3 طرق للتعامل مع عدم اليقين (الجزء الثاني)

لقد تحدَّثتُ في الجزء الأول من المقال عن تجربتي في التعامُل مع عدم اليقين، واستعرضتُ النهج الذي أتَّبِعه في هذا الصدد، فكانت الطريقة الأولى من طرائق التعامل مع عدم اليقين هي التركيز على الجوانب التي يستطيع المرء التحكم بها وعدم القلق بشأن الأمور الواقعة خارج نطاق سيطرته، وسأكمل حديثي في هذا الجزء الثاني والأخير من المقال عن بقية الطرائق مع ذكر أمثلة شخصية؛ فتابعوا معي السطور القادمة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "سيلستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُحدِّثنا فيه عن نهجها وتجربتها الشخصية في التعامُل مع عدم اليقين في الحياة.

2. عيش الحياة طبيعياً بمعزل عن عدم اليقين:

تقوم الطريقة الثانية على عيش الحياة طبيعياً بمعزل عن عدم اليقين؛ أي يجب أن تتبين القرارات والأعمال التي ستقوم بها في حياتك في حال عدم وجود هذه المشكلة فيها، والتصرف على هذا الأساس.

مثال: مخاوف متعلِّقة بوظيفة معينة

ذكَّرني وضع عدم اليقين الذي عانته صديقتي بأحد عملائي السابقين، فقد كان العميل مستشار أعمال ناجحاً يملك شركة استثمار خاصة به، أدار شركته الخاصة، وعمل بوصفه مستشاراً بدوام جزئي في شركة تقنيات عالمية ذائعة الصيت، مع احتمال تحوُّله إلى نظام العمل بدوام كامل في غضون 6 أشهر، وفي حال قُدِّم عرض العمل، سيكون منصباً مرموقاً براتب كبير؛ أي ستكون فرصة العمر.

شعر العميل بالقلق لأنَّ أصحاب الشركة لم يُبدوا اهتمامهم بتوظيفه على الأمد الطويل، وقد أُجِّل الاجتماع مرات عدة بسبب جداول أعمالهم المزدحمة على الرَّغم من جهوده الحثيثة في محاولة ترتيب هذا الاجتماع.

إقرأ أيضاً: ما هي العلاقة بين عدم اليقين والقدرة على الاستمتاع بالحياة؟

من هنا تبرز المعضلة: ماذا يجب أن يفعل عميلي؟

  1. هل يجب أن يواصل سعيه إلى ترتيب اجتماع والحصول على رد بشأن عرض العمل؟ لكنَّه سيبدو في هذه الحالة لجوجاً ويتسبَّب في تقليل احتمالات اختياره.
  2. هل يجب أن ينتظر قرار أصحاب الشركة دون أن يتدخَّل في تسريع الأمور؟ لكن ماذا لو استمروا في تأجيل اتخاذ القرار النهائي؟ هل ستكون هذه نهاية ارتباطاته بالشركة؟

أربكت حالة عدم اليقين عميلي؛ لأنَّه رغب بشدة في الوظيفة لدرجة تأجيل خططه الشخصية جميعها على أمل حصوله عليها؛ ومن ثَمَّ عندما أصبح عرض العمل غير مؤكَّد تزعزعت حياته.

اقترحتُ على عميلي أن يتابع حياته طبيعياً متجاهلاً مسألة عرض العمل، وسألته عما كان سيعتزم فعله لو أنَّ فرصة العمل في الشركة لم تُطرح من الأساس، فأخبرني أنَّه كان سيتابع تطوير شركة الاستثمار الخاصة به، وتأسيس علامته التجارية الشخصية عبر تقديم تدريبات في مجال الاستثمار وخدمات استشارية في الأعمال التجارية.

نصحته بأن يلاحق موضوع عرض العمل مع أصحاب الشركة حتى يحصل على جواب نهائي، وأن يواصل حياته طبيعياً وينفِّذ مخططاته الشخصية لأنَّ الوظيفة غير مضمونة.

فشكرني وأخبرني أنَّ شعور الاضطراب الذي يعانيه حيال عرض العمل المعلَّق يعود إلى تأجيل البتِّ في كثير من قرارات حياته على أمل الحصول على فرصة العمل، وأضاف بأنَّه لم يدرك مسبقاً تأجيل أهداف حياته، فقرَّر في النهاية أنَّه سيعمل على أهدافه الشخصية مثل المعتاد، ولا يقلق بشأن عرض العمل كونه غير مضمون من الأساس.

توقفت مشاعر عدم اليقين عن إزعاج عميلي حالما بدأ العمل على أهدافه الشخصية، كما أنَّه تصالح مع وضعه على الرَّغم من عدم تلقيه لأيَّة معلومات جديدة بشأن عرض العمل قيد النظر، وبعد أسابيع عدة عرضت عليه الشركة آنفة الذكر منصباً بدوام كامل مع راتب ممتاز.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح لامتلاك شخصية إيجابية تساعدك على تحقيق النجاح

3. تحقيق اليقين في الأمور الهامة وتجاهُل بقية الأمور:

توجد جوانب هامة وأخرى ثانوية في المواقف جميعها التي يتعرض لها المرء، وتقترح الطريقة الثالثة تحقيق اليقين في الجوانب الهامة وصرف النظر عن بقية الجوانب؛ لأنَّ نتائجها ليست هامة.

مثال: الانتقال إلى بلد جديد

لنفترض أنَّك انتقلت للتو إلى بلد جديد، وأنت عاطل عن العمل ولا تكسب دخلاً مادياً وليس لديك أصدقاء، أو مكان إقامة مستقر، وبالكاد تعيش في سكن متواضع في الوقت الحالي، ويمكن لمدَّخراتك أن تدوم أسبوعاً آخر؛ أي إنَّ حياتك متوقفة ومعلَّقة ولا شيء واضح بشأن المستقبل.

ماذا يمكن أن تفعل في هذه الحالة؟

عليك أن تركِّز على تحقيق الاستقرار في الجوانب الرئيسة في حياتك لمواجهة وضع عدم يقين من هذا النوع؛ إذ تشمل هذه الجوانب بالنسبة إلى معظم الناس الضمان المالي والسكن المستقر.

  • بالنسبة إلى الضمان المالي، تستطيع أن تقوم ببعض الوظائف المؤقَّتة البسيطة، أو أن تقترض المال من أصدقائك في الوطن وتردُّ الدَّين حالما تحصل على عمل؛ إذ تهدف هذه الخطوة إلى إعالتك لفترة مؤقتة ريثما تقوم بوضع خطة عمل لحياتك على الأمد الطويل؛ وبذلك تستطيع أن تخصِّص الوقت اللازم للبحث عن وظيفة توافق طموحاتك حالما تعالج مشكلاتك المالية المؤقتة.
  • تستطيع حالما توطد شؤونك المالية النظرَ في مسألة السكن عبر البحث في الإعلانات المبوَّبة ومحرِّك "جوجل"، أو التواصل مع أصحاب المساكن لطلب المساعدة، ويجب أن تخصِّص بضعة أسابيع للبحث عن شقَّة ولا تتوقَّف حتى تجد مسكناً مناسباً يلبي احتياجاتك، ومن الهام ألا تشغل بالك بالمسائل الأخرى خلال هذه الفترة.

كيف نجحتُ في التعامل مع عدم اليقين خلال ترحالي؟

سافرت ذات مرة لمدة 7 أشهر إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وكانت الرحلة تتصف بعدم اليقين في مراحلها كلها.

سافرت على غير هدى ودون خطة محدَّدة، وتنقَّلت من مكان إلى آخر عند اقتضاء الضرورة، كأن أُدعى إلى المشاركة في عمل معيَّن، أو يعرض أحد القرَّاء أو العملاء استضافتي في منزله، أو عندما أشعر بأنَّ الوقت حان لمتابعة الأسفار، ولهذا السبب لم أكن أعرف في أي بلد أو مدينة سأكون في الأسبوع المقبل؛ أي إنَّ مكان إقامتي كان مجهولاً بالنسبة إلي.

تعاملت مع عدم اليقين اليومي آنذاك عبر التركيز على الجوانب الهامة في كل لحظة؛ بمعنى أنَّه إذا كان همِّي الرئيس في وقت معين تأمين سكن، فإنَّي سأركِّز جهودي على إيجاد مسكن لائق يلبِّي احتياجاتي، أما إذا كنت قلقة بشأن الوصول إلى الوجهة التالية بأمان، فإنَّي سأتبين كيفية القيام بالأمر دون أن أشغل فكري بأيِّ موضوع آخر حتى أعالج المسائل المُلحَّة.

قضيت وقتاً ممتعاً خلال أسفاري باتباع هذا النهج في التعامل مع عدم اليقين اليومي، واستطعت تكوين صداقات عديدة طيبة، وزيارة المواقع البديعة، والاندماج مع ثقافات البلدان دون أن أُشغِل فكري بالرحلة بحد ذاتها.

إقرأ أيضاً: الركيزة الأولى للمخاطرة: تقبُّل عدم اليقين

في الختام:

تستطيع الاستفادة من الطرائق الثلاثة آنفة الذكر في التعامل مع حالات عدم اليقين في حياتك، فشعور عدم اليقين ليس سيئاً، ومع ذلك يجده بعض الأشخاص مقلقاً ويقاومونه.

لقد علَّمتني تجاربي أنَّ عدم اليقين جزء طبيعي من الحياة، وأنَّ التغير من ثوابتها، وإنَّنا بمقاومة التغير لا نحرز أي تقدم في حياتنا؛ ومن ثَمَّ ندحض الغرض من وجودنا في الكون، ونعجز عن الابتكار والتغير والإبداع بطريقة هادفة.

يكوِّن عدم اليقين شخصياتنا، ويعلِّمنا أعظم عِبَر الحياة، وإنَّ مشاعر الخوف وعدم الراحة وعدم اليقين ترشدنا إلى طريق التقدم في الحياة.

يجب أن تدرك في أثناء تعامُلك مع عدم اليقين أنَّه مسألة لا تستدعي المقاومة، وبدلاً من ذلك يجب أن تركِّز على العيش في الزمن الحاضر ومواجهة العوائق دون أن تسمح لها بتعكير تجربتك الحياتية، وتذكَّر أنَّه ليس بوسع أحد التحكم بظروف الحياة؛ لكنَّنا نستطيع التحكم بطريقة استجابتنا لها.




مقالات مرتبطة