هل يجب علينا ارتداء القناع الطبي للوقاية من فيروس كورونا؟

في خضمِّ التبنِّي التدريجي لفكرة ارتداء الأقنعة الوقائية للتصدي لانتشار فيروس الكورونا، لا يفرض وجود الوباء على الناس الالتزام بوضع الأقنعة في الأماكن العامَّة؛ لكن ومع ذلك، وحسب المكان الذي تعيش فيه، فيمكنك معارضة هذا الكلام أو تأييده.



إنَّه لمن الغريب أنَّ المعطيات والحقائق نفسها في متناول الجميع، ومع هذا كان لبعض المدن والمناطق آراءُ أخرى، فقد لُوحِظَ وجود توجهاتٍ متباينة، ففي حين اختارت الدول الآسيوية مراعاة وضع الأقنعة والتقيُّد بها، سيطر التردُّد على البلدان الغربيَّة حيال هذا الأمر.

لم يكن "ستيفن هين" (Steven Heine) -أستاذ علم النفس الثقافي في جامعة كولومبيا البريطانية- في ذهولٍ من المفارقة الجلية بين الشرق والغرب، فقد أفاد أنَّ الثقافات تتباين بالنسبة إلى التعامل مع الأمراض، حيث قال: "خيرُ وسيلةٍ لكلِّ فردٍ هي اتباع الأساليب عينها؛ كارتداء الأقنعة عندما تصيبك وعكةٌ صحيةٌ مثلاً. في أثناء زيارتي الأولى إلى اليابان منذ 30 سنةً خلت، فُوجِئت بعاداتهم التي تقتضي ارتداء الأقنعة عند الإصابة بنزلة برد، ووجدت أنا وأصدقائي الغربيين هذا التصرُّف هزلياً، ولم نفهم الغاية منه؛ لكنَّه في الوقت نفسه يفسِّر انخفاض مستوى الإصابات بالفيروس في الشرق الآسيوي. أكاد أجزم أنَّ العالم بأسره لاحظ أنَّ البلدان التي أخذت الالتزام بهذا الإجراء الاحترازي على محمل الجد، أحرزت أفضل النتائج في ظلِّ تفشِّي الوباء".

في الغرب، وبما أنَّ الأمر ليس مألوفاً بالنسبة إليهم، ستجد أنَّ تحرُّكاتهم وخططهم تُعاد صياغتها كلَّ يوم؛ ولعلَّ الفارق الشاسع بين حضارة الشرق والغرب هو أنَّ وضع القناع له بعدٌ أخلاقيٌ لا تجده لدى الغرب. على سبيل المثال: اشترت الحكومة الصينية 2 بليون من الأقنعة الطبيَّة في أواخر يناير والأول من فبراير، ولم تكن ندرة المواد وشحُّها بالمسألة ذات الأهمية؛ لكن في الغرب، خافت العديد من الحكومات من فكرة أنَّ الترويج لارتداء القناع من شأنه أن يذكِّي روح ريادة الأعمال لدى عددٍ من المواطنين، حيث سيخلق الاحتكار والتلاعب بالأسعار نقصاً في الأقنعة عند الرعاية الصحية. وللأسف، حدث ذلك بالفعل، وعنونت صحيفة نيويورك تايمز أحد مقالاتها بـ: "أقنعة N95 المنتج الأكثر رواجاً وطلباً في العالم حالياً".

من ثمَّ أدركنا أنَّه يمكن للناس الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض حتَّى، أن يسهموا في نقل الفيروس. وعلى حين غرة، بدأت ثقافة أنَّ ارتداء القناع الوقائي فقط في حال "كنت مريضاً" وعدم ارتدائه إذا كنت صحيحاً - بالانتشار على أنّها تصرُّفٌ غير مسؤول.

أعادت المعطيات الجديدة صياغة المشكلة بطريقةٍ أدخلت الرحمة إلى قلوب الكثيرين، مثل: "أنت لا ترتدي القناع لتحمي نفسك من الآخرين فحسب، بل لتحميهم منك أيضاً. فضلاً عن أنَّ ذلك يُنسِيك أن تلمس وجهك، كما ويتأثَّر محيطك بهذا التصرُّف السليم ويحذون حذوك".

بعد ذلك، أتى فريق الأقنعة الوقائية (Team Mask) بأدلةٍ جديدةٍ تثبت أنَّ الأقنعة محلية الصنع تؤمِّن للناس الحماية اللازمة من أنفاس الآخرين، وانتشر على الانترنت ثلةٌ من الفيديوهات التي تقدِّم إليك طرائق صنع قناعٍ وقائيٍّ من أقمشة القمصان مثلاً، وذلك بدعمٍ من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها؛ ممَّا زاد مستويات الإنتاج لدى الدول التي كانت مترددة.

إقرأ أيضاً: كيفية الوقاية من فيروس كورونا: أفضل 5 أغذية مضادة للفيروسات

فلنأخذ جمهورية التشيك مثلاً، كتب مراسل "USA Today" الذي يعيش في العاصمة التشيكية براغ في اليوم الثامن عشر من شهر آذار: "بين عشيةٍ وضحاها، تحوَّلت الجمهورية بكاملها إلى مصنعٍ لإنتاج الأقنعة الوقائية المنزلية، حيث بات يوجد منها كمياتٌ تكفي الشعب الذي يبلغ تعداده 10 مليون نسمة. وفي غضون يومين فقط، تبدَّل كلام الناس من "انظر إلى ذلك المغفل الذي يرتدي قناعاً"، إلى "انظر إلى ذلك المغفل الذي لا يرتدي قناعاً".

لم تعد تغطية أنفك وفمك إجراءً صحيَّاً فحسب، بل "وسامَ شرفٍ وشكلاً من أشكال الترابط الاجتماعي"؛ وما إن تخالف التدابير الاحترازية لارتداء الأقنعة، حتّى تلقى سخط العامَّة -الذين يعدُّون أنفسهم مكلَّفين بتنفيذ تلك الإجراءات- في انتظارك. من غير اللائق في العاصمة براغ -بكلِّ المقاييس- أن تنزع القناع عن وجهك عندما تكون بالقرب من أيِّ شخص آخر، فهذا التصرُّف بمثابة نفث دخان السجائر في وجهه.

وصولاً إلى هذه النقطة، عندما يرتدي مسؤولو منظمة الصحة العالمية القناع عند تقديم إحاطاتهم الإخبارية، سيغدو واضحاً أنَّ القناع محلي الصنع ذو تكلفةٍ ضئيلةٍ في ظلِّ مكافحة تلك الجائحة، لكنَّه ليس مبرراً لعدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية مثل التباعد الاجتماعي؛ بل على العكس، يجب أن تُؤخَذ أكثر في عين الاعتبار. قد تعتقد أنَّ الجميع متقيدون بضوابط فريق "مرتدي الأقنعة"، لكن ليس لذلك صلة بالواقع، ويبقى السؤال: لمَ لا تلقى تلك الرسالة العقلانية آذاناً صاغية؟

هنا تكمن الإجابة: لأنَّ الناس ليسوا عقلانيين.

كتب طبيبان من مركز جامعة كولومبيا الطبي في رسالةٍ إلى محرر صحيفة نيويورك تايمز في 2 أبريل: "بصفتنا أطباء نفسيين، نرى عموماً كيف يمكن للعوامل النفسية أن تمنعنا من اتخاذ قراراتٍ سليمة، بل وحتَّى إنقاذ الأرواح؛ كما ويبدو ذلك أكثر وضوحاً ممَّا كان عليه من خلال ترددنا الحالي في الالتزام بارتداء القناع الوقائي".

وفي حال أنَّك سمعت عن نظرية المحاكاة، فمن المحتمل أن تتبادر إلى ذهنك تلك الأفكار.

تتلخَّص فكرة المحاكاة في أنَّ المعطيات لا تغيِّر آراء الناس، وما يغيِّرها فعلاً هو مدى تأثُّرهم ببعضهم بعضاً، فنحن نقرِّر بما نثق وبمَن، ثمَّ نتبنَّى آراء الآخرين ونقلِّد تصرُّفاتهم؛ وهكذا تتعزَّز غريزة الجماعة، فترتفع سوق الأسهم، ويهرع المدونون إلى نشر أخبارهم. وفي الجانب المظلم، يُنسَى أكباش الفداء الذين لا يكترث أحدٌ لحالهم.

عندما حثَّت "مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها" (CDC) في الرابع من أبريل الماضي على ارتداء الأقنعة الوقائية، كان على مسؤولي الصحة في أمريكا الإنصات إليهم؛ لكن سرعان ما أحبطَ الرئيس ترامب تلك المبادرة بقوله: "يمكنكم ارتداؤها بكلِّ تأكيد، لكنَّكم لستم مجبرين على ذلك، وأنا بدوري لن ألتزم بذلك أيضاً".

قالت عالمة الاجتماع التركية "زينب توفيقي" (Zeynep Tüfekçi): "التأييد المتذبذب أكثر سوءاً من المعارضة التامة، فهو يُورِث الخلافات والأحكام المغلوطة. على سبيل المثال: إن أُلزِم  فقط بارتداء الأقنعة، تكثر شُبهات الإصابة بالمرض حول السليمين ممَّن يرتدونها، وقد يُحجِموا عن التقيُّد بهذا الإجراء الاحترازي على إثر ذلك".

إقرأ أيضاً: 13 طريقة تحميك من فيروس كورونا عند مغادرة المنزل

يبدو لمن الغريب أنَّ الرئيس الأمريكي -المعروف بأنَّ لديه فوبيا من البكتريا- ما يزال متشبِّثاً برأيه حول الإجراءات الاحترازية (بحسب نظرية المحاكاة). لا نستطيع بالطبع التأكيد على هذا الكلام، فنحن لا نعلم ما يجول في ذهنه، لكنَّه -كتخمينٍ- يعتقد أنَّ بارتدائه للقناع الوقائي قد تتلاشى قوته ويبدو ضعيفاً، أو الأسوأ من ذلك أنَّه قد يبدو متقلِّب الرأي.

بغض النظر عن ذلك كلِّه، هل يُتوقَّع من المواطنين في دولةٍ ما أن يؤيدوا فكرةً ويتخذونها نموذجاً ما لم يفعل كبيرهم -رئيس الدولة- ذلك؟ في كندا مثلاً، رفض رئيس الوزراء الكندي فكرة ارتداء الأقنعة الوقائية في الأماكن العامَّة؛ وخضع وزوجته إلى الحجر الصحي داخل منزلهما".

في وقتنا هذا، لا تواجه البلدان المماطِلة في تنفيذ الإجراءات الوقائية مشكلةً في المعلومات والمعطيات، إنَّما مشكلةً في هندسة المجتمع، ومن الصعب أن نتخيَّل أنَّ الأمريكيين الذين يعدون من ذوي النزعة الفردية ينحازون نحو الاهتمام بالجماعة؛ نظراً إلى أنَّ شخصاً ما حثهم على ذلك فحسب، إلَّا في حال كان ذلك حركةً تُظهِرهم جذابين.

وفي هذه الأثناء، لعلَّ أفضل برنامجٍ تحفيزيٍّ تتبعه الحكومة: التعاون مع وكالةٍ إعلانيةٍ ليطلقوا حملةً ضدَّ من لا يلتزمون بارتداء الأقنعة؛ فمن يدري، لعلَّ ذلك يجدي نفعاً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة