هل تعتبر مياه البحر معدناً؟

تشير مياه البحر إلى المياه التي تشكل المحيطات والبحار، وتغطي أكثر من 70% من سطح الأرض، فإنَّها خليط معقد يحتوي على 96.5% ماء، 2.5% أملاح ونسبة صغيرة من المواد الأخرى (مواد عضوية وغير عضوية مذابة وغازات الغلاف الجوي، وغيرها).



هل تساءلت يوماً ما إذا كانت مياه البحر معدناً؟ سوف نجيب في هذا المقال عن هذا السؤال من خلال مناقشة أولاً ما الذي يشكل المعدن، وبعد ذلك سنلقي نظرةً على خصائص مياه البحر ونرى ما إذا كانت تلبي متطلبات كونها معدناً أم لا، وأخيراً سنتحدث عن الاستخدامات المختلفة لمياه البحر، فتابعوا معنا.

هل تُعَدُّ مياه البحر من المعادن؟

لا، لا تُعَدُّ مياه البحر من المعادن؛ وذلك لأنَّها لا تلبي المتطلبات الأخرى التي تمتاز بها المعادن؛ فإنَّها ليست صلبةً وتركيبها الكيميائي غير محدد جيداً ولا جزيئاتها مرتبة بطريقة منظمة، فالمعدن عبارة عن مركب كيميائي صلب له تركيبة كيميائية محددة جيداً وبنية بلورية محددة أيضاً (اصطفاف مرتب للذرات أو الأيونات أو الجزيئات) توجد بشكل طبيعي في شكلٍ نقي.

كما سنرى، على الرغم من أنَّ مياه البحر توجد بشكل طبيعي، إلا أنَّها لا تلبي المتطلبات الأخرى لتكون معدناً؛ إذ يختلف تكوينها من مكان إلى آخر، كما أنَّها تحتوي على مواد عضوية، وسننظر في هذه النقاط بمزيد من التفصيل أدناه.

ما الذي يؤهل المادة لكي يطلق عليها معدن؟

وفقاً للجيولوجيا، يجب أن تفي المادة بالمتطلبات الخمسة الآتية حتى تُعَدَّ معدناً:

1. توجد بشكل طبيعي:

يجب ألا تكون من صنع الإنسان، ويجب أن توجد في العالم بشكل طبيعي.

2. غير عضوية:

لا يجب أن تكون حيةً ولا تتكون من نباتات وحيوانات. 

3. صلبة:

يجب ألا تكون في حالة سائلة (ماء) أو غازية (هواء).

4. التركيب الكيميائي:

يجب أن تتكون من مزيج معين من العناصر الكيميائية.

5. التركيب الذري:

يجب ترتيب العناصر الكيميائية بطريقة محددة. 

تعريف المعادن لا يشمل المركبات التي توجد في الكائنات الحية، لكن بعض المعادن يمكن أن تكون حيويةً (منتجات مصنوعة من كائنات حية) مثل "الكالسيت" أو يمكن أن تكون مركباتٍ عضويةً كيميائيةً مثل "الميليت"، ومن الهام أيضاً التمييز بين المعادن والصخور والميتالويد (شبه المعدني).

الصخر هو أيَّة مادة جيولوجية صلبة متجانسة على نطاق واسع، فيمكن أن تحتوي الصخرة على معدن واحد أو معادن عدة داخلها، أما الميتالويد هو مادة صلبة طبيعية ليس لها بنية بلورية محددة، على سبيل المثال، السبج (الزجاج البركاني) والأوبال (حجر كريم متغير الألوان). 

لماذا لا تُعَدُّ مياه البحر من المعادن؟

مياه البحر ليست معدناً؛ وذلك لأنَّها لا تلبي جميع المتطلبات التي ذكرناها آنفاً، ولكي تصنَّف من المعادن يجب أن تكون:

1. طبيعية:

نعم، توجد مياه البحر بشكل طبيعي على الأرض وتغطي جزءاً كبيراً منها، وهذا هو المطلب الوحيد الذي تتشارك به مياه البحر تماماً مع المعادن.

2. غير عضوية:

لا، مياه البحر ليست عضويةً بالكامل، وكما ناقشنا آنفاً تتكون مياه البحر من العديد من الأشياء، بما في ذلك المواد العضوية وغير العضوية المذابة، وتحتوي مياه البحر على مواد عضوية ذائبة، وتشمل هذه المواد الكربوهيدرات والأحماض الأمينية والجسيمات الغنية بالمواد العضوية، وتوجد هذه المواد في الـ 100م العليا من المحيط؛ إذ يحول التمثيل الضوئي الكربون غير العضوي المذاب إلى مادة عضوية.

3. صلبة:

لا، مياه البحر سائلة، ويمكن أن تتحول إلى حالة صلبة (جليدية) أو غازية (بخار)، لكن نظراً لأنَّ مياه البحر لا تلبي المتطلبات الأخرى، فإنَّ هذا لا يهم كثيراً، وهذا يقود إلى سؤال أكثر إثارةً للاهتمام "هل الجليد معدن؟" نعم، الجليد يلبي جميع المتطلبات المذكورة ولكنَّه يتطلب فقط بعض التأهيل أولاً، فيجب أن يتشكل المعدن بشكل طبيعي، وبينما يوجد الجليد من تلقاء نفسه، لكن يمكن أيضاً تكوينه بواسطة البشر. 

لذلك يمكننا القول إنَّه عندما يكون موجوداً بشكل طبيعي (مثل ندفة الثلج) يكون الجليد معدناً، لكن عندما يتم إنتاجه بفعل الإنسان (كما هو الحال في الثلاجة) فهو ليس معدناً.

4. التركيب الكيميائي:

لا، لا تحتوي مياه البحر على تركيبة كيميائية ثابتة ومتسقة؛ وهذا لأنَّها تتأثر بمجموعة متنوعة من آليات النقل الكيميائي، وفي بعض الأماكن بالقرب من رواسب معدنية ستحتوي مياه البحر على كمية من هذا المعدن أكبر بكثير من تلك الموجودة في أماكن أخرى، وقد يختلف أيضاً محتوى الملح في مياه البحر؛ إذ يكون أقل بالقرب من خط الاستواء والقطبين.

قارن هذا بمعدن شائع مثل الفضة، فبصرف النظر عن المكان الذي تأخذ منه الفضة فإنَّ تركيبتها الكيميائية ستكون هي نفسها دائماً، ويمكننا أن نفكر في مياه البحر على أنَّها مزيج تختلف تركيبته دائماً حسب العناصر المكونة له. 

5. التركيب الذري:

لا، جزيئات مياه البحر غير مرتبة بطريقة منظمة؛ إنَّها سائل دون بنية محددة، ففي حالتها الصلبة مثل الجليد، يمكننا القول إنَّ لها ترتيباً محدداً، لكن حتى في تلك الحالة - نظراً لأنَّ العناصر المكونة لها ستحتوي على كميات مختلفة من العناصر العضوية وغير العضوية - فمن غير المرجح أن يكون ترتيبها النهائي ثابتاً.

كما ناقشنا آنفاً نظراً لأنَّ مياه البحر تتكون من مزيج كبير من العناصر، فمن الصعب المجادلة بأنَّه يمكن أن تكون لها بنية ذرية محددة، وفي وقت سابق رأينا أنَّ الجليد (على الأقل عندما يحدث بشكل طبيعي) يُعَدُّ معدناً، لكن ماذا عن الماء؟ يجادل بعضهم بأنَّه على الرغم من أنَّ الماء لا يتأهل في حالته السائلة، إلا أنَّه يتحول إلى معدن مثل الجليد، ومن ثمَّ يجب أن يطلق عليه "شبه معدني" مادة صلبة تفتقر فقط إلى بنية بلورية محددة. 

فكرة واحدة أخيرة لهذا الموضوع الفرعي، لا بد أنَّك سمعت عن مصطلح "المياه المعدنية"، فماذا يعني هذا المصطلح بالضبط؟ حسناً، هذا شيء مختلف قليلاً عما كنا نناقشه، فالمياه المعدنية هي المياه التي تأتي من نبع معدني وتحتوي على معادن مثل الأملاح ومركبات الكبريت، وفي الاستخدام العام تشير إلى المياه الغازية المعبأة في زجاجات، بخلاف مياه الصنبور، لذلك لا يتعلق المصطلح بما إذا كان الماء معدناً أم لا. 

تكوين وخصائص مياه البحر:

كما نوقش في البداية، تتكون مياه البحر من الماء والأملاح والمركبات العضوية وغير العضوية المذابة والغازات الجوية؛ إذ يبلغ متوسط ​​ملوحة مياه البحر 3.5%، وهذا يعني أنَّ كل كيلوغرام (لتر واحد في الحجم) من مياه البحر يحتوي على نحو 35 جراماً من الأملاح الذائبة (معظمها أيونات الصوديوم والكلوريد).

يشكل الكربون غير العضوي والبورون والفلورايد غالبية المواد الذائبة في مياه البحر، والفوسفور غير العضوي والنيتروجين موجودان أيضاً بكميات قليلة، وهما هامان لنمو الكائنات الحية في البحر، وإلى جانب هذه يوجد أيضاً العديد من العناصر العضوية مثل الكربوهيدرات والأحماض الأمينية. 

خصائص مياه البحر مشابهة تماماً لخصائص المياه العذبة، كالمياه العذبة تفضل مياه البحر أيضاً تكوين الروابط بين الجزيئات؛ إذ يؤدي محتوى الملح في مياه البحر دوراً أساسياً في تشكيل خصائصها: 

  1. بسبب ملوحة مياه البحر العالية، فإنَّ لزوجتها أعلى من المياه العذبة. 
  2. ينطبق الشيء نفسه على كثافتها؛ وهذا هو السبب في أنَّ السباحة في البحر أسهل من السباحة في النهر. 
  3. درجة غليان مياه البحر أعلى من درجة غليان المياه العذبة، ونقطة تجمدها أقل.

المعادن المختلفة الموجودة في مياه البحر:

المعادن الأكثر وفرةً الموجودة في مياه البحر هي الكلوريد والصوديوم والمغنيزيوم والكبريت والكالسيوم والبوتاسيوم، وتشكل نحو 99% من أملاح البحر، وتختلف نسبتها في كمية معينة من مياه البحر؛ وذلك لأنَّ كمية المياه يمكن أن تزيد أو تنقص محلياً  بسبب التبخر أو هطول الأمطار.

بعض المعادن والعناصر الموجودة في مياه البحر هي الكلوريد والصوديوم والمغنيزيوم والكبريت والكالسيوم والبوتاسيوم والبروم والكربون (غير العضوي) والسترونتيوم والبورون والسيليكون والكربون (العضوي) والألومنيوم والفلور والباريوم واليود والنحاس والزرنيخ والحديد واليورانيوم والزنك وغير ذلك.

استخدامات مختلفة لمياه البحر:

لمياه البحر استخدامات عدة:

1. الفوائد المحتملة للصحة:

​​تُظهرالأبحاث أنَّ مياه البحر العميقة غنية بالعناصر الغذائية مثل المغنيزيوم والكالسيوم والبوتاسيوم وما إلى ذلك، وهذا يجعلها مصدراً للصحة، كما يمكن أن تساعد مساعدةً خاصةً على معالجة الأمراض المرتبطة بنمط الحياة مثل مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية وما إلى ذلك.

2. التوازن البيولوجي:

 بينما نفكر في الغلاف الجوي على أنَّه الخزان الرئيس للغازات مثل ثنائي أوكسيد الكربون والأوكسجين، فإنَّ المحيطات هي مخزن أكبر؛ إذإنَّها تنتج نصف الأوكسجين الموجود على كوكب الأرض، وتخزن ثنائي أوكسيد الكربون أكثر بنحو 50 مرةً من الغلاف الجوي، وهذا ضروري للحفاظ على التوازن البيولوجي للأرض.

3. التجارة:

توفر مياه البحر وسيلة نقل أساسية تسهل التجارة العالمية، فقد يمثل النقل البحري 80% من التجارة الدولية. 

4. الكهرباء:

المحيطات في حركة مستمرة من خلال الأمواج والمد والجزر والتيارات،وهذه الحركات لها أسباب مختلفة، فالرياح تؤدي إلى حدوث الأمواج، والمد والجزر بسبب القمر والشمس، والتيارات ناتجة عن الاختلافات في درجة حرارة الماء ودوران الأرض؛ لذا يمكن استخدام حركات المحيط هذه لإنتاج كهرباء نظيفة ومتجددة. 

إقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن يوم البيئة العالمي

5. الاستخدام بعد التحلية:

من خلال التحلية أو التناضح، يمكن إزالة محتوى الملح في مياه البحر، وهذا يجعلها قابلةً للاستخدام في النشاطات البشرية،وفي الوقت الحالي، تُعَدُّ العملية باهظة الثمن، ومن ثمَّ لا يتم إجراؤها إلا على نطاق صناعي كبير، لكن ربما في المستقبل ستحل تحلية مياه البحر أخيراً أزمة المياه.

إقرأ أيضاً: فوائد مياه البحر للبشرة والجسم

في الختام:

ناقشنا في هذا المقال ما إذا كان يمكن عَدُّ مياه البحر معدناً أم لا، فبدأنا بالنظر في تعريف المعدن الذي يجب أن يكون له بالضرورة خمس ميزات؛ إذ يجب أن يكون طبيعياً وصلباً وغير عضوي وله تركيب كيميائي محدد وترتيب ذري، وبعد ذلك عند مقارنة خصائص مياه البحر، وجدنا أنَّها لا تفي بهذه المتطلبات تماماً، ومن ثمَّ فهي ليست معدناً، ثم ناقشنا التكوين والخصائص والأنواع المختلفة للمعادن الموجودة في مياه البحر، وأخيراً درسنا بعض استخدامات مياه البحر، على أمل تحقيقه للفائدة المرجوة منه.




مقالات مرتبطة