منطقة الراحة: هل من الأفضل مغادرتها حقاً؟

إنَّ الخوف شعور قيم للغاية؛ حيث يحافظ على سلامة الناس، ويشجع على أخذ الحيطة والحذر عند الحاجة إليهما؛ ومع ذلك، قد يصبح الخوف عاملاً مقيداً أيضاً؛ ذلك لأنَّه لا ينبغي أن نخاف حقاً من كل شيء حولنا.



هل سبق لك وأن واجهت موقفاً كنت فيه خائفاً من اتخاذ قرار ما، أو إحداث تغيير، أو المجازفة بأمر معيَّن؟ هل انتهى بك الحال إلى الإقدام على المجازفة أو اتخاذ ذلك القرار؟ أم أنَّك لزمت مكانك وتركت الأمور على حالها؟ وفي كلتا الحالتين، هل أنت راضٍ عن النتيجة؟

ينبع حبنا للشعور بالأمان والراحة والابتعاد عن الخطر من طبيعتنا البشرية، فقد كان الحال هكذا دائماً منذ بدء الخليقة، حيث أعطى البشر الأولوية للنجاة فقط؛ وحتى في الوقت الحالي، لا يزال الكثيرون يختارون الخيار الآمن، ويتجنبون المخاطرة والتحلي بالثقة عندما يتعلق الأمر بخياراتهم في الحياة.

1. بين الواقعية والأحلام:

ببساطة، هناك نوعان من الناس: الواقعيون والحالمون.

الواقعيون:

هم الأشخاص الذين يفكرون بعقلانية وحذر، ويحسبون الإيجابيات والسلبيات قبل اتخاذ أي قرار، وخاصة القرارات الهامة والكفيلة بتغيير حياتهم؛ فهم يفكرون ملياً قبل أن يتخذوا أي قرار، سواء كان الأمر يتعلق بتحديد تخصص في الجامعة، أم اختيار الوظيفة المناسبة، أم شراء منزل أم سيارة، أم الذهاب في عطلة؛ إذ يتمسك الواقعيون بالتفكير فيما سيحصل تالياً عند تخطيطهم للمستقبل، وقد لا يفكرون بشكل منفصل بالاحتمالات المختلفة التي يمكن أن تؤدي إليها الحياة، ويعود سبب ذلك عادةً إلى الثقة التي كرسوها مسبقاً في خطة مقبولة بالنسبة إليهم.

للواقعيين أحلام أيضاً، لكنَّها متأصلة بشكل أكبر في طموحاتهم ودوافعهم وتصميمهم؛ فهي أهداف أُعِدت وحُضِّر لها مسبقاً.

يفهم الواقعيون أنَّ التقدم يتطلب أكثر من مجرد الطموح والدوافع، وأنَّه يتطلب علاقات مع الناس من حولهم؛ كما أنَّهم يشعرون أنَّ الحياة لا تخلو من القلق أبداً بسبب الحاجة إلى النجاة والمسؤوليات الكثيرة الملقاة على عاتقهم، ويميلون إلى اتخاذ خيارات آمنة، والتمسك براحتهم، ومعرفة ما هو أفضل لمصلحتهم.

الحالمون:

لديهم طموحات كبيرة للغاية؛ فهم مجازفون يفرطون في الاندفاع أحياناً، لكنَّهم غالباً ما يتحدون أعراف وتقاليد المجتمع، ويفكرون خارج الصندوق.

لا يعني هذا أنَّهم لا يمتلكون خطة أو مساراً يرغبون باتباعه؛ ولكن من المحتمل أن يغيروا مسار رحلتهم مع الزمن، أو عند اكتسابهم الخبرة، أو من خلال اتباع حدسهم.

يستمد الحالمون إلهامهم من إحساس في داخلهم، فلا يولون أهمية كبيرة لوجهة نظر أي شخص آخر بما يكفي لتغيير دوافعهم؛ إذ لا يسمح الحالمون بأن تستحوذ مخاوفهم عليهم، وقد يتعرضون إلى الفشل من وقت إلى آخر، لكنَّهم لا يتخلون عن الحب أو الحياة.

إقرأ أيضاً: حكم وأقوال جميلة عن الأحلام

2. تقبُّل الخوف:

إلى أي نوع من الأشخاص تعتقد أنَّك تنتمي؟ وهل أحدهم أفضل من الآخر؟

عليك أن تعرف أنَّ التوازن في الحياة يعدُّ أمراً أساسياً، ولعلَّك سمعت بالمقولة التالية: "يكمن كل شيء في الاعتدال"؛ وكذلك الأمر، إذ لا يوجد فارق بين أن تكون حالماً أو واقعياً، ويواجه كلاهما التحديات؛ ولكنَّ الأمر المؤكد هو أنَّه بغض النظر عن موقعك في الحياة، يجب عليك دائماً التعامل مع الخوف على أنَّه وسيلة لدفعك نحو الأفضل.

تعدُّ مغادرة منطقة راحتك نوعاً من أنواع الخوف الذي ينبغي عليك أن تتقبله في حياتك؛ فإذا كنت تصنف نفسك كشخص حالم، فهذا أمر جيد؛ ذلك لأنَّه من المحتمل أنَّ الأمر ليس جديداً بالنسبة إليك.

سواء كان الأمر قرار انسحابك من الجامعة لبدء مشروعك التجاري المستقل، أم الانتقال إلى بلد جديد بمفردك، أم طلب الخروج في موعد غرامي مع شخص ما رغم اعتقادك أنَّه بعيد المنال، أم اتخاذ قرار بالتخلي عن وظيفتك الجيدة التي عملت فيها لمدة 10 سنوات لتصبح منسق أغانٍ (DJ)؛ فقد اخترت أن تفعل ذلك بنفسك؛ ذلك لأنَّك تعلم أنَّك من المحتمل أن تندم على الأمور التي لم تفعلها أكثر من الأخطاء الناجمة عن تلك القرارات (إن وجدت).

ولكن، في حال كنت دائماً شخصاً حذراً أكثر وتقترب من كونك واقعياً، يجب أن تفكر أكثر في تقبل فكرة مغادرة منطقة راحتك.

بالطبع، لا يعني هذا أنَّ عليك أن تبدأ اتخاذ قرارات متسرعة أو جريئة كتلك التي ذكرناها آنفاً، بل يعني أن تكون منفتحاً على تقبل فكرة أنَّ الخروج من منطقة راحتك ليس أمراً سيئاً يجب أن تتردد أو تخاف منه.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أنواع الخوف وأهم طرق السيطرة عليه

3. التعامل مع الخوف:

عندما تكون محاطاً بالتوتر وعدم الراحة، تذكر أنَّ أفضل الأشياء تحدث عند شعورك بالخوف، أو وجودك في موقف مزعج؛ إذ تمثل هذه التجارب تحدياً لك، وتساعدك على النضج؛ لذا، ابذل أقصى جهدك في هذه المواقف، ولتكن توقعاتك منخفضة كي تخفف من الضغط الإضافي.

إنَّ مغادرة منطقة راحتك والعيش خارجها أمر لا يبعث على الراحة في جوهره؛ لذا فإنَّ أفضل عادة يمكنك زرعها في داخلك هي أن تعتَد على فكرة عدم الراحة.

قد تكون على مفترق طرق في حياتك ولا تستطيع اتخاذ قرار بشأن أمر ما، أو قد ينتابك شعور أنَّك لست سعيداً بما يحدث في حياتك الآن، أو قد تشعر بالارتياح بوضعك الآن لدرجة أنَّك لا تشعر بأي تحدٍ؛ ويعود أصل حالة عدم اليقين هذه إلى نواياك؛ فما الذي ترغب فيه؟ وعمَّ تبحث؟

ما الذي تبحث عنه؟

نمتلك أهدافاً وأحلاماً وتطلعات مختلفة، لكنَّها تؤدي جميعها إلى النتيجة نفسها، وهي أن نصبح أفضل ممَّا كنَّا عليه سابقاً، سواء كان الأمر يتعلق بالسعادة أم الثروة أم الحب، وما إلى ذلك.

لماذا يجد بعضنا صعوبة في المضي قدماً؟

ينبغي علينا التراجع خطوة إلى الوراء كي نتحرر من قيودنا، واكتساب منظور جديد كي نتعرف على هذه القيود؛ إذ تبدو هذه القيود في ظاهر الأمر أنَّها تمنعك من إنجاز ما تريد؛ ولكنَّك إذا تعمقت أكثر، ستجد أنَّها الأشياء نفسها التي تجعلك مكبلاً داخل حلقة مفرغة؛ فهي تبقيك عالقاً في مواجهة المشكلات نفسها، واختيار الخيارات ذاتها، واتخاذ الإجراءات نفسها مراراً وتكراراً؛ حيث تحدد القيود ظروفك الحالية، والتي تحدد بدورها جودة حياتك أيضاً.

إذا كنت ترغب في تحسين جودة حياتك، فيجب أن تكون قادراً على التحرر من القيود التي تجعلك تعيش داخل الدوامة نفسها كل يوم وشهر وسنة.

إنَّك تستمد واقعك من إدراكك للحياة:

إنَّ الواقع ليس هاماً بقدر أهمية رؤيتك له؛ فمفتاحك للتحرر وتحقيق النجاح الذي تصبو إليه هو قدرتك على التحكم بالطريقة التي تنظر بها إلى الأمور، وإنَّ تعديل منظورك للحياة أمر هام للغاية، لدرجة أنَّ مجرد إجراء تغيير بسيط فيه كفيل بتغيير الأمور كلياً، بما في ذلك: دوافعك وتوقعاتك واحترامك لذاتك.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح مهمة لتحقيق الأحلام والطموحات

تنبع كل قيودك من عقلك بالفعل:

إنَّ هذه أخبار سارة؛ ذلك لأنَّها تعني أنَّ بإمكانك التحكم بما يقيدك، وأنَّك تمتلك القدرة على الخروج من ظروفك الحالية لكي تعود إلى المسار الصحيح لتحسين نفسك.

تساعدك هذه المقالة في إيجاد حلول مثالية لمشكلاتك؛ حيث يمكنها مساعدتك على التحرر من قيودك، والعثور على معنى جديد وأكبر لحياتك.

إنَّ مغادرة منطقة راحتك ليس بالأمر السهل، ولكنَّنا نحاول أن نجعلك ترى إمكانياتك الحقيقية، وأن تحول أي قيود تعترضك إلى فرصة يمكن استثمارها؛ وستكون عندها قادراً على تغيير طريقة تفكيرك وأفعالك لتتمكن من تحقيق أهدافك التي لطالما حلمت بها.

المصدر




مقالات مرتبطة