هل تؤثِّر "مغالطة الوصول" في سعادتك؟

هل حققت هدف الحياة الرئيسيِّ في قائمتك لِتجدَ أنَّه لم يجلب لك الفرح الفوري الذي كنت تأمله؟ ربَّما تكون قد وقعت في خطأ "مغالطة الوصول"؛ لذا سنناقش في هذا المقال فكرةً يمكنك بواسطتها أن تتعلَّم كيف تعيش اللحظة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة ليبي هيلي (Libby Heeley)، وتُحدِّثنا فيه عن تأثير مغالطة الوصول في السعادة.

لقد نجَحْت فحصلتَ على ترقية أو اشتريتَ منزلاً أو تزوَّجتَ أو فقدت 5 كيلوغرام من وزنك ويبدو الأمر رائعاً وسَيَفِي بالغرض في الوقت الحالي؛ إنَّها لَحقيقةٌ محبطةٌ في الحياة أنَّنا جيل الإنترنت، أصبحنا أكثر توجهاً نحو الأهداف، ومقتنعين بأنَّ إنجازاتٍ معينةً لها القدرة على تغييرنا، وأنَّنا بمجرد تحقيق الهدف سنصبح أشخاصاً أفضل وأسعد وكلَّ شيء في حياتنا سيكون أخيراً على ما يرام، ولكن كلُّ هذا يشير إلى "مغالطة الوصول" (Arrival Fallacy).

مغالطة الوصول:

ببساطة، مغالطة الوصول هي الوهم بأنَّنا بمجرد أن نحقق أهدافنا، فإنَّنا نصل إلى السعادة، وقد صاغ هذه الفكرة علماء النفس في جامعة هارفارد (Harvard).

تكمن المشكلة في أنَّ تحقيق شيءٍ ما - سواء كان رقماً قياسياً شخصياً أم تحقيق وسام الإمبراطورية البريطانية - لا يضمن الرضى على الأمد الطويل أو حتى على الأمد القصير، فسرعان ما نتكيَّف مع موقعنا الجديد في التسلسل الاجتماعي، وعادةً ما يكشف الوصول إلى هدفٍ ما عن هدفٍ آخر؛ ففي الأساس يوجد دائماً هدف جديد ليُحقَّق.

لطالما كانت فانيسا (Vanessa) ذات الثلاثين عاماً عازمةً على أن تصبح محامية، وبعد 10 سنواتٍ من الدراسة المستمرة تأهلت أخيراً بوصفها محامية لعلامةٍ تجاريةٍ معتمدةٍ.

لقد قالت لمجلة ستايلست (Stylist): "بعد فترة وجيزة من الاحتفالات الأولية بدأتُ أتساءلُ عمَّا سيحدث بعد ذلك، لقد اعتدتُ على الشعور بالراحة والسعادة قصيرة الأمد عند إكمال كلِّ امتحان (إلى أن يأتي الامتحان التالي على الأقلِّ)، ولكن لأنَّني توقعتُ أن أشعر أخيراً بالرضى التامِّ عن شهادتي، بدلاً من ذلك بدأت تدور في ذهني طرائق التفوق في مهنتي الجديدة فلم تعد الشهادة كافية، وبعد عامين أصبحت رئيسة العلامات التجارية في المملكة المتحدة في شركتي، وما زلتُ أتساءلُ دائماً عمَّا سيحمله العامان المقبلان".

قصة فانيسا (Vanessa) ليست فريدةً من نوعها، فقد كانت جيما (Jemma) البالغة من العمر 38 عاماً تساوي دائماً بين النجاح والدخل، وقالت لمجلة ستايلست (Stylist): "لقد كنت مواظبة على قراءة قائمة "فوربس 400" (The Forbes 400) منذ أن كنت في السادسة عشرة، وكلُّ ما فعلته - من عملي الأول يوم السبت إلى ساعات العمل الطويلة الجنونية في وقت لاحق من الحياة - كان يتعلق بكسب مزيد من المال، فكان هدفي الشامل في الحياة هو الوصول إلى راتبٍ كبير".

لكن بعد أن عُرِض عليها ذلك من قبل بنك استثماري معروف في لندن، جلسَتْ في السيارة الفخمة التي منحتها إياها الشركة وقالت باكيةً: "حان الوقت للنظر إلى الأمور بطريقةٍ مختلفة،  لقد فقدتُ علاقات عديدة في مسعاي إلى تحقيق النجاح وكنت منهكةً حقاً".

يقول علماء النفس في جامعة هارفارد: "بخلاف النجاح المادي، إنَّ المؤشر الأول للسعادة هو الوقت الرائع الذي نقضيه مع الأشخاص الذين نهتمُّ بهم ويهتمُّون بنا"؛ ففي الأساس لا تأتي سعادتنا من وجود مال كثير؛ بل من العلاقات الثمينة والقيمة.

في حين أنَّ الدخل هام، تؤكد الأبحاث وجود حدٍّ لمدى ارتباط المال فعلياً بالسعادة، ووجد استطلاع شمل 1000 مشاركاً أنَّ السعادة تتناسب طرداً مع الدخل، ولكن فقط إلى الحد الذي يكسب فيه الناس 50,000 $.

لقد قال دانيال كانيمان (Daniel Kahneman) أحد علماء النفس الذين أجروا الدراسة في جامعة برينستون (Princeton University): "لم تعد الزيادات الإضافية في الدخل تحسِّن القدرة على القيام بما هو أكثر أهمية لسلامنا العاطفي، مثل قضاء الوقت مع الأشخاص الذين نحبهم، وتجنب الألم والمرض، والاستمتاع بوقت الفراغ".

شاهد بالفديو: 10 طرق تشعرك بطعم السعادة الحقيقية

تقترح جوي سيريدا (Joy Sereda) اختصاصية معتمدة في العلاج النفسي ومستشارة طبية سريرية نهجاً من ثلاث خطوات:

1. الاستمتاع باللحظة الحالية:

ربما يمكن لمعظمنا أن يتذكر النزهات العائلية عندما كان طفلاً، وهو يتساءل:" أمي هل وصلنا؟ هل وصلنا؟ كنا نركز بشدة على الوصول إلى الوجهة النهائية لدرجة أنَّ عقولنا تسبقنا إلى وجهتنا وننتظر بفارغ الصبر أن تلحق بها أجسادنا، فأنا أتذكَّر بوضوح سماع رد أمي: "سنصل إلى هناك عندما يحين الوقت، لماذا لا تنظر من النافذة فحسب وتستمتعُ بالرحلة؟".

ما كان لطفلة تبلغ من العمر 10 سنوات أن تعي ذلك؛ ولكنَّ أمي كانت تخطط لشيءٍ ما، فإنَّ السماح لأنفسنا بالعيش ذهنياً في المستقبل (في وجهتنا الهدف) يمنعنا من الاستمتاع باللحظة الحالية، فقد نهمل تقدير الأشخاص والأماكن والفرص من حولنا عندما يكون لدينا رؤية ضيقة الأفق؛ لذلك حوِّل تركيزك بعيداً عن الوجهة ودع نفسك تنظر من النافذة وتُقدِّر المشهد وتستمتع بالرحلة.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب كي تعيش اللحظة الحالية وتتوقف عن المبالغة في التخطيط

2. تحديد قيمك:

"عندما كنا أطفالاً دفعنا آباؤنا لنصبح قادة الفرق الرياضية أو قادة الأوركسترا؛ وذلك لأنَّهم أرادوا لنا النجاح والسعادة، ويبدو ذلك عظيماً، ومع ذلك فهو ليس واقعياً أو دائماً، ونظراً لأنَّ أهدافنا غالباً ما يحدِّدها شخص آخر، مثل المجتمع أو وسائل الإعلام أو آباؤنا أو شركاؤنا؛ فنادراً ما نفكر ما إذا كانت هذه الأهداف تتماشى مع قيمنا الخاصة.

إذا حققتَ هدفاً يتماشى تماشياً وثيقاً مع قيمك الشخصية، فمن المرجح أن تشعر بالرضى عندما تفعل ذلك، وإن كنت تقدر الروتين والاستقرار على سبيل المثال، فيجب عليك أن تبدأ في العثور على وظيفة في مجال يوفر ذلك، فخصِّص بعض الوقت لتقييم قيمك تقييماً فعليَّاً وما يخدمك خدمة أفضل قبل تحديد هدفك التالي.

إقرأ أيضاً: 3 رؤى مدهشة حول النجاح والسعادة

3. إدارة التوقعات:

أخبَرَني أحدهم ذات مرة أنَّ "مصدر كلِّ خيبات الأمل هو التوقعات غير الواقعية؛ فغالباً ما نخلط بين التوقع والرغبة، ولمجرد أنَّنا نريد لشيء ما أن يكون رائعاً ومُرضياً، فذلك لا يعني بالضرورة أنَّه سيكون كذلك.

لقد شهِدْتُ هذا الشعور بخيبة الأمل مراراً وتكراراً في عيادتي؛ فالعملاء الذين بنوا توقعات غير واقعية لتلك الوظيفة الجديدة والحياة بعد الزفاف والأبوة والتقاعد وما إلى ذلك وفي الواقع إذا كنت تتوقع تلبية احتياجاتك جميعها بمجرد تحقيق هدف معين، فسينتهي بك الأمر بخيبة الأمل؛ لذا حاول فصل ما هو "رغبة" عمَّا هو "واقعي" وإذا كنت تمتلك توقعات واقعية فأنت تتجنب الشعور بخيبة أمل غير ضرورية وقد تمنح نفسك الفرصة للاستمتاع بإنجازاتك.




مقالات مرتبطة