3 تغييرات فكرية ضرورية تزيد الحياة سهولة

أجريتُ منذ فترة مقابلةً مع مُدبِّرةٍ تعمل في فندقٍ في ميامي (Miami) في إطار المشروع الذي ننفذه لدعم كتابنا الذي صُنِّف ضمن قائمة أكثر الكتب مبيعاً وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز (New York Times)، والذي يحمل عنوان "العودة إلى السعادة" (Getting Back to Happy). 



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "آنجل كرنوف" (ANGEL CHERNOFF)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها مع التغييرات الفكرية الضرورية لتعزيز سهولة الحياة.

سألت المُدبِّرة: "هل تحبين عملك؟"، فابتسمت ابتسامة عريضةً مفاجِئة، وانعقد لسانها برهةً من الزمن، قبل أن تستجمع تركيزها أخيراً وتقول: "أنا أحب عملي حبَّاً لا يوصف، فأنا أُسعِد عشرات النزلاء كلَّ يوم وأُعيل طفليَّ الجميلَين في الوقت نفسه".

قابلت في بهو الفندق نفسه بعد ثلاثين دقيقة عائلةً مكونةً من ستة أفراد، وكانوا يتنزهون ويروون القصص ويضحكون ويتناوبون على قراءة مقتطفاتٍ من كتاب، وقد أثارت اهتمامي فرحتهم التي ملأت المكان، ودفعتني لأسألهم من أين هم، أجابني الأب: "نحن من هنا، لقد احترق منزلنا الليلة الماضية؛ لكنَّنا نجونا بأعجوبة، وقد جعل هذا يومنا سعيداً تماماً".

دع قصص هؤلاء تكون نداء الصحوة اليوم، وتذكَّر أنَّ قصص حياتنا تحددها إلى حدٍّ بعيد الأفكار التي تجول في رؤوسنا، وأنَّ واقعنا الذي يتشكل في النهاية هو نتاج الأفكار التي تراودنا كلَّ يوم، حينما تتحسن نظرتنا إلى حياتنا تتحسن حياتنا على الرَّغم من التحديات الصريحة التي نواجهها.

بيد أنَّ الهدف ليس التخلص من أفكارنا ومشاعرنا ومواقف حياتنا السلبية؛ فهذا مستحيل؛ بل الهدف تغيير وجهات نظرنا حتى نستطيع التعامل معها تعاملاً أكثر فاعلية، وهذا تحديداً ما سأناقشه معك في هذا المقال؛ إذ سنتطرق إلى ثلاثة تغييرات فكرية تستحق أن يُبذَل في سبيل تحقيقها كلَّ جهدٍ وعمل، وإن لم تكن سهلة؛ ذلك لأنَّنا حينما ننظر إلى ظروفنا نظرةً أفضل، نعيش حياةً أفضل بصرف النظر عن أيِّ شيء:

أولاً: اكتشاف حقيقة الأوهام

"ستخضع مريضةٌ من مرضاي تبلغ من العمر 10 أعوام لعمليتها الرابعة عشر خلال ثلاث سنوات لعلاج نوع نادر وشرس من مرض السرطان، ولم أرَ هذه الفتاة عابسةً أو خائفةً قَط بعد كلِّ العمليات والجراحات التي أجرتها، وعلى الرَّغم من أنَّ الظروف ما زالت تعاندها، كان سلوكها ورضاها وحضورها من أبرز أسباب الحياة الهانئة التي عاشتها حتى الآن، فما زالت تستمتع بالحياة بكلِّ تفاصيلها، وتضحك وتلعب مع عائلتها وأصدقائها.

تمتلك هذه الفتاة أهدافاً ذكيَّةً وواقعية تسعى إلى تحقيقها في السنوات القادمة، وطفلةٌ مثلها تستيقظ كلَّ يومٍ مفعمةً بالحماسة على الرَّغم من كلِّ ما مرَّت به؛ وهي السبب الذي دفعني إلى الانضمام إلى دورتكم التدريبية وشراء كتابكم الجديد".

كانت هذه مقدمة رسالةٍ إلكترونية تلقيتها من طالبةٍ في دورتنا التدريبية الجديدة تُدعى ميشيل، وقد لفتت انتباهي إلى حقائق واضحة، تابعت ميشيل رسالتها قائلةً: "لقد أيقظَت الحوارات التي أجريتها مع هذه الفتاة الصغيرة المذهلة الوعي في نفسي تجاه كلِّ الأوهام المدمرة التي تسكن عقلي؛ فعلى الرَّغم من كلِّ النعيم الذي أنا فيه - والذي منه على سبيل المثال أنَّني من المحظوظين الذين يحيون حياةً صحية - أجلس في منزلي في معظم الليالي معتقدةً أنَّ حياتي عكس ذلك، وليس ضروريَّاً أن أفعل ذلك بكثرة أو وأنا بكامل وعيي؛ لكنَّني أفعله على أيِّ حال، ومن الأوهام التي تراودني أنَّ حياتي يجب أن تكون مختلفة، وأنَّ كلَّ شيءٍ فيها يجب أن يكون أفضل وأسهل وأمتع، ولقد خرَّبتْ هذه الأوهام تدريجيَّاً سلوكي وقدرتي على التقدم في الجوانب الهامة من حياتي".

يتوصل معظم الناس في الحقيقة إلى استنتاجاتٍ مشابهة في مرحلةٍ ما من مراحل حياتهم، فكلَّما كبرنا وشهدنا مزيداً الأحداث المأساوية والتحديات، أدركنا كمَّ النعم التي نحن فيها، وكيف أنَّ الأوهام التي تسكن في رؤوسنا تحول بيننا وبينها، وربما وجدَتْ أوهام آلام الرأس وآلام القلب طريقها إلى عقلك آلاف المرات على الأرجح، فقد وقع هذا لنا بدرجاتٍ متفاوتة.

بسبب الأوهام ضغطنا على أنفسنا، وماطلنا إلى الحد الذي كدنا فيه أن نخفق، وغضبنا من الآخرين ومن أنفسنا ومن العالم بأسره، وضيَّعنا أجمل لحظات الحياة وأكثرها سكينة؛ لذلك أطلب منك بدءاً من اليوم أن تحاول تقبُّل الحياة ورؤيتها مثلما هي.

افعل ما يجب أن تفعله دون توهُّمٍ أو خوفٍ من الأسوأ أو التذمر ممَّا قد يحدث أو الانشغال بصعوبة العمل، ركِّز اهتمامك على لحظات الحاضر، وأدِّ عملك خطوةً تلو الأخرى، وابذل كلَّ ما في وسعك، وإذا لم تعرف من أين تبدأ، انظر حولك، واشكر الله على صحتك وعائلتك وأصدقائك وعملك ومنزلك، فلا شيء يدوم إلى الأبد، استبدل بالأوهام تركيز الاهتمام الكامل على لحظات الحاضر، وابذل أفضل ما لديك في سبيل ما تملكه بين يديك.

شاهد: 7 طرائق عملية لتغيّر تفكيرك وحياتك

ثانياً: اكتشاف الأعباء الإضافية التي تحملها

قبل 20 عاماً حينما كنت أنا وزوجي مارك طالبَين في الجامعة علمتنا أستاذة علم النفس درساً لم ننساه أبداً؛ ففي آخر درس قبل التخرج، صعدتْ إلى المنصة لتعلمنا درساً أخيراً أطلقت عليه اسم "قوة الرأي والتفكير"، حينما حملت فوق رأسها كأساً من الماء، توقع الجميع منها أن تتحدَّث عن حكمة "نصف الكأس الفارغ ونصف الكأس الملآن"؛ لكنَّها عوضاً عن ذلك سألتنا والابتسامة تعلو محياها: "ما وزن كأس الماء الذي أحمله؟".

تعالت أصوات الطلاب بإجاباتٍ مختلفة، وبعد بضع دقائق من الرد على الأجوبة والإيماء بالرأس، أجابت: "من وجهة نظري، الوزن الفعلي للكأس ليس هامَّاً؛ فالقضية كلُّها تعتمد على مدة حمل الكأس، فإذا حملته دقيقةً أو دقيقتَين؛ فالكأس خفيفٌ نوعاً ما، وإذا حملته ساعةً كاملة، قد يؤلمني ذراعي، وإذا حملته يوماً كاملاً، ستتشنج ذراعي على الأرجح وتتخدر وتُشل، وسيجبرني هذا على إسقاط الكأس على الأرض، ولم يتغير وزن الكأس الفعلي في كلِّ حالة من هذه الحالات، لكن كلَّما طالت مدة حمله، ازداد إحساسي بثقله".

أومأ معظم الطلاب برؤوسهم تعبيراً عن موافقتهم على كلامها، ثم تابعت كلامها قائلة: "تشبه المخاوف ومشاعر الإحباط وخيبات الأمل والأفكار المثيرة للتوتر هذه الكأس كثيراً؛ إذا فكرت فيها برهةً من الزمن، لن يحدث شيءٌ خطير، وإذا فكرت فيها مدَّةً أطول قليلاً، ستشعر بألمٍ ملحوظ، وإذا فكرت فيها طوال اليوم، ستشعر بالخَدَر والشلل، وستعجز عن فعل أيِّ شيءٍ آخر قبل التخلص منها".

فكِّر كم ينطبق هذا على حياتك، فإذا كنت تواجه صعوبةً في تحمُّل عبء الأفكار التي تدور في ذهنك؛ فهذه إشارةٌ قوية على أنَّ الوقت قد حان لإنزال كأس الماء والتخلص من تلك الأفكار.

تغيير طريقة التفكير بهذه الطريقة ليس عملاً هيِّناً، ومن أصعب الدروس التي يتعلمها المرء في الحياة القدرة على تغيير طريقة تفكيره والتخلي عن الأفكار والمشاعر، سواء كانت ذنْباً أم غضباً أم خسارة شخصٍ عزيز؛ فالتغيير صعبٌ دائماً، فأنت تكافح في سبيل الاقتناع بالأفكار الجديدة وتكافح في سبيل التخلي عن الأفكار القديمة.

لكنَّ التخلي عن المشاعر والأفكار تخلياً نابعاً من أعماق النفس هو غالباً الطريق الأسلم، فهو يخلصنا من سموم الماضي، ويمهد الطريق إلى الاستفادة استفادةً إيجابية من الحاضر، ويجب عليك أن تحرر نفسك عاطفيَّاً من بعض الأمور التي كانت يوماً تعني لك الكثير، وأن تتخطى الماضي وآلامه.

ثالثاً: اكتشاف مصادر تشتيت الانتباه

أحد أكثر الجوانب المُرضية في العمل الذي نؤديه هو أن نسمع أنَّ أشخاصاً انتفعوا فعلاً به، وأجمل مثالٍ على ذلك رسالة الشكر التي تلقيناها منذ فترة عبر البريد الإلكتروني من إنسانةٍ قرأت كتابنا الجديد تُدعى "هوب".

أخبرتنا هوب كيف ساعدها كتابنا على الحفاظ على قوتها ويقظتها الذهنية خلال عملية التعافي الشاقة التي خاضتها عقب حادث سيارةٍ خطير، وقصتها إجمالاً كانت مؤلمةً ومثيرةً للإلهام، إلَّا أنَّ ما شد انتباهنا إليها تحديداً كان جملةً واحدةً فيها: "بقيَتْ أجمل لحظات حياتي هي تلك التي أدركت فيها - وأنا تحت سيارةٍ تَزِن 900 كيلوغرام - أنَّ زوجي وابني الذي يبلغ من العمر 9 أعوام خرجا من السيارة وكانا بخير".

كم هو مذهلٌ وصعب أن تتبنى وجهة نظرٍ كهذه وأنت تحت ظروفٍ قاهرة، وأصعب اللحظات هي التي تمنحنا في بعض الأحيان فرصة تقدير أهم الأشياء فعلاً في حياتنا، والتي كانت في حالة هوب زوجها وابنها.

فيما تبقى من الرسالة الإلكترونية، تحدَّثَت هوب كيف أنَّ عائلتها قضت وقتاً أطول معاً في أعقاب الحادث؛ فمارسوا معاً أنشطةً لطيفة في فترة التعافي، مثل رواية القصص والنكات، وقدَّروا بصدقٍ الأوقات التي يقضونها معاً: "جعلَنا الحادث ندرك كم ضيعنا من وقتٍ وطاقةٍ كلَّ يوم على أشياء تافهة منعتنا من التواصل وقضاء وقت مميز معاً"، ومن الصعب أن تسمع قصَّةً كقصة هوب دون أن تسأل نفسك:

  1. أين يمكن أن أغير طريقة تفكيري تغييراً صحيَّاً؟
  2. وما هي الأمور التي يجب عليَّ أن أتوقف عن إضاعة وقتي وجهدي عليها؟

يمتلك معظمنا كثيراً من الفرص لتحويل تركيزهم بعيداً عن مصادر تشتيت الانتباه التي لا معنى لها، وتبنِّي وجهة نظر صحية أكثر تجاه الظروف الحالية، وربما تكمن هذه الفرص في التوقف عن مقارنة حياتنا بحياة الآخرين والتفكير فيما يملكون وما لا نملك، أو في اتخاذ قرار بالتوقف عن التفكير دائماً في الأخطاء التي ارتكبناها في الماضي، والتي لم نَعُد نستطيع العودة إلى إصلاحها، أو في التوقف عن تركيز الاهتمام على مصادر تشتيت الانتباه اليومية التي تمنعنا من الاهتمام بالأشخاص الذين يعيشون معنا، والذين هم أغلى ما نملك.

شاهد أيضاً: 8 طرق تفكير ستضعك على طريق النجاح

في الختام:

إذا راقت لك الأفكار التي تحدثت عنها، فأنا أشجعك على أن يكون تغيير طريقة تفكيرك أول شيءٍ تفعله حينما تستيقظ صباحاً خلال هذا الأسبوع حتى تستعد مسبقاً لكلِّ يوم؛ ذلك لأنَّك حينما تبدأ يومك وأنت تحس بالتماسك والتركيز، ستتمسك بهذه العقلية في كلِّ شيءٍ تفعله وفي كلِّ محادثةٍ تجريها؛ إذ يُعَدُّ هذا مفيداً تحديداً حينما تُضطر إلى التعامل مع موقفٍ عصيب من مواقف الحياة أو مع علاقةٍ تَمُرُّ بظروفٍ صعبة.

إقرأ أيضاً: التفكير السلبي: أسبابه وطرق التخلص منه

أنت لا تستطيع تغيير كلَّ موقفٍ تواجهه؛ لكنَّك تستطيع دائماً تغيير طريقة تعاملك معه، وهنا يكون لممارسة التأمل في الصباح مفعول السحر، وهذه نصائح لممارسته:

  1. اقرأ هذه العبارات بصمت أو جهر وخاطب بها نفسك:

  • سأكون سعيداً.
  • سأكون آمناً.
  • سأكون مرتاحاً.
  • سأحظى بالحب.
  1. وجه هذه العبارات لشخصٍ تحبه، مثل أمك:

  • ستكون أمي سعيدة.
  • ستكون أمي آمنة.
  • ستكون أمي مرتاحة.
  • ستحظى أمي بالحب.
  1. الآن الجزء الأصعب من التمرين؛ وجه كلامك لشخصٍ تأزمت علاقتك معه (لنفترض أنَّ اسمه جو):

  • سيكون جو سعيداً.
  • سيكون جو آمناً.
  • سيكون جو مرتاحاً.
  • سيحظى جو بالحب.
إقرأ أيضاً: 4 نصائح تساعدك على تغيير طريقة تفكيرك للحد من القلق

تذكَّر أنَّ الأمور التي تركِّز اهتمامك عليها هي أكثر الأمور التي ستراها في حياتك، وفي أول صباحٍ مارست فيه هذا التمرين مخاطبةً أمي التي كانت قد تأزمت علاقتي معها، انهمرت الدموع من عيني، لكن بعد مرور 30 يوماً على ممارسة التمرين بوصفه جزءاً من طقوسي اليومية، شعرت بتحسُّنٍ كبير وانزاح العبء تدريجيَّاً عن كاهلي، وشعرت أنَّ حبي لنفسي وللآخرين قد ازداد أيضاً، ولقد تغيَّرَت طريقة تفكيري، وطريقة تفكيرك يجب عليها أن تتغير كذلك.

3Hard Perspective Shifts that Will Gradually Make Your Life 3 Times Easier




مقالات مرتبطة