هل السعادة مفتاح المشاركة؟

"تسقط فتاة صغيرة من سريرها ذي الطابقين وتصطدم بالأرض بقوة (ربما كُسِرَت ساقها وتعاني من ألم شديد)، وبينما هي توشك البكاء يخبرها شقيقها الأكبر سريع البديهة أنَّه لا يمكن لأي بشري أن يهبط بالطريقة ذاتها التي اصطدمت بها بالأرض؛ وهذا قد يعني شيئاً واحداً فقط؛ ألا وهو أنَّها فرس بجناحَين وقرن وحيد. وبدلاً من الاستسلام لذلك الشعور بالألم، يبدأ دماغ الفتاة الصغيرة بتخيُّل فكرة أنَّها قد تكون حقاً ذلك المخلوق الصغير".



شارك الكاتب "شون أكور" (Shawn Achor) هذه القصة عن استعمال علم النفس الإيجابي خلال حديثه على منصة "تيد إكس" (TEDx) "السر السعيد لعمل أفضل" (The Happy Secret for a Better Work)، الذي يُعَدُّ مثالاً يثبت كيف أنَّ محاولتك لإعادة رسم ظروفك، تعود عليك بعقلية أفضل وأكثر سعادة.

ترتبط السعادة ارتباطاً وثيقاً بالإنتاجية والنجاح، وسنناقش في هذا المقال تأثير السعادة في الإنتاجية والنجاح.

هل يكون الناجحون سعداء؟ أم السعداء ناجحين؟

ربما قد سمعت أشخاصاً يقولون: إنَّهم يوظفون الأفضل والأكثر ذكاءً فقط والمتخرجين من أفضل المدارس أو بأعلى الدرجات، وقد تتفاجأ نوعاً ما، فقد تعلَّمنا أنَّ الذكاء وحده لا يُعَدُّ مؤشراً جيداً للنجاح.

يوضِّح "شون آكور" (Shawn Achor) في حديثه على منصة "تيد توك" (TED Talk) أنَّ بحثه يُظهِر كيف أنَّ نجاح الفرد في العمل مرتبطٌ بقَدر ما يملكه من تفاؤل ودعم اجتماعي وقدرة على تحويل ضغط العمل إلى تحدٍّ، أكثر مما له علاقة بالذكاء بحد ذاته.

وربما نعلم يقيناً أنَّ العكس الصحيح من واقع تجربتنا؛ فمن المحتمل أن يتشتت انتباهنا، إذا كان ينتابنا شعور بالتعاسة أو الضيق؛ ونتيجة لذلك يتراجع شعورنا بالحماسة ومدى مشاركتنا الفعَّالة في العمل، ولكنَّنا نعلم أنَّ ما يقوله "آكور" (Shawn Achor) صحيحٌ كذلك؛ إذ تزداد مشاركتنا في العمل عندما نكون في حالة ذهنية إيجابية.

إقرأ أيضاً: لماذا يعد الامتنان مفتاح السعادة والنجاح؟

الغالبية غير المتفاعلة:

وفقاً لمؤسَّسة "غالوب" الأمريكية المختصة باستطلاعات الرأي (Gallup)؛ فإنَّ الموظفين المتفاعلين "يشاركون في عملهم وتتملَّكهم الحماسة تجاهه ويلتزمون به، ويعزِّز الموظفون المتفاعلون الابتكار والنمو والعائدات التي تحتاج إليها شركاتهم".

لكنَّ مؤسسة "غالوب" (Gallup) وجدت أنَّ العمال الأمريكيين معظمهم ما زالوا يندرجون ضمن فئة "غير المتفاعلين"، ولا يجوز تصنيف هؤلاء على أنَّهم موظفون "سامُّون"؛ بل هم موظفين يذهبون إلى عملهم لتضييع الوقت، وما يُقدِّمونه من جهود هو في الأساس الحد الأدنى.

كما تشير المؤسسة إلى أنَّهم "أكثر عرضة إلى التغيُّب عن العمل كذلك، وتغيير وظائفهم عند توفُّر فرص جديدة".

ووفقاً لـ "تقرير حالة مكان العمل الأمريكي" (State of American Workplace Report) لعام 2017 الصادر عن مؤسسة "غالوب" (Gallup)؛ فإنَّ 67% من العمال الأمريكيين لم تكن لهم مشاركة فعَّالة في وظائفهم، وبالمقابل وبشكلٍ مثيرٍ للاهتمام، حقق 33% فقط من الموظفين مشاركةً فعَّالةً في وظائفهم، وهذا يمثل أعلى مستوى من المشاركة منذ أن بدأت المؤسسة قياس مثل هذه الأمور، أمَّا على الصعيد العالمي فيقل مستوى مشاركة الموظفين في عملهم ليصل إلى نسبة 13%.

إقرأ أيضاً: كيف تشارك في العمل بسعادة؟

الأقلية المشاركة بفاعلية:

لكن ماذا عن تلك الأقلية المشاركة بفاعلية؟ ما هي القيمة التي يضيفها صانعو الاختلاف الإيجابي إلى مؤسساتهم؟

في دراسة أُجريَت عام 2015 بعنوان "العلاقة بين رأس المال البشري وإضفاء القيمة ومكافأة الموظفين" (The Relationship Between Human Capital, Value Creation and Employee Reward) بقلم "بيتر آر ماسينغهام" و"ليونا تام" من "جامعة ولونغونغ في أستراليا" (Peter R. Massingham and Leona Tam of the University of Wollongong in Australia)؛ أثبتَ الباحثون وجود ارتباط واضح بين الشعور بالسعادة وأثرها في الإنتاجية.

وعلى الرغم من امتلاك الموظفين العديد من الكفاءات، إلَّا أنَّ ما يضفي قيمةً للمؤسسة في نهاية الأمر هو الطريقة التي تُرعى من خلالها تلك الكفاءات وبحسب بحثٍ أُجريَ في أستراليا: "كفاءة الموظف قد تضيف أو لا تضيف قيمة، ولا يمكن أن تعود بالفائدة على المؤسسة إلَّا إذا حُفِّزَ الأفراد لاستعمال معرفتهم، وإلَّا فهي مورد عقيم".

الموظفون السعيدون في عملهم، الذين يشعرون بالرضى عن وظائفهم يكونون أكثر التزاماً بعملهم وأكثر حماسة لإنجاز الأعمال المهمة، كما من المرجَّح أن يُولِّد ذلك لديهم سلوكاً إيجابياً تجاه وظائفهم، مع ازدياد احتمالية توظيف كفاءاتهم لإضفاء قيمة للمؤسسة التي يعملون لصالحها.

"فضل السعادة":

تمكَّن البروفيسور "أندرو أوزوالد" (Andrew Oswald)، والدكتور "أوجينيو بروتو" (Dr. Eugenio Proto)، والدكتور "دانيال سغروي" (Dr. Daniel Sgroi) من قسم الاقتصاد في "جامعة وارويك" (University of Warwick) في المملكة المتحدة، من تقدير تأثير الروح المعنوية في الإنتاجية، فقد جعلت السعادة الناس أكثر إنتاجية بنسبة 12%؛ وذلك وفقاً للأبحاث التي أُجريَت، كما أُكِّدَت زيادة الإنتاجية بنسبة تصل إلى 20% خلال فترات أقصر من العمل المكثَّف.

يشير "شون آكور" (Shawn Achor) إلى هذا الارتباط بين السعادة والإنتاجية على أنَّه "فضل السعادة" (The Happiness Advantage)، والتي تشير إلى أنَّ أداء الدماغ البشري يتحسَّن بصورة ملحوظة عند الشعور بالسعادة، أكثر مما يفعل في الحالة الطبيعية أو عندما يسيطر عليه شعور سلبي، وتوضِّح البيانات التي يستشهد بها "شون" في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه: "أنَّ أدمغتنا تصبح أكثر تفاعلاً وإبداعاً وتحفيزاً وحيوية ومرونة وإنتاجية في العمل عندما نكون إيجابيين"؛ لذا قد تتفاجأ عندما تعلم أنَّه وفقاً لبحث "شون": السعادة تعزِّز النجاح، وليس العكس.

أمَّا فيما يتعلق بتأثير السعادة في الإنتاجية، فيبدو بحث "شون" أكثر إقناعاً من الدراسات الأخرى المذكورة هنا؛ إذ يشير إلى الآتي:

"يُظهِر كل عمل تجاري وحصيلة تعليمية تحسُّناً ملحوظاً عندما نبدأ به بإيجابية، وبدلاً من ترقُّب النجاح مستقبلاً، تتحسن المبيعات بنسبة 37% عبر القطاعات الصناعية، وتزداد الإنتاجية بنسبة 31%، كما تزداد احتمالية حصولك على ترقية بنسبة 40% وتتضاعف نسبة مشاركتك الفعَّالة في العمل إلى نحو 10 مرات. كما أنَّك تعيش عمراً أطول وتحصل على درجات أفضل وتصبح أعراض مرضك أقل حدة، وغير ذلك الكثير".

من الواضح أنَّ للسعادة تأثيرات إيجابية أكثر بكثير من مجرد نزعتنا لأن نكون أكثر نجاحاً في وظائفنا.

كذلك فوائدها الصحية بالغة الأهمية، فمن منظورٍ اقتصادي تُعَدُّ تكاليف الموظف الذي يتمتع بصحة جيدة أقل من تكاليف الموظف المريض، فيما يخص تكاليف التأمين وكذلك فترات التوقف عن العمل.

يقول "شون آكور" (Shawn Achor): "إنَّ السعادة مجرد خَيار، فلِمَ لا نبدأ به؟".

المصدر: 1

شاهد بالفيديو: 10 طرق لبناء علاقات عمل إيجابية وفعّالة 




مقالات مرتبطة