4 استراتيجيات مثبتة علمياً للتوقف عن اجترار الأفكار

"اجترار الطعام" هو مواصلةَ مضغ الطعام المهضوم جزئياً؛ ولكنَّ كثيراً منا يستخدمها بوصفها معنى أكثر تجريداً، والكلمة العلمية لها هي اجترار؛ وهي عملية تقسيم الأشياء الكبيرة إلى أجزاء أصغر يمكن التعامل معها أو استخدامها.



إنَّه لمن المناسب أن نستخدم الكلمة ذاتها للتعبير عن ميلنا نحن البشر لننكبَّ على مشكلاتنا ونتعمق فيها.  

ما يزال الباحثون يعملون على تحديد ما ينطوي عليه اجترار الأفكار بالضبط، فهو يعني عموماً التفكير المفرط والمتكرر في المشكلات الشخصية، وهو غالباً ما يؤدي إلى ضيق عاطفي ويرتبط بعديد من مشكلات الصحة العقلية وخاصة الاكتئاب.

يتضمن من جهة أخرى اجترار الأفكار الإيجابي التركيز على الحالات والأفكار الإيجابية، ويمكن لذلك أن يحسن صحتنا وعافيتنا مثلما يوضح دين مكاريك (Dane McCarrick)، باحث دراسات عليا في جامعة ليدز (Leeds) والذي يدرس اجترار الأفكار.

يقول مكاريك: "نحن نحتاج بشكل عام إلى معرفة مزيد من المعلومات عن الأنواع المختلفة من اجترار الأفكار وكيفية استجابتها لأنواع العلاج المختلفة، كما أنَّه لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع".

سيركز هذا المقال على اجترار الأفكار السلبي الذي يمكن أن يعوق أيضاً حل المشكلات ويبعد الدعم الاجتماعي الضروري جنباً إلى جنب مع الأدوات التي أكد الباحثون على فائدتها في التخفيف من حدته؛ إذ يمكن أن يجعلنا اجترار الأفكار نعلق في الروتين، ولكن مع بعض المساعدة يمكننا الخروج منه.

ما هو الاجترار السلبي للأفكار؟

ينطوي اجترار الأفكار على التفكير بكثرة في الأسباب والعواقب بدلاً من الحلول، ويوضح مُعِدُّو ورقة بحثية عام 2012 أنَّ اجترار الأفكار السلبي ينطوي على "التركيز المتكرر والسلبي على الضيق، إضافةً إلى أسبابه وعواقبه المحتملة"، وهو غالباً ما ينطوي على التركيز المفرط على الأفكار السلبية والانهزامية، وقد كتبوا في ورقتهم أنَّ هذا يمكن أن يؤدي إلى التفكير بكثرة في الأسباب والعواقب بدلاً من الحلول.

كما أوضح العلماء في دراسة​ نُشرت في شهر مارس 2022 أنَّ عملية إدراك الإدراك (Metacognitions) المتعلقة باجترار الأفكار يؤثِّر بقوة في الاكتئاب المزمن؛ إذ تعني عملية إدراك الإدراك التفكيرَ في العملية الفكرية، ويمكن أن تكون هذه الأفكار والمعتقدات إيجابية أو سلبية.

يمكن في هذه الحالة أن تكون عملية إدراك الإدراك الإيجابية المتعلقة باجترار الأفكار كالآتي: "التفكير في الماضي يساعدني على تجنُّب الفشل في المستقبل" بينما يمكن أن تكون عملية إدراك الإدراك السلبية هي الاعتقاد بأنَّ "التفكير في مشكلاتي لا يمكن السيطرة عليه".

في النهاية تؤكد الدراسة أنَّه على الرَّغم من أنَّ كليهما يمكن أن يساهم في الاكتئاب، إلا أنَّ عملية إدراك الإدراك السلبية هي على الأرجح أفضل مؤشر للكآبة، ويرى بعض العلماء أنَّ اجترار الأفكار يمكن تقسيمه إلى عاملين: التفكير الزائد والتأمل؛ إذ يؤدي التأمل إلى وضع استراتيجيات لحل المشكلات في حين ينطوي التفكير الزائد على موازنة سلبية للوضع الحالي بالوضع المرغوب، والذي لا يمكن تحقيقه في كثير من الأحيان.

ليف إدوارد أوتيسن كينير (Leif Edward Ottesen Kennair) هو أستاذ في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا (Norwegian University of Science and Technology) والمُعِد الأول لدراسةٍ بحثت على وجه التحديد كيف أنَّ التفكير الزائد، وهو عنصر من عناصر اجترار الأفكار يؤثِّر في معدلات الاجترار بين المراهقين، ففي حين أنَّنا جميعاً نجتر أفكارنا إلا أنَّ المشكلة تكبر عندما لا تنجح آليات التحكم بالأفكار؛ أي الفشل في قمعها وصرف الانتباه عنها.

يقول كينير إنَّ حل اجترار الأفكار هو "أن نفهم أنَّه شيء نفعله؛ ولكنَّه غير مجدٍ وعلينا ألا نبدأ أو نتوقف إن كنا قد بدأنا به بالفعل"، ولسوء الحظ إنَّه أمر صعب للغاية بسبب طبيعة اجترار الأفكار.

شاهد: كيف تضع حداً للأفكار السلبية؟

كيفية التوقف عن اجترار الأفكار:

1. العلاج:

وجدت الدراسات أنَّ بعض أنواع العلاج يمكن أن تساعد على الكف عن اجترار الأفكار؛ نظراً لأنَّ اجترار الأفكار يرتبط بعدد من مشكلات الصحة العقلية بما في ذلك القلق والاكتئاب و​​اضطراب الوسواس القهريّ​​ِ، ولأنَّه قد يصعب إدارة أفكارك بمفردك؛ يمكن أن يكون العلاج خياراً مفيداً للأشخاص الذين يتسبب اجترارهم لأفكارهم في إلحاق الأذى بهم.

لكن توجد علاجات مختلفة تتبع نهجها الخاص في اجترار الأفكار؛ إذ يرى بعض الخبراء أنَّ إحدى أفضل الطرائق لعلاج اجترار الأفكار هو معالجة مشكلات الصحة العقلية الكامنة المرتبطة به، على سبيل المثال، يتضمن العلاج المعرفي السلوكي الذي يركز على الاجترار عادةً التركيزَ على تعديل طريقة تفكير المرء بدلاً من محتوى ما يفكر فيه؛ وهو محور تركيز العلاج المعرفي السلوكي المعتاد.

 يقدم كينير وزملاؤه الحجج المؤيدة لعلاج إدراك الإدراك في ورقتهم البحثية، ممَّا يشير إلى أنَّه "قد يكون تدخلاً فعَّالاً لأعراض الاكتئاب".

يركِّز هذا النوع من العلاج على تعديل معتقدات إدراك الإدراك التي تؤدي إلى حالات القلق واجترار الأفكار وتركيز الانتباه، وقد زادت في العقد الماضي الأدلة على أنَّ هذا النوع من العلاج يمكن أن يكون مفيداً للاجترار.

يوضح كينير أنَّ علاج إدراك الإدراك وعلاج اليقظة الذهنية يعلِّمان الأفراد كيفية زيادة "مرونة إدراك الإدراك"، ويحد من الاعتقاد بأنَّ اجترار الأفكار قد يكون لا يمكن السيطرة عليه أو قد يكون مفيداً.

2. اليقظة الذهنية:

اليقظة الذهنية تنطوي على الوعي بأفكارك ومشاعرك، وُجِد في دراسات عدة أنَّ اليقظة الذهنية تقلل من اجترار الأفكار؛ ومن ثَمَّ تقلل من الاكتئاب والقلق؛ فعندما تمارس اليقظة الذهنية فإنَّك تستخدم الوعي باللحظة الحالية لإدارة أفكارك ومشاعرك دون إصدار الأحكام.

يوضح الباحث في اجترار الأفكار مكاريك أنَّ "بعض الأدلة على أنَّ التقنيات القائمة على اليقظة الذهنية يمكن أن تكون مفيدة في تخفيف الأفكار والمشاعر غير المرغوبة نتيجة تحويل التركيز إلى اللحظة الحالية."

3. الطبيعة:

يمكن للوجود في الطبيعة أن يكافح اجترار الأفكار السلبي، فقد وجد العلماء أنَّ قضاء الوقت في الطبيعة يمكن أن يقلل أيضاً من اجترار الأفكار، وقد أبلغ المشاركون في الدراسة الذين قطعوا 90 دقيقة سيراً على الأقدام في بيئة طبيعية عن مستويات أقل من الاجترار موازنة بمجموعة سارت ضمن المدينة.

كما أظهر هؤلاء المشاركون انخفاضاً في النشاط العصبي في القشرة الجبهية الأمامية تحت الخدية، وهي جزء من الدماغ يظهر نشاطاً متزايداً عند الشعور بالحزن أو عند ممارسة التفكير الذاتي السلبي؛ وهو عملية مرتبطة باجترار الأفكار، وكتب مُعِدُّو الدراسة أنَّ "هذه النتائج تدعم الرأي القائل بأنَّ البيئات الطبيعية قد تمنح فوائد نفسية للإنسان".

4. وضع حدود بين الحياة الشخصية والحياة المهنية:

يمكن أن يؤدي الابتعاد عن التكنولوجيا المتعلقة بالعمل أيضاً إلى تخفيف مشاعر الاجترار المرتبطة بالعمل، فقد وجدت دراسة حديثة أنَّ الرسائل النصية، وإشعارات البريد الإلكتروني بعد انتهاء فترة العمل يمكن أن تسبب اجترار الأفكار السلبية المتعلقة بالعمل ودوامها إلى جانب سوء المزاج والأرق، ويساهم الاجترار المتعلق بالعمل الأفكار المتكررة عن مشكلات العمل سواء كانت توتراً ناتجاً عن التفاعل أم خوفاً من كثرة العمل الذي يجب القيام به في ضعف الصحة الجسدية والعقلية.

مع ذلك وجد الفريق المُعِد لهذه الدراسة أنَّ إيقاف تنبيهات الهواتف الذكية وإعلام الآخرين أنَّهم غير متاحين للرد على الرسائل المتعلقة بالعمل بعد ساعات العمل، قللت تقليلاً كبيراً من الاجترار المتعلِّق بالعمل.

إقرأ أيضاً: كيف تتوقف عن اجترار الأفكار؟

في الختام:

إنَّ هذه النتائج تذكرنا بمفهوم "الانفصال النفسي" الذي يشرحه مكاريك بأنَّه "يشمل تجربة الفرد في الابتعاد ذهنياً عن المؤثِّرات التي تسبب قلقه أو اجتراره لأفكاره".

إقرأ أيضاً: كيف تبدد القلق والإنهاك عبر منع اجترار الأفكار؟

يقول مكاريك: "يتعلَّق الأمر بالتوقف عن التفكير الزائد، وغالباً ما نرى هذا النوع من الإجراءات في أماكن العمل عندما يهدف الباحثون إلى تقليل الوقت الذي يقضونه بالتفكير في القضايا المتعلقة بالعمل".

شاهد بالفيديو:4 استراتيجيات مثبتة علمياً للتوقف عن اجترار الأفكار




مقالات مرتبطة