هوس الاكتناز: أعراضه وأسبابه وطرق علاجه

لا بد أنَّك تعرف شخصاً يعاني صعوبة في التخلص من الأشياء القديمة، ويحتفظ بأغراض قد لا يحتاجها أبداً، ولكنَّه يفضل عدم التخلص منها لربما وجد لها مهمة في المستقبل؛ علب فارغة، وملابس غير مناسبة، ومجلات، وكتب قديمة، وأشياء أخرى تستهلك مساحات تخزينية كبيرة، يتراكم عليها الغبار وتتحول إلى فوضى بصرية عارمة دون أن يفكر صاحبها لبرهة واحدة في التخلص من أي غرض منها، إنَّ هؤلاء الأشخاص المهووسين بالجمع والاحتفاظ مصابون بما يسمى "هوس الاكتناز" أو الاكتناز القهري الذي سنتحدَّث عن أسبابه وأعراضه وطرائق علاجه في هذا المقال.



ما هو هوس الاكتناز؟

هوس الاكتناز أو الاكتناز القهري أو اضطراب الاكتناز الذي يرادفه في اللغة الإنجليزية مصطلح (Hoarding Disorder) وهو حالة مَرَضيَّة يعاني صاحبها من رغبة كبيرة في تخزين الأشياء حتى لو كانت قديمة أو معدومة النفع والفائدة، فضلاً عن وجود صعوبة بالغة في التخلص من أي غرض من أغراضه أو التفريط به؛ إنَّه الاضطراب الذي يجعل صاحبه أسيراً لعملية الجمع والتخزين ولا يملك القدرة والإرادة للتخلص من هذه الأغراض ورميها.

لا يجوز الخلط بين هواة جمع صنف معين من الأشياء أو الأدوات مع هوس الاكتناز؛ إذ إنَّ الأشخاص المهتمين بجمع فئة معينة من الأشياء كالطوابع أو عملات البلاد أو غيرها هم أشخاص طبيعيون، ورغبتهم في جمع هذه الأشياء المحددة والاحتفاظ بها نابع عن هواية، وأفعالهم واعية وتحت تأثير العقل، أما الأشخاص المصابون بالاكتناز القهري فهم يحتفظون بأي شيء، حتى لو كان معدوم الفائدة وغير صالح للاستخدام فضلاً عن معاناتهم الكبيرة في التخلي أي غرض منها، مهما كان السبب ملحاً.

في بعض الأحيان يبرر الأشخاص المصابون باضطراب الاكتناز احتفاظهم بالأغراض التي لا يحتاجون إليها بأنَّها قد تكون مفيدة لهم فيما بعد، وفي بعض الأحيان يمارسون عادة جمع الأغراض القديمة لأنَّها ذات تأثير عاطفي في أنفسهم، ومرتبطة بذكريات تخصهم أو تخص أشخاص أعزاء بالنسبة إليهم.

تبدأ عملية جمع الأغراض والاحتفاظ بها على أنَّها عادة، ثم تتطور لتتحول إلى اضطراب، ثم يتفاقم الاضطراب ليسبب فوضى عارمة في المكان الذي يقيم فيه هؤلاء بسبب تراكم الأشياء والأغراض المجموعة بشكل مفرط؛ وهذا قد ينعكس سلباً على جودة المعيشة فيه.

أعراض هوس الاكتناز:

توجد عدة علامات تدل على إصابة شخص ما بهوس الاكتناز، والتي يمكن ملاحظتها بوضوح دون الحاجة إلى الكثير من التمعُّن، ولعلَّ أشهر أعراض الاكتناز القهري هي ما يأتي:

  1. الاحتفاظ الزائد عن الحد بأشياء لا حاجة إليها، أو التي لا يوجد مكان كافٍ لتخزينها.
  2. مواجهة صعوبات بالغة في عملية التخلص من أي غرض من الأغراض مهما كان بالياً ومهما كانت قيمته الفعلية متدنية.
  3. الرغبة الملحة في الاحتفاظ بالأشياء، والشعور بالانزعاج لمجرد التفكير في التخلص منها أو ضرورته.
  4. سيطرة الفوضى العارمة على أجواء المنزل والغرف الموجودة فيه إلى درجة أن تصبح غير صالحة للاستخدام.
  5. وجود مشكلات لدى الفرد في عمليات التخطيط والتنظيم، ولجوئه المستمر إلى المماطلة والتسويف والتردد والتأجيل.

إنَّ الاستقبال اليومي لعدد كبير من الأغراض والتي ينتج عنها الكثير من المخلفات كالعبوات الفارغة والأغلفة وغيرها، ورغبة الفرد في مراكمة هذه الأغراض والاحتفاظ بها بسبب صعوبة الاستغناء عنها يحوِّل المكان بشكل تدريجي إلى فوضى عارمة، وهو أول علامات هوس الاكتناز أو اضطراب التخزين، وعادة ما يبدأ بالظهور في سن المراهقة ويتتابع إلى سنوات البلوغ وما بعدها.

يستمر الوضع بالتفاقم مع تقدُّم الشخص في العمر؛ إذ يبدأ بالاحتفاظ بالأشياء التي لا يحتاجها أو لا يملك مساحة كافية لتخزينها، ومع بلوغ منتصف العمر تصبح الأمور خارج نطاق السيطرة وتزداد حدة الأعراض حتى تصبح صعبة المعالجة.

إنَّ اضطرابات التخزين تتطور تدريجياً ولا تلبث أن تصبح سلوكاً خاصاً، ولا تصبح لافتة لنظر الآخرين إلا بعد أن يكون الفرد المصاب بهذه الاضطرابات قد قطع أشواطاً بعيدة في هوس الاكتناز الخاص به، وتسبب بفوضى عارمة في المكان الذي يعيش فيه.

إقرأ أيضاً: أشهر الأمراض النفسية: أعراضها وطرق علاجها

من نتائج الاقتناء الزائد عن الحد وصعوبة التخلص من الأشياء الفائضة ما يأتي:

  1. كميات كبيرة متكدسة من الأغراض معدومة القيمة والنفع؛ مثل الأوراق، والكتب، والمجلات، وغيرها من الأشياء التي تمثل لصاحبها ذكريات عاطفية.
  2. كميات كبيرة متكدسة في ممرات المنزل تتسبب في ضيق المكان وازدحامه، وخاصة في غرف المعيشة؛ وهذا يجعلها غير قابلة للاستخدام بالشكل المصممة لأجله، وتكدس الأغراض في المطبخ بطريقة تمنع من استخدامه للطهو، وكذلك في الحمام وباقي الغرف.
  3. تكدس الأطعمة والقمامة بشكل غير منطقي وغير طبيعي.
  4. حدوث مشكلات تعوق أداء الأعمال في المنزل، وأزمات تهدد سلامة الشخص المصاب بالاضطراب وسلامة أسرته.
  5. نشوب خلافات حادة مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء وغيرهم من الأشخاص الذين يحاولون إزالة أو التخلص من بعض الأغراض المكتنزة.
  6. صعوبة تنظيم المكان، وضياع بعض الحاجيات الهامة بسبب تغطية المكان بالفوضى.

دوافع الأشخاص المصابين بهوس الاكتناز:

على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي يسمعها الأشخاص المصابون بالاكتناز القهري، إلا أنَّهم يستمرون في عملية الجمع متجاهلين كل تعليقات المجتمع، ويبررون لأنفسهم أفعالهم بهذه التبريرات التي يتم على أساسها الاحتفاظ بالأغراض:

  1. أغراض ذات قيمة عاطفية ووجدانية تربطهم بذكريات سابقة غالباً ما تكون سعيدة أو أشخاص يحبونهم.
  2. أغراض ليس لها أيَّة فائدة الآن إلا أنَّها بحالة جيدة ومن الممكن أن يحتاجوا إليها في المستقبل.
  3. أغراض تشعرهم بالأمان عند التأكد من وجودها في محيطهم.
  4. أغراض لن يحتاجوا إليها أبداً ولكنَّ رميها في القمامة يُعَدُّ هدراً.

من الجدير بالذكر أنَّ هوس الاكتناز قد يصل إلى اكتناز الحيوانات وخاصة الأليفة منها، التي تتكاثر ويصبح عددها كبيراً ويصر مالكها على الاحتفاظ بها، على الرغم من أنَّه لا يستطيع توفير العناية اللازمة لها جميعاً بسبب أعدادها الكبيرة.

أسباب هوس الاكتناز:

أسباب الإصابة بالاكتناز القهري أو هوس الاكتناز ما تزال غير معروفة بشكل دقيق حتى الآن، إلا أنَّه توجد بعض العوامل التي تساهم في الإصابة بهذا الاضطراب أهمها:

  1. وجود فرد في العائلة مصاب بهوس الاكتناز يزيد من احتمال إصابة أفراد العائلة به؛ كون التاريخ العائلي لهم يحتوي على قصة مَرضية من هذا النوع.
  2. بعض الاضطرابات الدماغية من الممكن أن تكون سبباً في الإصابة بهوس الاكتناز، بسبب تأثيرها في مراكز اتخاذ القرار.
  3. اعتلال بعض الوظائف العصبية أو بعض وظائف المخ من شأنه أن يرتبط بظهور أعراض الاكتناز القهري.
  4. مشكلات الحياة وتداعياتها وتأثيراتها في الصحة النفسية للأفراد من الوارد أن تكون سبباً في ظهور هوس الاكتناز عند بعضهم، أو تفاقم حالة المصابين به، وخاصة في الحالات التي يفقد فيها المصاب شخصاً عزيزاً؛ وهذا يشكل صدمة لديه تدفعه في بداية الأمر إلى الاحتفاظ بجميع أشيائه والأغراض التي تذكره به، ومن ثم يتفاقم الوضع بعد ذلك ويتحول إلى عادة ومن ثم إلى هوس الاكتناز.

شاهد بالفديو: 6 طرق لتجاوز عقبات الحياة والتغلب عليها

مخاطر هوس الاكتناز:

يكمن خطر هوس الاكتناز في تفاقمه وامتلاء المكان الذي يعيش فيه المصاب بالأغراض والأدوات التي قد تكون خطرة على صحته وصحة عائلته، عدا عن التبعات النفسية للقلق حيال فقدان أي غرض منها ومن أبرز هذه المخاطر:

  1. الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والربو بسبب تراكم الغبار والأتربة على الأغراض المكتنزة منذ زمن طويل.
  2. الإصابة بالأمراض والعدوى البكتيرية الناتجة عن كون الأغراض المجمعة مرتعاً للجراثيم بسبب قلة النظافة.
  3. حوادث السقوط والصدمات بسبب ازدحام منازل مرضى هوس الاكتناز بالأشياء والأغراض في كل مكان.
  4. الإصابة بالأمراض العقلية والاضطرابات النفسية الناتجة عن العزلة الاجتماعية التي يميل إليها المصابون بهوس الاكتناز، والتي يلجؤون إليها في كثير من الأحيان بسبب انتقادات المحيطين لأسلوب حياتهم التجميعي وتشجيعهم على التخلص من الأغراض معدومة النفع.

طرائق علاج هوس الاكتناز:

ينقسم علاج هوس الاكتناز أو الاكتناز القهري إلى قسمين:

1. العلاج المعرفي السلوكي:

هو العلاج الذي يتم على أيدي المتخصصين في هذا المجال، والذي يقوم على مبدأ تعليم المصاب على مهارات التنظيم واتخاذ القرار، إضافة إلى التواصل العميق مع المصاب من أجل معرفة أسبابه ودوافعه تجاه عملية الاكتناز، ومن ثم تهدئة مخاوفه ومساعدته على كسر القلق الذي ينتابه حيال عملية التخلي عن المقتنيات غير المفيدة والاسترخاء؛ وهذا يُكسِب المصاب مهارة في التعامل مع أغراضه وحكمة لبدء التخلص من الفائض منها تدريجياً.

2. العلاج الدوائي:

لم تعتمد إدارة الغذاء والدواء Food and Drug Administration) (FDA حتى اليوم دواءً مخصصاً لعلاج هوس الاكتناز، إلا أنَّ الأطباء المتخصصين يعطون المريض بعض العقاقير الطبية من أجل معالجة أعراض الإصابة المرافقة لاضطراب الاكتناز القهري من قلق واكتئاب، وتكون الأدوية عبارة عن مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ومضادات الاكتئاب، وما تزال الأبحاث الطبية مستمرة لإيجاد علاج دوائي فعلي مخصص لهوس الاكتناز.

إقرأ أيضاً: مرض القلق النفسي: أسبابه، أنواعه، أعراضه، علاجه

في الختام:

إنَّ هوس الاكتناز هو تلك الحالة التي تجعل المصاب متعلقاً بجميع أغراضه، وغير راغب في التخلص من أي منها مهما بدا معدوم النفع والفائدة، وتتطور عملية الاكتناز لديه حتى يمتلئ بيته بالأغراض والحاجيات التي تسبب له مخاطر صحية ونفسية، وعزلة اجتماعية وتبعيات غير قابلة للمعالجة إلا بإشراف المتخصصين النفسيين.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة