4 أشياء علمني إياها جدي

إحدى أقدم ذكريات طفولتي هي عندما كان يأخذني جدي إلى الشاطئ حين كنت صغيراً لنلعب بالرمال ونبحث عن الأصداف البحرية، ما زلت أفكر فيه في كل مرة أرى فيها البحر على الرَّغم من وفاته منذ ما يقارب العشر سنوات، وهذا ليس غريباً؛ لأنَّ جدي هو من علمني السباحة، وورثت عنه حب البحر والطبيعة، لقد علمني كثيراً من الأشياء، وأعدُّ نفسي محظوظاً؛ لأنَّني تمكَّنت من قضاء الكثير من الوقت معه عندما كنت أصغر سناً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "تايلر ريد" (Tyler Read)، ويُحدِّثنا فيه عن بعض الأشياء التي تعلَّمها من جده.

يؤدي الأجداد دوراً مميزاً في حياة أُسرهم، خاصةً عندما يتعلق الأمر بأحفادهم الذين يميلون للنظر إلى أجدادهم بنوع خاص من الرهبة والتبجيل، فهذا الاحترام الذي يكنُّه الأولاد الصغار لأجدادهم بوصفهم مصدر الحكمة التي لا تنضب، يدل على أنَّهم غالباً ما يكونون من أشد المؤثرين في حياة الطفل، ممَّا يساعد على تفسير قدرة الأجداد على تعليمنا أشياء كثيرة، ومع وضع ذلك في الحسبان.

إليك أربعة أشياء يجب أن يتعلمها كل شخص من جده:

1. الأناقة:

قد لا ينطبق ذلك على الجميع، إلا أنَّ الأجداد يميلون لأن يكونوا أنيقين وذوي مظهرٍ حسن جداً؛ إذ نشأ الرجال الأكبر سناً في زمن مختلف جداً، عندما كان ما يزال من الشائع جداً أن يرتدي معظم الرجال بدلة رسمية.

كان هذا هو المعتاد بصرف النظر عن المستوى الاجتماعي الذي ينتمي له المرء؛ إذ كانت العادات والتقاليد في ذلك الوقت تملي على الرجل أن يرتدي ملابس أنيقة في جميع المناسبات، وما يزال في إمكاني تذكُّر أول عطلة عائلية هامَّة حضرتها، حينها ذهبنا لزيارة عمتي في ولاية "شيكاغو" (Chicago) عندما كنت في الخامسة من عمري، وقبل وقت قصير من موعد توجُّهنا إلى المطار، أخذني جدي إلى غرفته حتى نتمكَّن من ارتداء البدل الرسمية، كان دائماً ما يرتدي بدلة رسمية عند السفر مثلما يفعل عديد من أبناء جيله، وكان يقول إنَّه من الهام احترام السفر والاستمتاع به.

مع أنَّ الأمر قد يبدو سخيفاً لبعض الناس، فإنَّ هذه النصيحة ظلَّت عالقة في ذهني طوال حياتي لدرجة أنَّني ما زلت أرتدي بدلة أو على الأقل ملابس عمل عادية في كل مرة أسافر فيها، بصرف النظر عمَّا إذا كنت مسافراً بقصد العمل أو المتعة، ولا تعني هذه القصة أنَّك تحتاج إلى ارتداء بدلة عند السفر؛ وإنَّما يتعلق الأمر بالاعتناء بمظهرك بما يعزِّز ثقتك بنفسك، وتعلُّم ارتداء الملابس المناسبة، وهو أمر أظنُّ أنَّ كثيراً من أبناء جيلي قد تغاضوا عنه، أو لم يتعلموه بأسلوب صحيح، ويجدر بجميع الأجداد تعليمه لأحفادهم.

2. أهمية الاحترام:

أظنُّ أنَّنا نفتقر إلى الاحترام أيضاً في زمننا الحالي، لكن لطالما شدَّد جدي على أهمية أن أتحلَّى به مراراً وتكراراً، فقد كان من أشد المؤمنين بالقاعدة الذهبية التي تقول: "عامل الآخرين بالطريقة التي تريد أن تُعامَلَ بها"، وقد طبَّق هذا المبدأ في جميع تعاملاته.

كان جدي دائماً ما يحيِّي الناس بكلمة طيبة وابتسامة، بصرف النظر عمَّن كان يتعامل معه، وأيَّاً كانت حالته المزاجية في أثناء ذلك، كان الاحترام بالنسبة إليه يعني معاملة الجميع على قدم المساواة، وبكرامة وصدق ومودة، وهذا يعني الاستماع إلى الآخرين، وأخذ وجهات نظرهم في الحسبان، بدلاً من التسرع بإطلاق الأحكام والنقد المفرط، لم يكن جدي يترفَّع أبداً عن النقاش، كان ينصت دوماً إلى وجهة نظر الشخص الآخر، ويفكِّر فيها بعناية حتى لو كان يعلم في قلبه أنَّه على حق.

ارتبط ذلك بمفهومه عن الاحترام، وكان يؤمن أنَّ كل شخص يستحق أن يُنصت إليه، تماماً كما يستحق أن يُعامل بكرامة، وكان يعتقد أنَّ الجميع يستحقون الاحترام حتى يُظهروا خلاف ذلك؛ أي على مبدأ "بريء حتى تُثبَت إدانته".

هذا النوع من الاحترام هو أمر يجب علينا التحلي به أكثر هذه الأيام، لكنَّ المشكلة هي أنَّ هذا المستوى من الاحترام ليس سمة متأصلة نولد بها؛ وإنَّما شيءٌ يجب أن يتعلمه الأطفال في سن مبكرة، ويعزِّزونه كلما كبروا، وبالنسبة إلى ذلك، فإنَّ العلاقة المميزة بين الأجداد وأحفادهم تجعل من الأجداد الأشخاص المثاليين لتعليم الأطفال أهمية وقيمة الاحترام.

شاهد بالفيديو: 8 تصرّفات تكسبك احترام الآخرين

3. معنى القائد الحقيقي:

لم يكن جدي يتفاخر بنفسه مطلقاً، ولم يكن مضطراً إلى ذلك، فمثلما كان يحترم الجميع دائماً، حظي أيضاً بكثير من الاحترام من جميع المقربين منه، لم يتفادى جدي أبداً تقديم المشورة، لكنَّه كان حريصاً أيضاً على عدم التطفل أو الضغط على أحد في الأوقات غير المناسبة، فبالنسبة إليه، أن تكون قائداً قوياً لم يكن يعني أن تكون صاحب صوتٍ صاخب أو نزقاً أو مُتطلباً؛ بل كان الأمر يتعلق بمساندة الناس دائماً ومعاملة الجميع بأمانة واحترام.

أفضل القادة هم الذين يعرفون متى يتولون المسؤولية، مثلما يعرفون متى لا تكون هناك حاجة إلى مساعدتهم أيضاً، وأيضاً يحتاج القادة إلى السماح للناس بارتكاب أخطائهم؛ لأنَّ هذه هي الطريقة الوحيدة التي يتعلم بها الناس حقاً، وقد كنت محظوظاً بما يكفي لتعلم هذا النوع من القيادة منذ صغري، وهو شيء استعنت به للنجاح في مهنتي وامتلاك عملي الخاص.

يضمن الدور الفريد للجد بصفته ربَّاً للأسرة كونه الشخصية المثالية لتعليم الأطفال الصغار كيف يكونون قادة جيدين، فإذا فكرت في حياتك الشخصية، فربما يمكنك تذكُّر العديد من الأمثلة البسيطة التي أظهر لك جدك فيها الطريقة الصحيحة للقيادة.

إقرأ أيضاً: 10 صفات أساسية للقائد المُلهم

4. المرح والاستمتاع بالحياة:

أتذكر جدي لم يتردد بالاستمتاع بوقته والتصرف بعفوية عندما تستدعي المناسبة ذلك، مع أنَّه كان صارماً عندما احتاج الأمر إلى ذلك، فإنَّه كان دائماً يلقي نكاتاً مضحكة، وسرعان ما يملأ الغرفة بالضحك.

كانت الحياة بالنسبة إليه شيئاً يجب الاستمتاع به لا القلق بشأنه، وكان يظنُّ أنَّ السعادة تجلب الصحة الجيدة، ومع أنَّه لم يعش حياةً سهلة وكان عليه أن يعمل بجد دوماً، فإنَّه حاول البحث عن فرص بين العقبات، كان يُجيد أيضاً ترك كل مشاغله بعيداً عندما يقضي الوقت مع العائلة.

من بين كل الدروس التي تعلمتها من جدي، ربما يكون الاستمتاع بالحياة والعيش كل يوم على أكمل وجه هو أهمها؛ إذ اعتاد أن يخبرني أنَّ لا أحد منا يعرف كم من الوقت سيعيش؛ لذا من الهام استثمار ما لدينا من وقت.

إقرأ أيضاً: 6 أفكار تساعدك على الاستمتاع بحياتك

في الختام:

من بين جميع الأدوار المختلفة التي يؤديها الجد في حياة الصبي الصغير، ربما يكون هذا هو الدور الأهم، تعليمه أنَّ الحياة لا تتعلق فقط بالعمل الجاد والشقاء والمصاعب؛ إذ سنواجه كثيراً منها خلال حياتنا، ولكن ثمَّة أيضاً كثيرٌ من الأوقات الجيدة والإثارة والمتعة لأولئك الذين على استعداد للبحث عنها، بدلاً من مجرد الجلوس مكتوفي الأيدي بينما تمر بهم الحياة.




مقالات مرتبطة