مراهقة الأبناء... بين المُعضلة والدّواء

يمرُّ الإنسان عند بلوغه سنّاً مُعيّنة بإحدى أصعب مراحل حياته وهي مرحلة المُراهقة، فهي التي تُحدّد شخصيّته وتبلورُها، والكثير من الأهالي يُسيؤون التصرُّف خلال هذه المرحلة، لما يجدونه من صعوبة في التّعامل مع أبنائهم وبناتهم، ولكثرة ما يحدث للأبناء من تبدُّلات فيزيولوجيّة ونفسيّة خلال مرحلة المُراهقة. فكيف لنا أن نتعامل مع هذه الفترة الحرجة من عمر أبنائنا وكيف نعمل على تجاوزها بأفضل النّتائج؟



المراهقة.. مراحلُها وعلاماتُها:

إنّ المراهقة في اللغة هي الاقتراب من الشّيء إلى حدّ كبير، وفي العلم يقولون أنّ المراهقة هي مرحلة البُلوغ التي تغيّر من حالة الفرد وتقلبها رأساً على عقب، لما تشهدُه هذه الفترة من تقلّبات جسديّة تمرّ على المُراهق، والتحدّي الأكبر للأبوين كي يقوا أبنائهم من الإنحراف خلال هذه المرحلة. تبداُ هذه المرحلة بشكل طبيعيّ بين سنَّي الـ (14) والـ (18)، وقد تتأخّر لتكون بين سنَّي الـ (18) والـ (21)، ولها علامات أغلبُها تترافق مع سنّ البلوغ كالحيض عند الفتيات والإحتلام عند الشُبّان، بالإضافة لعلامات البلوغ الأُخرى كظهور شعر العانة وخشونة الصّوت.

مُعضلة المراهقة:

إنّ أساس المُعضلة هو مجموعة المشاكل التي تترافق مع مرحلة المراهقة، والتي يرى الأهل في بعض الأحيان أّنّ سببها المُراهق نفسه ولاشيء غيره.
المشاكل المُرافقة لمرحلة المُراهقة:

1. حدّة الطّباع والعصبيّة

يُرافق سن المراهقة تغيرات هرمونيّة في الجسم تسبب النّضوج الجسدي والذّهني للإنسان، مما قد يجعلهُ حاد الطّباع أو كثير العصبية والغضب، لأنّهُ لا يعرف بالضّبط ماذا يُريد، وما يحصل له من تغيُّرات، وكلّ همّه يكمن في تحقيق رغباته وإثبات ذاته بشتّى الوسائل غير مُكترث بالآخرين.

2. التمرّد على الأهل

عندما نسأل مُراهقاً عن علاقته بوالديه سيقول في الحال: أهلي لا يفهمونني. إنّ المُراهق يحبُّ أن يشعر بكينونته واستقلاليّته في كافة أمور الحياة، مما قد يتسبّب في إنسلاخه عن رداء الأهل وتمرّده عليهم، ليتحرر من رغباتهم وآرائهم رافضاً الرّضوخ لأوامر أحد بعد الآن، كاسراً قوانين والديه الصّارمة أغلب الأحيان ومتمرّداً على واقعه.

3. الخجل والإنطواء

قد تتسبّب المُعاملة الخاطئة التي يقوم بها الأهل مع الأبناء إلى خجلهم وابتعادهم عن الآخرين، ومن هذه الأخطاء، الدلال الزائد عن الحد الذي يجعل المراهق يفضّل الاعتماد على والديه في كل شيء، مما يجعل منه مُنطوياً وخجولاً إلى حد كبير، فيصبح المراهق في حالةِ هروب من الآخرين وانسحاب من المجتمع المحيط.

إقرأ أيضاً: الخجل: أعراضه، أسبابه، أهم الطرق للسيطرة عليه

4. صراع المُراهق مع نفسه

من أهم الصراعات التي تدور بين المُراهق ونفسه هي محاولة الإستقلال التام عن الأهل على الرغم من حاجته لهم بنفس الوقت، بالإضافة لرغباته الجنسيّة المتزايدة والقيم الأخلاقيّة التي تربّى عليها، والفروقات الكبيرة بين جيله والجيل الذي سبقهُ (جيل الوالدين).

5. مشاكل جنسيّة

إنّ التغيرات الفيزيولوجيّة التي تحدث عند البلوغ تزيد من الرغبة الجنسيّة لدى المُراهق إلى حد كبير، فقد يلجأ الأبناء لطرُق ملتوية كمشاهدة الأفلام الإباحيّة و مُمارسة العادة السريّة، الأمرُ الذي يراهُ الأبوين يتعارض مع القيم الأخلاقيّة والدينيّة، لكن المراهق في الحقيقة همّهُ الأّول وشُغلهُ الشّاغل في هذه المرحلة هي رغباتهُ ومشاعره.

الحلول المقترحة لمشاكل المُراهقة:

للوصول بالمراهق إلى بر الأمان، على الأهل القيام ببعض الخطوات، والتي بدورها تجعلهم يكسبون الرّهان ويبقون المُراهق إلى صفّهم بدل الإنجراف والضّياع، ومن هذه الحلول ما يلي:

1. المسؤوليّة

جعل المراهق يشعر بالمسؤوليّة، مهما كان صغيراً في نظر والديه، لكنّهُ من وجهة نظره أصبح رجُلاً أو من وجهة نظرها أصبحت فتاةً ناضجة، فعلى الأهل إعطاء المُراهق هامشاً من المسؤولية مع مُراقبة تصرُّفاته وتوعيته بشكل دائم، حتى يتعلّم الاعتماد على نفسه وينضج بشكل كاف.

2. الاحترام

لكي ينضج الولد ويكبر ويقدّر مجهود الوالدين ويحترمهُما، عليهما بالمُقابل احترامهُ ليتعلّم احترامَ الغير، وعدم السّماح للآخرين بالتّقليل من شأنه، فمن الواجب احترامه وعدم احراجه أو توبيخه أمام الآخرين.

شاهد بالفديو: 15 قاعدة بسيطة لكسب احترام الآخرين

3. وضع الحدود

يجب وضع حدود للمُراهق شريطة أن تكون معقولةً وواضحة، لأن الحدود القاسية أو الظّالمة تخلق الصّراعات بين الأبناء والأهل وخصوصاً في هذا السن الحرج.

4. تقبُّل التغيير

إنّ مرحلة تكوين الشخصية هي المرحلة التي تلي المُراهقة، أما في المُراهقة سوف يجرّب الأبناءُ أموراً كثيرة منها الخاطئة ومنها الصائبة، سوف يتغيّرُونَ كثيراً، سيتعلّمُونَ أكثر ويرغبون في تعلُّم المزيد، وقد يكرهُون أموراً أُخرى، فما على الوالدين إلّا تقبّل هذه التغيّرات بصدرٍ رحب.

5. تأثير الأصدقاء والمُحيط

على الأهل متابعة الأبناء في هذا السن تحديداً، فهم يتأثّرون ليس فقط بكلام الوالدين وتوجيهاتهم، ولكنهم أيضاً يتأثّرون بأصدقائهم، بمعلّميهم، ويتأثرون كذلك بالشّارع والتّلفاز، وعلى الأهل إدراك ذلك تماماً والاطلاع على كافة الأمور التي قد تؤثّر في أبنائهم وتوجيههم دائماً نحوَ الصّواب منها.

6. اعطاءَهُم الثّقة

ليست الثّقة العمياء هي المطلوبة من الأبوين، لكنّ القليل من الثّقة يخلق رادعاّ داخليّاً لدى المُراهق يمنعهُ من الخطأ ويجعله يراقب تصرُّفاته ذاتيّاً ليحكم على أفعاله من تلقاء نفسه، فيسعى كي يكون عند حُسن ظنّ والديه به، ويعمل جاهداً لكي لا يخسر هذه الثّقة التي منحاهُ إيّاها.

7. التّواصل الدّائم معهُم

على الوالدين أن يكونا جزءاً أساسيّاً من حياة أبنائهم المراهقين في جميع تفاصيل حياتهم. ليكن هنالك فُسحةٌ من الحوار والنّشاطات المشتركة بين الأهل والأبناء، أجواءٌ كهذه تفتح المجال أمام الأبوين كي يُقنِعوا أبنائهم بأضرار التّدخين، ويُكلّمونهم عن البلوغ وآثارهُ، والكثير من المواضيع الهامة الأخرى، فمن خلال التواصل المُستمر تتمُّ استمالة المراهقين إلى صفّ الأبوين وكبح جماحهم.

8. مُراعاة خصوصيّاتهم

على الأبوين مُراعاة خصوصيّة الأبناء، فالمُراهق يحبُّ أن يكون له أشياءهُ الخاصّة بعيداً عن الآخرين، فمن الأفضل احترام خصوصيّاتهم وعدم اقتحامها لكي تتبلور شخصيّةُ الأبناء على احترام خصوصيّةِ الآخرين.

9. اعطاءهم الفرصة للتعبير عن آرائهم

إنّ أحد أسباب انطوائيّة الأبناء هي وئد الأهل لأفكارهِم واقتراحاتهم، من الأفضل أن يُعطى المراهق الفُرصة ليتحدّث بطلاقة ويطرح آرائه ويعبر عنها بجرأة، فالحوار من شأنه تعزيز الثّقة بالنّفس وبناء الشخصيّة السّليمة للفرد.

إنّ المُراهقة هي مرحلة لا مفر منها في حياة الإنسان، ويقعُ العبء الأكبر على الوالدين، كي يصلوا بأبنائهم إلى برّ الأمان، ويجعلونهم ينضجون فكريّاً وجسديّاً في ظروف مُلائمة، وذلك من خلال الاقتراب منهم أكثر في هذه المرحلة والاستماع إليهم والحديث معهم، ومُشاركتهم الأعمال والأفكار لبناء شخصيّتهم وكبح رغباتهم.




مقالات مرتبطة