وهم العصر: لماذا أنا لست غنياً ومشهوراً؟

أنا أتعلم أشياء جديدة كلَّ عام تجعلني أعتقد أنَّ عالمنا يسير في الاتجاه الخطأ؛ إذ توجد الآن شركات تقدم طائرات خاصة "بأسعار معقولة"؛ لقد رأيت خبراً عن هذا الأمر منذ فترة على شاشة التلفزيون، حيث يمكنك تقسيم تكلفة طائرة خاصة مع 30 شخصاً أو نحو ذلك ممَّن يرغبون في الذهاب إلى وجهات سياحية مثل إيبيزا (Ibiza) في أوروبا (Europe) أو لاس فيغاس (Las Vegas) في الولايات المتحدة (US).



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن وهم الناس في الثراء والشهرة.

عندما أظهر المراسل الطائرة من الداخل، كانت تماماً مثل أيِّ طائرة تجارية أُخرى، لكن حجمها أصغر، وفي الواقع، كانت تجربة السفر بأكملها على متن هذه الطائرة الخاصة تشبه تماماً السفر في رحلة جوية عادية.

إنَّ السفر في كلٍّ من الطائرات الخاصة والعامة يتطلب الذهاب إلى المطار والانتظار في صف للتأكد من الحقائب، وبعد ذلك الجلوس في الطائرة مع مجموعة من الغرباء، ومَن ثَمَّ السفر إلى وجهتك؛ لكنَّ الفرق هو أنَّك يمكنك أن تقول لأصدقائك: "أنا أسافر على متن طائرة خاصة".

تأثير الترفيه في الحياة الواقعية:

كتب نيل بوستمان (Neil Postman) في عام 1985، والذي كان ناقداً إعلامياً، كتاباً بعنوان "المبالغة في تسلية أنفسنا" (Amusing Ourselves to Death). ناقش بوستمان في كتابه هذا أنَّ وسائل الإعلام تستخف بجودة المعلومات وتهتم اهتماماً كبيراً برغبتنا في الترفيه.

تذكر أنَّ هذا الكتاب كُتب منذ أكثر من 35 عاماً، في عصر لم يتوفر فيه الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والتوجه الذي يتحدث عنه هو اليوم أسوأ بـ 100 مرَّة ممَّا كان عليه آنذاك، وفي الواقع، لقد أثَّر عالم الإعلام في الثقافة أكثر من أيِّ شيء آخر.

نحن لم نعد مدفوعين بالقيم أو الأخلاق أو الولاء أو العائلة؛ بل نحن مدفوعون بما تهتم به وسائل الإعلام، وما هو الموضوع الرئيسي الذي تركِّز عليه جميع وسائل الإعلام، إنَّ جميع وسائل الإعلام باتت تهتم بالاحتفاء بالأثرياء والمشاهير؛ فثقافتنا تهتم بالفوز، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يهم.

لهذا السبب توجد شركات تقدم طائرات خاصة بأسعار معقولة، لكنَّ هذا ليس الشيء الأكثر جنوناً؛ إذ إنَّه يمكنك بالفعل الذهاب إلى مكان يوفر طائرات خاصة مزيفة حتى تتمكن من التقاط الصور والتظاهر بأنَّك على متنها، وهذا الأمر بدأ منذ عام 2017 على الأقل، وما يزال مُستمراً.

لا أستطيع التفكير في مثال أكثر إثارة للمشاعر يصف العصر الذي نعيش فيه؛ فنحن نفضل أن تكون لدينا صورة حقيقية في طائرة خاصة فخمة أكثر من أن نعيش تجربة حقيقية وعادية. هذا هو تأثير الترفيه في الحياة الحقيقية؛ إذ يفترض الناس أنَّ ما يرونه في الأفلام والبرامج التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي حقيقي، ويحاولون تقليد ذلك.

تقليد سلوكات الأشخاص الذين نتخذهم قدواتٍ لنا:

عندما حصل والداي على قطة بريطانية قصيرة الشعر عمرها 12 أسبوعاً، أطلقنا عليها اسم أرشيبالد. لقد تفاجأنا جميعاً بالطريقة التي عرفت بها كيف تذهب إلى الحمام من تلقاء نفسها؛ إذ تتعلم القطة ذلك من خلال مراقبة والدتها، وكما أعلم؛ لا تستطيع القطط التواصل بالطريقة التي يتواصل بها البشر؛ لذا فهم يتعلمون من خلال تقليد سلوكات بعضهم بعضاً.

في الواقع، هذا ما تفعله معظم الثدييات، فإحدى القصص المفضلة لوالدتي عن طفولتي هي المرة الأولى التي تعلمت فيها كلمة "تباً"؛ إذ كنت ألعب في الخارج مع بعض الأطفال الأكبر سناً وسمعتهم يقولون هذه الكلمة في كلِّ مرة كان يحدث فيها شيء سيئ؛ فذهبت إلى المنزل، وضربت ركبتي على المنضدة، وقلت: "تباً"، فالأطفال أكثر عرضة لتقليد السلوكات التي يقوم بها الآخرون؛ لأنَّ الجزء الأساسي من دماغهم لم يتطور بعد؛ ليس لديهم معيار لماهية المفردات أو السلوك الطبيعي.

شاهد: سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي

"لماذا لست ثرياً ومشهوراً؟"

لقد ولدت في عام 1987، وقلدت ما رأيته: والديَّ وأعمامي وخالاتي وأبناء عمومتي والأصدقاء والمعلمين، وحتى الأفلام التي شاهدتها والموسيقى التي استمعت إليها، وعلى الرَّغم من أنَّ وسائل الإعلام التي كانت في طفولتي أكثر بكثير من تلك التي كانت موجودة في طفولة والديَّ، إلا أنَّ الأمور التي أثَّرت فيي بشكل أساسي كانت ما تزال من الأشخاص المُحيطين بي، وغالباً ما يتأثر الشخص المولود بعد جيل الألفية فيما يحدث على هواتفهم الذكية؛ إذ إنَّهم يقلِّدون سلوك المشاهير ونجوم وسائل التواصل الاجتماعي.

اسأل 100 طفلاً في العاشرة من العمر عمَّا يريدون فعله، وأعتقد أنَّ 99 منهم سيقولون شيئاً مرتبطاً بأن يصبحوا أثرياء أو مشهورين مثل موسيقي أو يوتيوبر أو ممثل أو لاعب أو إنسان مشهور، وعندما يكبر الأطفال نفسهم ويعيشون حياة طبيعية دون ملايين الدولارات، فإنَّهم يتساءلون، "لماذا أنا لست ثرياً ومشهوراً بعد؟".

هذا وهمٌ يراود معظم الناس، ليس الأشخاص الذين ولدوا بعد عام 2000 فقط، وفي الواقع، هذا ما يسعى إليه معظم زملائي في الكتابة؛ إذ إنَّهم يريدون أن يكونوا كُتَّاباً مشهورين مثل ستيفن كينج (Stephen King) أو ج. ك. رولينج (J.K. Rowling)، وعندما يكتبون بعض المقالات التي لا يهتم بها أحد، فإنَّهم يشعرون بالإحباط ويتوقفون عن العمل.

الخلط بين الخيال والواقع:

أعتقد أنَّه من قلة الاحترام انتقاد الثقافة السائدة كثيراً والقول إنَّ كلَّ شيء سيئ، وأنَّ هذا المجتمع الغربي محكوم عليه بالفناء، كما أنَّني لا أتفق مع معظم نقَّاد الإعلام الذين جاؤوا بعد نيل بوستمان، الذين قالوا إنَّ كلَّ ما في الإنترنت ووسائل الإعلام سيئ.

لا أعتقد أنَّ ثمة أيَّ خطأ في التركيز على الترفيه، فأنا أحب مشاهدة فيلم جيد أو برنامج تلفزيوني؛ لكنَّ الأمر يصبح مشكلة فقط عندما نخلط بين الخيال والواقع، فإنَّ 99% ممَّا تراه على التلفزيون مزيف؛ إذ إنَّ برامج "الواقع" عن حياة الناس مزيفة، ومدونات الفيديو على موقع يوتيوب مزيفة، كما أنَّ المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي مزيفة.

عندما أقول مزيفاً، لا أقصد أنَّ الأمر كله كذبة؛ بل أعني أنَّه ليس تصويراً للواقع؛ إذ إنَّ لقطة من حياة شخص ما على تطبيق إنستغرام (Instagram) لا تخبرك بأيِّ شيء عن الحياة الفعلية لذلك الشخص، وهذه هي الطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع كلِّ تلك الأشياء؛ أي بوصفها ترفيهاً حقيقياً، وليس بوصفها مصدر إلهام للحياة.

إقرأ أيضاً: 16 عادة تؤدي إلى الثراء

النتائج ليست كلَّها سواسية:

أنا لست ناقداً إعلامياً أو سياسياً هدفه الوحيد هو انتقاد حضارتنا؛ إذ أعتقد أنَّنا نقوم بعمل لائق، لكن يمكننا أن نفعل ما هو أفضل؛ إذ نحتاج إلى التخلي فقط عن التوقعات الوهمية التي لدينا في بعض الأحيان، وفي الواقع كلُّ نتيجة نتوقعها هي وهم من منظور فلسفي.

لنفترض أنَّه يوجد شخصان، الشخص "أ" والشخص "ب"، وكلاهما مستثمران ولهما قيمة ويتَّبعان الاستراتيجية التي وضعها رجل الأعمال بنجامين جراهام (Benjamin Graham) في الثلاثينيات؛ إذ وُلِد الشخص "أ" في عام 1930، أمَّا الشخص "ب" فوُلد بعد سبعين عاماً في عام 2000، وقد بدأ كلاهما في تطبيق استراتيجية استثمار جراهام في سن مبكرة جداً، دعنا نقول عندما كانا يبلغان من العمر 15 عاماً.

يصبح الشخص "أ" وارن بافيت (Warren Buffett)، الذي كان في يوم من الأيام أغنى رجل على وجه الأرض، والذي شهد أحد أكبر الطفرات في الأسهم ذات القيمة عندما كان صغيراً، أمَّا الشخص "ب" يخسر نصف أمواله؛ لأنَّ الأسهم كانت غير مفضلة في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين؛ ويكاد يكون من المستحيل انتقاء الأسهم المربحة.

إقرأ أيضاً: لماذا يريد جيل الألفية أن يحقق الشهرة؟

الاستراتيجية نفسها والإجراءات نفسها، لكن في أوقات مختلفة ونتائج مختلفة؛ لذا أن تصبح ثرياً ومشهوراً هو في الغالب مسألة حظ؛ فبمجرد أن نتخلى عن النتائج، يمكننا النظر إلى الداخل والتركيز على الأشياء الهامة حقاً؛ أي أن نصبح أشخاصاً جيدين نتمتع بالقيم، ولدينا شخصية وجيدون فيما نفعله، وهذه أكبر مكافأة في الحياة، وهي في متناول يديك.

’Why Am I Not Rich & Famous?’ the Delusion of Our Times




مقالات مرتبطة