مظاهر الغيرة عند المراهقين وطرق معالجتها

مظاهر الغيرة عند المراهقين وطرق معالجتها

د. أحمد محمد الزعبي


* الغضب: ويكون على شكل سب، وشتائم، ومضايقات، وتخريب وعصيان، وصياح، وإعتداء جسدي، ويكون ذلك ناشئاً من الفشل الذي يواجه المراهق، وفي أحيان أخرى تظهر الغيرة المكبوتة على شكل إنزال العقاب والتعنيف من قبل المراهق الغيور بالشخص الآخر الذي يغار منه.



* الميل إلى الصمت: ويكون على شكل خجل، وانطواء، وسلبية، وفقدان الشهية للطعام، وغيرها من مشاعر النقص.
* وقد تأخذ الغيرة شكلاً تجسسياً ووشاية ومحاولة للإيقاع بالآخرين.
* المظاهر الجسمية: وتظهر على شكل صداع، وشعور بالتعب، وتمارض، لجذب انتباه الآخرين، ولاسيما الوالدين وحيازة اهتمامهما..
* المظاهر النفسية: تظهر لدى المراهق الغيور مشاعر الحزن واليأس، ويتكرر عنده البكاء، وذلك لجذب انتباه الآخرين، وكسب عطفهم.
* الميل إلى التحايل: فالمراهق الغيور يلجأ إلى أساليب التحايل، واصطناع الحب الزائف نحو الطرف الآخر، وتعمية الأنظار عن الغيرة الدفينة لديه من أجل الحصول على ما فقده من مكاسب.


- أضرار الغيرة:
قد يلجأ المراهق الغيور إلى أساليب توافقية غير سوية إذا لم يجد ما يعوضه عما افتقده، وهذا ما يعرضه للنقد، والتحقير، والعقاب البدني من قبل الوالدين، أو الآخرين الذين يتعاملون معه.
فضلاً عن ذلك قد تؤدي الغيرة إلى أضرار كبيرة تلحق بالصحة النفسية والصحة الجسمية عند المراهقين وبالآخرين من حوله، ويشعر بأن الآخرين يتآمرون عليه، مما يسيء إلى علاقته بالآخرين.
كما يشعر المراهق الغيور- وخاصة إذا كانت الغيرة شديدة- بعدم السعادة، وعدم الاستقرار، والحزن، والألم، والكره، والحقد، وحب الإعتداء على الآخرين. كما تتسبب الغيرة أيضاً في صراعات نفسية خفيفة عنده، وتمثل خطراً على علاقته بالآخرين.


- أسباب الغيرة:
يمكن أن نعدَّ الوالدين مسؤولين عن وجود الغيرة عند المراهقين وذلك من خلال أساليبهم الخاطئة في التعامل معهم سواء بقصد أو من دون قصد. وأسباب الغيرة عند المراهقين كثيرة، ويمكن إيجاز أهم هذه الأسباب بما يأتي:
1- التمييز في المعاملة بين الأبناء:
قد يشعر المراهق بالغيرة نتيجة شعوره بأن الوالدين يميزان أحد إخوته عليه، وذلك بسبب ذكائه، أو تحصيله الدراسي، أو جماله، أو بنيته الجسمية القوية، أو جنسه (ذكر أم أنثى)، أو مرضه، أو غير ذلك من الميزات، مما يثير عنده مشاعر الغيرة ويشعره بالنقص والإهانة، وخاصة إذا تم هذا التمييز أمام الآخرين.
فشعور المراهق بأن حقوقه مهدرة، وأنه مغبون، أو شعوره بانتزاع بعض الامتيازات التي كان يتمتع بها، يؤدي به إلى الحقد، والكراهية، ويتحين الفرصة للانتقام من الشخص الآخر المميَّز، ومن الوالدين في آن واحد، أو قد يلجأ إلى كبت مشاعر الغيرة، مما يسبب له مشكلات نفسية أكثر تعقيداً تظهر في حياته مستقبلاً. فتمييز الذكور على الإناث مثلاً، يولد في نفوس البنات الغيرة والنقمة، وقد تتحول إلى كره للرجال كلهم في المستقبل، وعدم الثقة بهم، مما ينغص عليهن حياتهن الأسرية.


2- سوء معاملة الوالدين للمراهق:
إن القسوة في معاملة الوالدين للمراهق، وشعوره بأنه مهمل ومنبوذ، أو عقابه بالضرب، أو إذلاله من خلال تحقيره وإبراز عيوبه، يؤدي إلى شعوره بالنقص، والعجز، وعدم القدرة على إثبات ذاته كإخوته الذين لا ينالون المعاملة نفسها.
فشعور المراهق بالاضطهاد نتيجة ما يوجه إليه من إهانات وتوبيخ أمام إخوته، يؤدي إلى شعوره بالحقد مقروناً بالغيرة من إخوته الذين لا يتعرضون لما يتعرض إليه من قبل الأهل.


3- عدم سماح الأهل للمراهق بإبداء المشاعر العدائية تجاه إخوته:
إن قسوة الأهل في التعامل مع المراهق، وعدم السماح له بإظهار بعض العواطف العدائية تجاه إخوانه، ويعزز عند الإحساس بأنه إنسان غير صالح ومنبوذ، فيزداد إحساسه الأساسي بالحرمان والإحباط عمقاً وحدة، وتزداد المشكلة معه تعقيداً، إذا اقترن ذلك بتوجيه عبارات التعنيف واللوم القاسية له.


4- مقارنة المراهق باستمرار بإخوته:
يلجأ الأهل في كثير من الأحيان إلى مقارنة المراهق بإخوته، إذ إننا نسمع الأهل يرددون عبارات مثل: ابني الأكبر كان كذا أو كذا...، أوابنتي الصغرى أفضل من أخيها الأكبر الذي عذبني..، ومثل هذه العبارات التي تتردد على مسامع المراهق، تلحق أشد أنواع الأذى بنموه، إذ تنفره من وضعه (كبيراً، أو صغيراً) ضمن إطار الأسرة، بسبب ما يجريه الأهل من مقارنة تنصب لصالح الأخ الآخر (نصار، 1193م).


5- الشعور بالنقص:
يؤدي الشعور بالنقص إلى غيرة شديدة عند المراهقين، خاصة عندما يتوافق هذا الشعور مع عدم القدرة على التغلب عليه. فقد يكون النقص على شكل إعاقة جسدية في أحد أعضاء الجسم، مما يشعر المراهق بحرمانه مما يتمتع به إخوته، كما يشعر المراهق بالنقص بسبب ما يعانيه من بدانة أو قصر أو طول مفرط، أو ضعف جسمي عام. وقد تزداد الغيرة حدة إذا قام الأهل بالموازنة بينه وبين إخوته أو بينه وبين الآخرين.


6- التقصير الدراسي:
يحاول المراهق المقصر دراسياً التعبير عن غيرته بإلصاق التهم بالآخرين الناجحين أو إذاعة الشائعات عنهم ليقلل من شأنهم أمام الآخرين.


7- الغيرة عند المراهق الوحيد:
يكون المراهق الوحيد محاطاً بكل ضروب العناية والرعاية، ويستحوذ على اهتمام الوالدين، فهو مركز اهتمام الأسرة، ويكون في الغالب أنانياً متعوداً على الأخذ دون العطاء. فالمراهق الوحيد عندما يخرج ليلعب مع زملائه، فإنه يصطدم معهم لأنهم لا يسمحون له بالإعتداء عليهم دون أن يُعتدى عليه، ويشعر بأن الناس يعادونه ويتآمرون عليه، وقد يستمر هذا الشعور حتى عندما يكبر ويتزوج ويكون أسرة، مما يخلق لديه مشكلات مع زوجته وأولاده، وحتى في مهنته مع زملائه في العمل.
كما أن الغيرة التي يشعر بها المراهق في المدرسة، تكون أشد وأقسى من الغيرة التي يشعر بها في الأسرة، ففي المدرسة تقل الامتيازات التي كان يستأثر بها في أثناء وجوده مع والديه في الأسرة، مما يوقعه في الإحباط ويولد لديه مشكلات نفسية واجتماعية كثيرة.


- الوقاية والعلاج من الغيرة:
إن وقاية المراهق من الغيرة واجب على الوالدين بالدرجة الأولى، وعلى المدرسين والمحيطين به بالدرجة الثانية. فشعور المراهق بالغيرة، يؤثر في شخصيته من جوانبها جميعها، ويسبب له سوء التوافق مع نفسه ومع الآخرين من حوله، وقد يستمر معه هذا الشعور حتى الكبر. ونظراً للتأثير البالغ الخطورة للغيرة، فلابد من اتخاذ إجراءات عديدة وقائية وعلاجية لحماية المراهق وتخليصه مما يعاني منه. وأهم هذه الإجراءات ما يأتي:

* - المساواة في المعاملة بين الأبناء:
إن تمييز الوالدين بين الأبناء في المعاملة، يلحق أضراراً بالغة الخطورة بهؤلاء الأبناء ويثير مشاعر الغيرة لدى الإبن الأقل تميزاً، كما يؤدي به إلى العدوان والغضب وغير ذلك من ردود الأفعال، كما ينعكس على صاحب الامتياز بالغرور.
* - مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء:
يجب على الوالدين والمربين التعامل مع الأبناء على اعتبار أن كلا منهم شخصية مستقلة لها امتيازاتها واستعداداتها الخاصة، إذ إن مقارنة الأبناء بعضهم ببعض تولد لدى الابن الأقل امتيازاً الشعور بالذل والشعور بالنقص، والأفضل هو مقارنة الابن بنفسه في مواقف مختلفة مع التشجيع، مما يثير لديه الدافعية إلى التحسن، وكسب الكثير من الامتيازات ويتم التعرف عليه بشكل أعمق. ومن الضروري أيضاً إبراز الأهل للقدرات الخاصة بالإبن، وتوجيهه في طريق بلورتها، لأن كل شخص يتمتع بشخصية فريدة ينبغي على الأهل المحافظة عليها.
* - تعزيز ثقة الأبناء بأنفسهم:
على الآباء والمربين العمل على تعزيز ثقة الأبناء بأنفسهم، من خلال تخليصهم من مشاعر الأنانية والتمركز حول الذات، وتعويدهم الأخذ والعطاء، والتعاون والمشاركة، مما يزيد من تقديرهم لأنفسهم، وتقديرهم للجماعة وتقدير الجماعة لهم، ويؤدي إلى تخفيف مشاعر النقص عندهم.
* - إبعاد الأبناء عن مواقف المنافسة الشديدة:
فالمنافسة الشديدة تؤدي إلى وقوع الأبناء في الفشل، وتولد لديهم مشاعر الغيرة. ولهذا لابد من إدخال الأمن النفسي، والدفء العاطفي إلى حياة الأبناء، وتعويدهم على تقبل التفوق والنجاح، وتحمل الهزيمة والفشل دون الشعور بالغيرة.
* - عدم المبالغة في امتداح الأب الآخرين أمام الابن أو إبراز عيوبه وأخطائه أمامهم:
فامتداح الآخرين أمام الابن، أو إبراز عيوبه أمامهم، من شأنه إثارة مشاعر الحقد والغيرة عنده على الأشخاص الممتدحين، ومن المفضل في هذه الحال إشعار الأبناء جميعاً في الأسرة أو في المدرسة بالمساواة والعدل في المعاملة دون محاباة أحدهم على حساب الآخر.
* - اعتدال الآباء في اهتمامهم بمشاعر الغيرة عند الأبناء:
يجب على الآباء ألا يعيروا الكثير من الاهتمام لمشاعر الغيرة التي تظهر عند أحد الأبناء وعدم القلق، لأن ذلك سيزيد من قوتها. والأفضل هو أن يظهر الآباء العطف والحنان على الابن الغيور وإشعاره بأنه لا يزال موضع حب ورعاية من قبل والديه، وعدم الاستخفاف به أو السخرية منه ومن تصرفاته.
* - مساعدة الأهل للإبن الغيور على عيش غيرته:
لابد للأهل من مساعدة الابن الغيور على أن يعيش غيرته عبر تمكينه من التنفيس عنها بشكل طبيعي، ويتم من خلال التوجيه المستمر له، بحيث تبقى مشاعر الغيرة عنده ضمن الحدود الطبيعية، حتى لا يضطر إلى كبتها في أعماق لا وعيه، لأن كبتها لا يعني عدم وجودها، بل تبقى ناشطة جداً وتزداد حدة. ولذلك فإن إفساح الأهل للابن المجال للتعبير عن غيرته، يسقط المشاعر غير المقبولة إلى الخارج فلا يتبقى عنده سوى تلك النزاعات الطبيعية التي يسهل ضبطها والسمو بها نحو الأشكال الإيجابية، كالتنافس السليم، وتأكيد الذات عبر أعمال ونجاحات تؤكد تفوقه الشخصي المتلائم مع الاستعدادات والطاقات الخاصة به.
* - إتاحة الفرصة للأبناء لإقامة علاقات اجتماعيثة بناءة مع الآخرين:
لابد للآباء والمربين من أن يفسحوا المجال للإبن الغيور لإقامة علاقات اجتماعية مع الآخرين، تكون قائمة على أساس الحب والتعاون والثقة، وإحترام الآخرين، مما يخرجه من دائرة التمركز حول الذات، ويزيد من تقديره للجماعة وتقدير الجماعة له.
* - العمل على تنويع أنشطة الأبناء:
يجب إخراج الابن الغيور من إطار العزلة التي يعيش فيها، وإتاحة الفرصة له للإشتراك في أنشطة متنوعة ضمن إطار قدراته وإمكاناته، مما يشعره بالسعادة والنجاح، ويولد لديه مزيداً من الثقة بالنفس.
* - العلاج النفسي ضروري في حالة الغيرة الشديدة:
يؤدي العلاج النفسي في حالة الغيرة الشديدة عن المراهقين إلى نتائج طيبة، ويتم ذلك من خلال العلاج الفردي والجماعي، حيث يتم إبراز نواحي القوة عند المراهق، وتنمية ثقته بنفسه، وتسهيل عملية التنفيس الانفعالي لديه. كما أن العلاج السلوكي يكون مفيداً في حالة الغيرة عند المراهقين، حيث يتم ربط مثيرات الانفعال بأمور محببة، وتقليل العوامل التي من شأنها تعزيز الغيرة تدريجياً حتى يتم انطفاؤها ومحوها.
كما يفيد العلاج باللعب أيضاً في تخليص المراهق من مشاعر الغيرة، وذلك من خلال تهيئته للعب مع الآخرين في المدرسة، مما يتيح له تفريغ الشحنات الانفعالية، واستثمار ما لديه من طاقة توجيهها بالشكل الصحيح. كما أن الحوار البناء مع المراهق من شأنه إعادة ثقته بنفسه، ويتم ذلك من خلال الدعم والتشجيع والتوجيه والإرشاد النفسي.

 


المصدر: كتاب المشكلات النفسية والسلوكية والدراسية عند المراهقين والشباب
بلاغ كوم