ماذا لو أنَّ أفكارك وسلوكاتك سبب فقرك؟

عندما نكون في مجتمعٍ يجعل من الفقير ضحيةً ومِن الغنيِّ جلَّاداً، ويهرب من المواجهة الحقيقية لمفهومي الغنى والفقر، دون إدراكٍ لمدى القصور في فهم هذين المصطلحين - إذ قد يكون من نراه غنيَّاً في الواقع، شخصاً فقيراً، ومن نجده فقيراً يكون في الحقيقة غنيَّاً - يتبادر إلى الأذهان السؤال الآتي: "ما هو معيار الغنى والفقر؟ وإن كان كلُّ ما يحدث في حياتنا نتيجةً لأفكارنا، فهل يكون الفقر المادي نتيجةً لفكرةٍ قد آمنَّا بها؟ وإن كان كلُّ ما يحصل لنا نتيجةٌ لما نرسِله من طاقةٍ إلى الكون، فهل نكون قد أرسلنا طاقة فقرٍ وحاجةٍ إلى الكون دون وعيٍ منَّا؟



أسئلةٌ كثيرة تضعنا أمام حالةٍ من ضرورة إعادة النظر في كلِّ ما زُرِع في عقولنا من أفكارٍ وقناعاتٍ تُعزِّز دور الضحية، وتُقدِّس الظروف والواقع؛ وتجعلنا أمام لقاءٍ صادقٍ وعميقٍ مع ذواتنا، بهدف استنباط المعنى الخفيِّ لسلوكاتنا.
فمَن هو الفقير؟ وما هي مفارقات التفكير بين الشخص الفقير والآخر الغني؟ هذا ما سنتعرَّف عليه من خلال هذا المقال.

1. مَن هو الفقير؟

تُعمِّق ثقافة المجتمع مفهوم الفقير على أنَّه الشخص الذي لا يملك مالاً، في حين أنَّ مفهوم الفقر أعمُّ وأشمل، فلطالما وجدنا أشخاصاً أثرياء يملكون حساباتٍ مصرفيَّةً بأرقامٍ ضخمةٍ جداً، لكنَّهم يفتقرون السعادة والرضا والسلام الداخلي.

فالفقر هو "الاحتياج"، وفقير هو من يحتاج إلى العاطفة أو الصحة أو المال أو الأولاد أو القناعة؛ وغيٌّ هو مَن يعيش حالة الاستمتاع بالنِّعَم والراحة والسكينة والرضا؛ وإن قلَّ ماله.

2. ما المُفارقات في التفكير بين الغني والفقير (بالمفهوم الذي تحدثنا عنه)؟

يوجد العديد من المفارقات بين عقلية الغني وعقلية الفقير (بالمفهوم الذي تحدثنا عنه)؛ ومنها:

1. ثقافة المجاني:

يتبنَّى الشخص الفقير ثقافة المجاني، فتجده يلهث وراء كلِّ ما هو مجاني، مُعتبِراً ذلك ذكاءً ومهارة؛ أو تجده يراقب بلهفةٍ مواعيد العروض والتخفيضات على الأطعمة أو الألبسة، كما يُفضِّل تنزيل الكتب بصيغة pdf عوضاً عن شرائها، غير مكترثٍ بحقوق الكاتب؛ فيُعزِّز بهذه السلوكات برنامجاً عقلياً يُدعَى "أنا فقير"، فيزداد فقراً يوماً بعد يوم.

في حين يتبنَّى الشخص الغني ثقافة الإنفاق، متأكِّداً أنَّه لا يوجد شيءٌ في الكون مجاني، فهو واعٍ للآية القرآنية {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، ويَعرف أنَّ الأصل في كلِّ أمرٍ هو الإنفاق؛ فعندما ننفِق بحبٍّ وصدق، يرتدُّ الخير إلينا أضعافاً مُضاعفة.

مَن يعيش ثقافة الإنفاق، تراه لا يطلب من الآخر؛ لأنَّه على ثقةٍ أنَّ عليه أولاً الإنفاق من الشيء الذي يريده، ليأتيه الردُّ من الطرف الآخر تلقائياً. على سبيل المثال: "تعرف الزوجة الغنية التي تريد حبَّاً واهتماماً من زوجها، أنَّ عليها إنفاق الحبِّ والاهتمام على زوجها أولاً؛ وبعد ذلك، سيعود عليها هذا الأمر بنتائج إيجابيةٍ مُرضِية. بينما تبقى الزوجة الفقيرة منتظرةً الحبَّ والاهتمام من زوجها، فهي غير قادرةٍ على العطاء؛ لأنَّها مُبرمجةٌ على الأخذ فقط".

إقرأ أيضاً: 13 أمر يُمكنك تحقيقه بأموالك قبل سن الأربعين

2. الظروف:

يميل الشخص الفقير إلى تقديس الظروف وجعلها السبب الأساس لكلِّ ما يحدث معه، فهو بعيدٌ عن التطبيق العملي لحقيقة أنَّ "اللَّه غنيٌّ وهو الرازق"، وأنَّ الحياة مليئةٌ بالفرص لمَن يسعى إليها، فتجده يُردِّد عباراتٍ مثل: "ظروف البلد صعبة، ولا أمل لدي لإنجاز أيِّ شيء"، "كلُّ مَن ينجح إمَّا أن يكون غنيَّاً، أو أن تكون ظروف بلده مُشجِّعة، أو أن يكون لديه حظٌ قوي"، "إنَّ دخلي محدود، فكيف لي أن أقوم بهذه الرحلة؟"، وغيرها من العبارات التي تعزِّز فكرة "أنا فقير، والظروف أقوى منِّي".

في حين يَعِي الشخص الغني أنَّ اللّه غني، وأنَّه كرَّم الإنسان وعيَّنه خليفةً في الأرض؛ فيتعامل بناءً على هذا الأساس، لتجده لا يُبالي بالظروف من حوله؛ لأنَّه يَعلم أنَّ مَن يسعى بصدقٍ فإنَّ اللَّه معه مهما قست الظروف، فيُركِّز على ذاته وتطوير قدراته، وتأتيه الفرص بعد ذلك لتزيد من غناه شيئاً فشيئاً.

3. حقوق الآخرين:

لا يُقدِّر الفقير حقوق الآخرين، فتراه يقتنص الفرص حتَّى في حال تسبُّب ذلك بالضرر لغيره، لينظر إلى ذلك على أنَّه ذكاءٌ وحنكة، فتجده قد يلجأ إلى النصب أو إلى اتباع طرائق ملتويةٍ بهدف الوصول إلى أهدافهم بالمجَّان، فهو عاشقٌ للمجَّان مهما كلَّف الأمر.

يتحرَّى الغني حقوق الآخرين، ويَعي تماماً حقيقة "كما تُدين تُدان"، ويعلم أنَّه إن أخذَ شيئاً بغير حقٍّ، فسينال عقاب ما فعل، كأن يُصاب بمرضٍ ما أو ضيقٍ في ناحيةٍ من نواحي حياته.

4. الفارق بين القيمة والجهد:

يُقيِّم الفقير أيَّ عملٍ من خلال الجهد العضلي والوقت المستغرق لفعله، في حين يَعِي الغني أنَّ المعلومة والفكرة أثمن ما في الكون، وأنَّ اليوم هو عصر المعلومات، حيث يتقاضى الخبراء وكبار المستشارين مبالغ طائلةً نتيجة عملهم في جزئيَّةٍ معينةٍ وخلال وقتٍ قصير؛ ذلك لأنَّهم أنفقوا الكثير من صحتهم وأموالهم وتفكيرهم ووقتهم لكي يصلوا إلى هذه المرتبة من العلم، فيستحقُّون أن يُقرِّروا الرقم الذي يريدون، فهم يُقدِّمون قيمة، وأمام القيمة يُدفَع أيُّ رقم.

5. الفارق بين الشهوة والقيمة:

يُقدِّس الفقير الشكليات والسعي الجسدي، فهو يُنفِق على الطعام واللِّباس أكثر من إنفاقه على عقله وروحه؛ في حين يُعوِّل الغني على العلم بالمرتبة الأولى، فيُنفِق على عقله أكثر بكثيرٍ من إنفاقه على المظاهر الخارجيَّة، فهو يعمل بالآية الكريمة: {‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}

6. الأحكام والقناعات:

يحيى الفقير في القناعات السلبية عن المال، مثل: "المال أصل الشرور"، "الأغنياء هم الفاسدين والمغرورين"، "الفقير هو المؤمن الصالح"؛ في حين يَعِي الغني حقيقة أنَّ المال نعمةٌ ووسيلةٌ للسعادة والمتعة، وأنَّ اللَّه يكره الفقر، ويَعدُّه من الشيطان، قال تعالى: {يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ}، ويُدرِك الغني أنَّ المؤمن الصالح هو مَن يستطيع الاستمتاع بالحياة الدنيا، وتحقيق التوازن بين الماديات والقيمة. قال تعالى: "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ".

من جهةٍ أخرى، يميل الفقير إلى إطلاق الأحكام على الآخرين، فإن ذهب إلى متجرٍ ما بغية شراء شيءٍ ما، ورأى أنَّ ثمن الشيء مرتفعٌ لديه بالمقارنة مع متجرٍ آخر؛ فسيبدأ الحكم على صاحب المتجر بأنَّه إنسانٌ طمَّاعٌ ولا يتقي اللَّه في تجارته. بينما لا يُطلِق الشخص الغني الأحكام؛ لأنَّه يعرف أنَّ للقيمة سعراً مختلفاً، حيث يُعدُّ وجود المتجر في منطقةٍ راقية، وما يملكه من تجهيزاتٍ مميَّزةٍ قيمة، الأمر الذي سيجعل من المنتجات أغلى سعراً، وقد يختار الشخص الغني شراء المنتج أو عدم شرائه، لكنَّه لن يحكُم على صاحب المتجر حكماً سلبياً، فهو لا يعلم حيثيات الموضوع بدقة.

7. التضحية:

يعشق الفقير لعب دور المُضحِّي، فتجده يحترف العطاء دون أخذ، بحجَّة أنَّه يترفَّع عن الأخذ، ويُفعِّل بذلك البرنامج العقلي "أنا فقير"، فيبدأ جذب المُستَغلِيّن إلى حياته، واستهلاك طاقته، دون الحصول على أيِّ مقابل، هكذا إلى أن يصل إلى مرحلة نضوب الطاقة، وعندها يشعر بأنَّه ظلم نفسه وقهرها وجلدها.

في حين يعشق الغني ثقافة العطاء والأخذ بتوازن، ويعلم أنَّ الكون يسير بهذه الثقافة، ولا يجوز له أن يُعاكِس مجرى الكون، فهو واعٍ لحقِّ نفسه عليه، فيُكرِمها ويُقدِّسها؛ وهو مُتأكِّدٌ من أنَّ اللَّه سيردُّ إليه عطاءه برزقٍ كبير، ومعوِّلاً على مبدأ الفائدة المشتركة للطرفين.

8. حل المشكلات:

يميل الفقير عند تعرُّضه إلى أيِّ مشكلةٍ إلى محاولة تغيير الخارج، فيسعى جاهداً إلى تغيير المعطيات الخارجية لكي يشعر بشعورٍ أفضل؛ في حين يعرف الغني أنَّ كلَّ مشكلةٍ في الكون عبارةٌ عن إحساس بالضيق أو الضّعف أو غيرها من الأحاسيس، فإن استطاع الإنسان نقل إحساسه من وضع التوتر إلى وضع السلام؛ فسيكون قادراً حينها على تجاوز المشكلة دون تغيير الخارج، مكتفياً بتغيير وعيه لها. وهنا يأتي السؤال: "كيف ينقل الشخص إحساسه إلى حالة السلام؟"

يكمن ذلك في جعل مستوى الوعي ينتقل من مكان توترٍ إلى مكان سلام، وذلك بالنظر إلى المشكلة على أنَّها تحدٍّ وفرصةٌ لرفع مستوى الوعي خلال رحلة الوعي الفكري للإنسان، حيث تأتي المشكلة لكي تُنذِرالإنسان بوجود قناعاتٍ وأفكار في عقله عليه أن يواجهها، فيبدأ سؤال ذاته عن الأفكار الكامنة فيها، والتي فعَّلت هذه المشكلة؛ وعندما يكتشفها، عليه أن يتقبَّلها لكي يسمح بتجلِّي أفكارٍ جديدةٍ في عقله من شأنها أن تحلَّ المشكلة. وخلال ذلك يستطيع أن يطلب المساعدة من اللَّه، لكي يرشده إلى الوعي المطلوب لتحقيق الانتقال إلى وضع السلام.

إقرأ أيضاً: 7 أساليب فعّالة لحل المشاكل والتخلّص منها

الخلاصة:

ثق تماماً أنَّ الكون لا يُعطِي مُحتاجاً، فكُن واعياً لما ترسله من طاقةٍ إلى الكون، فما أجمل أن تُرسِل إلى الكون طاقة غنىً ورضا وتقبُّل؛ وعندها ستتجلَّى في حياتك أحداثٌ من نوع هذه الطاقة الإيجابية ذاتها، وستغدو الحياة أكثر مرحاً ومتعةً وبهجة.

 

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة