مكان الشعور بالألم وعلاقته بالعلاج

يستعمل الناس غالباً عبارة "قوة الإرادة تتغلب على الأمور المادية" لوصف المواقف التي نتغلب فيها على الأوجاع والآلام في الجسم باستعمال العقل. على سبيل المثال: تأتي بستانية من عملها في البستنة وتُفاجأ باكتشاف جرح مزعج في يدها، وهو شيء لم تكن على دراية به في أثناء تركيزها في عملها على نباتاتها. أو إذا ما أصيب جندي برصاصة لكنَّه لم يشعر بألم إلى أن أصبح آمناً في المستوصف.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الباحث "ريتش هاريسون" (Rich Harrison)، ويُخبرنا فيه عن تجربته في كيفية الشعور بالألم.

إذا كان الألم مرتبطاً ارتباطاً مباشراً وكاملاً بالإصابة الجسدية، فإنَّ هذه الأمثلة ستكون مستحيلة؛ حيث قد يسبب الخدش ألماً خفيفاً، في حين أنَّ الجرح الناتج عن طلق ناري قد يسبب ألماً شديداً على الفور؛ لكنَّ هذا ليس هو الحال دائماً.

يحرص علماء الألم على التمييز بين المنبهات الضارة والألم. في حالة الجندي، المنبه - إصابة رصاصة - ضار لكنَّه غير مؤلم. أظهرت الأبحاث أنَّ الدماغ لديه القدرة على تخفيف حدة تأثير المنبهات الضارة. تُعرف هذه العملية باسم "تعديل الألم"، وهي الطريقة التي تسمح لنا بها أجسامنا بتحكيم العقل بدلاً من المادة في بعض المواقف.

لفهم تعديل الألم، نحتاج إلى فهم كيفية تأثير الأفكار والمشاعر في الألم. فقد استكشف مشروعٌ ضمَّ، طوال العامين الماضيين، علماءَ نفس وفلاسفة من "جامعة ريدينغ" (University of Reading)، وأطباء ومرضى من مستشفى "رويال بيركشير" (NHS Royal Berkshire Hospital) هذا السؤال.

فكرتنا هي أنَّ الناس لديهم وجهات نظر عن الألم - وقد لا يدركون حتى إنَّهم يمتلكونها - تؤثر في كيفية شعورهم بالألم، وربما الأهم من ذلك، كيفية استفادتهم من أنواع معينة من علاج الألم.

إقرأ أيضاً: كيف تعرف إذا كان الألم في معدتك ناجم عن التوتر أو عسر الهضم؟

مكان الشعور بالألم:

نحن نحقق فيما إذا كان الناس ينظرون نظرة بديهية إلى الألم على أنَّه شيء في العقل أو الجسد. يتحدث الناس عن الألم في الاتجاهين كليهما، مع التأكيد على الجانب الجسدي عند قول أشياء مثل: "الألم في إصبعي" والتشديد على الجانب العقلي بقوله: "الألم يشبه العذاب".

لكن هل يملك الناس موقعاً افتراضياً؟ هل يميل شخص ما إلى عدِّ الألم تجربة جسدية، بينما يفكر فيه شخص آخر على أنَّه حالة عقلية؟ لمعرفة ذلك، صممنا سلسلة من السيناريوهات الافتراضية القصيرة التي بحثت في وجهة نظر الناس عن الألم. وجدنا أنَّه يمكن للناس تبنِّي وجهة نظر جسدية أو عقلية أكثر للألم، وأنَّ وجهات نظرهم يمكن أن تتغير، اعتماداً على السياق.

السؤال التالي وربما الأهم هو ما إذا كانت هذه الآراء تؤثر في الرعاية الصحية التي يتلقاها الأشخاص من الألم. الألم المزمن حالة منهكة، تحمل في طياتها تكاليف شخصية واجتماعية واقتصادية ضخمة. إنَّها أيضاً حالة صعبة جداً للعلاج، وغالباً ما تؤدي الأساليب الجراحية والصيدلانية إلى نتائج سيئة.

أثبتت التدخلات النفسية، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) (cognitive behavioral therapy)، أنَّها بديل فعال ولها آثار جانبية قليلة. ومع ذلك، فمن الهام القول إنَّ هذه العلاجات لا تصلح للجميع؛ إذ يجد بعض الأشخاص الذين يعانون من الألم المزمن أنَّ هذه البرامج لا تساعد على الإطلاق، أو أنَّهم يتركون العلاج دون إعطائه فرصة؛ لذا فإنَّ السؤال هو: لماذا تنجح هذه العلاجات مع بعض الناس ولا تنفع مع آخرين؟

يركز بحثنا على ما إذا كانت الافتراضات الخلفية للشخص عن الألم، التي يحملونها معهم إلى العيادة، يمكن أن تحدد ما إذا كان علاج مثل العلاج المعرفي السلوكي سينجح معهم.

إقرأ أيضاً: الضحك أفضل علاج نفسي على الإطلاق

بعد كل شيء، إذا كنت مريضاً ينظر إلى آلام أسفل الظهر على أنَّها سمة من سمات عمودك الفقري، بدلاً من كونها مزيجاً من عمودك الفقري وعقلك، ألن تشعر بالانزعاج عند اختيار معالجتك نفسياً لتغيير طريقة تفكيرك؟

يمكن أن يكون التعايش مع الألم عبئاً دائماً. إذا كنت تظن أنَّك تلقَّيت نوعاً خاطئاً من العلاج، فإنَّ الانسحاب أو عدم المشاركة بالكامل هو استجابة منطقية. إذا تمكَّنَّا من إظهار أنَّ المعتقدات الحالية لشخص ما عن الألم تؤثر في تقبُّلهم للعلاجات النفسية والاستفادة منها، فيمكننا العمل على تغيير هذه المعتقدات للسماح لهم بتحقيق أقصى فائدة.

للقيام بذلك، سنقوم بتصميم واختبار برنامج العلاج السلوكي المعرفي المعزز الذي يساعد الناس على تعرُّف دور العقل في المعاناة من الألم. نأمل أن يساعد هذا النوع من البرامج المحسنة مزيداً من المرضى على الاستفادة من التدخلات القائمة على العقل، وهذا يجعل التفكير في الأمر حقيقة بالنسبة إلى مزيد من المرضى.

المصدر: 1.

شاهد بالفيديو: 6 علامات تبين أن شخصيتك مضطربة وليست عادية




مقالات مرتبطة