مفهوم الواقع الافتراضي وميزاته وأشهر استخداماته

لا شك أنَّك ذهبت إلى صالة ألعاب ووجدت شخصاً يضع نظارة غريبة على عينيه وسماعات على أذنيه ويمسك بمقبض ما بيديه ويخوص سباقاً للدراجات النارية، ولا شك أنَّك ظننته معتوهاً قبل أن تقترب منه وهو يتمايل على المقعد الذي يشبه مقعد الدراجة، وتساءلت عن سبب اندماجه في هذا السباق وحماسته فيه على الرغم من أنَّها مجرد لعبة موجودة في المول أو مركز الألعاب.



قد يثير دهشتك أيضاً انتفاض جسمه بشكل حقيقي وصراخه إذا ما تصادم في أثناء اللعبة مع دراجة أخرى أو واجه أي عائق، وهذا يجعلك تصدق أنَّه أصيب حقاً؛ فنحن هنا لنخبرك أنَّ هذا الشخص هو مجرد إنسان طبيعي وليس ممثلاً بارعاً، ولكنَّه يتعرض للظروف والمؤثرات التي يتعرض لها المتسابق في سباق الدراجات النارية الحقيقي، ويتم هذا عن طريق تقنية تسمى تقنية "الواقع الافتراضي" (Virtual reality) التي تخلق بيئة تحاكي البيئة الحقيقية، وتمد حواس الإنسان ببيانات مشابهة للبيانات التي يتلقاها في الواقع، وهذا ما يضعنا أمام ثورة تقنية جديدة تستحق أن نسلط الضوء عليها في مقالنا هذا.

مفهوم "الواقع الافتراضي":

يمكن تعريف مفهوم "الواقع الافتراضي" بأنَّه إنشاء تجربة العيش في واقع غير حقيقي وغير موجود، ويتم بث معالمه باستخدام الحواسب وعرضه بأنظمة ثلاثية الأبعاد، فإنَّ الواقع الافتراضي هو عالم خيالي يمكن الدخول إليه عبر ارتداء نظارات خاصة تسمى "نظارات العالم الافتراضي"، وتكون هذه النظارات مزودة بحساسات تتنبأ باتجاه حركة الرأس لتقوم بعرض المشاهد المتتابعة المنطقية لاستدارة رأسه بذلك الاتجاه، وهي حساسات دقيقة تستشعر حركات الرأس بدقة إلى درجة تجعلك تنسى أن ما تراه هو ضروب من الخيال.

في تعريف أكثر دقة لمفهوم الواقع الافتراضي يمكننا القول إنَّه تطويع للتكنولوجيا في عملية إنشاء مشاهد وبيئات تحاكي نظيراتها الواقعية، وهو تحديث أكثر إقناعاً من الواجهات التقليدية التي توظِّف حاسة النظر فقط في التواصل، ففيه يتم دمج المستخدم مع الواقع ثلاثي الأبعاد المفترض وتفعيل قدرته على التفاعل فيه من خلال دمج حواس جديدة إضافة إلى حاسة البصر في المحاكاة.

يتمكن المستخدم من اللمس والسمع والشم أيضاً عن طريق التقنيات الحاسوبية المصطنعة، وإنَّ متطلبات الدخول في الواقع الافتراضي ليست متشعبة، والشرط الوحيد لإتمام عملية الاندماج فيه هو توفر حواسيب بقدرة عالية ومحتوى افتراضي جاهز لاستقبال المستخدمين.

فإنَّ إدراك الإنسان للواقع من حوله يعتمد على استقباله لمعلومات محددة من الوسط المحيط، فالبيانات البصرية يتم استقبالها بالعين وترجمتها في الدماغ لتتحول إلى معلومات الرؤية، والموجات الصوتية يتم استقبالها بالأذن وترجمتها في الدماغ لتتحول إلى معلومات السمع، والبيانات الحسية يتم استقبالها بواسطة المستشعرات الحسية في الجلد وتنتقل إلى الدماغ ليتم إدراكها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الروائح التي نشمها.

هذا هو الوتر الذي يتم العزف عليه في الواقع الافتراضي، فهو بيئة افتراضية يتم إنشاؤها باستخدام الحواسب، وتعمل على دمج الحواس الإنسانية في عملية استكشافها، تماماً كما يستكشف الإنسان الواقع من حوله عن طريق الإشارات التي يستقبلها بحواسه.

يتم ذلك في الواقع الافتراضي عن طريق أجهزة وحساسات تقدم الإشارات والبيانات التي يفهمها كل عضو حسي للإنسان، فيتم تزويد العين بالإشارات البصرية، والأذن بالأمواج الصوتية، ثم يستقبل الدماغ هذه الإشارات ويترجمها.

هذا ما سيتسبب في إنشاء إدراك مختلف عن الواقع والحقيقة، ويجعل الإنسان يتفاعل معها ويستجيب لها بصورة حقيقية، على الرغم من علمه المسبق بأنَّها زائفة، وهذا هو السبب الكامن وراء تسميته بالواقع الافتراضي؛ إذ تكون تصرفات الإنسان وردود فعله حقيقية وواقعية، لكنَّ البيئة التي تزوده بالمنبهات هي بيئة افتراضية مختلفة.

ميزات الواقع الافتراضي:

إنَّ تقنية "الواقع الافتراضي" (Virtual reality) أضافت لمسة إبداعية إلى جميع المجالات التي دخلتها، وسمحت بإيصال الأفكار بشكل أوضح بسبب خاصية إشراك أكبر عدد من الحواس الإنسانية في عملية التفاعل، ولقد صبغت ميزات العالم الافتراضي على المجالات التي دخل فيها، ومنها نذكر ما يأتي:

1. ميزات الواقع الافتراضي في مجال التعليم:

إنَّ دخول تقنيات الواقع الافتراضي إلى مجال التعليم أضافت إليه الفوائد الآتية:

  1. التخلي عن الكتب الورقية المملة واستبدالها بمواد تعليمية تفاعلية يتم الوصول إليها باستخدام نظارات الواقع الافتراضي.
  2. إضافة المتعة إلى العملية التعليمية.
  3. رفع مستوى الأمان والحماية في التعامل مع التجارب الخطرة، مثل تجارب التفاعلات الكيميائية القابلة للانفجار.
  4. زيادة مستوى التفاعل والمشاركة بين الطلبة داخل الصف.
  5. زيادة مستوى تفاعل الطلاب مع المادة التعليمية في أثناء شرح الدروس.
  6. رفع مستوى استيعاب الطلاب للمحتوى التعليمي كون رؤيتهم له عبر الواقع الافتراضي تعزز من ترسيخ المعلومات في أذهانهم وتساعدهم على تذكرها بشكل أسرع.
  7. تفعيل عملية التواصل بين الطلاب والمعلمين، وتسهيل دور المعلم في تقديم المعلومة عن طريق هذه التقنية التي تجعل الطلاب على تماس افتراضي مباشر معها، فيسهل توضيحها وفهمها.

2. ميزات الواقع الافتراضي في مجال الطب:

ميزات الواقع الافتراضي في مجال الطب

لعلَّ المجال الطبي هو من أكثر المجالات التي استفادت من دخول تقنية الواقع الافتراضي، ومن ميزات الواقع الافتراضي في مجال الطب نذكر:

  1. التدريب على إجراء العمليات الجراحية الحرجة والمعقدة باستخدام هذه التقنية.
  2. علاج بعض الأمراض النفسية مثل رهاب المرتفعات.
  3. مساعدة المرضى على ممارسة النشاطات التي حُرموا منها حفاظاً على صحتهم، مثل السماح لمرضى الجلطات الدماغية بخوض مباريات كرة قدم افتراضية.

3. ميزات الواقع الافتراضي في مجال العمارة:

  1. استبدال الواقع الافتراضي الأوراق والأقلام والرسومات بمجسمات أكثر دقة ووضوحاً.
  2. إتاحة المجال للمعماري برؤية الفراغات الهندسية، ومعرفة المقاسات التقريبية للزوايا عن طريق القيام بجولة في المبنى الذي يدرسه والذي يحاكي البناء الحقيقي.
  3. تجنب العديد من الأخطاء التي تم اكتشافها بفضل الرؤية ثلاثية الأبعاد للمشاريع قبل عملية التنفيذ على أرض الواقع.

4. ميزات الواقع الافتراضي في مجال الترفيه والألعاب:

مكَّن استخدام تقنية الواقع الافتراضي في مجالات الترفيه مثل السينما المستخدمين من الحصول على المزيد من المتعة والانسجام في عملية المشاهدة؛ إذ تمنح تقنية الواقع الافتراضي رؤية أوسع وتمكِّن المستخدم من مشاهدة الأحداث بطريقة ثلاثية الأبعاد، وهذا يعزز تفاعله معها.

في مجال الألعاب اكتسبت تقنية الواقع الافتراضي شهرة كبيرة بسبب إشراك جميع حواس اللاعب في البيئة الافتراضية، وهذا قدم له المزيد من المتعة والتسلية.

تحدَّث "مارك زوكربيرغ" مالك شركة "فيسبوك" عن خطته في إدخال تقنية الواقع الافتراضي في مجال التواصل الاجتماعي، وهذا سيجعل عمليات التواصل أكثر قرباً وحميمية.

أشهر استخدامات الواقع الافتراضي:

إنَّ أشهر استخدامات الواقع الافتراضي هي في المجالات الآتية:

  1. مجال التعليم: إذ أتاح للطلاب إجراء التجارب الاختبارية والقيام بالرحلات التعليمية.
  2. مجال التدريب: إذ تم إجراء التدريبات التأهيلية بتكاليف مادية منخفضة وبطريقة عملية وبشكل أكثر أماناً في حال المهام الخطرة.
  3. مجال التسويق والتجارة الإلكترونية: إذ تمت إتاحة خيار تجربة المنتج من قِبل العملاء قبل الإقدام على شرائه، كما أنَّه حقق نقلة نوعية في مجال تجارة العقارات والسيارات؛ إذ يتسنى للزبون معاينة الأصل قبل شرائه.
  4. مجال الطب والعلاج النفسي: إذ أتيح للأطباء والممرضين التدرب على إجراء العمليات الجراحية الحرجة والاستعداد لحالات الطوارئ، كما مكَّن اختصاصيي الطب النفسي من مساعدة مرضاهم على تجاوز مخاوفهم، مثل الخوف من المرتفعات أو الحشرات أو الأوساط الاجتماعية.
  5. مجال التصميم الداخلي وهندسة العمارة: إذ يتمكن المعماريون والمصممون من تصميم نماذجهم بصورة دقيقة ثلاثية الأبعاد دون الحاجة إلى صنع نماذج مكلفة، فضلاً عن قابلية الاطلاع على التعديلات الواجب إجراؤها لاستكمال ملاءمة النموذج للمكان قبل البدء بالتنفيذ.
  6. مجال السياحة: تم تطويع الواقع الافتراضي في التسويق للمنشآت السياحية والفنادق، وتسهيل عملية التجوال للسياح عن طريق معرفة الاتجاهات والطرق الصحيحة.
  7. مجال الترفيه: عن طريق تصميم الألعاب التي تمنح مستخدميها تجارب استثنائية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العروض والاحتفالات والأفلام.
إقرأ أيضاً: 9 طرق للتواصل مع الآخرين في العالم الافتراضي

ما هو الفرق بين "الواقع الافتراضي" و"الواقع المعزَّز"؟

كثيراً ما يتم الخلط بين "الواقع الافتراضي" (Virtual reality) و"الواقع المعزَّز" (Augmented Reality)، وهذان المفهومان متشابهان بعض الشيء، ولكنَّ الفرق بينهما هو كالآتي:

ينشئ "الواقع المعزز" (Augmented Reality) كائنات افتراضية في البيئة الحقيقية، ويضيف مجسمات افتراضية في العالم الحقيقي، فيكون طابع البيئة العام حقيقياً وواقعياً والكائنات الافتراضية فيه محدودة، أما الواقع الافتراضي فينشئ بيئة افتراضية بشكل كامل، ويتيح للمستخدم خوضها، فيكون الطابع العام والكلي افتراضياً.

لعلَّ المثال الأشهر لـ "الواقع المعزز" (Augmented Reality) هو لعبة "البوكيمون" التي تنشئ الكائنات الافتراضية في العالم الواقعي، ويكون ذلك عن طريق خوارزميات لتحديد اتجاه الكاميرا ومكانها وأجهزة استشعار تتنبأ باتجاه استدارة الرأس وزاوية النظر، ويتم بعد ذلك عرض مشاهد ثلاثية الأبعاد من وجهة نظر الكاميرا، وهذا يسبب تتابعاً وتراكباً في الصور المعروضة على المستخدم التي تم إنشاؤها باستخدام الحاسوب، وتكون الكائنات الافتراضية في الواقع المعزز مرتبطة بحركة رأس المستخدم لتبدأ بالتفاعل.

أما في "الواقع الافتراضي" (Virtual reality) فيتم استخدام النظارات الخاصة به التي تكون مزودة بمعادلات متشابهة وحساسات خاصة تجعل عيون المستخدم موضوعة في بيئة محاكاة بدلاً من أن يتم تحديد موقع كاميرا حقيقية ضمن البيئة الواقعية والمادية التي تُصمَّم فيها الكائنات الافتراضية في حالة الواقع المعزز، وهذا يضيف إلى تقنية الواقع الافتراضي المزيد من المصداقية والإقناع بالنسبة إلى المستخدم ويساهم في تفاعله معها تفاعلاً كلياً.

إقرأ أيضاً: هل سيكون العمل في بيئة واقع افتراضي (Virtual Reality) مناسب لك؟

في الختام:

إنَّ الواقع الافتراضي هو نقلة نوعية في عالم التقنيات والحوسبة أضافت لمسات سحرية إلى جميع المجالات التي دخلت إليها، وقدمت التسهيلات للمستخدمين في تحويل خيالاتهم وافتراضاتهم إلى واقع رقمي يعيشونه ويتحسسونه بكل حواسهم، وهذا يجعل هذا الخيال أكثر إقناعاً للمستخدم، فيبني وجهات نظر دقيقة استناداً إليه، ويريحه من احتمالات الخطأ الواردة بسبب الفرق بين التخطيط والتنفيذ.

المصادر: 1،2،3،4




مقالات مرتبطة