واثق أم متعجرف؟ كيف تعرف الفرق

نرى في حياتنا ووظائفنا العديد من الناس بمختلف الشخصيات والطباع، منهم الواثق، ومنهم المتزن، ومنهم المتعجرف، ومنهم المحب، ومنهم الشرير وكثير كثير من التنوع، فيختلف الناس بطبائعهم ويتميزون بها؛ فالطباع كالبصمة لا يتشابه فيها أحدٌ مع الآخر، ومن بين هذه الطباع وأسوئها هو التعجرف؛ لذا تعالوا معنا لنعرف أكثر عنه.



قبل بضع سنواتٍ أجريت مقابلةً مع شابةٍ لشَغْلِ منصبٍ في شركتنا، وخلال المقابلة بدأتُ في شرح فرص التقدم للشواغر لدينا، وقبل أن أنتهي قاطعتني قائلةً: "الوظيفة الوحيدة التي أريدها هي وظيفتك".

ثقةٌ في النفس أم تعجرف؟ كيف تعرف الفرق؟

صدمني البيان وشيءٌ ما في لغة جسدها على أنَّها متعجرفةٌ إلى حدٍ ما، فقد يرى الآخرون مثل هذا السلوك على أنَّه ثقةٌ فائقة - وهي سمةٌ مرغوبة أكثر - ولكن يوجد خيط رفيع بين التعجرف والثقة، وقد يكون من الصعب تمييز أحدهما من الآخر، لا سيما أنَّه في عديد من ثقافاتنا نشجع الترويج الذاتي ونكافئه على أنَّه مفتاحٌ للنجاح.

إضافة إلى ذلك نشأ كثير منا على الظنِّ بأنَّهم فريدون ومميزون، وأنَّهم يستطيعون الحصول على ما يريدون؛ هذه رسالة إيجابية وطموحة؛ لكنَّها تحمل مخاطر بين طياتها.

إنَّ العمل على تعزيز احترام الذات أمرٌ جيد؛ لكنَّ الإفراط في ذلك يمكن أن يشجع على الغطرسة والنرجسية بدلاً من ذلك.

شاهد بالفيديو: تعلم عن مهارة الثقة بالنفس مع د. إيفان جوزيف Dr Ivan Joseph

كيف يمكنك معرفة ما إذا كان شخص ما واثقاً أو متعجرفاً؟

لنبدأ بتعريف كلا المصطلحين:

الثقة هي شعورٌ بالثقة بالنفس ينبع من تقدير قدراتنا أو صفاتنا، في حين تتميز العجرفة بإحساسٍ مبالغ فيه بأهميتنا أو قدراتنا، ولحسن الحظ توجد بعض الأدلة التي يمكن أن تساعدنا على اكتشافها.

غالباً ما يظنُّ الأفراد المتعجرفون أنَّه ليس لديهم ما يتعلمونه من الآخرين؛ لذا فهم يتصرفون كأنَّهم يعرفون كل شيءٍ؛ فهم يحاربون بأسنانهم وأظافرهم ليكونوا على حقٍ ولإظهار أنَّ الآخرين على خطأ؛ نتيجةً لذلك لا يستمعون إلى آراء الآخرين.

الأشخاص الواثقون من أنفسهم - من ناحيةٍ أخرى - ليس لديهم مشكلة في الاستماع؛ فهم يدركون أنَّهم لا يعرفون كل شيءٍ، ويسعدهم التعلم من الآخرين.

يحب المتعجرفون أيضاً التحدث عن أنفسهم كثيراً، يتفاخرون بإنجازاتهم ومهاراتهم وقدراتهم، وغالباً ما يتجاهلون من حولهم، ففي الاجتماعات على سبيل المثال يسعى المتعجرفون عموماً إلى تسليط الضوء على أنفسهم بوعيٍ أو بغير وعي، ويجعلون الآخرين يشعرون بأنَّهم أقل أهميةً، قد يستخدمون لغةً متعالية، أو يتحدثون مع الناس بتكبّرٍ، أو يُظهرون لغة جسد تُبيِّن عدم الاهتمام بالآخرين.

على النقيض من ذلك، قد يسلط الأشخاص الواثقون الضوء على إنجازات زملائهم في الاجتماعات أو في العمل الجماعي، ويشجعون عليه، ويمدحون زملاءهم في العمل بسخاء.

ربَّما يكون الاختلاف الأساسي هو أنَّ العجرفة غالباً ما تخفي انعدام الأمن النفسي؛ لهذا السبب يتفاخر المتعجرفون بإنجازاتهم وقدراتهم في حين يميلون إلى تحقير الآخرين.

الثقة - من ناحيةٍ أخرى - تنبع من تقدير الذات الحقيقية والإيمان والفخر بإنجازاتك وقدراتك، كما أنَّ الأشخاص الواثقين لديهم اتزانٌ نفسي يسهم في الهدوء الداخلي، ويظهرون رباطة جأشهم ولا يتفاخرون أو يتصرفون على نحو أفضل من الآخرين.

في النهاية الغرور يكون حاجز صدٍّ ولا أحد يحب قضاء الوقت مع المتعجرفين؛ فهم مزعجون ومنفرون، والأشخاص الواثقون من أنفسهم هم على النقيض من ذلك؛ فهم يلهمون الآخرين، وكلما قضينا وقتاً معهم زادت احتمالية تطوير ثقتنا بأنفسنا؛ فالثقة تجذبنا وهي مُعدية أيضاً.

كيفية إدارة السلوك المتعجرف أو الأشخاص المتعجرفين في مكان العمل

لا يمكنك الاحتراز التام من التعجرف؛ لأنَّك لا تستطيع التحكم بالطريقة التي يتصرف بها الناس، ولكن إليك ثماني نصائح مفيدة؛ لمساعدتك على تقليل الغطرسة ومعاملتها في فريقك:

ابدأ بالتوظيف الصحيح:

إذا كنت ترغب في إنشاء ثقافةٍ تعزز العمل الجماعي والاحترام المتبادل، فمن الضروري التأكد من أنَّك لا تقوم - عن غير قصدٍ - بتعيين شخصٍ متعجرف.

إليك بعض الأشياء التي يجب البحث عنها:

1. السير الذاتية الجيدة جداً لدرجة يصعب تصديقها:

قد يضخم المتقدمون المتعجرفون مهاراتهم ومساهماتهم في وظائفهم السابقة، وقد يحاولون أيضاً وضع أنفسهم على أنَّهم الأشخاص الوحيدون المناسبون للوظيفة.

بدأت رسالة طلب توظيفٍ تلقيتها بعبارة: "بسبب الكفاءة والخبرة لدي لن تجد أحداً أفضل مني لهذا المنصب"، فدقَّت هذه النبرة جرس الإنذار لدي، وعلى الرَّغم من الصياغة البليغة كان المؤكِّد خلال المقابلة أنَّ مقدم الطلب قضى كل الوقت في محاولة لإقناعي لماذا كان أفضل من أي شخصٍ آخر قد أقوم بمقابلته.

2. السلوك المتطلب:

قد يبدو أنَّ مقدم الطلب المتعجرف لديه إحساسٌ قويٌ بالاستحقاق؛ على سبيل المثال يعلمونك بما لا يريدون فعله، فقد قال أحد المتقدمين الذين قابلتهم: "لم يعمل ساعاتٍ إضافية قط"، حتى إنَّ متقدمةً أخرى طلبت معرفة مكان جلوسها للتأكد من أنَّ مساحة المكتب تناسبها.

قد يستفسر آخرون عن المسؤوليات العليا التي لا تماشي مستوى خبرتهم، وقد يسألون عن الترقيات قبل أن يُعرض عليهم العمل حتى.

أكَّد شخصٌ حكيم ذات مرةٍ أنَّه عندما يُظهر لك الناس من هم لأول مرةٍ صدقهم، فقد نرى سلوكاتٍ يخبرنا بها شعورنا الغريزي بأنَّها علاماتٌ على التعجرف، نحن بحاجةٍ إلى الإصغاء إلى هذه الإشارات.

3. اجعل السلوك جزءاً من الأداء الوظيفي:

لتشجيع التغييرات الإيجابية قم بتضمين "السلوك" عند تقييم الأداء الوظيفي، واجعله جزءاً من عملية مراجعة الأداء وتقييمه.

أظهرت دراسةٌ حديثة أنَّه في بعض الأحيان يكون الناس متعجرفين لأنَّهم يعتقدون خطأً أنَّ خبرتهم ستبرر سلوكهم؛ لذا دع الناس يعرفون أنَّه لا يكفي أن تكون بارعاً، أو أن تكون خبيراً في مجالك، وأنَّ امتلاك السلوك الصحيح والتوافق مع الآخرين أمرٌ هام بالقدر نفسه.

4. واجه الموظف المتعجرف:

في بعض الأحيان تحتاج إلى معالجة السلوك المتعجرف وجهاً لوجه، اجتمع مع الموظف، وكن محدداً بشأن المواقف التي أظهر فيها الشخص عجرفته؛ حدِّد أمثلة ملموسة توضح فيها عجرفة سلوكه التي ظهرت؛ على سبيل المثال اشرح كيف يؤثر ذلك في معنويات الفريق وإنتاجيته.

أتذكر موقفاً أظهر فيه أحد المشرفين سلوكاً متعجرفاً تجاه مراسليه، وكان يصدر الأوامر، ويرفض أفكارهم بصورة مرتجلة، وكثيراً ما يتقلد رتبته، وقد استقال أحد الموظفين بسببه، وقد أرفق بقوله أنَّه عامله على أنَّه موظف وخادم، ولم يشعر أبداً بأنَّه شريكٌ على قدم المساواة.

بدأ الموظف الثاني في أخذ المزيد من الإجازات المَرضية، ولقد كان سلوك المشرف المتعجرف يضر بالفريق وانعكس عليه بصورة سيئة.

أظهر أيضاً للموظف المتعجرف كيف أنَّ تغيير سلوكه لا يساعد الشركة فحسب؛ بل قد يكون مفيداً أيضاً لمسيرته المهنية، فالعجرفة تغلق الأبواب أمام فرصٍ أفضل، ولا أحد يريد ذلك.

5. ضع التوقعات:

قد لا يكون من السهل تغيير طبع العجرفة المتأصِّل، لكن من الأسهل تغيير السلوكات بدلاً من تغيير المواقف؛ لذا حدد سلوكات معينة يمكن أن تحل محل السلوكات المتعجرفة.

على سبيل المثال تخيل موظفاً يتأخر عادةً عن اجتماعات الفريق، ويذهب بعد انتهاء الجلسة، ويملأ لنفسه كوباً من القهوة في حين يتحدث الآخرون، قد يشير هذا السلوك للآخرين إلى أنَّه لا يحترم قائد الاجتماع، وأول شيءٍ يمكن أن يفعله هو أن يتصرف كما لو أنَّه يحترم الحضرة ويحضر في الوقت المحدد.

6. راقب تقدم الموظف:

امنح الناس وقتاً كافياً لممارسة سلوكاتهم الجديدة، لكن ذكرهم بأنَّهم ما زالوا مسؤولين عن سلوكهم، وحدِّد موعداً لاجتماع متابعةٍ خلال ثلاثة أشهر - على سبيل المثال - لمناقشة التقدم أو التردِّي.

في الحالات القصوى إذا كانت لديك العديد من الشكاوى عن عجرفة الموظف وسلوكه فقد يكون من الضروري توعية الشخص بعواقب عدم تقدمه.

7. ارفع الوعي الذاتي لدى الموظف:

في بعض الحالات من الممكن أن يكون بعض الموظفين - بسبب حماستهم للنجاح - غير مدركين لكيفية ظهورهم أمام الآخرين؛ لذا ساعدهم على فهم الفرق بين الثقة بالنفس والعجرفة.

يمكن أن يساعد التقييم الدوري على زيادة الوعي الذاتي للموظف المتعجرف، وقد يساعد أيضاً تلقي تعليقاتٍ موضوعية من الزملاء والأقران والمشرفين إلى تخفيف حدة سلوكه والحذر من تصرفاته.

لكن اعلم أنَّ أعضاء الفريق المتعجرفين حقاً قد لا يستجيبون جيداً للنقد البنَّاء، قد تحتاج إلى تدريبهم خلال هذه العملية ومساعدتهم على استخدام المعلومات بطريقة منتجة.

شاهد بالفيديو: كيف تحفّز موظفيك في العمل؟

8. أعد تخصيص المهام:

قد يكون لديك موظفٌ رائع ومتخصصٌ لا يعمل جيداً في المجموعات؛ لذا ضع في حسبانك - إن أمكن - تخصيص العمل والمهام حيث يمكنه التفوق فيها بوصفه مساهماً فردياً، وقد يشمل ذلك مهام ما وراء الكواليس مثل العمل التحليلي.

إقرأ أيضاً: توزيع المهام على أعضاء الفريق

9. انظر في مكافآت الأداء القائم على الفريق:

القاعدة في معظم الشركات هي ربط المكافآت بالأداء الفردي، فإذا قمت بدلاً من ذلك بمواءمة المكافآت مع أداء الفريق فإنَّ الديناميكيات تتغير، فلكل فردٍ الآن مصلحةٌ راسخة في العمل معاً عملاً جيداً، قد يسلط هذا الضوء على الآثار السلبية للعجرفة على معنويات الفريق وإنتاجيته، ويشجع على التغيير والتقدم.

إقرأ أيضاً: كيف نحسِّن قياس الأداء والمكافآت؟

في الختام:

مهما فعلت لا تسمح لشخصٍ أو شخصين متعجرفين بتلويث مزاج الآخرين من حولهم، وتتمثل إحدى مسؤولياتك الرئيسة بوصفك قائداً أو مديراً أو رئيس قسم أو مسؤول الموارد البشرية في الانتباه إلى العدوى العاطفية السلبية وإنشاء بيئةٍ يمكن لأعضاء الفريق أن يزدهروا فيها ويقوموا بعملهم على أكمل وجه.




مقالات مرتبطة