ماذا يعني تعويم العملة؟

إذا كنت مقيماً في أحد البلاد العربية ورغبت بشراء منتج رأيته على الإنترنت من بلد خارجي (تركيا مثلاً)، فإنَّك ستبحث عن قيمة عملة بلادك بالنسبة إلى الليرة التركية لتستطيع حساب ثمن المنتج وتكاليف شحنه، ومعظم الذين يستوردون بضاعة من خارج بلدانهم يحتاجون إلى تحويل أموالهم من عملة البلاد المحلية إلى عملة البلد الذي يشترون منه، أو عملات عالمية كالدولار الأمريكي واليورو والجنيه الإسترليني.



في معظم الأحيان يكون للعملة المحلية قيمة ثابتة مقابل العملات الأجنبية الأخرى، إلا في حالات عدم الاستقرار الاقتصادي في بعض البلدان، فيتم اللجوء إلى مفهوم تحرير سعر الصرف، وتركه مرتبطاً بقوى السوق وآليات العرض والطلب، وهذا ما يُسمَّى بتعويم العملة، فإذا كنت تسمع مصطلح تعويم العملة للمرة الأولى، فتفضَّل بقراءة مقالنا الذي سنوضح لك فيه ماذا يعني تعويم العملة وفوائده ومخاطره وكثيراً من المعلومات عنه.

ماذا يعني تعويم العملة؟

يمكن تعريف مفهوم تعويم العملة على أنَّه تحرير سعر صرف هذه العملة بشكل كامل، بحيث لا يكون للمصرف المركزي أو الحكومة أي شأن في تحديده بشكل مباشر، وبخلاف ذلك يتم تفريغها في سوق العملات بشكل تلقائي عبر آلية العرض والطلب التي تمكِّن من تحديد سعر الصرف للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهذا ما يجعل سعر صرف العملة العائمة متقلباً باستمرار ومرافقاً لأيَّة عملية تغيير في العرض والطلب على العملات الأجنبية، ويمكن أن يتم التغيير مرات عدة في اليوم الواحد.

تتأثر عمليات العرض والطلب للعملة المحلية في بلد ما بالعديد من العوامل، أهمها التجارة العالمية والاستثمارات الدولية والأجنبية وأسعار الفائدة، فإذا ما اجتمعت هذه المؤثرات جميعاً أو توفر أحدها، فإنَّ تغييراً كبيراً سوف يطال قيمة العملة في سوق الفوركس الدولي، وعلى سبيل المثال إذا ما امتلك بلد معين استثمارات تجارية أجنبية كثيرة، فإنَّ الطلب على عملته المحلية سوف يزداد، وهذا ما سيكون سبباً برفع سعر صرفها وزيادة قيمتها.

يمكن السماح لآلية العرض والطلب بالتحكم وحدها في تحديد سعر العملة العائم، ويمكن وضع حدود لعملية التعويم ورسم حدود دنيا وعليا لسعر الصرف، وفي هذه الحالات؛ أي التي يكون فيها سعر الصرف العائم محدداً، تستطيع الحكومة التدخل من أجل إعادة أسعار الصرف إلى مجالها المحدود، ويتم هذا التدخل في مرحلة ارتفاع سعر الصرف فوق الحد أو هبوطه دون الحد، وهنا تقوم الحكومات عن طريق بنوكها المركزية بالتأثير في حجم العرض والطلب على العملات الأجنبية.

إذا ما تساءلنا عن الطريقة الأفضل لتحديد صرف العملات، نجد مزايا وعيوباً لكل من تعويم العملة وتثبيت سعر الصرف، وإنَّ اختيار إحدى هاتين السياستين الاقتصاديتين يتوقف على الحالة الاقتصادية والمالية الفردية لكل بلد.

إقرأ أيضاً: تاريخ النقود من المقايضة إلى النقود الرقمية

ما هي أشكال تعويم العملة؟

لدينا شكلان لتعويم العملة؛ هما التعويم الخالص والتعويم الموجَّه، وفيما يأتي توضيح لكل منها:

1. تعويم العملة الخالص:

هو أحد أشكال تعويم العملة، وفيه يُترك تحديد سعر الصرف بشكل كامل لآليات العرض والطلب وقوى السوق، ولا تقوم الحكومة عبر مصرفها المركزي بأي نوع من أنواع التدخل المباشر أو غير المباشر.

2. تعويم العملة الموجه:

هو ثاني أشكال تعويم العملة، وفيه تتولى قوى السوق وآليات العرض والطلب أيضاً تحديد سعر الصرف مع فارق تدخُّل الدولة عبر المصرف المركزي في توجيه سعر الصرف وفق ما تقتضي الحاجة والضرورة، ويكون التوجيه الحكومي لسعر الصرف عبر التأثير في حجم العرض أو حجم الطلب على العملات الأجنبية.

إيجابيات تعويم العملة:

إنَّ عدم تحديد سعر ثابت لصرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية له ميزات عديدة ومفيدة لاقتصاد البلد، كما أنَّها تشجع على الاستثمار فيه، فما هي إيجابيات تعويم العملة؟

شاهد بالفيديو: أنواع النقود وتاريخها

1. تحقيق استقرار في ميزان المدفوعات:

يرتبط سعر صرف العملة المحلية بميزان المدفوعات ارتباطاً وثيقاً، وبيان المدفوعات هو دلالة عن التعاملات بين بلد معين وباقي بلدان العالم خلال فترة معينة، وإنَّه عمليات التصدير والاستيراد الخاصة بكل بلد، وفي الحالات التي يعاني فيها ميزان المدفوعات عجزاً؛ أي إنَّ الواردات أكثر من الصادرات، يحدث انخفاض في قيمة العملة المحلية، وهذا يقلل من تكلفة الصادرات، وهذا بدوره يزيد الطلب عليها ويجذب الاستثمارات الأجنبية إليها، وهذا يسد العجز ويعيد التوازن إلى ميزان المدفوعات.

2. تحديد أسعار الصرف من قِبل السوق:

من إيجابيات تعويم العملة أنَّه يتيح تداول العملة العائمة في سوق العملات دون تدخُّل من قِبل الحكومات والبنوك المركزية في العمليات (بخلاف ما يحدث عند تثبيت سعر الصرف)، وهذا يجعل قوى السوق هي المتحكم الرئيس بسعر الصرف.

3. رفع كفاءة السوق:

من إيجابيات تعويم العملة أنَّه يجعل عمليات الاستثمار بين البلدان مرنة وجذابة بالنسبة إلى المستثمرين المحليين والخارجيين، وهذا ما ينعكس انعكاساً إيجابياً على الإنتاج المحلي والاقتصاد الكلي للبلاد.

4. عدم الحاجة إلى كم احتياطي كبير من القطع الأجنبي:

من إيجابيات تعويم العملة واستخدام سعر الصرف العائم أنَّه يقلل حاجة البنوك إلى الاحتفاظ بكميات كبيرة من القطع الأجنبي بوصفها مخزوناً احتياطياً لموازنة سعر الصرف، ومن ثم يمكن استثمار الاحتياطات من العملات الأجنبية في عمليات تنمية الاقتصاد، وذلك عبر شراء السلع الرأسمالية.

5. تأمين حماية من تضخم الواردات:

في البلدان التي تقوم بتحديد سعر صرف لعملتها غالباً ما تتم مواجهة مشكلة تضخم الواردات بفائض ميزان المدفوعات أو ارتفاع تكاليفها، ومن إيجابيات تعويم العملة أو تعويم سعر الصرف أنَّه يحمي البلاد من حدوث مواجهات كهذه.

مخاطر تعويم العملة:

بعد أن تحدَّثنا عن إيجابيات تعويم العملة لا بدَّ من تسليط الضوء على الجهة المقابلة وتحديداً على مخاطر تعويم العملة أو سلبيات تعويم العملة، فما هي هذه المخاطر؟

شاهد بالفيديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

1. خطر التقلب:

يعد خطر التقلب من أبرز مخاطر تعويم العملة، فالعملات العائمة عرضة للتقلبات غير القابلة للتنبؤ بها، فمن الممكن حدوث تدهور كبير في قيمة العملة مقابل عملة أخرى خلال يوم واحد من التداول، إضافة إلى ذلك تعجز مبادئ الاقتصاد الكلي الأساسية عن تفسير التقلبات قصيرة الأمد في سعر صرف العملات العائمة.

2. الانتعاش الاقتصادي المحدود:

من سلبيات تعويم العملة وعدم وجود حدود أو رقابة على سعر الصرف أنَّه يكون حائلاً أمام انتعاش الاقتصاد ونموه في بعض الأحيان، وينجم عن هذا مشكلات خطيرة في مجالات الاستيراد والتصدير مثلاً ضمن بعض البلدان، فعلى سبيل المثال إذا ما انخفض سعر الصرف لعملة منطقة اليورو مقابل الدولار الأمريكي، فإنَّه سيصبح من الصعب على بلدان هذه المنطقة استيراد بضائع من الولايات المتحدة الأمريكية.

3. عدم القدرة على المساعدة على حل المشكلات الاقتصادية الحالية للبلدان:

من الصور التي تظهر فيها مخاطر تعويم العملة نذكر الحالات التي تكون فيها البلاد تعاني من قضايا اقتصادية معقدة مثل التضخم أو ارتفاع معدلات البطالة وقلة الإنتاج المحلي الإجمالي وغيرها، وفي مثل هذه الحالات لا يكون تقويم العملة مساعداً على تعافي الاقتصاد إذا ما استمرت قيمة العملة بالتراجع والانخفاض؛ لأنَّ ذلك سيزيد من التضخم والطلب على السلع أيضاً، وما يزيد الطين بلة هو ألا يكون من الممكن الاعتماد على العملة العائمة في نوع من الواردات لأيَّة سلعة من السلع الهامة.

4. عدم تحقيق الاستقرار النقدي:

من سلبيات تعويم العملية التي لم تكن متوقعة هو أنَّه لم ينجح في منح البلدان التي اعتمدته الاستقرار النقدي المطلوب، ولم يستطع ضمان إعادة التوازن للعلاقات التجارية الدولية؛ والسبب في ذلك هو عدم وجود منطق عقلاني حاكم لتغيرات أسعار الصرف وتقلباته المستمرة بمعدلات كبيرة؛ ذلك لأنَّه تم إغفال الجانب النفسي للمضاربين الذي يتحكم بكثير من حركاتهم وأفعالهم.

إقرأ أيضاً: ماهو الاقتصاد النقدي؟

مثال عن تدخُّل الحكومة في سعر الصرف:

إنَّ ما تفعله الحكومة الصينية يستحق أن يُذكَر في سياق الحديث عن تعويم العملة، فنحن نعلم جميعاً انخفاض سعر اليوان الصيني مقابل الدولار الأمريكي بشكل كبير، فكيف تستفيد الحكومة الصينية من ذلك يا ترى؟

إنَّ الحكومة الصينية والسياسة النقدية الصينية متمثلة ببنك الشعب الصيني تحرص على إبقاء سعر صرف عملتها المحلية اليوان عائماً وأقل من قيمته الحقيقية، وهي تسعى بشكل مستمر ومنتظم من أجل خفض قيمة اليوان مقابل العملات الأجنبية، لتكون بذلك صادراتها رخيصة جداً بالنسبة إلى البلدان الأخرى، وهذا ما يختلق طلباً هائلاً وبمعدلات جذابة جداً على إنتاجاتها المحلية.

على سبيل المثال إنَّ سعر الصرف العائم لليوان مقابل كثير من العملات الأجنبية منخفض جداً، فالدولار الأمريكي يتفوق عليه بمراحل عديدة، وبنك الصين الشعبي يحافظ على نطاقات حتى 2% في تداول الدولار الأمريكي، وهو يستطيع تحقيق ذلك عن طريق طباعة مزيد من أوراق اليوان وطرحها في السوق، ومن ثم تخزين احتياطات من العملات الأجنبية الأخرى وشراء سندات الخزانة الأمريكية، كما أنَّ زيادة الكمية المعروضة من اليوان تترافق بتقييد المعروض من العملات الأجنبية الأخرى التي تكدسها في المخزون الاحتياطي.

في الختام:

يعني تعويم العملة ترك قوى السوق وآلية العرض والطلب تحدد قيمة العملة وسعر الصرف الخاص بها مقابل العملات الأجنبية الأخرى، وهو أمر يرفع من كفاءة السوق ويزيد من مرونتها ويقلل من حاجة البلدان إلى مخزون القطع الأجنبي، ولكنَّه في الوقت ذاته غير محمي من خطر التقلب والتدهور المفاجئ، وغير فعال كما كان معولاً عليه في إنعاش اقتصاد البلدان وتحقيق استقرارها النقدي.




مقالات مرتبطة