مفهوم السرقة الشرعية وطرق استثمار الوقت: دروس عظيمة من خزائن الرياضة

يوجد الكثير من المقولات الشائعة والمتداولة بين الناس، ومن أهمها ما نسمعه يتكرر في الأفلام والمسلسلات ووسائل التواصل الاجتماعي، وخاصةً في الجوانب العاطفية والرومانسية، "في حال أحببتَ شيئاً ما بقوة، اتركه يذهب في حال سبيله فإن عاد فهو لك، وإن لم يعد فهو لم يكن لك من البداية"، لكن هل تصح هذه المقولة في عالم كرة القدم؟

نحن لا نشعر بقيمة ما نملك حتى نفقده - "كيكي سيتين وريال بيتيس"



بالنسبة إلى عالم الساحرة المستديرة، فإنَّ الأمور تختلف بشكل أو بآخر، فإن تركتَ من أحببته بقوة، فإنَّه في أغلب الحالات لن يعود إليك، فإن كنت تريد أن تكون لك حياة، يجب عليك أن تسرقها، لا أن تترك الأشياء التي تحبها أو تسعد بوجودها أو حتى تستفيد من وجودها تذهب وتختفي من حياتك.

هنا نستند إلى ما قاله "سيرجيو كاناليس" لاعب نادي "ريال بيتيس" الإسباني، عندما رحل مدرب الفريق "كيكي سيتين" بعد خلاف مع إدارة النادي: "لا يستطيع الإنسان أن يدرك قيمة من معه، حتى يفقده"، وفي حقيقة الأمر، عندما يكون هذا الإنسان يعمل معك فعلاً، وتتخلى عنه لسبب أو لآخر، فإنَّه لن يعود؛ لأنَّ تخلِّيك عنه سيترك جرحاً عميقاً في داخله، وسيمنعه كبرياؤه من العودة إليك، بخلاف ما كنت تتوقع.

كيف تعامَل كبار نجوم كرة القدم بعد رحيلهم عمن يحبون؟

كلنا رأينا دموع "رونالدو" البرازيلي عندما رحل عن نادي "برشلونة"، وكذلك دموع البرتغالي "لويس فيغو"، وكلنا شاهدنا غضب اللاعب السويدي "زلاتان ابراهيموفيتش" عندما علم أنَّ ناديه الإيطالي "أي سي ميلان"، يريد منه الرحيل إلى نادي "باريس سان جيرمان" الفرنسي، وكذلك اللاعب الهولندي "آريين روبن" في "ريال مدريد"، كلهم لاعبون عظماء كانوا يريدون بكل حب ووفاء وإخلاص البقاء في ناديهم، واللعب من أجل النادي والفريق ولون القميص، ولكنَّ نواديهم - لسبب أو لآخر - تخلَّت عنهم، ولم تعد ترغب في بقائهم.

كان رد فعل هؤلاء اللاعبين، هو ما يجب أن نتعلم منه الكثير من العبر؛ إذ إنَّهم لم يتوقفوا عند هذه المواقف؛ بل تابعوا مسيرتهم الكروية الناجحة، ولعبوا مع نواديهم الجديدة، وسجلوا الأهداف وحققوا الألقاب والبطولات، ولم ييأسوا، ولم يقولوا إنَّهم غير قادرين على اللعب إلا في مكان واحد؛ بل آمنوا بأنَّ الدنيا فرص وخيارات، ولا يوجد شيء يمكن أن يتوقف عند شخص واحد.

رحيل ميسي

الدروس العظيمة التي يمكن أن نتعلمها من كبار لاعبي كرة القدم:

  1. إن أجبرتك الظروف على أن تعيش في مكان ما، أو تعمل في مكان محدد لم تكن جاهزاً له، فلا تهرب أو تمتعض أو تقضي وقتك تلعن الظروف؛ بل حاول أن تتأقلم مع ظروفك الجديدة وتحقق أهدافك من خلالها.
  2. إنَّ أسوأ ما يمكن أن يعتقده الإنسان هو أنَّ الآخرين غير قادرين على الحياة من دونه، فالحياة لا تتوقف عند أحد.
  3. في حال أحببتَ شيئاً ما، فقاتل من أجل الوصول إليه، ولا تتركه أو تتخلى عنه؛ باختصار قاتل حتى النهاية.
  4. في حال شعرتَ أنَّ النادي الذي تنتمي إليه أو الشركة التي تعمل بها، لم تعد تريد وجودك بها، فمن الأفضل لك أن تنسحب وتخرج بكرامتك، وتنطلق مرة جديدة باحثاً عن مكان آخر، يقدر قيمتك ويحترم إمكاناتك، وتبدع وتتطور من خلاله.
  5. نحن لا يجب أن نحب الأماكن بحد ذاتها؛ بل يجب أن نحب ما نشعر به من مشاعر إيجابية داخلها، وما تقدمه لنا من أفكار أو وسائل تسهم في إخراج أفضل ما بداخلنا من طاقات وإبداع.
  6. في حال أرادَ أحدهم، أن يتخلى عنك، ظناً منه بأنَّك ستعود إليه، فقل له "شكراً لك، لستُ شجرة كي لا أغادر، ولستُ سمكة لا يمكنها العيش سوى في الماء"، وارحل عن أي مكان لا يقدر قيمتك.

أهمية استثمارالوقت: تجربة "ويلفريد إنديدي"

كلنا سمعنا الحديث النبوي الشريف عن الرسول الكريم "محمد صلى الله عليه وسلم": "نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"، ربما مر علينا مرور الكرام ولم نفهم تلك المعاني العظيمة التي ينطوي عليها هذا الحديث، وهي أنَّ أكثر ما يظلم به الإنسان نفسه وعائلته ومجتمعه، هو ألا يقوم باستثمار أوقات صحته وأوقات فراغه من أجل زيادة معارفه واستثمارها في صناعة مستقبله.

لا يوجد مثال عن هذا القول أفضل من "ويلفريد إنديدي" لاعب خط وسط نادي "ليستر سيتي" الإنجليزي، الذي التحق بجامعة "دي مونتفورت" من أجل إكمال دراسته، محاولاً الحصول على درجة البكالوريوس في السياحة والأعمال، فكان يقول إنَّه يرفض أن يعيش في بيته، ويقضي وقته في الألعاب الإلكترونية وما إلى ذلك من وسائل التسلية، ويريد فهم العالم وفهم عالم التجارة والأعمال.

على الرغم من أنَّ "إنديدي"، قد وصل إلى ما يمكن أن نسميه قمة النجاح مع ناديه، لكنَّه لم يتوقف عن السعي نحو نجاح آخر أو فهم آخر للحياة وتفاصيلها الدقيقة، وقد أدرك "إنديدي" أنَّ الإنسان يشيخ أو يموت حين يتوقف عن التعلم، وحين يستكين ويتوقف عن تطوير نفسه وخدمة مجتمعه.

ما هي كلمة السر في استثمار الوقت؟

إنَّ كلمة السر في استثمار الوقت هي الإحساس بالمسؤولية تجاه ما يمر من وقت، فيجب على كل واحد منا أن يراجع نفسه، ويراجع ما فعله في الشهر الماضي على سبيل المثال، وكم الساعات التي قضاها في التسلية والأمور التي لا طائل منها، وهذا لا يعني أنَّ كل وقت الإنسان يجب أن يكون في العمل أو الدراسة، لكن لو اكتفينا بنصف هذا الوقت للتسلية والنصف الآخر في الأمور المفيدة، لوجدنا أنَّنا حققنا الكثير من التقدم في معارفنا ومهاراتنا وحياتنا، وفي الوقت نفسه حققنا التسلية والمتعة التي نتمناها ووصلنا إلى الاسترخاء النفسي والعاطفي.

إنَّ استثمار الوقت يتطلب إحساساً به، بكل دقيقة منه، فكل شيء يمكن استعادته أو تعويضه إلا الدقيقة التي مرت الآن، لا يمكن إعادتها أو تعويضها، ثم ننتقل إلى مرحلة القياس أو المحاسبة أو المراجعة، ثم التنفيذ؛ لذا حتى عندما تكون في القمة، وفي مرحلة النجاح لا تنسَ أن تستثمر أوقات فراغك، فساعة الفراغ التي تستغلها في كل يوم لها تأثير كبير في حياتك وأفكارك وتطوير مهاراتك وقدراتك.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح فعالة لإدارة الوقت وتحقيق الإنجازات

هل توجد سرقة شرعية؟

لا شكَّ في أنَّ مصطلح السرقة هو مصطلح سلبي ومكروه ومنبوذ في جميع المجتمعات والثقافات والحضارات دون أي استثناء؛ بل إنَّ السرقة مشكلة اجتماعية بحد ذاتها، لكن هل توجد سرقة شرعية؟ هذا ما أطلقه وكيل أعمال لاعب خط الوسط الشهير "توني كروس" في الصحافة العالمية؛ إذ وصف شراء نادي "ريال مدريد" الإسباني لـ "توني كروس" من نادي "بايرن ميونخ" بـ "سرقة القرن"؛ لأنَّ ما دفعه النادي الإسباني لم يتجاوز 25 مليون دولار.

لم ينظر "ريال مدريد" إلى كلمة سرقة على أنَّها إهانة أو انتقاص من قيمة النادي؛ لأنَّ الإنسان عليه أن يسرق الفرص ويستثمرها بالمعنى الإيجابي للكلمة؛ إذ إنَّ "ريال مدريد" عرف قيمة اللاعب وقدَّر موهبته، وعمل على دعمها وتطويرها وتنميتها بما يساهم في تقوية أسلوب لعب الفريق، موفراً لذلك كل الظروف الموضوعية المناسبة، من قيمة عقد ومكانة وراحة نفسية وبيئة عمل كاملة متكاملة، وقد ردَّ "توني كروس" هذا الدين إلى ناديه "ريال مدريد" عندما ساهم مساهمةً هامة ولافتة في فوز فريقه بلقب دوري أبطال أوروبا لثلاث مرات متتالية.

إقرأ أيضاً: 3 أسباب تجعل الذكاء العاطفي سلاحاً سرياً للشخص الرياضي

كيف يمكن أن تكتسب السرقة صفة الشرعية؟

في عالم كرة القدم الذي ما فتئ يعلمنا دروساً جديدة في جميع ميادين الحياة، يمكن أن تكون السرقة شرعية، على سبيل المثال، عندما يلاحظ أحد الخبراء أو من يسمون أنفسهم بمكتشفي المواهب أنَّ هذا اللاعب الموجود في أحضان أكاديمية لا تقدر مواهبه بشكل جيد، ومن ثمَّ لا تفكر في ترفيعه إلى الفريق الأول، يقوم بالتعاقد معه وصقل خبراته ومواهبه وتأمين بيئة العمل المناسبة له، ومن ثمَّ يصنع منه نجماً يصنع الأهداف ويحقق الانتصارات والألقاب، ولو بقي في مكانه القديم، في أكاديميته التي لم تؤمن بقدراته، لاندثرت موهبته وماتت إلى الأبد.

إقرأ أيضاً: 7 دروس على روَّاد الأعمال تعلُّمها من الرياضيين النُّخبة

كيف يمكن تطبيق فكرة السرقة الشرعية في حياتنا العملية؟

يمكن الاستفادة من فكرة السرقة الشرعية في الحياة العملية من أجل تطوير مهاراتنا وتوظيفها في نهضة المجتمع؛ فعندما نرى فكرة تم البدء بها ولكنَّها فشلت، فلا ضير من الاستفادة منها ودراسة أسباب فشلها، وفرص نجاحها، والعمل على إكمالها بطريقة تحقق المنفعة للناس والمجتمع، طبعاً مع الحفاظ على حقوق من ساهموا في اختراع الفكرة وبداية العمل بها حتى لو أنَّهم فشلوا في إنجاحها، مع التحفظ على كلمة "فشلوا"؛ بل هم نجحوا إذا ما أخذنا الموضوع وفق نظرة إجمالية.

في الختام:

كل العلماء والمبتكرين والمخترعين على مر التاريخ، لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا من خلال "سرقة الأفكار" التي حاول مَن قبلهم إنجاحها، ووصلوا بها إلى مراحل معينة، وفي حقيقة الأمر فإنَّ تطور العلم ومن ثمَّ تطور الإنسان والمجتمع والحياة عموماً، ليس سوى مسيرة مستمرة من التجربة والاستفادة والاستزادة من تجارب الآخرين، وكل جيل يسلم الجيل القادم الراية من حيث انتهى.




مقالات مرتبطة