هل العواطف هي التي تتحكم بنا أم الغرائز؟

دعنا نفكر في الأمر بهذه الطريقة: العواطف هي ردود فعل غريزية للمؤثرات الخارجية. هل أنت شخص عاطفي؟ بالطبع أنت كذلك فأنت إنسان، لكن ماذا لو قلتُ لك أنتَ لست عاطفياً أبداً؛ وإنَّما أنت شخص غريزي، فهل نحن نفكر في هذا الأمر؟



لحسن الحظ، لن نضطر إلى التفكير كثيراً، فوفقاً لمعجم "ميريام ويبستر" (Merriam Webster): العاطفة هي حالة ذهنية طبيعية وغريزية تنبع من ظروف المرء أو مزاجه أو علاقاته مع الآخرين.

لذلك، إنَّ العواطف هي أفكار نشأت نتيجة عوامل خارجية؛ فهي ردود أفعال غريزية لتلك القوى الخارجية؛ على سبيل المثال، قد نقول إنَّنا سنكون سعداء، وبعد ذلك نصبح كذلك، ومع أنَّه من الممكن القيام بذلك، إلا أنَّنا لا نفكر في هذا الأمر عادةً، وما يحدث هو أنَّ أمراً ما يحدث، ثم نشعر بالسعادة، ويسمى ذلك بتأثير السبب؛ إنَّه رد فعل غريزي لمحفز، ويُنظَر إليه على أنَّه شعور.

الغرائز هي عبارة عن عواطف:

إذا اعتقدنا أنَّ العواطف هي غرائز، ألا يمكننا التحكم بغرائزنا، ومن ثمَّ التحكم بعواطفنا؟ تكبح الكثير من الحيوانات غرائزها في محاولة للقيام بعمل مخالف لطبيعتهم.

دعونا نلقي نظرة على آلية "الكر أو الفر" الموجودة في أدمغتنا، إنَّ المشاعر القوية التي نشعر بها عندما نواجه موقفاً خطيراً، تحدث بسبب إفراز الناقل العصبي الدوبامين في أدمغتنا؛ إنَّه نفس الناقل العصبي الذي يُطلَق عند تعاطي الكوكايين؛ لذلك، عندما يواجه الحيوان أو الإنسان موقفاً يهدد حياته، يتدفق الدوبامين إلى دماغه؛ وهذا يسبب حالة تركيز شديد.

بالإضافة إلى ذلك، إنَّ الدوبامين هو هرمون موجود في منطقة ما تحت المهاد، ويزيد من معدل ضربات القلب وضغط الدم؛ لذلك، في المواقف الخطيرة، يدفع الناقل العصبي أجسادنا إلى زيادة السرعة، وهذا يؤدي إلى مشاعر التوتر والخوف والغضب، وكل الأمور التي تشعر بها قبل المواجهة.

ويجعلك الدوبامين جاهزاً من الناحية الفيزيولوجية للقتال أو الركض في مواقف ذات أهمية قصوى، ولعدم وجود مصطلح أفضل يعبر عن ذلك، نقول إنَّه يسبب الشعور بالغريزة؛ إذ إنَّ المشاعر القوية التي تشعر بها عندما تكون في موقف يغير حياتك هي عبارة عن إفراز الدوبامين، من بين النواقل العصبية والهرمونات الأخرى.

بالعودة إلى العواطف، إنَّ النقطة الهامة هي أنَّه بصرف النظر عن السيطرة على غرائزنا، ما زلنا نشعر بالغريزة، ومع ذلك، فإنَّ الحيوانات وكذلك البشر لديهم القدرة على كبح غرائزهم، مثل البقاء في أماكنهم عندما يجب عليهم الركض، والعكس صحيح؛ لذلك، في الوقت الذي ما يزال بإمكانهم الشعور بالاستجابة الداخلية للدوبامين، يمكنهم التحكم باستجابتهم الخارجية لنفس الغريزة الكيميائية.

ينطبق نفس الأمر على العواطف، فإذا ظهرت غرائزنا على شكل عواطف، فيمكننا التحكم بها أيضاً، ومع ذلك، لا يمكننا التوقف عن الشعور بتلك العواطف؛ وإنَّما نحن نتحسن في التعامل معها؛ إذ إنَّ عواطفنا ليست أكثر من استجابة غريزية مدفوعة كيميائياً للمحفزات الخارجية.

شاهد بالفديو: 8 طرق يمكنك من خلالها بناء ذكائك العاطفي

السيطرة العاطفية هي الحكمة:

كما ذكرنا آنفاً، الغرائز مرادفة للعواطف، وبما أنَّه يمكننا التحكم بغرائزنا، يمكننا أيضاً التحكم بمشاعرنا العاطفية، لكن، تماماً مثل الغرائز، فإنَّ العواطف هي استجابات كيميائية للمؤثرات الخارجية ولا يمكن تجنُّبها؛ وإنَّما تسخيرها لمصلحتنا؛ إذاً، إنَّ القدرة على التحكم بعواطفنا لا تعني انعدام العواطف؛ وإنَّما هي القدرة على الشعور بعواطفك والتحكم باستجابتك الخارجية لها.

لكن، كيف يمكننا زيادة قدرتنا على التحكم باستجابتنا للمؤثرات؟ قد يبدو هذا كأنَّه تغيير غير متوقع، لكنَّ الحكمة هي القدرة على التصرف الصحيح في مواقف معينة، ووفقاً لـ "ويبستر" إنَّ الحكمة هي صفة امتلاك الخبرة والمعرفة والتقدير الجيد.

والطريقة الوحيدة للتحكم بعواطفك بنجاح هي أن يكون لديك خبرة كافية في موقف معين تساعدك على فهم طريقة التصرف ومعرفة ردود الأفعال؛ على سبيل المثال، لنفترض أنَّك عملت بجد من أجل زيادة راتبك، ثم لم تحصل على زيادة، قد تشعر بالإهانة وعدم التقدير؛ وهذا الأمر سيغضبك، وستفقد السيطرة على عواطفك وتصرخ في رئيسك، ومن ثمَّ ستفسد وتدمر علاقتك معه.

وبعد عام، قد تجد نفسك في وضع مماثل، وتحدث نفس النتيجة ولا تحصل على العلاوة التي كنت تتوقعها، لكن بدلاً من فقدان السيطرة على عواطفك، عليك أن تأخذ لحظة لتتمالك أعصابك، وبعد لحظات قليلة، تذهب العواطف التي تشعر بها، وتحدد موعداً مع رئيسك في العمل وتتحدث معه عن الأسباب التي تؤهلك للحصول على زيادة؛ ونتيجةً لذلك، قد ينبهر رئيسك في العمل ويَعِدُك بخطة عمل لمدة معينة تكسب فيها زيادة في الراتب.

لاحظ، لقد اكتسبت الحكمة من خلال رد الفعل السلبي في الموقف الأول وإيجابية التكرار الثاني لنفس الموقف؛ إذ كنت تمتلك القدرة على التحكم بعواطفك، وكان رد فعلك الخارجي مقبولاً؛ لذا إنَّ الطريقة الوحيدة لتغيير استجابتك العاطفية هي التعلم من فشل التجربة الأولى، وبقدر اهتمامك بهذا الموقف، تزداد حكمتك الآن.

لذلك، إنَّ الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها التحكم بردود أفعالك الغريزية - عواطفك - هي الحصول على تجارب متعددة تساعدك على تعلُّم وتكرار طريقة الاستجابة، وبعد ذلك، عندما تفهم طريقة العمل في بيئات معينة، تصبح حكيماً في تلك المواقف، وتصبح حكمتك الهيكل الذي يعلِّمك طريقة التصرف والرد حتى تحصل على أفضل نتيجة عندما تواجه أيَّ موقف.

وقد جاء كل هذا من خلال فهمك لحقيقة أنَّ عواطفك هي غرائز، وأنَّه كلما شعرت بمزيد من العواطف، زادت قدرتك على التحكم باستجابتك للشعور.

إقرأ أيضاً: طريقتان ذكيتان تساعدانك على التحكم بعواطفك

الخلاصة:

عواطفك هي استجابات فيزيولوجية للمحفزات الخارجية، وبينما ستشعر دائماً بعواطفك، ما يزال بإمكانك التحكم باستجابتك الخارجية للمحفزات، وإذا كنت تستطيع أن تفعل ذلك باستمرار، فأنت شخص حكيم، والعبارة الوحيدة التي ستحفزك هي: "اخرج من هذه الحالة واسمح لنفسك بالشعور ببعض العواطف".

المصدر




مقالات مرتبطة