3 خطوات تساعدك كي تصبحَ أكثر حزماً

إن كنتَ مثلَ معظمنا حين يتحتَّم عليكَ اتخاذُ قرارٍ ما، فإنَّك ستشعرُ بقلقٍ شديد عندَها وتدرس النتائج المترتِّبة على ذلك القرار، وتنسى الأمرَ لفترةٍ من الزمن فتُصاب بالحيرة؛ ومن ثمَّ تُعيد التفكيرَ بتلك المسألة لتتخذ قرارَك بشأنها بسرعةٍ في اللحظة الأخيرة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن أهم الخطوات لنكون حازمين وأكثرَ قدرةً على اتخاذ القرارات وأهمية ذلك.

لقد عانينا جميعاً التردُّد يوماً ما؛ إذ أتذكَّرُ يومي الأول في المدرسة الثانوية كما لو أنَّه البارحة حين أخبرَنا الأستاذ مازحاً بأنَّ حياتَنا هي نتيجة الخيارات التي نتَّخذها، ولم يَلقَ كلامُه ذلك صدىً واسعاً لديَّ أو لدى أيٍّ من زملائي؛ إذ لم نفهمْه في ذلك الوقت على الإطلاق.

كما أتذكر سخريتَنا منه لقوله ذلك، فقد ظننَّا أنَّه لم يكُن كلاماً منطقياً؛ لأنَّه غالباً ما كان يُعيده ويكرِّره كلَّ مرة، وأطلقْنا عليه لقبَ (رجل الخيارات)، فقد كان فعلياً يذكِّرُنا بأنَّ كلَّ شيءٍ في الحياة ما هو إلَّا صنيعُ قراراتنا في كلِّ حصة درسية.

الآنَ بعد سنواتٍ مضَت، ما زلتَ أذكرُ ما كان يقولُه أستاذي ، وذلك على الأرجح؛ لأنَّه كرَّرَه كثيراً، وأنا سعيدٌ لأنَّه فعل ذلك، فكما نعلم جميعُنا بوصفنا بالغين أنَّ حياتنا هي حقاً نتائج قراراتنا، ممَّا يعني أنَّنا نستطيع تعديل حياتنا وتحسينُها من خلال اتخاذ قراراتٍ واعية وحذِرة، وقد يكون ذلك شاقَّاً وصعباً على الرَّغم من أنَّه حقيقةٌ فعلية، فغالباً ما نحمِّل قراراتِنا أعباء كثيرة، ونصبح أشخاصاً مترددين نتيجةً لذلك.

إذ إنَّه لن يكون من السهل أبداً اتخاذ القرارات.

سأشاركُكم فيما يأتي ثلاثة أشياء اتَّبعتُها وجعلَتني أكثر حزماً وقدرة على اتخاذ القرارات في الحياة:

1. تجنُّب التفكير بالنتائج:

غالباً ما يقول المستثمِرون إنَّ القرارات الجيدة قد تؤدي إلى نتائج سيئة، وكذلك يمكن للقرارات السيئة أن تؤدي إلى نتائج جيدة، ويُعَدُّ كتابُ "الشيء الأكثر أهميةً" (The Most Important Thing) للكاتب والمُستثمِر "هاورد ماركس" (Howard Marks) أحدَ الكتب المُفضَّلة بالنسبة إلي عن الاستثمار؛ إذ ترتكزُ استراتيجيَّتُه الاستثمارية إلى حدٍّ كبير على حقيقة أنَّ البشر كائنات عاطفية.

إن فكرْنا بالأمر سنجدُ أنَّنا لو اتخذْنا جميعاً قراراتٍ عقلانية ومنطقية وغير عاطفية، سيكون اقتصادُنا ممتازاً دائماً؛ وإن اتَّخذ الأشخاصُ الذين تسبَّبوا بِـ "أزمة الرهن العقاري عالي المخاطر" (subprime mortgage crisis) بين عامَي 2007/2008 قراراتٍ عقلانية، لم تكُن لتصلَ إلى ذلك الحدِّ؛ لذا فإنَّ أوَّل ما يعترفُ به صانعُ القرارات الجيد هو أنَّ البشرَ عاطفيون وحسَّاسون، وليس من طبيعتهم اتخاذُ القرارات المنطقية والعقلانية.

أحدُ أفضل الأمثلة على ذلك هو ما أسميه التفكير بالنتائج، وهو أكبر خطأ نرتكبُه في التفكير حسبَ تجربتي؛ إذ يُصبِح معظمنا مهووسين بالنتائج ويشغَلون بالَهم بها أكثر من اللازم، كما يشجِّع معظم واضعي النظريات فيما يخص القرارات على التفكير بالنتائج، لكن كما يقول "هاورد ماركس": "لا يمكن الحكمُ على صحة القرار اعتماداً على نتيجته"، فلا تتعلقُ نتيجةُ قراراتك بطريقة معالجتك للأمور وتعامُلك معها؛ وذلك لأنَّنا لا نتحكم بنتائج القرارات التي نتخذُها؛ لكنَّنا نستطيع التحكُّم بأفعالنا؛ لذا كي تصبح شخصاً حازماً، عليك أن تتوقَّف عن التركيز على نتائج قراراتك.

سأورِد مثالاً عن ذلك؛ اشترى أحد أصدقائي منذ فترة منزلاً في سبيل إجراء بعض التغييرات عليه واستثماره ظانَّاً أنَّه سيربح من ورائه مبلغاً ضخماً من المال في ظروف السوق الحالية، كما أنَّ وسيطَه العقاريَّ أخبره بأنَّه أمرٌ مضمون وواضح، ولا يحتاج إلى أيِّ تفكير أو ذكاء.

لقد حدَّد صديقي هدفاً لنفسه بكسبِ ذلك المبلغ، وهذا عظيم جداً؛ لكنَّه في الواقع لا يستطيع أن يتحكَّم بِـ 99% من العوامل أو الظروف التي تؤدي دوراً في تحقيق ذلك الهدف، وهو بالفعل يتَّخذ قرارات في حياته بناءً على أمور غير مضمونة بوصفها نتيجة لذلك، كما أنَّه يعيش حياتَه سلَفاً مُفتِرِضاً بأنَّه يملك ذلك المبلغ من المال؛ لكنَّه يعلم في قرارة نفسه أنَّ ما يحدث خاطئ.

عندما تحدَّثنا آخرَ مرةٍ، ذكرَ أنَّ عدمَ اليقين الذي يعيشُ فيه، قد قادَه إلى التردُّد والحيرة في مجالات الحياة الأخرى، وحين أخبرتُه عن التفكير بالنتائج، أدركَ بأنَّه متورِّطٌ به جداً، ومنشغلٌ للغاية بالتفكير بنتائج استثماره، ممَّا أدى إلى إصابَته بقلق كبير وغير ضروري.

لذا، لم يعُدْ الآن يركِّز على النتائج؛ إنَّما على الأشياء التي يمكنه التحكم بها والسيطرة عليها؛ وبوصفها نتيجة لذلك، فقد أصبح أكثرَ حزماً، وتخلَّصَ من القلق الذي يعتريه لأنَّه يفعل كلَّ ما بوسعه لإحداث التغييرات المناسبة على ذلك المنزل.

شاهد بالفيديو: 8 خطوات عملية لاتخاذ القرارات الصعبة في الحياة

2. تبسيط الأمور والحدُّ من خياراتك:

توجد مجموعة من نظريات العلوم السلوكية ذات الصلة التي يجب على المرء وضعُها في الحسبان عند اتخاذ القرارات ومنها:

  1. الشلل التحليلي: والذي يحدُث حين يؤدي الإفراط في التفكير إلى عدم إنجاز أيِّ عمل أو اتخاذ أيِّ إجراء.
  2. ملل القرار: تتدهور جودةُ قراراتك بعد اتخاذك لمعظمها خلال وقتٍ قصير.
  3. الإغراق المعلوماتيّ: ويحصل عندما يكون لديك معلومات كثيرة تربكُك وتضرُّ بجودة القرارات التي تتخذها.
  4. الاختيار المُفرِط: وهو صعوبة اتخاذ القرار عند مواجهة خيارات عديدة.

لقد أنشأتُ قاعدةً بسيطةً لاتِّباعها عند اتخاذ أيِّ قرارٍ استناداً إلى العمليات المعرفية السابقة؛ إذ تنصُّ على تبسيط جميع الأمور والحدِّ من خياراتي؛ فكلَّما فكَّرتَ أكثر، عقَّدتَ الأمور بدرجة أكبر وخلقْتَ لنفسك مزيدَاً من الخيارات، وقلَّ فهمُك للوضع بصورة عامة، ممَّا يؤدي إلى تدهور قراراتك؛ أمَّا حين تبسِّط الأمور، فإنَّك تسهِّل على نفسك أن تكونَ حازماً؛ فالحياةُ مُعقَّدةٌ بما يكفي أصلاً؛ لذا لا داعي لتصعيبِها أكثر.

أعلم أنَّ كلَّ هذه النظريات والعلوم جافَّةٌ ومُضجِرةٌ حقاً؛ لكنَّ اتخاذ القرارات هو أحدُ أفضل الموضوعات العلمية؛ لأنَّه يشبه تماماً تجربةً في الحياة الواقعية أيضاً؛ فنحنُ لا نملك الإجابات عن جميع الأسئلة التي تجول في أذهاننا؛ لكنَّني أعلمُ أمراً واحداً وهو أنَّ الخطأ غيرُ ممكنٍ أبداً عند تبسيط الأمور وتيسيرها.

3. الانفصال عن الموقف أو الوضع الذي تواجهه:

إنَّ جزءاً كبيراً من اتخاذ القرارات هو ما يجري بعد وقوعها، فقد تراودُنا شكوكٌ عن اتخاذنا للقرار الصحيح، وعمَّا كان سيحدُث لو اخترْنا شيئاً آخر، وما الذي ينبغي لنا فعلُه بعد ذلك؛ إذ يقودُنا الخوف من الندم على قرارٍ اتخذناه إلى الحيرة أو التردُّد، وهو ما يُطلَق عليه أيضاً ندم المشتري من الناحية العلمية؛ والذي يُعرَّف بأنَّه شعورٌ بالندم ينتابُ الشخصَ بعد شرائه لشيءٍ ما، وغالباً ما يرتبطُ هذا الشعور بشراء شيءٍ ثمين مثل سيارةٍ أو عقارٍ مثلاً.

يَعتقِد العلماء أنَّ ندمَ المُشتري ينجم عن التنافُر المعرفيِّ الذي يحدُث حين يجبُ علينا اتخاذ قرارٍ هامٍّ للغاية، ويتطلَّب منَّا التزاماً كبيراً؛ وقد يبدو ذلك مُتناقِضاً، لكن كلَّما قضيتَ مزيداً من الوقت، وبذلتَ طاقةً أكبر في التفكير بقرارٍ ما، زادَ احتمالُ شعورك بالندم بصرف النظر عن ذلك القرار؛ لأنَّك ستتعلَّق به ببساطةٍ معلِّقاً آمالاً كبيرة عليه؛ لكنَّ ندمَ المُشتري لا يتعلقُ بالمُشترَيات فقط؛ فالقرارُ باتباع مهنةٍ ما أو الحصول على شهادة جامعية مماثلٌ لذلك تماماً.

أتذكرُ نفسي حين كنتُ في السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية، وكان جميع أصدقائي يفكِّرون بما يرغبون في فعله بعد التخرُّج، وهو أمرٌ شغلَ بالهم وأصبحوا مهووسين به لأشهُر عدة، ولم أكُن أعلم شيئاً بما يخص ندم المشتري والعلم السلوكي آنذاك، إلَّا أنَّني اتخذتُ قراراً بالدراسة للحصول على شهادة جامعيةٍ في التسويق في غضون أيامٍ قليلة.

نتجت قدرتي في ذلك الوقت على اتخاذ ذلك القرار، وتمتُّعي بالحزم بدرجة كبيرة عن عدم صبري وقلَّة اهتمامي بالتعليم؛ لكنَّني اتخذتُ قراري بسرعةٍ كبيرة وأكملتُ حياتي؛ فقد فكرتُ في الأمر وأقنعتُ نفسي بأنَّها مُجرَّد شهادة جامعية، ولأنَّني أحبُّ التجارة؛ فسأجرِّب نفسي وأرى ما سيحدُث، وقد نجحَت تلك الاستراتيجيةُ نجاحاً باهراً بالنسبة إلي لدرجة أنَّني اتخذت قراراتي دائماً على ذلك النحو؛ وعلى الرَّغم من أنَّني أصبحتُ أكثر صبراً وتحمُّلاً وحساباً للأمور، إلَّا أنَّ الانفصال عن المواقف ما زال أحد ميزاتي التي أتمتع بها.

غالباً ما نضغطُ أنفسنا كثيراً لاتخاذ القرار الصحيح، ونقع في فخ التفكير بنتائج قراراتنا؛ فالقرارُ الصحيح بالنسبة إلى معظَم الأشخاص هو القرار الذي يؤدي إلى نتيجة إيجابية، لكن كما بيَّنَّا من قبل، لا علاقةَ للنتائج باتخاذ القرارات الصحيحة والجيدة.

إذاً، ينبغي أن تتمتَّع بشعورِ الانفصال عن الموقف الذي تواجهه إن كنتَ ترغب في تجنُّب ندم المشتري والأسَف التالي لاتخاذ القرارات؛ ولا تقلَقْ حين لا تسير بعضُ الأمور على ما يُرام؛ إذ يمكنك دائماً التكيُّف مع وضعك الجديد وإجراء ما يلزم من تغييرات لتحسينه؛ فلن تنتهي حياتُك حين لا تكون نتائج قراراتك على قدر توقُّعاتك أو لا ترقى إلى مستواها.

هذا هو الحال بالنسبة إلى مُعظَم القرارات؛ إلَّا أنَّه من الممكن أن تنتهيَ حياتُك ومهنتُك حين تكونُ طريقةُ اتخاذك للقرارات والإجراءات التي تتَّبعُها في سبيل ذلك سيئةً؛ فالمثلُ الذي يقولُ: إنَّ (بناء السمعة يتطلَّبُ عمراً بحاله، بينما يستغرق تدميرُها ثانيةً واحدة) يحدثُ فقط عندما تكون عمليةُ صُنع القرار لدينا خاطئةً.

إقرأ أيضاً: لماذا لا يستطيع القادة اتخاذ قرارات عقلانية؟

أهمية الحزم في اتخاذ القرارات:

قابلتُ في حياتي أشخاصاً اعترفوا بأنَّهم قد دمَّروا حياتَهم بسب الحيرة والتردُّد؛ إذ تواجهُنا مشاعر الحيرة في علاقاتنا مع الآخرين وأعمالنا التجارية والمهن التي نعملُ بها وهكذا دواليك؛ إذ لا يُعَدُّ التردُّد من سِمات الشخصية الإيجابية، ويربُطه مُعظَم الناس عموماً بانعدام الثقة بالنفس؛ لذا إن كنتَ تعاني القليل من التردُّد أو الحيرة في داخلك، أشجعُك على معالجة ذلك مُباشرَةً.

إقرأ أيضاً: 9 خطوات لتكون حازماً في اتخاذ القرارات

في الختام:

اتَّخِذْ قراراً بأن تصبحَ شخصاً حازماً؛ وقبل أن تقولَ لنفسك بأنَّ الأمر ليس بتلك السهولة، تذكَّرْ كلَّ ما تحدَّثنا عنه في هذا المقال؛ فالمشكلة تكمُن في تعقيدك للأمور أكثر ممَّا ينبغي؛ ومن ثمَّ أكِملْ حياتَك بعدَها؛ إذ يمكن للأمر أن يكون بتلك البساطة إن أردتَ جعلَه كذلك فقط.




مقالات مرتبطة