نصائح للدخول في حالة التدفق الذهني

حالة التدفق هي البنية النفسية المثالية لتصبح مبدعاً ومنتِجاً وسعيداً، ومع ذلك، فهي ليست مجرد مفهوم؛ وذلك لأنَّ فوائد حالة التدفق وُثِّقَت في الصحة العقلية والتنمية الشخصية وعلم النفس والأدب، كما هو الحال في هذا المقال.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الدكتور محمد يلدز (Dr Mehmet Yildiz)، ويُحدِّثنا فيه عن 3 نصائح للدخول إلى حالة التدفق للإبداع والإنتاجية والصحة والمتعة.

حالة فريدة ومثالية لتعزيز الإبداع والإنتاجية والصحة والسعادة:

من واقع خبرتي، فإنَّ حالة التدفق هي عملية ملموسة ذات مدخلات واضحة ونتائج ملموسة، والأهم من ذلك، أنَّ حالة التدفق تمنحنا السعادة المثلى من خلال جعلنا نركز على مهمة محددة في وقت محدد.

فعلى الرغم من أنَّ الباحث ميهالي سيكسينتميهالي (Mihaly Csikszentmihalyi) صاغ مصطلح "حالة التدفق" في كتابه المعنون "التدفق: علم نفس التجربة المثلى" (Flow: The Psychology of Optimal Experience)، فإنَّ هذه الحالة الفريدة والمثالية لطالما كانت موجودة في تاريخ البشرية، ولقد كانت جزءاً من تطورنا، كما توضح الاختراعات الرائعة التي تم ابتكارها في حالة التدفق توافق الطاقة الجسدية والعقلية.

باختصار، تغيِِّر حالة التدفق وعينا في وقت محدد إلى أداء عقلي وجسدي يعمل على نحو مثالي، فحالة التدفق تجلب العديد من الفوائد، أهمها: تخفيف التوتر وتنظيم المشاعر، ومع ذلك، يرغب الأشخاص عادةً في الانتقال إلى حالة التدفق لتحقيق نتائج أفضل وإنتاج المزيد بجهد أقل وتقديم أداء جيد لتحقيق النتائج المرجوة.

تعدُّ حالة التدفق مثالية للعمل والدراسة؛ وذلك لأنَّ هذه الحالة ترتبط ارتباطاً مباشراً بقدراتنا المعرفية مثل التركيز والانتباه والانتقال من مهمَّةً إلى أخرى والذاكرة وحل المشكلات، فيستخدم العديد من المحترفين، ومن ذلك العلماء والأطباء والموسيقيين والرياضيين، حالة التدفق لتحقيق نتائج أفضل.

بصرف النظر عن العمل والدراسة، فإنَّ السبب الرئيسي لدخولي حالة التدفق بانتظام هو تحسين صحتي الجسدية والعقلية، وبالإضافة إلى العمل والدراسة، يمكننا الدخول في حالة تدفق في أثناء الأعمال اليومية، ومن ذلك ممارسة الرياضة وتناول الطعام؛ وذلك لأنَّ حالة التدفق تساهم في تحقيق هذه الأهداف عن طريق تقليل التوتر العاطفي، فعندما ينخفض ​​التوتر العاطفي، تتدفق طاقاتنا بشكل أفضل وتتوازن.

من وجهة نظري، يعمل الحدس والمنطق معاً في حالة تدفق، وبينما يساعد التفكير على حل المشكلات، تتطلب بعض المشكلات المعقدة أفكاراً بديهية، والعامل الذي يميز المخترعين والعلماء البارزين هو الاستخدام الفعال والمتعمد للحدس الذي ينشأ في أثناء حالة التدفق في كثير من الأحيان؛ لذلك نقرأ قصصاً عن عباقرة مثل تسلا (Tesla) وآينشتاين (Einstein) ومدام كوري (Madam Currie) والعديد من الشخصيات التاريخية الأخرى التي ساهمت في تكوين مجموعة المعرفة وعملت بشكل كبير في حالة التدفق.

بناءً على عدة سنوات من الخبرة في الوصول إلى حالة التدفق ومراقبة الأشخاص الذين يستفيدون منها، تعلمت أنَّ المواد الكيميائية العصبية والهرمونات تعمل بطريقة أكثر توازناً في حالة التدفق، فعلى سبيل المثال، عندما أعمل أو أدرس في حالة تدفق، فإنَّني أنجز المزيد مع ضغط أقل؛ وذلك لأنَّني أستبدل ضغوطات العمل بالرضى.

شاهد بالفيديو: 12 عادة لتعزيز القوة الذهنية

اسمحوا لي أن أشارك 3 نصائح من تجربتي:

1. عِش اللحظة:

تساهم ممارسات اليقظة الذهنية بشكل كبير في تحقيق حالة التدفق، فالعيش في اللحظة هو المطلب الأساسي للحياة اليقظة، وأسرع طريقة للدخول إلى حالة التدفق هي نسيان الماضي والتوقف عن التفكير في المستقبل، ومن المفارقات، أنَّ الإحساس بالوقت يتغير في حالة التدفق، وهذا يتطلب منا التركيز على الوقت والمهمة المحددة التي بين أيدينا، فلن نكون دائماً سعداء في كل لحظة.

على سبيل المثال، قد نعاني من مشكلة معينة؛ كالألم أو عدم الراحة؛ لذا نحتاج إلى التركيز على الألم والشعور به بدلاً من تخديره، فهو أمر بالغ الأهمية للشفاء، وإذا ركزنا على هذه الإجراءات دون قيد أو شرط، فمن الممكن أن ندخل في حالة تدفق على الرغم من الألم وعدم الراحة، ولذلك، يمكن أن تكون حالة التدفق شفاءً لنا، بالإضافة إلى إضفاء البهجة على حياتنا.

مع ذلك، فمن الأسهل بكثير الدخول في حالة تدفق عندما يكون مزاجنا أفضل، وفي هذه الحالة، نعتز بالأحاسيس الرائعة التي تساعدنا على الوصول إلى حالة التدفق بسرعة، ووجهة نظري هي أنَّنا يجب أن نجتهد في جذب تركيزنا واهتمامنا إلى اللحظة الحالية، سواء كنا في مزاج جيد أم سيئ، ويمكن لحالة التدفق أن تحيد المشاعر السيئة وتعزز المشاعر الجيدة.

2. ركِّز على مهمة واحدة باهتمام كامل:

لقد عانيت لعدة سنوات من الآثار السلبية لتعدد المهام، فقد وُصِفَت بأنَّها وسيلة لتعزيز الإنتاجية، ومع ذلك، عندما كنت أدرس العلوم المعرفية في أوائل التسعينيات، تعلمت أنَّ تعدد المهام كان خرافة، فكان علي أن أتعلم التركيز على مهمة واحدة بعمق بحيث لا يوجد شيء آخر هام في تلك اللحظة، ومع ذلك، فإنَّ الانتقال من مهمَّة إلى أخرى أمر طبيعي، وتحسين هذه المهارة المعرفية ضروري للإبداع والإنتاجية.

لا يعد تعدد المهام أكثر من مجرد تبديل سريع للغاية للمهام، مما يؤدي إلى تأثيرات ضارة على نظامنا العصبي من خلال الضغط عليه، فجسم الإنسان والدماغ ليسا مصممين للتعامل مع المواقف العصيبة، ومن الممكن تحسين سرعة الانتقال من مهمَّة إلى أخرى تدريجياً كما نحسن عضلاتنا، ومن ثم فهي تتطلب الوقت والجهد.

عندما نركز على مهمة واحدة في لحظة معينة، تستجيب المواد الكيميائية العصبية لدينا وتتدفق بكفاءة أكبر، ومع ذلك، يجب أن تكون المهمة المختارة هامة وتخدم هدفنا؛ لذلك أنا أركز دائماً على المهام حسب الأهمية، ويميل دماغنا البدائي إلى التركيز على المهام السهلة للحفاظ على الطاقة؛ ولذلك، نحن بحاجة إلى استخدام عقولنا المعرفية؛ لأنَّ حالة التدفق تحدث عندما نقوم بتنشيط القشرة المخية ونوقف عمل اللوزة الدماغية والجهاز الحوفي.

إقرأ أيضاً: كيف تزيد انتباهك عندما يكون عقلك مشتتاً؟

3. حدد مهامك وفق الأولويات:

لا يستمتع الناس عادة بالعمل الذي يكلفه لهم الآخرون، خاصة الأولويات التي يحددها المدير أو المشرف في العمل؛ فلذلك، أسلِّط الضوء على أهمية المهمة التي تختارها بذاتك للدخول في حالة التدفق، بالطبع، نحتاج إلى الحصول على مهام من مديرنا لمواصلة عملنا، ومع ذلك، يمكننا خداع الدماغ بأنَّنا نحن من نختار المهمة.

على سبيل المثال، يقول لي المدير أن أحل مشكلة لإرضاء عميل، ومع ذلك، فهو لا يخبرني كيف أفعل ذلك لأنَّه لا يملك أدنى فكرة عن عملية الحل، وبعد إسناد مهمة لي، أقوم بإنشاء خطة ذهنية سريعة وأحدد أولويات المهام الفرعية بالترتيب من حيث الأهمية والإلحاح، وما إن أحدِّد أولوياتي، أشعر أنَّني متمكن من المهمة وأنسى الفكرة التي يفرضها مديري.

بالإضافة إلى ذلك، عندما أحقق نتائج صغيرة، فإنَّ كل إنجاز يثير في جسدي كميات صغيرة من هرمون الدوبامين (هرمون السعادة)، مما يحفزني على البدء في المهمة التالية، وعادة ما تتضمن قوائم المهام الخاصة بنا العديد من العناصر؛ فبعضها عاجل، وبعضها هام، وبعضها غير هام، وقد تكون بعض المهام عاجلة وهامة، فالأمر متروك لنا لاتخاذ قرار بشأن اختيار المهام التي تحقق أفضل قيمة لأهدافنا؛ لذا بدلاً من اتباع قائمة المهام، فإنَّنا ننشئ قائمة أولويات.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتصبح محترفاً في تحديد أولويات المهام

الخلاصة:

تعدُّ حالة التدفق مثالية لتحقيق النتائج المرجوة بأقل وقت وجهد لموازنة طاقاتنا وتقليل التوتر في أثناء العمل أو الدراسة، فأنا أرى حالة التدفق كأداة للإبداع والإنتاجية لأنَّ هذه الحالة حسنت النتائج المرجوة بشكل كبير، ويمكن تحقيق حالة التدفق من خلال تحسين مهاراتنا المعرفية مثل التركيز والانتباه والذاكرة العاملة والانتقال من مهمَّة إلى أخرى وحل المشكلات.

هذا يعني أنَّ تنشيط نظامنا المعرفي عن قصد يمكن أن يروِّض الأجزاء البدائية والعاطفية من الدماغ، وبعد أن نكيف عقولنا مع هذه الحالة، يصبح من السهل الشعور بالسعادة يومياً، حتى في خضم الأزمات.

الجانب الأساسي لحالة التدفق هو إيجاد توازن مناسب بين المهام التي تشكل تحدياً شديداً وتلك السهلة للغاية، فإذا رأى الدماغ أنَّ المهمة معقدة للغاية، فإنَّه يعزز شعوراً بالقلق، وبالمثل، إذا رأى أنَّ المهمة سهلة للغاية، فإنَّها تؤدي إلى اللامبالاة والملل.

بالإضافة إلى الإبداع والإنتاجية، يمكن لحالة التدفق أن تساهم أيضاً في صحتنا الجسدية والعقلية مما يؤدي إلى حياة سعيدة ومُرضية، ونظراً لأنَّ الناقلات العصبية والهرمونات تعمل بطريقة أكثر توازناً في حالة التدفق، فإنَّ الجسم والدماغ يعانيان من توتر أقل، وأسرع طريقة للدخول في حالة التدفق هي اتباع نهج واعٍ في مهامنا.

يمكن أن يعتمد الامتناع عن تعدد المهام والتركيز على مهمة واحدة على تجربة حالة التدفق، وللانغماس في المهمة، يمكننا خداع دماغنا واختيار المهمة الحالية، فيكمن سر تحسين حالة التدفق في تحسين مهاراتنا تدريجياً من خلال زيادة كل تحد بدرجة واحدة؛ وذلك لأنَّ الدماغ يحتاج إلى الوقت والتكيف لإنشاء مسارات عصبية جديدة تظهر كمهارات لمواجهة تحديات معينة، وآمل أن تساعدك هذه النصائح البسيطة على تجربة حالة التدفق وجعلها جزءاً من حياتك.

المصدر




مقالات مرتبطة