدد أنَّ الأمر يستغرق يوماً واحداً أو خمسة أيام، ولكن كلما تمكنت من مناقشة الأمر أسرع تمكن فريقك من تجاوز الأمر أسرع والحد من الوقت الضائع في تشتيت الانتباه.
في الختام:
لا يعني وجود صراع في فريقك أنَّ لديك فريقاً ضعيف الأداء أو أنَّ قيادتك ضعيفة؛ لأنَّ النزاع جزء ضروري من منظمة عالية الأداء؛ فإذا لم تواجه أيَّة مشكلات كيف ستكتشف المواهب المدفونة لبعض الأعضاء؛ إذ غالباً ما يتحدى النزاع الزملاء للقيام بما هو أكثر من الدور الموكل لهم في الأصل، فمن الهام أن يتحدى الناس ظروفهم الراهنة وأن يكونوا مبدعين في تجاوز العقبات التي تواجههم.
هذا أمر لا يتحقق دون النزاع الذي ينشأ من مخالفة العمليات والأنظمة والسياسات التي لا تنفع؛ باختصار الصراع مفيد للعمل ويدفعنا إلى الأمام نحو التميز، غالباً ما يكون أعضاء الفريق الذين يهتمون بالهدف أكثر من غيرهم هم من يتنازعون، إنَّ فشل القائد في معالجة المشكلة هو ما يحدُّ من قدرة المنظمة على أن تكون منظمة عالية الأداء.