هل حان الوقت لكي نعيد التفكير في استخدام مضادات الاكتئاب؟

ظهرت في الآونة الأخيرة الكثير من الاضطرابات النفسية التي قد يطلق عليها أمراض "نمط الحياة"؛ أي ما كان يسمى الخجل والحزن والأرق والتسوق المفرط والدافع الجنسي المرتفع وانخفاض الدافع الجنسي وما إلى ذلك، وأصبح يُنظَر إليها بشكل متزايد على أنَّها أمراض، وتتضمن معايير إدراج الاضطراب في الدليل التشخيصي والإحصائي معرفة ما إذا كان الاضطراب يستجيب إلى فئة من الأدوية، فإذا انخفضت حدَّة الأعراض بعد استخدام إحدى الفئات الرئيسة من الأدوية، يُدرَج الاضطراب؛ لذا يقول بعض الباحثين: يجب علينا إعادة التفكير في الأساس البيولوجي الكامل لاضطرابات نمط الحياة.



ما هو دور مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية في سرعة تعلمنا؟

أظهرت دراسة أنَّ مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية قد تؤثر تدريجياً في الحالة المزاجية عن طريق تغيير سرعة تعلمنا من الأحداث الجيدة والسيئة، فيحدث التعلُّم بسرعة أقل من الأحداث الجيدة، وبسرعة أكبر من الأحداث السلبية؛ لذلك فإنَّ الدواء هنا ينظم توقعاتنا ويزيد من السعادة.

ماذا يمكن أن تخبرنا سرعة تعلُّم الناس للألعاب؟

قد يحمل قياس مدى سرعة تعلُّم الأشخاص للألعاب معلومات هامة جداً تساعد الأطباء النفسيين على معرفة المرضى الذين سيستجيبون جيداً لمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية دون الحاجة إلى الانتظار ليروا تغيرات الحالة المزاجية.

هل توجد علاقة بين السعادة وانخفاض التوقعات؟

العلاقة بين السعادة وانخفاض التوقعات هي حكمة قديمة، ويظهر أنَّ التوقعات لها تأثير قوي في السعادة التي تنعكس على مستوى نشاط الدماغ، وكما يقول ألكسندر بوب "طوبى لمن لا يتوقع شيئاً؛ لأنَّه لن يخيب أمله أبداً".

ما الذي يمكن أن يضاهي مشاعر الحب الأول؟

لطالما كان جون وساندرا شغوفين ببعضهما، وفي أول لقاء كانا خجولين وغير معتادين على المواعدة، في نزهة جماعية في المدرسة الثانوية حيث أمضيا المساء في المغازلة، ما تزال ساندرا تتذكر شعور الأمان الذي غمرها في المرة الأولى التي أمسكا فيها أيدي بعضهما، ومنذ تلك اللحظة قضيا أوقاتاً جميلة مثل طفلين يقودان سيارة دون رخصة قيادة، واتَّخذت قرار الزواج في سن مبكرة كي يتسنى لهما البقاء معاً طوال الوقت.

عندما دخلا الكلية كانا مصممين على البقاء معاً، ولكنَّ الابتعاد عن المنزل كان صعباً على ساندرا، وتملكها الحنين إلى المنزل بشكلٍ مؤلم، وأمضت سنتها الأولى وهي تشعر بالغربة والقلق والارتباك، لكن مع انتهاء الفصل الدراسي سقطت في اكتئاب عميق.

شاهد بالفيديو: 10 أشياء عليك تذكرها إذا كنت تحب شخصاً مصاباً بالاكتئاب

هل يكون استخدام مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية بداية لانطفاء مشاعر الحب؟

استخدمت ساندرا مضادات الاكتئاب وشعرت بعد فترة قصيرة بأنَّها أكثر ثباتاً وقدرة على التأقلم، لكنَّ علاقتها بجون أخذت تتغير نحو الأسوأ، وبعد بضعة أشهر اختفت قدرتها على الوصول إلى النشوة الجنسية، على الرغم من أنَّها كانت تعلم أنَّ هذا من المحتمل أن يكون أحد الآثار الجانبية لدوائها، إلَّا أنَّ ساندرا ما زالت غير قادرة على التخلص من الشعور بالإحباط، وبدأت بالانسحاب والابتعاد عن جون، أربع سنوات من العلاقة الحميمة سرعان ما تلاشت، وافترق الزوجان.

مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية والخلل الوظيفي الجنسي:

تُعَدُّ تجربة ساندرا شائعة نوعاً ما، وأصبح الأطباء يواجهون مشكلات الخلل الوظيفي الجنسي أكثر منذ طرح مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية في الثمانينيات، وما يقرب من 70% من الأشخاص الذين يتناولون مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية يعانون من آثار جانبية جنسية، كما أنَّ هذه الأدوية قد تقلل أيضاً من القدرة على الشعور بالحب.

كيف تسبب مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية مشكلات في مشاعر الحب والجنس؟

تعتقد هيلين فيشر عالمة الأنثروبولوجيا بجامعة روتجرز أنَّ مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية تعيث فساداً في الحب والجنس وبقية التفاعلات الإنسانية الشعورية والوجدانية، وتعمل هذه الأدوية على تخفيف الاكتئاب عن طريق زيادة مستويات السيروتونين في الدماغ وكبح إنتاج الناقل العصبي "الدوبامين".

لكن لسوء الحظ فإنَّ الدوبامين مسؤول أيضاً عن مشاعر الابتهاج والنشوة التي تصاحب الوقوع في الحب، وتجادل فيشر بأنَّه من خلال تثبيط إفراز الدوبامين فإنَّ العقاقير مثل (Prozac) و(zoloft) تمنع قدرتك على الشعور بهذه المشاعر؛ مما يجعل من الصعب عليك الوقوع في الحب.

هل تؤثر مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية في فرصتك في إيجاد شريك حياتك؟

يؤثر نقص الدوبامين هذا في الناس بعدة طرائق، وفقاً لفيشر وشريكها البحثي الطبيب النفسي في مشفى فيرجينيا جيه أندرو طومسون جونيور: قد يواجه الأفراد الذين يستخدمون مضادات الاكتئاب صعوبة أكبر في مقابلة الناس؛ وذلك لأنَّ استجابتهم الجنسية الطبيعية تكون ضعيفة.

يعتقد بعض الباحثين أنَّ الرغبة صُممت لمساعدة الناس على اختيار شركائهم المناسبين لهم من النواحي الجينية والوراثية؛ وذلك لأنَّ الشرارة التي تشتعل عند مقابلة شخص جديد تخبرك بشيء: قد يكون هذا هو نصفك الآخر، وعندما تهمل هذه الإشارات تقل احتمالات العثور على رفيق مناسب.

مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية وفقدان طريق الوصول إلى النشوة الجنسية:

حتى لو كنتَ أحد المحظوظين الذين تمكنوا من العثور على الحب خلال تناول مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، فما تزال لديك بعض العقبات التي يجب التغلُّب عليها، كما يقول فيشر؛ ومثل صديقتنا ساندرا قد تفقد القدرة على الوصول إلى النشوة الجنسية، وقد يتسبب ذلك بمشكلات في العلاقة؛ إذ تؤدي هزات الجماع إلى إطلاق هرمون الأوكسيتوسين، وهو الهرمون المسؤول عن الارتباط بين الزوجين، لكن من وجهة نظر أخرى، قد يكون أولئك الذين يفشلون في الوصول إلى النشوة الجنسية جراء مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية في وضع غير مناسب للزواج والإنجاب.

وفقاً لفيشر فإنَّ النشوة الجنسية للإناث هي آلية هامة للبقاء على قيد الحياة، فقد تطورت لمساعدة النساء على اختيار الشركاء المناسبين؛ إذ تقول النظرية: إذا كان الرجل صبوراً ومنتبهاً بدرجة كافية لإيصال المرأة إلى هزة الجماع، فمن المرجح أن يكون شريكاً رائعاً وأباً جيداً، وعندما لا تستطيع النساء بلوغ الذروة يفقدن واحدة من أكثر الوسائل موثوقية لتصفية الشركاء غير المناسبين.

في الحقيقة لا يتفق الجميع على هذا الكلام، وخاصةً عالمة الأحياء إليزابيث لويد، مؤلفة كتاب The Case of the Female Orgasm، وترى أنَّ هزات الجماع ليست آلية للبقاء على الإطلاق؛ بل هي مجرد لحظات سعيدة، وتقول لويد: "تتعارض الأدلة مع فكرة استخدام النساء لهزات الجماع من أجل تقييم نوعية الشركاء".

لكنَّ فيشر يعتقد أنَّها مجرد مسألة وقت قبل تأكيد الهدف التطوري لهزات الجماع الأنثوية، فالنشوة هي تجربة قوية للغاية يبذل الناس قصارى جهدهم لتحقيقها؛ لذا فمن المحتمل أن يختارها "التطور" لكي تبقى.

ماذا عن الأشخاص الذين تستدعي حالتهم المداومة على مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية؟

بالنسبة إلى بعض المرضى، فإنَّ استعادة الرغبة الطبيعية مرهونة بتبديل مضادات الاكتئاب، وبالنسبة إلى بعض المرضى الآخرين قد يساعد خفض جرعة الدواء على استعادة الحياة الجنسية الطبيعية، كما أثبتت فترات التوقف العلاجية التي يحددها الطبيب فاعليتها؛ إذ تحث الدكتورة طومسون المرضى على أن يطلبوا من أطبائهم العمل معهم للعثور على التركيبة المناسبة من الأدوية.

عملت صديقتنا ساندرا عن كثب مع طبيبها النفسي حتى وجدا نظاماً دوائياً أعاد إليها رغبتها ومشاعر الفرح والنشوة والحميمية، وقد التقت منذ ذلك الحين برجل آخر وتزوجته، ومع ذلك لم تختفِ مشكلاتها بشكل كامل، فما تزال ساندرا تمر بلحظات انخفاض في الرغبة الجنسية، ولكنَّ طبيبها أخبرها أنَّها ليست وحدها من تعاني من ذلك.

يقول الدكتور طومسون في هذا الصدد: "يحتاج المرضى إلى معرفة أنَّ الآثار الجانبية الجنسية قد تكون غير واضحة، فقد يلوم المرضى أنفسهم على ما يحدث أو قد يَعُدُّون أنفسهم فقدوا الرغبة اتجاه الشريك".

إقرأ أيضاً: 5 نصائح فعالة لعلاج الاكتئاب النفسي

هل يمكن أن تكون مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية بلا فائدة؟

تقول دراسة نُشرَت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية إنَّ مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية مثل باكسيل وبروزاك ليست أكثر فاعلية في علاج الاكتئاب من حبوب الدواء الوهمي، وهذا يعني أنَّها فعالة بنسبة 33%، وتقول الدراسة إنَّه على الرغم من أنَّ مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية فعالة إلى حد ما في علاج الاكتئاب الحاد، إلَّا أنَّها لا تؤثر في النوع الشائع للاكتئاب، والذي تُستَخدم في أغلب الأحيان لعلاجه.

ما تُظهره الدراسات الجديدة هو أنَّه قد يكون لاستخدام مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية بعض المساعدة إذا كان يوجد نقص حاد في السيروتونين، لكنَّ اكتئاب الشخص العادي قد لا يكون مرتبطاً "باختلال التوازن الكيميائي"، فالدماغ البشري معقد للغاية، وليست لدينا طريقة لقياس تركيز مادة السيروتونين في دماغ شخص حي، باستثناء قطع الجمجمة.

لم يتوصل العلم إلى ما يجب أن يكون عليه المستوى الطبيعي من السيروتونين، وإذا انخفض عنه سنُصاب بالاكتئاب، كما يمكن للأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من السيروتونين أن يصابوا بالاكتئاب، ويمكن للأشخاص الذين لديهم مستويات منخفضة أن يكونوا سعداء.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب

في الختام:

يدرك الباحثون أنَّ مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية ساعدت ملايين الأشخاص على التغلب على الاكتئاب الشديد، لكنَّهم يؤكدون أنَّ فوائد الأدوية يجب أن تُقاس بمخاطرها، ويجب أن يكون الملاذ الأخير للأشخاص الذين يعانون من ضائقة عاطفية حادة وليس الخيار الأول، فجميع أنواع الأشخاص الذين يحتاجون إلى هذه الأدوية لأسباب وجيهة يجب عليهم تناولها، ولكنَّ هذا لا يعني ألَّا نشرح المخاطر المحتملة بشكل مفصَّل وواضح.

يخطط الباحثون لإطلاق دراسة في المستقبل القريب تبحث بشكل أدق وأشمل في التأثير طويل الأمد لمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية في السلوك الجنسي.

ماذا يجب عليك أن تفعل؟ فكِّر ملياً، وكُن متشككاً، واسأل عن التشخيص المبسط الذي قد تتلقاه بعد مناقشة حالتك، وقد لا تكون الأدوية هي الحل الأمثل بالنسبة إليك.

المصادر: 1،2




مقالات مرتبطة