نموذج الجودة العاطفية لتحقيق السعادة

من الصعب حقاً تعريف السعادة؛ لأنَّ السعادة ليست مجرد شعور واحد مثل المتعة، أو تجربة واحدة مثل الفوز بجائزةٍ ما؛ وإنَّما هي تقييم شامل لمجموعة كاملة من التجارب والمشاعر المختلفة؛ فالسعادة ليست عادةً شعوراً بحد ذاتها، ولكنَّها تقديرٌ وسطي لجودة عواطفك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المؤلف سكوت إتش يونغ (Scott H Young)، ويشرح فيه كيفية استخدام نموذج الجودة العاطفية لاتخاذ قرارات أفضل.

لقد كتبتُ في الفترة الأخيرة مقالاً عن استراتيجية جديدة لتحقيق السعادة، وأسميتها "نموذج الجودة العاطفية"، ولقد تلقى المقال تغذية راجعة رائعةً من القراء، ولكنَّني وجدت أنَّه كان نظرياً بعض الشيء، ولم أشرح تماماً كيفية تطبيق الاستراتيجية على أرض الواقع؛ لذا سوف أناقش في هذا المقال كيفية استخدام هذا النهج لاتخاذ قراراتٍ أفضل.

مكونات السعادة:

لاحظتُ وجود ثلاثة مكونات للسعادة في الواقع، وهي:

1. تنوع العواطف:

تخيَّل أنَّك تذهب إلى مطعم يقدمون فيه وجبتك المفضلة، ولكنَّها الوجبة الوحيدة التي يقدمونها، وكان عليك أن تأكلها كلَّ يوم في حياتك، إنَّ تنوع الأطعمة هام، وكذلك هو تنوع العواطف؛ فعندما تشعر بنوع واحد فقط من الأحاسيس دائماً؛ فإنَّها تبدأ في فقدان تأثيرها حتى تصبح عادية جداً.

2. عمق المشاعر:

أي شدة العواطف، وهو الفرق بين الشعور بالسرور فقط، والشعور بالنشوة، وينبغي ألا تكون شدة العاطفة ثابتة؛ وإنَّما يجب أن تتنوع بين الشديدة والخفيفة؛ لأنَّ الحياة ستصبح مملةً إذا بقيت شدة العواطف معتدلة.

3. جودة المشاعر:

أي الفرق بين المشاعر الإيجابية والسلبية، وعلى الرَّغم من أنَّ الأمر شخصي إلا أنَّ بعض المشاعر هي ذات جودة عالية عامة، مثل الحماسة، والحب، والرضى، وبعضها ذات جودة منخفضة، مثل الكراهية، والاكتئاب، والذنب.

يعني نموذج الجودة العاطفية أن تتخذ القرارات محاولاً تحسين أحد هذه العوامل الثلاثة؛ فإمَّا أنَّك تريد الشعور بأنواع مختلفة من العواطف، أو تريد إنشاء تنوُّع أكبر في شدة عواطفك، أو ترغب في تحسين جودة عواطفك نفسها، وهذا رائع، لكن كيف تستخدم هذا النهج لاتخاذ القرارات فعلياً؟

اتخاذ القرارات العاطفية:

لا تتبع القرارات نموذجاً خطياً؛ فهي ليست عبارة عن سبب واحد يؤدي إلى نتيجة واحدة؛ وإنَّما هي مثل من يرمي حجراً في بركة ماء فنتنشر التموجات للخارج، ممَّا يخلق عدة تأثيرات، فإذا اتخذت القرار بإنشاء شركتك الخاصة فلن تُنشئ شركةً فحسب؛ بل ستتغير علاقاتك واستثماراتك وطريقة تفكيرك وتجاربك أيضاً.

يختلف اتخاذ القرارات باستخدام نموذج الجودة العاطفية عن القرارات التي يتخذها معظم الناس؛ وذلك لأنَّك عند استخدامه تبحث عن تأثيرات مختلفة، وخاصةً التغييرات في حياتك العاطفية.

من الصعب بكلِّ المقاييس أن تُقرر ما إذا كان عليك ترك وظيفتك، والبدء بمهنة جديدة، لكن عليك أن تنظر إلى المشكلة من هذا المنظور الجديد؛ إذ يوضح هذا الرسم البياني تأثير كلَّ قرار في الجودة العاطفية (EQ)، والتنوع العاطفي (EV)، والشدة العاطفية (EI):

الرسم البياني الأول: البقاء في العمل

الرسم البياني الثاني: ممارسة مهنة جديدة

الرسم البياني الثاني: ممارسة مهنة جديدة.

هذا المثال معمم جداً، لكن كما ترى فإنَّ تغيير المهنة سيثير تأثيرات مختلفة جداً، ومن المحتمل أن تتناقص الجودة العاطفية بعض الشيء في بداية الأمر؛ لأنَّك ستنتقل من حالة الراحة التي تعيشها إلى حالةٍ جديدةٍ مختلفة، لكن عندما تعيد تأسيس نفسك، ستبدأ الجودة العاطفية في الارتفاع بينما تتكيف مع نفقات المعيشة الجديدة، وتبدأ في العمل بشغف، وبخلاف ذلك، فإنَّ قرارك بالبقاء في عملك نفسه سيخفض جودتك العاطفية ببطء، وسيخفض بشدة التنوع العاطفي لديك عندما تماطل في البقاء في وظيفة لا تحبها.

كان هذا مثالاً واضحاً جداً، فيمكنك أن تقرأ أيَّ كتاب من كتب تحسين الذات لتكتشف أنَّ الخيار الذكي ولو كان مخيفاً بعض الشيء، هو أن تخرج من البيئة التي تكرهها وتسعى إلى وظيفة تحبها.

ماذا عن قرار ليس بهذا الوضوح؟ لنفترض أنَّك تحاول الاختيار بين ما إذا كان عليك أن:

  1. تُسافر حول العالم، وتعمل عدد ساعاتٍ أقل.
  2. تعمل بجهدٍ لتأسيس شركتك الخاصة.
  3. تُحسن قدر الإمكان من علاقاتك العاطفية.

عندها ستجد الرسم البياني الآتي:

لقد بسطتُ هذا الرسم البياني لإيصال مزيد من المعلومات، لكن إذا كنت تريد حقاً إنشاء رسمك البياني الخاص، فعليك تقدير مدى تأثر التنوع والجودة والعمق بكلِّ قرار تتخذه؛ والسعادة الكاملة هي نتاج هذه المكونات الثلاثة.

ستبقى هذه القرارات صعبةً مهما اختلف النهج الذي تتبعه، لكنَّها تكاد تكون مستحيلةً باستخدام الأساليب التقليدية، وإنَّ محاولة استخدام المنطق لموازنة هذه القرارات هو أمرٌ لا جدوى منه، وبالتأكيد يمكنك أن تُحدد ما إذا كانت العلاقات الشخصية أكثر أهميةً لك من السفر حول العالم أو تأسيس شركتك الخاصة، لكن هذا يرجع إلى اتخاذك قرار غريزي ولا يُعوّل عليه في كثير من الأحيان.

ستمتلك عند استخدام نموذج الجودة العاطفية الأساس لموازنة نتائج هذه القرارات المختلفة، ولقد جمعتُ كلَّ المشاعر معاً في ثلاثة عناوين رئيسة - أي التنوع، والعمق، والجودة - لتبسيط الرسم البياني، لكن كلٌّ منها يحمل عدة مشاعر مختلفة؛ فالسفر حول العالم قد يجلب كماً هائلاً من الإثارة والحماسة، أمَّا إنشاء شركة خاصة قد يعزز شعوراً بالتحدي والرضى عن النفس، وقد تثير العلاقات الشخصية فيك مزيداً من الحب.

باستخدام هذا النموذج، يمكنك الحصول على تنبؤ تقريبي لكيفية تأثير كلِّ قرار في سعادتك في أوقات زمنية مختلفة، وهو بالتأكيد أداةٌ مفيدة إذا كنت تحاول اتخاذ قرارات كبيرة.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات سهلة للحصول على السعادة الأبدية

استخدام الجودة العاطفية للمساعدة على صنع القرار:

إنَّ الفائدة الأساسية من هذا النموذج ليست موازنة الخيارات؛ وإنَّما إنشاؤها في المقام الأول، ويعني استخدام النموذج أنَّك تستطيع دراسة كيفية تأثير القرار في سعادتك في أوقات مختلفة حتى تتمكن من إنشاء خيارات أفضل.

لنفترض أنَّ هدفك على الأمد الطويل هو كسب مزيد من المال، وعليك الآن استخدام النموذج لتكتشف أفضل طريقة للوصول إلى هذا الهدف، فمن الواضح أنَّ الحلَّ الأفضل هو الحلُّ الذي تتعاظم فيه جميع المكونات الثلاثة للسعادة طوال المدة المعنية.

لقد مررت في الفترة الأخيرة بتجربة مماثلة؛ فقد كان عليَّ أن أُقرر كيفية تأسيس دخل مستدام من العمل بالإنترنت، ولم تكن المشكلة في أنَّ لدي خيارات قليلة جداً؛ وإنَّما في كثرة الخيارات أمامي؛ إذ يمكنني كتابة كثير من المنشورات، والتواصل مع المدونين الآخرين لمحاولة أن أصبح أفضلهم، ويمكنني أن أُجرب ورشات العمل والمناظرات، ويمكنني العمل على إنشاء منتجٍ خاص وغيرها من الأشياء.

لكن على الرَّغم من أنَّ كلَّ هذه الأشياء قد تنجح، إلا أنَّني وجدت أنَّ العمل على المنتجات بوصفها محوراً رئيساً، قد يكون أفضل قرار لتعزيز الجودة العاطفية، والأهم من ذلك، قررت أنَّ البدء بالمنتجات الأصغر قبل الانتقال إلى المنتجات الأكبر سيكون أيضاً أكثر منطقية.

إقرأ أيضاً: كيف تحصل على السعادة في حياتك؟

في الختام:

إنَّ اتخاذ القرارات هو فقط أحد الطرائق المتعددة التي يمكنك من خلالها استخدام نموذج الجودة العاطفية، وما زلت أوصي بضرورة تجريب الخيارات المتاحة جميعها، فكما أنَّك لن تعرف ما هو الخيار الأفضل لتحقيق النجاح حتى تجربه، فإنَّ الأمر يتطلب التجريب لمعرفة ما الذي يُحسن الجودة العاطفية؛ فالهدف من هذا النموذج ببساطة هو إعطاؤك تقديراً أولياً، ثم يمكنك بعد ذلك إجراء التعديلات بناءً عليه.

المصدر




مقالات مرتبطة