ماذا يعلِّمنا "تسطيح المنحنى لفيروس كورونا" عن تحسينِ علم النفس؟

يعتمد شكل تسطيح المنحنى على نموذج المتعافين من الإصابة (SIR)، والذي هو عبارةٌ عن مجموعةٍ من المعادلات الرِّياضيَّة التي تهدف إلى تحديد كيفية تفاعل الأشخاص في بيئةٍ تتغيَّر فيها الحالة الصحيَّة للسُّكَّان على ثلاث مراحل؛ من أشخاص أصحاء ولكنَّهم عُرضة إلى المرض (غير مصابين)، إلى أشخاصٍ مصابين، إلى متعافين (أصحَّاءُ مرَّةً أخرى ومُحصَّنون ضد المرض).



هذه أشياء نظريَّة، إذ أنَّ المعادلات ليست اللُّغة التي يستخدمها علماءُ النَّفس عادةً عند التحدُّث عن أبحاثهم، حيث يميل علماءُ النَّفس إلى استخدام الإحصاءات، مثل: "ما هو متوسط التغيير في أعراض الاكتئاب بالنِّسبةِ إلى من ذهبوا لتلقِّي العلاج مقارنةً بمن لم يفعلوا؟ وهل هذا التغيير كبيرٌ بما فيه الكفاية لنعدَّه موثوقاً؟ وهل سيُقلِّل العلاج من الاكتئاب -عموماً- عندما يُعطَى إلى العديدِ من الناس؟"، والتي تُلخِّص الاستنتاجات التي قد توصَّلوا إليها.

كما لا يُفكِّر علماء النفس في النَّماذج عادةً (أي بتعميمِ مجموعةٍ من الملاحظاتِ على مجموعاتٍ تنبؤيةٍ مُجرَّدة).

فيما يلي بعض المزايا للنهجِ الذي يستند على النَّماذِج الإحصائية، والذي لاحظناه في قراءة عِلم الأوبئة الجديد:

1. تقديم المعلومات بفاعلية:

تسطيح المنحنى في فيروس كورونا

في صورة "تسطيح المنحنى"، توجد تنبؤاتٌ واضحةٌ حول تأثيرات إجراءين مختلفين، وهما: الالتزام بالتَّباعد الاجتماعي بالمقارنةِ مع عدم الالتزام به، بالإضافةِ إلى المقالات التفاعلية التي تحتوي على شرائط تمريرٍ وأدواتٍ أخرى تسمح برؤية الافتراضات المُتغيِّرة (أي مدى خطورة الفيروس)، وكيفية تأثيرها المباشر في النتائج. يقدِّم النهج الذي يستند إلى النَّموذج تنبُّؤاتٍ حول ما يحدث في ظلِّ العديد من الظروفِ المختلفة.

لا يُقدِّم علماءُ النَّفس النتائج المتوقَّعة للإجراءات المختلفة عادةً، بل يوضِّحون الفارق بين إجراءين مُختلفين (أو ظرفين تجريبيين) مُقدَّمين، باعتبارهما مُجرَّبين أم لا؛ فإذا لم تتم التَّجربة، فليس هناك توقُّع، أو قد يكون توقُّعاً غير مؤكَّد.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح للتباعد الاجتماعي: قواعد التسوق الآمن في ظلّ فيروس كورونا

2. تقديم رقم محدَّد كناتج:

تتضمَّن الكثير من المقالات تنبُّؤاتٍ بعددٍ معيَّنٍ للأشخاص الذين سيصابون بفيروس كورونا، والذين لن يصابوا به؛ وقد يكون هناك الكثير من الغموض حول صحَّة الأرقام المُحدَّدة، حتَّى أنَّ إحدى المقالات تُشير إلى أنَّ عدد الوفيات سيتراوح بين 330 إلى 1.5 مليون شخص؛ ولكنَّ المغزى هو أنَّ الرقم المُحدَّد المُتنبَّأ به، يشكِّل جزءاً هامَّاً من النموذج.

إلحاقاً بالنُّقطةِ أعلاه، لا يطرح العُلماء عادةً تنبُّؤاتٍ بأرقامٍ مُحدَّدةٍ في علمِ النفس، وتميل تنبؤاتهم إلى التَّركيز أكثر على الزيادة أو النُّقصان، مثل: التنبُّؤ بأنَّ العلاجَ من الاكتئاب سيُقلِّل أعراضَه كثيراً مقارنةً بعدمِ القيام بذلك؛ ولكن لا يقول العُلماءُ عادةً أنَّ العلاج سيُقلِّل درجة الاكتئاب إلى النِّصف تقريباً باستخدامِ العلاج السُّلوكي المعرفي، وقد يكون من المفيد معرفة ذلك في كثيرٍ من الحالات.

3. تركيز أذهاننا على المؤشِّرات الرئيسة:

تسطيح المنحنى في فيروس كورونا

إذا قرأتَ العديد من المقالات عن كوفيد-19 ( COVID-19)، فمن المُرجَّح أن تُدرك أهميَّة معرفة مدى انتشار الوباء، حيث يسمح لك تقدير المُعدَّلات بالتَّعامُل بشكلٍ أفضل مع توقُّعاتك للمستقبل؛ ومن ثمَّ تُدرِك أنَّ المعلومات الجديدة الأكثر دِقَّة حول مُعدَّل انتشار المرض ذات أهميةٍ استثنائية.

هناك تصوُّرٌ في علمِ النَّفس بأنَّ أيَّ تجربةٍ أو قياسٍ مثيرٍ للاهتمام يكون ذا أهميَّة، لكن غالباً لا يكون هناك شعورٌ ملحٌّ بالحاجةِ إلى إجراءِ تجارب حاسمةٍ أو جمع قياساتٍ دقيقة، فإذا كان الباحث يطوِّر علاجاً للاكتئاب، فهو بالتأكيد يودُّ اختبار ما إذا كان تلقِّي العلاج أفضل من عدم تلقِّيه، لكن ليس هناك شعورٌ بأهميةِ الحصول على مقاييس دقيقة لجودةِ النوم أو الاستجابة للأحداثِ السَّلبية، وفي حين يكون من المُفيدِ توافر هذه المقاييس؛ لكنَّها لا تطوِّر نماذج تستند إلى تقديراتٍ مُحددَّةٍ لمؤشِّرات العمليات الهامَّة.

إقرأ أيضاً: 9 نصائح من الأطباء النفسيون لإعادة صياغة قلقك الوجودي

4. التَّركيز على أنماط التغيير بمرور الوقت:

يُفهَم انتشار المرض على أنَّه عمليةٌ تفاعلية، أي يتفاعل شخص مع شخصٍ آخر، وربَّما يحدُث تلامُسٌ فيما بينهما؛ ممَّا يؤدِّي إلى انتشار المرض، وبالتالي تغيُّر عددِ المصابين.

تتكرَّر هذه العملية كثيراً بمرورِ الوقت، والطريقةُ التي يحدُث بها الأمر في الوقت المُحدَّد، من حيث عدد مرَّات تفاعل الناس مع بعضهمِ بعضاً، والوقت الذي يستغرقه المصابون للتَّعافي؛ هي مفتاحُ فهمِ انتشارِ المرض.

إنَّ نماذج انتشار المرض نماذج ديناميكيةٌ في الأساس، فهي تُسجِّل معدَّلات التغيير في الأساليبِ بمرورِ الوقت.

يتعيَّن على عُلماءِ النَّفس اتِّخاذ التغيير بمرورِ الوقتِ على محمل الجد. على سبيل المثال: يجب مراعاة حالات التقلُّب المزاجية بمرورِ الوقت عند علاج الاكتئاب، والمُعدَّلات التي تبدأ عندها العلاجات بإظهار مفعولها.

خلُصَ بحثٌ حديث إلى أنَّه يجب النَّظر في جوانبِ الشَّخصية من حيث الحالة المحُدَّدة التي يُنظَرُ إليها. إذاً، يمكن لعلماءِ النَّفسِ التفكير في المستوى النمطي لانبساط الشخص، وكذلك في مدى السُرعة التي يعود بها إلى النقطة الأساسية للشَّخصية (التَّوازن) بعد أن تدفعه الحياة اليوميَّة إلى حالةٍ أخرى.

يُعتقَد عموماً أنَّ النظم الديناميكية ستكون واحدةً من أهمِّ المنظورات الناشئة في علم نفس الشخصية أو علم النَّفس الاجتماعي في العقد المُقبِل، فقد أحدثت بالفِعلِ تأثيراً ملموساً في علمِ النَّفسِ المعرفيِّ، وبدأت أفكاره تُستَكشف بمزيدٍ من التعمُّقِ في مجالاتٍ أخرى.

يعني فِهم علم النَّفس فهمَ أنماط التغيير في الحالاتِ العقلية والعلاقات، وفي المُمارساتِ الثقافيَّة والعادات، وصياغة ذلك في نظريَّةٍ أمرٌ هامٌّ.

إنَّ البقاء في الحجرِ الصحيِّ أمرٌ مرهق، لكنَّه يمنحنا مزيداً من الوقت للقراءةِ والتَّفكير.

لقد ألهم التأمُّل في العملِ المُلهِم الذي يقوم به الأشخاص الذين هم على الخطوط الأمامية للمساعدة في مُكافحة الوباء العلماءَ للتَّفكيرِ في تطوير عملهم وتحسينه. نأمل أن يُساعِد هذا على تذكيرك بمدى أهميةِ العلم، وأن يدفع مزيداً من العلماء إلى التَّفكيرِ في طرائق يمكنهم من خلالها تحسين عملهم وتطويره بصورةٍ أفضل.

 

المصدر




مقالات مرتبطة