هل يجب أن نُفصح عن خُططنا وأهدافنا؟

"سأكتب رواية"؛ أعلنت بفخر أمام الجميع، وكان ذلك في عام 2010 حين كنت طالباً جامعياً طموحاً وكان المستقبل مشرقاً. لقد شاركت كل أهدافي علناً وكان الناس بشكل أو بآخر يحاسبونني على ما قلته ويريدون أن يعلموا متى أنتهي، إلا أنَّني لم أنتهِ من كتابة تلك الرواية، وكنت قد كتبت خمسين ألف كلمة وتركت المخطوطة في مراحل التحرير الأولية، إذاً ما الذي حصل؟



تشير بعض الأبحاث إلى أنَّ الإعلان المفتوح عن نواياي في كتابة الرواية هو المكان الذي أخطأت فيه؛ لذا قبل أن تفصح عن حلمك الكبير، دعنا نتعمق في الأسباب المنطقية التي تجعلك ترغب في الاحتفاظ بأحلامك لنفسك إذا كنت ترغب في الوصول إلى هذا الهدف.

تجربة عملية تثبت تأثير الإفصاح عن هدفك في الوصول إليه:

ربما يكون البحث الأكثر شيوعاً عن مشاركة الأهداف وعلاقته بالتحفيز هو من تأليف (Peter Gollwitzer) من جامعة "نيويورك"، وفي عام 2009 نشر (Gollwitzer) وزملاؤه بحثاً يشير إلى أنَّ مشاركة هدفك علناً مع محيطك يمكن أن يجعلك أقل اندفاعاً وعزيمةً لتحقيقه.

في إحدى الدراسات، طُلب من طلاب كلية الحقوق ملء استبيان يقيس مدى التزامهم بالاستفادة القصوى من فرصهم التعليمية، فأولئك الذين أشارت إجاباتهم إلى مستوى عالٍ من الالتزام بأن يصبحوا محامين قُسِّموا إلى مجموعتين.

بالنسبة إلى المجموعة الأولى، نظر أحد المشرفين على الدراسة في استبيان كل مشارك، ثم طلب منهم تأكيد أنَّ الإجابة التي كتبوها هي الإجابة التي قصدوها، أما المجموعة الثانية لم يُسألوا عن الإجابات، ولم يعرفوا أبداً أنَّ اللجنة اطلعت على إجاباتهم.

بعد ذلك، مُنِحَت كلتا المجموعتين 45 دقيقة للعمل في قضايا قانونية، فقد أمضت المجموعة الأولى التي اعترفت بإجاباتها وقتاً أقل في العمل على القضايا مقارنة مع المجموعة الثانية التي لم تفصح عن إجاباتها.

هل يمكن للمديح أن يعوقنا عن الوصول إلى أهدافنا؟

خلص الباحثون إلى أنَّه عندما يلاحظ شخص ما هدفك في الحياة، فإنَّ هذا الاعتراف الاجتماعي بما تريد فعله هو مكافأة قد تجعلك تقلل من جهودك، لذلك في هذه الحالة، فإنَّ الطلاب الذين صرحوا بأنَّهم ملتزمون بأن يصبحوا محامين قد حصلوا على تلك المكافأة في أذهانهم بفضل إقرار المشرف على الدراسة بإجاباتهم، لذلك إذا كنت تريد مواصلة تحقيق هدفك، فقد يكون من الأفضل الاحتفاظ به لنفسك.

بهذه الطريقة، لن يخدعك الثناء السابق لأوانه في الشعور وكأنَّك قد حققت هدفك، فهل تريد الوصول إلى هدفك؟ إذا كان الأمر كذلك فإنَّ تلقِّي الاعتراف الاجتماعي بهدفك قبل أن تحققه قد يجعلك أقل احتمالية للوصول إليه.

تجربة عملية تدرس الفرق بين تأثير "مدح الشخص" و"مدح الجهد" في الحافز الداخلي لديك:

في دراسة أجرتها كلية "ريد" حاول الباحثون قياس تأثير أنواع معينة من المديح في دوافعنا، فقاموا بتعيين 111 طالباً جامعياً في واحدة من ثلاث مجموعات:

  • مدح الشخص: لدراسة ردود الفعل المتعلقة بالفرد.
  • مدح العملية أو الجهد: لدراسة تأثير التعليقات المتعلقة بالطريقة المتبعة.
  • لا ثناء: لا توجد ردود فعل.

ثم طُلب من كل مجموعة إكمال ثلاثة ألغاز، وبعد الانتهاء من أول لغزين تلقَّى الطلاب في مجموعة المدح الشخصية ملاحظات مكتوبة مثل "ممتاز، لديك موهبة رائعة"، وتلقى الطلاب في مجموعة مدح العملية تعليقات مثل، "ممتاز، لقد كنت تستخدم بعض الاستراتيجيات الفعالة"، والمجموعة الثالثة لم تحصل على الثناء، فقد كان الهدف من اللغز الثالث والأخير هو إحداث الفشل، وتلقَّى الطلاب في جميع المجموعات ملاحظات تقول ببساطة: "لم تبلِ بلاءً حسناً في هذه المرة".

بعد أول لغزين، أظهرت إجابات الاستبيان عدم وجود تأثير في الدافع الذاتي للمشاركين، لكن بعد لغز "الفشل" الثالث، أظهرت النتائج أنَّه في جميع المستويات كان مدح الشخص أقل تحفيزاً من مدح العملية، كما أبلغ المشاركون عن وجود دافع تحفيزي أقوى بعد مدح العملية والجهد مقابل مدح الشخص أو عدم الثناء على الإطلاق.

شاهد بالفديو: 6 طرق لتعزيز التحفيز الذاتي

هل نمدح جهد الشخص أم ذكاءه؟

قادت هذه النتائج الباحثين إلى استنتاج أنَّ "جميع الفئات العمرية بعد مرحلة ما قبل المدرسة تتأثر تأثُّراً إيجابياً بمديح الجهد أكثر من مدح الشخص بعد مواجهة الفشل"، في حين أنَّه من الطبيعي أن يمدحك الأشخاص الذين تحبهم بعد إعلان أهدافك.

تقترح هذه الدراسة "عندما يمتدحك شخص ما لسمات متأصلة لديك ولا تتحكم بها إلا قليلاً، فهذا ليس مفيداً كثيراً"، وعلاوة على ذلك في بعض الحالات، قد يكون ذلك أقل تحفيزاً من عدم تلقي المديح على الإطلاق، خاصةً بعد تجربة الفشل.

لذا، على سبيل المثال، إذا أعلنت أنَّك تريد أن تتقن اللغة الألمانية، وردَّ الجميع بمديح شخصي، مثل: "واو، لا بد أنَّك شخص ذكي"، ثم فشلت في اختبار اللغة الألمانية، فقد تؤثر هذه النكسة سلباً في دافعك لتحقيق هدفك، وسيكون من المفيد أكثر أن يستجيب الأشخاص بمديح يركز على جهدك، مثل "هذا رائع، لأنَّك تتدرب على مفردات جديدة كل صباح؛ فأنت على الطريق الصحيح".

هل من المحتمل أن يمنحني هذا الشخص "المديح الشخصي"؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد يكون من الأفضل عدم إخباره بنواياك، وإلا فقد تشعر بدافع أقل لتحقيق هدفك.

أيهما أفضل الملاحظات النقدية أم الملاحظات الإيجابية؟

استعرضت الأستاذة بجامعة "شيكاغو" "أييليت فيشباخ" الأبحاث والدراسات الجديدة التي تدرس مدى تأثير ردود الفعل الإيجابية والسلبية في السعي وراء الهدف، ووجدت هي وفريقها:

  • عندما تشير الملاحظات الإيجابية إلى الالتزام بهدف ما، فإنَّها تزيد الدافع.
  • عندما تشير ردود الفعل الإيجابية إلى التقدم الكبير، فإنَّها في الواقع تقلل من الدافع.

درست "فيشباخ" وفريقها الطلاب الأمريكيين المسجلين في فصول اللغة الفرنسية للمبتدئين والمتقدمين، ووجدوا أنَّ الطلاب في فصل المبتدئين كانوا أكثر اهتماماً بوجود مدرس يركز على الملاحظات الإيجابية، وفي المقابل كان الطلاب في الفصل المتقدم أكثر اهتماماً بالمدرس الذي أكد على الملاحظات السلبية.

في دراسة متابعة للمشاركين الأمريكيين الذين تعلموا مهمة جديدة للطباعة باللغة الألمانية، وجد الباحثون نتائج مماثلة، فمع تقدُّم المشاركين سعت نسبة أكبر إلى الحصول على ردود فعل سلبية.

لكل مقام مقال:

خلص الباحثون إلى أنَّ المبتدئين يهتمون بتقييم التزامهم بهدف ما، لذلك من المرجح أن يلتزموا بالهدف عندما يتلقون ردود فعل إيجابية، ومن ناحية أخرى يهتم المحترفون بتقدمهم الفعلي نحو الهدف؛ لذلك من المرجح أن يلتزموا به عندما يتلقون ردود فعل سلبية.

إذا كان هدفك هو الفوز في ماراثون وكنت عدَّاءً متمرساً، فمن المفيد مشاركة أفكارك وأحلامك مع عدَّاء آخر يمكنه إعطاؤك ملاحظات نقدية لمساعدتك على التحسن، لكن إذا كانت هذه هي المرة الأولى التي تشارك في سباق، فستحتاج إلى مشاركة هدفك مع شخص يمنحك ملاحظات إيجابية لتشجيعك.

إذا كنت مبتدئاً فستحتاج إلى ردود فعل إيجابية، لكن إذا كنت خبيراً فإنَّ خلاف ذلك هو الصحيح، فقد يكون من المفيد أن تخبر الشخص بالضبط عن نوع التعليقات التي تحتاجها في هذه المرحلة.

إقرأ أيضاً: كيف تتقبل النقد البناء بروح رياضية؟

يختلف تأثير الإفصاح عن الأهداف حسب طبيعة العلاقة مع الطرف الآخر:

وجدت دراسة أجراها "مايكل إنزل" و"شارون أندرسون" أنَّه عندما كان أحد المشاركين يخضع للمراقبة من قِبل شخص ما نيته التحكم بسلوكه (إما للتأكد من امتثاله أو لتقييم أدائه)، انخفض الدافع الذاتي للمشارك، لكن إذا أُخبِر المشارك أنَّ المجرب كان يراقبهم بدافع الفضول فقط، فلن يكون ثمة تأثير ملحوظ في الدافع الذاتي للمشارك.

علاوة على ذلك، وجدت دراسة أجراها "جورج تسفيتكوفيتش" أنَّه عندما اعتقد المشاركون أنَّهم سيضطرون إلى شرح قراراتهم لصديق، فإنَّهم يتحدثون ويتصرفون بدقة أعلى من أولئك الذين قيل لهم إنَّهم سيحاسَبون من قِبل شخص غريب.

إذاً متى تكون المساءلة مفيدة؟ ربما عندما يكون شريكك في المساءلة صديقاً، وقد وجدت دراسة أجرتها جامعة "دومينيكان" أنَّ أكثر من 70% من المشاركين الذين أرسلوا تقرير تقدُّمٍ أسبوعيٍّ إلى صديق، أبلغوا عن تقدُّم ملحوظ في خطتهم، مقارنة بـ 35% فقط من المشاركين الذين احتفظوا بأهدافهم لأنفسهم ولم يكتبوها.

أخبرهم عن المنافسات البدنية:

هل سبق لك أن أخبرت شخصاً ما بحلمك، فتجده يقول يوجد العديد من الأشخاص الآخرين الذين يحاولون فعل نفس الشيء؟ في حين أنَّ هذه الملاحظات قد تكون حسنة النية، إلا أنَّها قد تضر بجهودك، ففي إحدى الدراسات وجد الباحثون أنَّه عندما يدرك الطلاب أنَّ ثمة قدراً كبيراً من المنافسة، فإنَّهم سيقللون من جهودهم، لذلك قد يكون من الأفضل أن تحافظ على هدفك الجريء لنفسك، وأن تكون غير مدرك للمنافسة التي تواجهها.

مع ذلك، توجد بعض المجالات التي يمكن أن تعزز فيه المنافسة جهودك، ففي جامعة "بنسلفانيا" خضع ما يقرب من 800 طالباً لبرنامج تدريبي مدته 11 أسبوعاً، وقد عُيِّينوا عشوائياً في أربع مجموعات؛ الفرد معزول وحده، دعم الفريق، المقارنة الفردية، المقارنة الجماعية، وقد أظهرت النتائج أنَّ أولئك الذين كانوا في جو تنافسي حضَّروا التمرينات بنسبة 90% أكثر من أولئك الذين لم يكونوا كذلك.

تماشياً مع نتائج دراسة جامعة "بنسلفانيا" وجدت دراسة أجرتها جامعة "روتجرز" أنَّ أداء المشاركين كان أفضل عند التنافس مع الآخرين في مهمة بدنية، لكن ليس في مهمة تتطلب التركيز الذهني أو الذاكرة؛ لذا إذا كان هدفك متعلقاً بالتمرينات الرياضية، مثل التدرب على سباق الماراثون أو فقدان الوزن أو التدريب أو السباحة، فقد يؤدي القليل من المنافسة إلى تكثيف جهودك.

شاهد بالفيديو: هل يجب أن نُفصح عن خُططنا وأهدافنا؟

في الختام:

كما هو الحال مع أيَّة نصيحة لا يوجد مقاس واحد يناسب الجميع، لكن ما تقترحه الأبحاث والدراسات هو: إذا كنت ستشارك أهدافك، فافعل ذلك بشكل منطقي، وقبل أن تعلن نواياك لشخص ما، فكر في كيفية تأثيرها تأثيراً واقعياً في فرصك في تحقيق أهدافك.




مقالات مرتبطة