تطور الأسرة عبر العصور من القبائل إلى الأسرة الحديثة

الأسرة هي مجموعة الأفراد القاطنين في مأوىً واحد يتشاطرون فيه أسلوب المعيشة والحياة، وتجمعهم روابط الدم والعرق، وقد اهتم العلماء بدراسة مراحل تطور الأسرة لمعرفة أصل كل نسب خلال العصور. سنتعرف في هذا المقال على مراحل تطور الأسرة خلال العصور فقط تابِع معنا.



أهمية الأسرة في المجتمعات القبلية القديمة

تكوَّنَت الأسرة في العصور القديمة وعصور ما قبل التاريخ من القبائل، وحياتهم كانت معتمدة فقط على صيد مختلف الحيوانات وفي جميع المواسم، فالعلاقات الأسرية آنذاك كانت تعتمد على القرابة، وذلك وفقاً لقواعد صارمة يضعها رئيس القبيلة. تألَّفت الأسرة التقليدية آنذاك من أب وأم والأخوة والأجداد والأعمام والعمات وذويهم، فالأسرة الموسعة هي الأساس في ذلك الوقت.

ولكن مع تطور الأسرة حافظت بعض القبائل على هذا الترابط الاجتماعي القوي؛ إذ يتبع جميع أفراد الأسرة الموسعة إلى كبير العائلة الذي كان يشور عليهم في جميع قضايا الحياة، ويقضي بأمور الزواج والتنقل والثأر وغير ذلك. وقد كان لكل فرد في الأسرة دور هام، فبعضهم يهتم بالعمل وشؤون الأسرة، وآخرون يحمون الأسرة من الهجمات الخارجية والأعداء.

الأسرة في الحضارات القديمة (مصر، واليونان، وروما)

الأسرة هي حجر الأساس الأولي للمجتمع خلال العصور، وقد مرَّت بعدة مراحل خلال التاريخ والحضارات بدءاً من الأسرة التقليدية في المجتمعات القبلية وصولاً إلى الأسرة الحديثة. سنتعرف على تطور الأسرة في كل من الحضارات الرومانية والمصرية واليونانية.

الأسرة في الحضارة المصرية

عُرفَت الأسرة في الحضارة المصرية بكثير من التماسك والتوازن والاستقرار، فكان لكل فرد فيها دور، والزوجة هي ربة المنزل ومربية الأطفال، ومسؤولة عن شؤون المنزل، وقد حفظ القانون في الحضارة المصرية القديمة جميع حقوقها، ومن أهمها الإرث.

كان الزواج في مصر القديمة تقليداً مميزاً، ويحمل شرائع قوية، فيعد ميثاقاً بين الزوجين يربطهما حتى الممات، وكان يسمح للزوج آنذاك بتعدد الزوجات وفقاً لشروط محددة، مثل عدم قدرة الزوجة على الإنجاب، أو لإنجاب الذكور، وغيرها من الأسباب التي نشهدها حتى الآن في بعض الأسر الحديثة.

والجدير بالذكر أنَّه رغم اعتبار الرجال عندهم أرباب الأسر، إلَّا أنَّ المرأة حازت على دور هام في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وكان لها دور فعال عند المصريين سواء بالحكم أم بالمشورة.

الأسرة في الحضارة اليونانية

حازت الأسرة في الحضارة اليونانية القديمة على اهتمام كبير، واعتبرت أساس استقرار الدولة، وحملت معاني الأخلاق والقيم النبيلة. كانت تُرتَّب الزيجات من قِبل كبار العائلات الآباء والأجداد والأعمام، ولم يكن يُسمح للمرأة بالرفض حفاظاً على شرف العائلة، ومع تطور الأسرة حافظَ بعض الأهالي في اليونان على تقاليد الأسرة القديمة كما في أثينا، ولكن تطورت أساليب الزواج في بعض الأماكن مثل سبارتا، فحظيت المرأة ببعض الحقوق وصولًا إلى الأسرة الحديثة.

الأسرة في الحضارة الرومانية

كانت الأسرة في الحضارة الرومانية القديمة وحدة اقتصادية واجتماعية فعالة، يرأسها "الباتريا" أي الأب، وهو رأس الهرم ورب الأسرة، وله السلطة في اتخاذ جميع القرارات التي تخص أفراد أسرته مالياً ومعيشياً. فالزواج في روما حملَ طابعاً سياسياً، وكان يُرتب لأسباب اقتصادية وسياسية ولمصالح معيَّنة، ولهذا كثرت آنذاك حالات الطلاق وعدم التفاهم، وكانت المرأة تتبع للرجل في كل أمورها، لم يكن يسمح لها بالتدخل أو الرفض، ولكن مع تطور الأسرة وظهور مفهوم الأسرة الحديثة حالياً، نالت جزءاً كبيراً من حقوقها كالإرث والطلاق والزواج برغبتها ممن تُحب.

شاهد بالفيديو: 12 طريقة لتعزيز التواصل الأسري

تحولات الأسرة في العصور الوسطى

تعد العصور الوسطى فترة هامة جداً في تاريخ تطور الأسرة، فشهدت مختلف المجتمعات عدداً من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكان للأسرة النصيب الأكبر من هذه التحولات، وفي الواقع كانت تتكون حينها من الأب والأم والأطفال وأحياناً الأجداد والأعمام وجميعهم يتشاركون تحت سقفٍ واحدٍ. وهذا ما حافظَ على العلاقات الأسرية المتينة ووطَّد علاقة الأفراد ببعضهم، وبالنسبة لدور المرأة فقد تجسد في العصور الوسطى بمزيج من الضعف والقوة.

في الريف: كانت تعمل في الزراعة وتربية الحيوانات، إضافة إلى دورها في رعاية الأطفال، أما لدى الحضر: كانت تعمل فقط في رعاية الأطفال وتدبير أمور المنزل، وبما أنَّ هذه المرحلة تميزت باشتداد الحروب، فقد اضطرت المرأة أحياناً إلى القيام بواجبات الأب والأم في غياب الأب أو موته، مما زاد أهميتها ودورها في بناء الأسرة.

كان الزواج في العصور الوسطى بمنزلة ضرورة اجتماعية أكثر من كونه علاقة حب عميقة، فكانت الأسر تقضي باختيار الزوج لبناتها وفقاً لمصالح شخصية تحقق أغراضاً اقتصادية وسياسية، ولكن لاحقاً تطورت حياة الأسرة التقليدية، فأصبح الحب أساساً للزواج.

حكَمَت الكنيسة في جميع أمور الحياة، وإليها ترجع كل القضايا، وأمور الزواج واحدة من أهم هذه القضايا، فكانت الطقوس الدينية طاغية على أساليب الزواج والطلاق وطرائق تربية الأبناء، كما أنَّ تقديس الشعائر الدينية والاحتفال بالأعياد، كان أكبر فرصة لتقوية الروابط الأسرية آنذاك.

نشأة الأسرة النووية في العصر الحديث

تتكون الأسرة النووية من أب وأم وأبنائها، وهي وحدة مستقلة عن الأسرة الكبيرة الموسعة التي تشمل الأجداد والأعمام والأخوال وذويهم، فهي تعكس احتياجات المجتمعات المعاصرة، وتتلائم مع التغيرات التي تطرأ على أنماط الحياة والمجتمع؛ إذ بدأت نشأتها مع انتقال المجتمع من الزراعة إلى الصناعة، الأمر الذي جذب مختلف الناس إلى المدن، مما جعل حياة الأسرة التقليدية وقوانينها غير مناسبة للتطورات التي جرت.

حيث ارتفع مستوى التعليم والمردود المادي نتيجةً لمشاركة المرأة في العمل والبناء، مما غيَّر الاعتبارات والقوانين التي تحكم الأسرة، بالتالي تعقَّدَت العلاقات الأسرية ووضعتها تحت الضغط، الأمر الذي أدى إلى تفككها في أغلب الوقت.

تأثير الثورة الصناعية في شكل الأسرة

بدأت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر في بريطانيا وهي نقطة تحول أساسية في التاريخ البشري، وأثرت في الاقتصاد الوطني آنذاك عالمياً، كما أنَّها أعادت هيكلة العلاقات الأسرية بصورة مختلفة تماماً عن الماضي، الأمر الذي غيَّر شكل الأسرة ونمط حياتها. فالأسرة الحديثة ألزمت المرأة بالدخول في سوق العمل، وأصبحت ذا دور إداري وريادي هاماً وعالمياً، مما زاد من مسؤولياتها وفرضَ على الواقع الأسري أن يتقلص، فقلَّ عدد أفراد الأسرة وأصبحت أغلب الأسر مؤلفة من 5 أفراد لا أكثر. شهدت فترة الثورة الصناعية اهتماماً ضخماً بالتعليم؛ إذ أصبح لزاماً على الأطفال التعلم من أجل الحصول على شهادات تمكنهم من الدخول إلى سوق العمل.

إقرأ أيضاً: حماية الأسرة في العصر الرقمي: التحديات والحلول

الأسرة المعاصرة وتحديات العصر الرقمي

تواجه الأسرة الحديثة عدداً من التحديات في العصر الرقمي، ونتيجة لتطور التكنولوجيا تحوَّلت طرائق التواصل داخل الأسرة وخارجها، فبالرغم من إتاحة فرص واسعة للتواصل بين أفراد الأسرة في أي وقت رغماً عن المسافات، نجد أنَّها تشتَّتَ وقلَّت فيها صلة الرحم.

حيث قدَّمَت التكنولوجيا الحديثة فرصاً أوسع للتعلم رغم كل الظروف، وبقي التحدي على الأهل بضرورة مراقبة التحصيل العلمي لأطفالهم لضمان حصولهم على أفضل النتائج، بالتالي زادَ التطور الرقمي مخاطر فقدان الخصوصية، وأصبحت حماية المعلومات الشخصية والبيانات السرية وأسرار العائلة تحدياً يواجهه جميع أفراد الأسرة، وهو يحتاج إلى كثير من الوعي والمشاركة والتشاور وتبادل الأفكار بين أفراد الأسرة.

هذا وتشكل الأجهزة الذكية جزءاً لا يتجزأ من حياة الأطفال منذ نشأتهم، فأصبح الطفل قادراً منذ بداية تطوره على اكتساب مهارات التعامل مع الأجهزة الرقمية جميعها بمختلف أنواعها، وهذا ما أثر في مهاراته في التواصل المباشر مع محيطه، بالتالي تغيَّر مجرى الحياة تجاه منحىً آخر مختلف تمام عن التقاليد القديمة للأجداد؛ إذ أصبحت العلاقات الأسرية القديمة من التراث فقط.

إقرأ أيضاً: التغير في مفهوم الأسرة

ختاماً

تعد الأسرة حجر الأساس في البناء المجتمعي، ومن تطور الأسرة انطلقَت كل الحضارت خلال العصور وتطورت، وإليها ترجع جميع المشكلات والمتغيرات والتطورات، وإنَّ دعم الأسرة المعاصرة في ظل المتغيرات على الصعيد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، يتطلب تضافر الجهود من قبل جميع المؤسسات المجتمعية للوصول إلى مجتمع متماسك وسليم.




مقالات مرتبطة