ما هي فروع علم النفس وميادينه؟

يقول الكثير من الأطباء والبيولوجيين والفيزيولوجيين وغيرهم من العلماء والمتخصصين بدراسة الجسد البشري إنَّهم أمام بحر لم يطؤوا حتى الآن إلا شطآنه، وما زالوا إلى اليوم على الرغم من كل التطور العلمي الذي وصلت إليه البشرية يصفون العقل البشري بالأرض المجهولة، فما بالكم إذاً في حال كان الحديث عن النفس البشرية والغوص في أعماقها ومحاولة إيجاد منافذ داخل دهاليزها ومتاهاتها.



النفس شديدة التعقيد إذا ما تمت مقارنتها بالجسد الذي يمتلك وجوداً مادياً وامتداداً واضحاً في مكان محدد، أما النفس التي تُعَدُّ جوهر أي إنسان فلا يوجد أي وجود مادي لها، ولا نستطيع إن أردنا دراستها البحث بها بحد ذاتها؛ بل ستقتصر الدراسة على دراسة آثارها والأفعال الناتجة عنها؛ إذ تُعَدُّ المحرك لنشاطات الإنسان المختلفة، فكل موقف وكل سلوك نقوم به مرده إلى النفس، وهذا ما جعلنا بحاجة ماسة إلى علمٍ يتناول هذا الجانب الأساسي الذي لا تقوم قائمة لإنسان دونه.

كما هو معروف إنَّ النفس والبدن يشكلان معاً شخصية الإنسان المتفردة والمتميزة، فكان علم النفس، هذا العلم الذي انطوى تحته العديد من الفروع والميادين، وارتبط ارتباطاً وثيقاً بكل جوانب الحياة وبأغلب العلوم الأخرى وخاصة الاجتماعية والفيزيولوجية، وانطلاقاً من أهمية كل ما سبق كان موضوع مقالنا اليوم فروع علم النفس وميادينه.

أولاً: لماذا علينا الاهتمام بعلم النفس؟

علم النفس هو العلم الذي يدرس سلوك الأفراد وما وراءه من دوافع وعمليات عقلية ودراسة علمية ليكشف عن القوانين والمبادئ التي تفسر ذلك السلوك ويستطيع التنبؤ بأشكاله وتوجيهه والتخطيط له، وبناءً على هذا التعريف يمكن تحديد عدد من النقاط التي تُظهر أهمية علم النفس في حياتنا اليومية سواء للباحث الأكاديمي أم الإنسان العادي، وقبل الخوض في هذه النقاط علينا التأكيد على فكرة أساسية قد سبق ذكرها.

مفهوم النفس هو مفهوم معترف به بداهةً وتسليماً؛ أي إنَّه غير قابل للملاحظة المباشرة، وما نقوم بملاحظته ودراسته هو السلوكات والنشاطات والاستجابات الناتجة عنها؛ وهذا يعني أنَّ الموضوع في علم النفس ليس النفس؛ بل سلوك هذه النفس، وكما ذكرنا منذ قليل هناك عدد من النقاط التي تؤكد أهمية علم النفس وهي:

  1. بناء إنسان سليم وفاعل لا يقتصر على بناء جسد سليم؛ بل يجب على البناء أن يشمل العقول والنفوس أيضاً.
  2. دور علم النفس في مساعدتك على فهم ذاتك أكثر وفهم الآخرين أيضاً.
  3. دراسة علم النفس ضرورة ملحة وخاصة في ميادين التربية والتعليم؛ إذ يبدأ بناء الإنسان.
  4. التعرف من خلال علم النفس إلى قدراتك وإمكاناتك والتعلم منه كيف تستغل هذه القدرات لمصلحتك.
  5. دور علم النفس في مساعدتك على تجنب التفكير الغبي والابتعاد تماماً عن التسليم بالتفسيرات الخرافية للاضطرابات النفسية التي يلجأ إليها الإنسان عندما لا يصل إلى تفسير؛ "يتلبسه جني"، "يحتاج إلى حجاب ليرجع عقله" وغيرها الكثير من الخرافات المنتشرة بكثرة في مجتمعاتنا لن تؤمن بها بعد الآن، وستدرك أنَّ لكل علة حتى العضوية منها أحياناً منشأ نفسياً.
  6. "إذا عرفت استطعت" يختصر هذا القول الكثير، فإذا عرفت السبب تمكنت من إيجاد حل وتغيير النتائج لمصلحتك، وعلم النفس يساعدك على فهم أكبر لذاتك وسلوكاتك ويفسرها لك، وبذلك يعطيك مفتاحاً لضبطها والتحكم بها.
  7. دور علم النفس في مساعدتك على التنبؤ بحدوث شيء ما قبل حدوثه؛ وذلك لأنَّ الإحاطة بالأسباب والعوامل المهيئة لحدوث ظاهرة ما تمكِّننا من توقعها، وهذا ما يقدم لنا الكثير من الفائدة على أرض الواقع من خلال تجنُّب الأضرار التي قد نتنبأ بحدوثها مثلاً.

لماذا علينا الاهتمام بعلم النفس؟

ما هو السلوك؟

نظراً لتكرار مفردة سلوك أكثر من مرة، كان لا بد من شرح المقصود منها بشكل شامل، فالسلوك إذاً هو:

  1. كل ظاهرة يمكن ملاحظتها عند الشخص كالكلام مثلاً.
  2. كل ما هو غير مدرَك من قِبلنا تجاه الشخص من تفكير صامت وخيال.
  3. كل ما هو غير مدرَك من قِبل الشخص نفسه كالدوافع والرغبات اللاشعورية التي تظهر بالأحلام أو بالأمراض النفسية.
  4. يشمل السلوك أيضاً نشاطات الجسم المختلفة كالتنفس مثلاً.

ثانياً: ما هي الفروع النظرية لعلم النفس؟

إذا أردنا الوصول إلى الدقة في الأبحاث والمصداقية في النتائج وتحقيق أكبر قدر من الشمولية والوضوح للموضوع قيد الدراسة، لا بد من التخصص، هذا التخصص الذي أصبح ميزة من ميزات عصرنا اليوم وبفضله تم تحقيق الكثير من الإنجازات وقطع أشواط كبيرة من التطور على كل الأصعدة، فعلم النفس خضع أيضاً مثل بقية العلوم لمبدأ التخصص هذا، وضمَّ تحت اسمه العديد من الميادين العلمية والفروع النظرية ولم تتوقف تخصصاته على مجال واحد؛ بل شملت أغلب جوانب الحياة.

العلاقة بين علم النفس والعلوم الأخرى علاقة حتمية لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها أو إهمالها، ويجب الإشارة أيضاً إلى أنَّ الغاية والهدف من تقسيم علم النفس إلى ميادين وفروع هو التبسيط والتسهيل وتحقيق الدقة والوصول إلى أفضل النتائج، وعليه فإنَّ هذا التقسيم ليس قطعياً لدرجة التزام كل فرع بموضوعات محددة؛ بل بخلاف ذلك سنجد ارتباطاً وتداخلاً وتكاملاً بين هذه الميادين والفروع.

من الفروع النظرية لعلم النفس سنذكر ما يأتي:

1. علم النفس العام:

نستطيع القول إنَّ هذا الفرع هو الأساس النظري لفروع علم النفس الأخرى، ويقدم هذا الفرع الكثير من الفائدة لغير المتخصصين، فهو يهتم بدراسة مبادئ علم النفس وأصوله العامة؛ أي دراسة الظاهرة أو السلوك عموماً دون الخوض بتفاصيل أخرى متعلقة بالتنشئة مثلاً أو الظروف الاجتماعية؛ باختصار علم النفس العام يدرس الظواهر النفسية المنتشرة بين الناس دون أي تخصيص، كدراسة الشخصية والنمو النفسي والتكيف وغيرها.

2. علم النفس الارتقائي:

يتخصص هذا الفرع بدراسة تطور سلوك الإنسان من الطفولة إلى الشيخوخة، محاولاً إيجاد الصفات والسلوكات التي تميِّز السلوك السوي لكل مرحلة من المراحل، فالهدف الأساسي من علم النفس الارتقائي هو فهم كيفية ارتقاء النفس البشرية وتطورها عبر المراحل العمرية المختلفة، وبذلك يشمل هذا الفرع كلاً من علم نفس الطفولة والمراهقة وغيرها.

3. علم النفس الاجتماعي:

باختصار يمكن القول إنَّ هذا الفرع يركز على دراسة سلوك الإنسان بوصفه كائناً اجتماعياً، فهو يهتم بالدراسة العلمية للعلاقات الاجتماعية والإنسانية والنفسية المتبادلة ضمن الجماعة وكيفية تأثير وتأثُّر الفرد بها، وأيضاً يتناول بالدراسة جميع الظواهر النفسية والاجتماعية الناتجة عن هذا التفاعل والعوامل النفسية المؤثرة فيه، ومن موضوعاته دراسة التعصب مثلاً والقيادة والغيرة وغيرها.

4. علم النفس الفارق:

يدرس الفروق الموجودة بين الأفراد والجماعات من الناحية النفسية فقط في محاولة إيجاد تفسير لوجود هذه الفروقات وأسبابها والنتائج المترتبة عليها، ويقسَم علم النفس الفارق إلى قسمين أساسيين هما علم نفس الفروق الفردية وعلم نفس الفروق الجماعية.

5. علم النفس المرَضي:

يهتم هذا الفرع كما هو واضح من اسمه بمختلف أنواع الاضطرابات الوظيفية والأمراض النفسية، ويحاول البحث في الأسباب الكامنة وراءها والظروف والعوامل المؤثرة بهدف إيجاد حلول للوقاية والعلاج من هذه الأمراض.

6. علم النفس الفيزيولوجي:

يركز على علاقة الجسد بالسلوك، ولذلك يركز على دراسة الجهاز العصبي ووظائفه والغدد الصم التي تسمى الغدد الشخصية ومدى تأثير إفرازاتها في سلوك الإنسان وشخصيته، كما أنَّ علم النفس الفيزيولوجي يهتم بدراسة الأمراض الجسدية التي ترجع لأسباب نفسية، والأمراض النفسية التي ترجع لأسباب جسدية.

ثالثاً: ما هي ميادين علم النفس التطبيقية؟

تم الاستفادة من علم النفس وتوظيف معارفه واستثمارها في جوانب الحياة المختلفة، وبذلك لم يعد هذا العلم علماً نظرياً وحسب؛ بل أصبح نتيجةً لذلك علماً تطبيقياً وعملياً، وسنذكر فيما يأتي بعضاً من ميادين علم النفس التطبيقية:

1. علم النفس التربوي:

يهتم هذا العلم بتطبيق نظريات علم النفس في المجال التربوي بغية حل المشكلات النفسية التي تعوق وتعرقل سير العملية التعليمية بما يسهم برفع كفاءة التعليم وجعله أكثر نجاحاً، ومن موضوعاته مشكلة المراهقة مثلاً وتأثيرها في التحصيل الدراسي والتفوق الدراسي وغيرها.

2. علم النفس الصناعي:

يتوجه هذا العلم لدراسة المشكلات النفسية التي تنشأ في بيئة العمل من خلال تطبيق مبادئ ونظريات علم النفس الأساسية في ميدان العمل بغية إيجاد الحلول المناسبة لها والعمل على تحسين الإنتاج وتحقيق أكبر قدر ممكن من الراحة والأمان للعمال، ومن موضوعاته التوجيه المهني وخلافات العمل.

شاهد أيضاً: 12 قانون في علم النفس إذا فهمتها ستُغيّر حياتك

3. علم النفس الجنائي:

يهتم بدراسة الدوافع والعوامل السيكولوجية التي تقف وراء ارتكاب الجرائم، ويبحث في نفسية المجرم ونظرة المجتمع إليه، ويعمل على تحويل هذه النظرة إلى نظرة عطف بدلاً من نظرة الكره والانتقام، كما أنَّه يبحث في مدى الفائدة من العقوبات ومدى عدالتها، ويطرح أسئلة هامة جداً عن هذه العقوبة ووظيفتها، فهل هذه العقوبة وُضعت بقصد الإصلاح أم الردع أم القصاص؟

4. علم النفس الإكلينيكي:

أحد الفروع التطبيقية من فروع علم النفس، فتركيزه الأساسي على المرضى النفسيين والعقليين ومراقبتهم وتشخيص حالتهم واختيار العلاج النفسي الملائم لهم وتعديله دائماً بشكل يحقق أفضل النتائج.

5. علم النفس العائلي:

هو أحد الفروع الجديدة في ميدان علم النفس، ويجمع بين النظري والتطبيقي ولكنَّ الغلبة للجانب التطبيقي، ويدرس علاقة الزوج بالزوجة والآباء بالأبناء وكيفية تطور هذه العلاقات وتغيُّرها، ويبحث في طرائق مساعدة وتوصيات لتحسين وظائفها النفسية بما يجعل جو الأسرة خالياً من أي مرض نفسي أو انحراف ومليئاً بالأمان والحب.

إقرأ أيضاً: الحاسة السادسة في علم النفس

6. علم النفس الإرشادي:

لا يختص هذا العلم بالمشكلات النفسية ذات الجذور العميقة في نفسية الشخص؛ بل يتناول المشكلات النفسية العارضة والسطحية، فهو إرشاد وتوجيه للفرد السوي بحيث يساعده على حل مشكلاته وفهم نفسه وقدراته واكتشاف مواهبه ونقاط قوَّته وضعفه.

إقرأ أيضاً: علم النفس التحفيزي: سر قوة الدافع

في الختام:

لا يمكننا أبداً إنكار الأهمية الكبرى لكل علمٍ من العلوم، ولكنَّنا في الوقت نفسه علينا الاعتراف أنَّ لعلم النفس أهمية خاصة جداً؛ نظراً لصلته الوثيقة بكل العلوم تقريباً وتداخله مع كل جانب من جوانب حياتنا اليومية، وعلى عاتقه تقع مسؤولية البحث عن طرائق الارتقاء وتحقيق حالة من الرفاهية النفسية للإنسان، وهذا ما سينعكس مباشرةً على المجتمع ويسهم في تطوره وتقدمه.

المصدر:

  • كتاب علم النفس العام للدكتور عبد الله سيف الدين، والدكتور ابراهيم رزوق، كلية الآداب قسم الفلسفة جامعة تشرين.



مقالات مرتبطة