هل للبحيرات والبرك والأنهار مد وجزر؟

إنَّ الوقوف بالقرب من بحيرة يجلب إحساساً فريداً بالصفاء يهدئ من ضغوطات حياتنا المستعجلة، لكن هل سبق لك أن لاحظت أيَّة اختلافات بين الوقوف على شاطئ البحر والوقوف بالقرب من بحيرة؟



في هذا المقال، سنناقش ما إذا كان يحدث للبحيرات والبرك والأنهار مد وجزر أم لا، وسننظر في الحركات المختلفة (الأمواج والمد والجزر والتيارات) التي تحدُث في المسطحات المائية والأسباب المختلفة وراءها، ثم سنتحدث عن كيفية حدوث هذه الحركات في المسطحات المائية الأصغر مثل البحيرات والبرك، فتابعوا معنا.

هل يحدث المد والجزر في البحيرات والبرك؟

لا، المد والجزر لا يحدثان في البحيرات والبرك؛ وذلك لأنَّهما أصغر حجماً من المحيطات، وهذا لا يعني أنَّ شد المد والجزر لا ينطبق عليهما، وإنَّه فقط ونظراً للأحجام الصغيرة لهذه المسطحات المائية ذو تأثير صغير جداً بحيث لا يمكن ملاحظته تقريباً.

المد والجزر هو ارتفاع وانخفاض مستويات سطح البحر الذي ينتج عن عاملين؛ قوى الجاذبية للشمس والقمر، ودوران الأرض، وحتى كتل الأرض تعاني من شد المد والجزر؛ إذ يتأثر شكل الجزء الصلب من الأرض تأثراً طفيفاً بالمد والجزر الأرضي، على الرغم من أنَّه لا يمكن رؤيته بسهولة مثل حركات المد والجزر في المحيطات.

لكن دعونا نعود إلى المد والجزر في المسطحات المائية، فقد يظهر المد في البحيرات ويبلغ ارتفاعه بضعة سنتيمترات، ويُعَدُّ أصغر حتى من التموجات التي تُحدثها الحيوانات المائية أو تجديف القوارب؛ لذا فهو ليس شيئاً نلاحظه على الإطلاق، وإلى جانب أحجامها الكبيرة، فإنَّ المحيطات مترابطة أيضاً، ومن ناحية أخرى تُعَدُّ البحيرات قائمةً بذاتها ومنفصلةً عن غيرها، ومن ثمَّ فإنَّ مستوى إزاحة المياه داخلها أقل بكثير.

كيف تتشكل الأمواج؟

غالباً ما يستخدم الناس الكلمتين "أمواج" و"المد والجزر" بالتبادل، ولكنَّهما مصطلحان مختلفتان، فالمد والجزر كما ذكرنا آنفاً هو ارتفاع وانخفاض كميات كبيرة من المياه، ويتم إنشاؤه بواسطة جاذبية الأجرام السماوية ودوران كوكبنا، ومن ناحية أخرى، تحدث الأمواج بسبب الرياح القوية التي تؤثر في أسطح المسطحات المائية، وتوجد عوامل عدة مثل سرعة الرياح ومدتها وعمق الجسم المائي والمسافة التي تتحرك فيها الرياح وما إلى ذلك، تؤثر في تكوين الأمواج.

من الصعب التنبؤ بالموجات، أما التنبؤ بالمد والجزر أسهل بكثير؛ إذ يشهد المحيط عادةً مداً مرتفعاً ومنخفضاً كل يوم، فعندما يكون هناك قمر مكتمل أو قمر جديد، يحدث مد قوي جداً يسمى مد الربيع بسبب محاذاة الأرض مع القمر والشمس، ومن ناحية أخرى عندما يكون هناك ربع قمر، يكون هناك مد ضعيف، لذلك يُظهر المد والجزر نمطاً يمكن ملاحظته بخلاف الأمواج.

توجد فئة أخرى من حركة الجسم المائي ربما تكون قد سمعت عنها تدعى التيارات؛ فالتيارات هي كميات كبيرة من الماء تتحرك في اتجاه معين من مكان إلى آخر، وتتأثر تأثراً أساسياً بثلاثة عوامل، وهي ارتفاع وانخفاض المد والجزر والرياح وظروف الملوحة الحرارية (درجة الحرارة والملوحة).

الأمواج

لماذا لا يوجد مد وجزر في البحيرات والبرك؟

يظهر في البحيرات والبرك مد وجزر، لكن نظراً لصغر حجم هذه المسطحات المائية، فإنَّ هذا المد بالكاد يمكن ملاحظته، ومع ذلك ربما تكون قد سمعت أشخاصاً يقولون إنَّهم رأوا المد في البحيرات والبرك، فكيف نفسر ذلك؟

هذا ليس مداً وجزراً، لكن ظاهرة مختلفة تسمى المد البحيري؛ إذ يشير المد البحيري إلى الماء المتدفق ذهاباً وإياباً في مسطحات مائية صغيرة مثل حوض السباحة أو حوض الاستحمام أو حتى في كوب من الماء، ويحدث أيضاً في البحيرات والبرك.

تحدث هذه التموجات الصغيرة بسبب الرياح القوية والتغيرات السريعة في الضغط الجوي، وهذا يدفع الماء من طرف إلى آخر، فيرتد الماء إلى الجانب الآخر عندما تتوقف الرياح، وبعد ذلك يمكن أن يستمر في التذبذب لساعات أو حتى أيام.

تشتهر بحيرة "إيري" خاصةً بالمد البحيري، ففي عام 1844 قتل مد بحيري يبلغ ارتفاعه 22 قدماً 78 شخصاً، وفي العقد الماضي شهدت البحيرة مداً بحيرياً يتراوح ارتفاعه بين 12 و16 قدماً بسبب الرياح القوية، ويمكن أن تتراوح الفترة بين أعلى وأدنى مد بحيري من أربع إلى سبع ساعات، وهي مشابهة تماماً للمدة بين أعلى وأدنى مد بحري، وهذا يجعل الناس يخلطون بين الاثنين.

إقرأ أيضاً: 5 حقائق مذهلة عن القمر

لماذا يحدث المد والجزر في المحيطات؟

يحدث المد والجزر في المحيطات بسبب جاذبية الشمس والقمر، إضافة إلى دوران الأرض، في حين تأثير سحب المد في المسطحات المائية الأخرى أو حتى كتلة الأرض الصلبة لا يكاد يُذكر، إلا أنَّه مرئي في حالة المسطحات المائية الكبيرة مثل المحيطات.

يواجه جانب الأرض المواجه للقمر أقوى سحب له، وهذا يؤدي إلى ارتفاع المد في تلك المناطق، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع مستوى البحار، وعلى الجانب الآخر من الأرض، تكون قوة دوران الكوكب أكبر من قوة سحب القمر؛ لذا يلاحظ ازدياد في الجزر في تلك المناطق.

تشهد معظم الأماكن ارتفاعاً في المد مرتين في يوم واحد، على الرغم من أنَّ بعضها قد يكون لها مد واحد فقط؛ إذ تؤثر السمات المادية للخط الساحلي (على سبيل المثال، سواء كان شاطئاً رملياً أم خليجاً صخرياً) وعمق المياه بعيداً عن الشاطئ في ارتفاع المد.

يؤدي المد والجزر دوراً كبيراً في النظام البيئي البحري؛ وذلك لأنَّهما يؤثران في أنواع النباتات والحيوانات التي تعيش في منطقتهما، فهذه المنطقة مغطاة ومكشوفة بالتناوب بمياه المحيط، لذلك يجب أن تكون النباتات والحيوانات قادرةً على البقاء على قيد الحياة في كل من الظروف تحت الماء والغلاف الجوي، والسرطانات الرملية على سبيل المثال تحفر نفسها تحت الرمال مع وصول الأمواج، وتتزامن مع المد والجزر.

هل البحيرات العظمى بها مد وجزر؟

البحيرات العظمى هي مجموعة من بحيرات المياه العذبة الكبيرة المترابطة في المنطقة الشرقية الوسطى بأمريكا الشمالية، وهي تشمل (Lake Superior) و(Huron) و(Michigan) و(Erie) و(Ontario)، وهي أكبر مجموعة من بحيرات المياه العذبة وتحتوي على 21% من المياه العذبة السطحية في العالم.

نظراً لحجمها الهائل، فإنَّها تتمتع أيضاً بخصائص معينة شبيهة بالبحر مثل التيارات القوية والأمواج وما إلى ذلك، لكن هل يعني ذلك أنَّها تختبر أيضاً المد والجزر؟

نعم، تختبر هذه الظاهرة، لكن مرةً أخرى التأثير ليس ملحوظاً.

يحدث المد في منطقة البحيرات العظمى، لكن حتى أكبر مد (المد الربيعي) هنا يبلغ ارتفاعه أقل من خمسة سنتيمترات، وهذا بالكاد مرئي، وتحجبه التقلبات الكبيرة الأخرى في مستويات المياه التي تسببها الرياح والظروف الجوية.

على هذا النحو، يقال إنَّ البحيرات العظمى ليست مدِّيةً، لكن مثل جميع البحيرات، يمكن أن تعاني البحيرات العظمى من "المد البحيري" (الموجات المتذبذبة)، وبالنظر إلى حجم هذه المجموعة من البحيرات، يمكن أن يكون هذا المد خطيراً للغاية.

بحيرات

هل حمامات السباحة بها مد وجزر؟

ليس بشكل ملحوظ، فكما كنا نناقش في المسطحات المائية الصغيرة يكون المد صغيراً جداً بحيث تصعب ملاحظته، وهذا لأنَّ كمية الماء قليلة جداً بحيث لا يمكنها إنشاء ضغط كافٍ للتغلب على جاذبية الأرض.

هل الأنهار لها مد وجزر؟

مرةً أخرى ليس بشكل ملحوظ، فجميع المسطحات المائية - بما في ذلك الأنهار - تعاني من قوة الجاذبية، لكن نظراً لأنَّ مساحتها أو كتلتها المائية غير كافية، فإنَّ المد ليس كبيراً بما يكفي ليكون مرئياً.

المد والجزر ملحوظ في المحيطات؛ وذلك لأنَّ حجم المياه فيها ضخم، كما أنَّها مترابطة، لكن بالطبع، تشهد الأنهار حركةً مائيةً على شكل تيارات؛ إذ يتدفق الماء من النقاط المرتفعة إلى النقاط السفلية، وينزل في النهاية إلى كتلة أكبر من الماء، وتوجد عوامل عدة تؤثر في تدفق التيار مثل حجم المياه وانحدار النهر وما إلى ذلك.

إقرأ أيضاً: الأمواج والمد والجزر

ما هو أعلى مد في العالم؟

حدث أكبر مد في العالم في خليج "فوندي" الذي يقع في "كندا" بين مقاطعات "نوفا سكوشا" و"برونزويك"، ومتوسط ​​التباين في مستوى سطح البحر بسبب المد والجزر هو ثلاثة أقدام، لكن هنا قد يصل التباين إلى 53 قدماً، ويحدث هذا بسبب الشكل القمعي للخليج وعمقه؛ إذ يتدفق الماء في وعاء مغلق مثل خزان، أو كما هنا في حوض ذهاباً وإياباً بطريقة متذبذبة، فالفترة الطبيعية للتذبذب في خليج "فندي" مثلاً نحو 12 ساعة.

12 ساعة كما قد تتذكر هي أيضاً المدة الزمنية المعتادة لتذبذب المد؛ نظراً لوجود مد مرتفع ومنخفض كل يوم، إذاً هذا هو تزامن المد والدورة التذبذبية التي تؤدي إلى مثل هذه الظاهرة الكبيرة، فقد أدى هذا المد الضخم أيضاً إلى ظواهر طبيعية فريدة أخرى مثل "الدوامة الثلجية القديمة" (أكبر دوامة في نصف الكرة الغربي)، و"انعكاس الشلالات" (سلسلة من الشلالات منعكسة الاتجاه)، وغير ذلك.

إقرأ أيضاً: علم المحيطات وعلم الأحياء البحرية: هل هما متشابهان أم مختلفان؟

في الختام:

ناقشنا في هذا المقال ما إذا كانت البحيرات والبرك بها مد وجزر، فبدأنا بالنظر في ثلاث حركات رئيسة في المسطحات المائية واكتشفنا الأسباب الكامنة وراءها، فسبب المد والجزر هو سحب الجاذبية ودوران الأرض، في حين أنَّ جميع المسطحات المائية - بما في ذلك البحيرات والبرك - تعاني من قوة الجاذبية للقمر والشمس، إلا أنَّ صغر حجمها لا يؤدي إلى أي مد ملحوظ، لذلك من منظور يمكن ملاحظته، يمكننا القول إنَّ البحيرات والبرك غير مدِّية.




مقالات مرتبطة