ما هي العلاجات النفسية غير الدوائية؟

قد يحتاج المريض النفسي إلى أحد العلاجات النفسية إلى جانب الأدوية أو بشكل مستقل عنها، فما الذي نقصده بمصطلح العلاجات النفسية؟ المقصود بالعلاجات النفسية هو اللجوء إلى تقنيات مدروسة ومنظمة معتمدة بشكل رئيس على الكلام من أجل معالجة بعض الاضطرابات النفسية؛ إذ توجد عشرات الأنواع من المعالجات النفسية لكن من النادر استخدامها وحدها فقط، وهي الأكثر استخداماً في الوقت الحالي.



ويكمن التساؤل حول ماهية الشخص الذي يقوم بالعلاج النفسي وما هي مؤهلاته الأكاديمية، فالمعالج النفسي يمكن أن يكون طبيباً نفسياً أو خريج علم نفس بشرط أن يكون الاثنان متدربين على طرائق العلاج النفسي.

أولاً: ما هي شروط المعالجة النفسية؟

تحتاج المعالجات النفسية إلى بعض الشروط منها:

  1. قبول المريض القيام بها.
  2. الذكاء الجيد.
  3. تعاون المريض.
  4. التزام المريض بالمواعيد المحددة للجلسات.
  5. أن يمتلك قدرة مادية لمتابعة العلاج.
  6. التزام المريض بالصراحة في إجاباته.
  7. تنفيذ التوجيهات أو النصائح التي يعطيها المعالج له، وهذا يتعلق طبعاً بتعاون المريض.
  8. شرح المعالج للمريض ما يعانيه من اضطراب نفسي بشكل واضح ومفهوم؛ وذلك بهدف ضمان تعاونه في العلاج.
  9. شرح طرائق العلاج التي سيتم اتباعها.

ثانياً: تعرف إلى التحليل النفسي؟

هو أحد أهم طرائق العلاج النفسي التي تقوم فقط على الكلام، ورائد هذا النمط هو "فرويد"، والهدف من التحليل النفسي هو إعادة تكوين شخصية المريض بشكل جذري حتى يتخلص من الأعراض النفسية التي يعاني منها.

مبدأ التحليل النفسي:

يعتمد هذا النوع من العلاج النفسي على مبدأ رئيس وهو التداعي الحر؛ ويعني أن يقول المريض للمعالج كل ما يتداعى في ذهنه من أفكار ومشاعر يشعر بها مهما كانت مؤلمة أو مخجلة أو محرجة.

طريقة التحليل النفسي:

يعتمد على فكرة أساسية وهي أنَّ الإنسان لا ينسى ما يمر به من أحداث؛ وإنَّما يقوم باستخدام آلية دفاع اسمها الكبت؛ وتعني أنَّه يرسل إلى اللاوعي معظم المواقف والذكريات خاصة المزعجة منها حتى يستطيع الاستمرار في هذه الحياة مع أقل ما يمكن من القلق، ولكنَّ الصعوبة هي أنَّ هذه الأشياء المكبوتة ترجع إلى الظهور مرة جديدة فتسبب للمريض أمراضاً نفسية، ومن ثمَّ لكي يتعافى المريض من هذا المرض، فمن الضروري - حسب فرضية التحليل النفسي - مساعدته على الوصول إلى اللاوعي ونبش تلك المكبوتات وإرجاعها  إلى الوعي، ويجب أن يعلم المصاب أنَّها كانت السبب في المرض الذي يعاني منه.

التحليل النفسي الكلاسيكي:

يرتكز على أساليب معينة في المقابلة، وهي أن يجلس المريض على كرسي ويجلس المحلل خلف رأسه دون أن يرى المريض، ولكنَّ المُتَّبَع حالياً هو جلوس المعالج والمريض وجهاً لوجه، ويتم هذا العلاج بمعدل جلسة أو جلستين في الأسبوع ويحتاج حتى يكتمل العلاج إلى خمسة أعوام، وأيضاً يستدعي مما سبق أن يكون المريض الذي يخضع للعلاج يسكن في مكان قريب من عيادة الطبيب وقادراً مادياً وعمره دون الأربعين سنة. وكما هو ملاحظ فإنَّ هذا الأسلوب من المعالجة النفسية طويل الأمد، ولا يعطينا تحسناً سريعاً؛ ولذلك قلَّ استخدامه في الوقت الراهن.

ثالثاً: ما هو العلاج المعرفي؟

مبدأ هذا النمط العلاجي هو أنَّ المريض النفسي الذي لديه دوماً أفكار ومعتقدات سلبية يستخدمها خلال تعاطيه مع ذاته ومع البيئة المحيطة به، ومن ثمَّ يساعد المعالج النفسي مريضه على أن يميز هذه الأفكار السلبية، ويقوم بالاستعاضة عنها بأفكار أكثر إيجابية وأكثر منطقية؛ وهذا يسبب في النهاية الشفاء من المرض النفسي، وبعض الأشخاص على سبيل المثال يلجؤون إلى الاستنتاج بشكل خاطئ ويعممون أيضاً بشكل خاطئ كجزء من بنية الأفكار السلبية الموجودة عندهم.
في العلاج المعرفي لا يهتم المعالج باللاوعي، ولا بالمواقف والأحداث المكبوتة، ولا بالأسباب الجبرية للاضطراب النفسي، ولا بسنوات الطفولة المبكرة وما مر فيها من أحداث، فالتركيز في العلاج المعرفي يكون على الوضع الحالي للمريض وضرورة علاجه بسرعة لكن بنجاعة، وهذا النمط لا يحتاج أكثر من 20 جلسة حتى يتماثل المريض للشفاء أو على الأقل يحصل على تحسن واضح، ومن ثمَّ وبالمقارنة مع العلاج السابق يتضح لدينا لماذا أصبح العلاج المعرفي أكثر انتشاراً وأكثر ممارسة.

مثال عن كيفية القيام بالعلاج المعرفي:

المريض قبل العلاج المعرفي: إذا مر رئيسي في العمل بالقرب مني ولم يلقِ السلام عليَّ، فهذا يعني أنَّه غاضب مني، أو أنَّ أحد الموظفين قد نقل له كلاماً سلبياً عني، وغالباً هذه الشخصيات تكون شخصيات تعاني من القلق أو الاكتئاب.
إذا ذهبت إلى بيت صديق لك ولم تجده، فستقول لنفسك إنَّك دوماً سيئ الحظ وغير موفق في أي شيء، وفي العلاج المعرفي نقوم بتوسيع آفاق تفكير المريض على احتمالات وخيارات أخرى؛ فمن الممكن أنَّ رئيسك في العمل لم يذكر التحية لأسباب أخرى كثيرة وليس لها علاقة بك شخصياً، وعدم توفيقك بمشروع عمل معين لمرة واحدة أو حتى لمرات عدة، لا يعني أنَّك فاشل أو سيئ الحظ، والحل هنا لا يعتمد على العلاج الدوائي؛ بل يعتمد على إعطاء المريض خيارات واحتمالات أخرى قد تخفف من وطأة أفكاره ومشاعره السلبية.
وهنا في العلاج المعرفي لا نخوض في تفاصيل المريض وطفولته ومشكلاته السابقة، بخلاف أسلوب التحليل النفسي.

شاهد: 5 طرق للوصول إلى أفضل طبيب نفسي مناسب لشخصيتك

رابعاً: ما هو العلاج السلوكي؟

الأساليب العلاجية السلوكية تطلق هذه التسمية على عدد من التقنيات والأساليب التي تهدف إلى إزالة أو التخلص من النقاط السلوكية غير المرغوب فيها أو المشاهد المؤلمة  بهدف تعزيز وتقوية أنماط سلوكية أخرى جديدة وصحية.
يفترض العلاج السلوكي أنَّ هناك ارتباطاً بين أنماط السلوك المرضية الحالية والمثيرات الموجودة في المحيط التي تسبب ظهور هذه الأنماط؛ بمعنى أنَّ الشخص قد تعرض مسبقاً لموقف معين حرض لديه سلوك تجاه هذا الموقف، ولاحقاً تشكل منعكس شرطي لديه، فكلما تعرض لهذا الموقف سيؤدي ذلك إلى نفس السلوك، ونحن هنا نحاول كسر هذا الارتباط الشرطي.
يركز العلاج السلوكي بالدرجة الأولى على تصرفات الفرد الحالية وأسباب هذه التصرفات أكثر من تركيزه على معانيها أو مبرراتها أو تحليلاتها النفسية، فالنجاح في العلاج السلوكي يكون عادة أسرع من العلاجات النفسية الأخرى ويحصل على النتيجة المرغوبة المتمثلة في التخلص من السلوك المرضي، فإنَّ المتعالج يشعر بالثقة  بنفسه أكثر، ويكتشف مواطن القوة في شخصيته؛ وهذا سوف يمكِّنه لاحقاً من القضاء على أيَّة مصاعب قد تعترض طريقه.
فالعلاج السلوكي قصير بالعادة وبعدد جلسات محدود يتم الاتفاق عليها مع المريض، وهو مستلهم من أعمال "بافلوف وسكنر واتسون" وغيرهم كثير، وتطوَّر مع الوقت بشكل ملحوظ سواء من الناحية النظرية أم التقنيات المتبعة.

استخدامات العلاج السلوكي:

يتم استخدام العلاج السلوكي في عدد كبير من الاضطرابات النفسية وحتى الجسدية، فهو مفيد في القلق المعمم، والهلع، والوسواس القهري، واضطرابات الطعام، والاضطرابات الجنسية، واضطرابات النوم، وهوس نتف الشعر، ومتلازمة فرط النشاط ونقص الانتباه، وصعوبات التعلم في الطفولة، واضطرابات السلوك الاجتماعي، كما أنَّه مفيد في تخفيف التوتر والقلق من أجل السيطرة على بعض الأمراض الجسدية والتي لها عامل نفسي مثل تهيج القولون، والربو، والصداع، وارتفاع ضغط الدم.

خامساً: تعرف إلى أهم أنماط العلاج السلوكي:

1. تمرينات الاسترخاء:

هي أساليب علاجية مدروسة بدقة، ولها أنماط عدة، والمبدأ الأساسي لها يعتمد على فكرة أنَّ هناك علاقة قوية بين الحالة النفسية للفرد ودرجة التوتر العضلي في عضلات جسمه، وأنَّ المشاعر يتم ترجمتها بتقلصات عضلية موضعية في أماكن عدة من الجهاز العضلي، ومن ثمَّ فإنَّ تعليم الفرد إرخاء عضلاته وتنظيم عملية التنفس سوف يؤدي  إلى تخفيف القلق والتوتر الذي يعاني منه، وتمرينات الاسترخاء مفيدة في عدد من الاضطرابات النفسية، إضافة إلى استخدامها عند تطبيق بعض الطرائق الأخرى من العلاج السلوكي التي سترد لاحقاً.

إقرأ أيضاً: ثنائي القطب، أخطر الأمراض النفسية على الإطلاق

2. تقليل الحساسية المنتظم أو التدريجي:

هو شائع الاستخدام في بلدان كثيرة، ويكون بتعريض المريض للعامل المسبب للرهاب بشكل تدريجي وبشدات متزايدة، حتى يصل إلى مرحلة مواجهة ذلك العامل دون ظهور أعراض وعلامات عنده، ويكون هذا التعريض بشكل حقيقي وواقعي أو بشكل متخيل وفي أثناء وجود المريض في حالة استرخاء، على سبيل المثال، امرأة لديها رهاب أماكن مفتوحة؛ وهو اضطراب نفسي يمنع المريض أحياناً  من الخروج من المنزل حتى لا تتحرض عنده نوبة الخوف الشديد.
وفي طريقة إزالة الحساسية التدريجي، نقوم بالمشي معها حتى باب المنزل ثم نعود إلى الداخل، وفي الجلسة التالية نفتح ونقف عند الباب لفترة ثم نعود إلى الداخل، والجلسة التالية نزول الدرج إلى مدخل البناية ثم نعود، وبعد ذلك في الجلسات اللاحقة نخرج إلى الشارع ونمشي خطوات عدة ثم مسافة أطول، ثم تمشي المريضة وحدها ونحن خلفها لأمتار عدة، ثم تمشي وحدها ونحن نراقبها من بعيد، ثم تصبح قادرة على الخروج وحدها.

طبعاً يستدعي ما سبق عدم الانتقال من خطوة  إلى خطوة حتى إنجاز الخطوة السابقة  بشكل كامل وصحيح، كما يستدعي أن يكون المريض مسترخياً خلال الجلسة ومتعاوناً معنا وهو أحد شروط العلاج النفسي كما سبق وذكرنا.

إقرأ أيضاً: 7 أمراض نفسية أغرب من الخيال

في الختام:

إن كنت تعاني من أيَّة مشكلات نفسية، من الأفضل لك مراجعة طبيبك النفسي إن كنت تخاف من الآثار الجانبية للأدوية النفسية، واعلم أنَّه توجد الكثير من العلاجات غير الدوائية التي تعطي نتائج جيدة، وإنَّ ذهابك إلى الطبيب أو المعالج النفسي ليس أمراً معيباً؛ بل بخلاف ذلك؛ إنَّه أمر يدل على وعيك وثقافتك وتفكيرك السليم في حل المشكلة التي تعاني منها.

المصادر:

  • مقرر الطب النفسي كلية الطب البشري جامعة دمشق.



مقالات مرتبطة