ما هي الصلة بين التفكير التصميمي والإبداع؟

حين نفكر في المنتجات ذات التصميم والهدف الرائعين يتبادر إلى أذهاننا على الفور منتجات مثل: المساعد الصوتي "أليكسا" (Alexa) من "أمازون" (Amazon) بتصميمه الأنيق والبسيط الذي يجتمع مع أدائه الوظيفي لتقديم منتج ناجح، وتُطوَّر التصميمات الرائعة من فكرةٍ بسيطة ولكن غنية، فتلفتُ انتباهنا بتصميمها ثمَّ تعرض علينا المشكلة التي صُنِعت لحلِّها، وينجذب الناس إلى التصميمات عالية الجودة التي تؤدي هدفاً محدَّداً؛ لأنَّهم يبحثون عن أفضل منتَج يمكِن أن يسهِّل حياتهم.



ولهذا تستثمر الشركات الملايين في تطوير منتجات جديدة تُغني حياتنا وتساعدنا على أن نبدو بمظهر جيد أيضاً، فقد لا تكون شركتك بمستوى شركة "أمازون" (Amazon) أو شركة "آبل" (Apple)، لكنَّك تسعى أيضاً إلى تصميم منتَج سيساعد العديد من الناس، فعلى الرغم من أنَّك قد لا تكون مديراً تنفيذياً في شركةٍ قادرةٍ على إنفاق ملايين الدولارات على تطوير منتج (product development)، ولكن لا زال بإمكانك اتباع الأسلوب والعملية نفسها لتطوِّر منتَجاً ناجحاً.

التفكير التصميمي (Design Thinking):

يتمحور "التفكير التصميمي" (Design Thinking) المرتبط بـ حل المشكلات الإبداعي (creative problem solving) حول الجانب البشري من العملية، ويهدف إلى تطوير طريقة تفكير تسمح لك بحل المشكلات بإبداع، فيساعد الفِرَق على تحقيق التوازن بين منتج منطقي وملائم من الناحية التقنية وذي جدوى تجارية، ويسعى التفكير التصميمي إلى "تشجيع الشركات للتركيز على المستهلكين المُستهدَفين (target audience)" مما يؤدي إلى منتجات وخدمات أفضل، فهو في جوهره تصميمٌ إبداعي لمنتجٍ أو خدمةٍ تفيد المستخدِم إلى حد كبير، والعملية الإبداعية التي تؤدي إلى تلك النتيجة هي التفكير التصميمي.

ربما لم تدرك أنَّك صادفتَ العملية الرسمية للتفكير التصميمي، ولكن علَّمونا إياها منذ أيامنا الدراسية الأولى؛ ففي المدرسة الابتدائية نتعلم اكتشاف المشكلة والعمل على حلِّها، وفي المدرسة الإعدادية يكون التركيز على الانتقال في العملية إلى المرحلة التالية، حيث يجب عليك اكتشاف الإجابة وتُشجَّع للعثور على تطبيقاتٍ عدَّة للحل في سياقات مختلفة، وفي المدرسة الثانوية نُدفَع إلى تجاوز حدود معرفتنا السابقة ونُشجَّع على حلِّ مشكلات قد لا تكون موجودةً بَعْد، حينها يكون الهدف تصوُّر المشكلة وتطوير عملية لحلِّها؛ أي إنَّنا كنَّا نطبِّق مراحل التفكير التصميمي منذ كنا صغاراً.

إقرأ أيضاً: مفهوم الإبداع ومعوقات التفكير الإبداعي

مبادئ التفكير التصميمي الأساسية:

سيقدِّم لك بحث سريع على الإنترنت مئات النتائج عن نظريات التفكير المختلفة، ونماذج متعددة من عملية التفكير التصميمي، لكنَّ مراجعة تلك النتائج كلها ثمَّ اختيار أفضلها بالنسبة إليك مرهق جداً؛ لذا سنحاول مساعدتك على توفير الوقت والجهد عبر تعريفك إلى مكونات التفكير التصميمي، فلنبدأ بلمحة سريعة عن المبادئ الأساسية للتفكير التصميمي:

1. التعاطف:

يُعرَّف التعاطف في القاموس بأنَّه القدرة على فهم مشاعر الآخرين وإدراكها؛ فحين نُطبِّق التعاطف على التفكير التصميمي، سنكتشف أنَّ كلَّ شيء يبدأ بالتواصل الذي ينتج عنه تركيزاً بشرياً عميقاً بهدف بلوغ وجهات نظرٍ يمكِن أن تكشف عن أساليب جديدة وغير مستكشَفة للنظر إلى المشكلة، فتتيح لنا رؤية المشكلة من منظور جديد والعثور على حلول كانت قد فاتتنا، ويجب أن تبدأ بالتعاطف لأنَّ هذه التغييرات في وجهات النظر تتطلب منا التواصل على مستوىً أعمق مع العملاء لفهم حاجاتهم.

2. إعادة صياغة المشكلة:

تزوِّدنا وجهات النظر الجديدة بطرائق مختلفة للتفكير في الأمور، وحين نبدأ التفكير في المشكلة بطريقة مختلفة نحصل على معلومات وأفكار جديدة، وأحد مبادئ التفكير التصميمي هو تعلُّم إعادة صياغة المشكلة، وبذلك تحقِّق أمرين:

  • رؤية المشكلة من وجهة نظرٍ مختلفة.
  • دفعك إلى التفكير في المشكلة بطريقةٍ مختلفة.

نحن ننظر إلى العالم المحيط بنا عبر عدسة التجارب التي عشناها، وحين نغيِّر منظورنا تتغير الأمور التي نراها، وذلك هو جوهر إعادة الصياغة، وإذا كان بإمكانك التعريف عن المشكلة بشكلٍ مختلف فأنت تُلقي الضوء على تحدِّيات جديدة، وفي الوقت نفسه تجبر نفسك على التفكير في المشكلة بطريقةٍ مختلفة.

3. استخدام أساليب تفكير مختلفة لاستكشاف احتمالات متعددة:

أفضل طريقةٍ لحل مشكلةٍ معقَّدة هي دعوة الآخرين للمشاركة في العملية، فلا يُفترَض أن يكون التفكير التصميمي عملاً فردياً؛ إذ يحصل الإبداع بشكل أفضل حين يشارك فيه الآخرون، والتفكير التصميمي رائع للمجتمعات التعاونية ليساعدها على تخطِّي التحديات المعقَّدة، فقد يتطلب حل مشكلة بسيطة شخصاً واحداً، ولكنَّ حل المشكلات المعقَّدة يتطلب مساهمة العديد من الأشخاص.

يكمن جمال المجتمع التعاوني لحل المشكلات المعقَّدة في جمعه لأشخاص مختلفين يفكرون بطرائق مختلفة ويملكون وجهات نظر مختلفة وينتمون إلى خلفيات مختلفة؛ فإذا استثمرت ذلك بشكلٍ صحيح، فسوف تكون قوة هذا التجمع الإبداعي والنتائج القادر على تحقيقها مذهلةً، فتصبح المشكلات العصيَّة سهلةً، وتحلل القضايا المعقَّدة إلى أجزاء بسيطة يسهُل التعامل معها.

لا يحصل الإبداع حين يفكر أعضاء الفريق جميعاً بالطريقة نفسها، حيث يسمح تقبُّل الآراء المختلفة وتوفير مجال للتفكير بظهور أفكار إبداعية ووجهات نظر جديدة، ولا بُدَّ من حصول التغيير والتحول حين يتعاون أفراد المجتمع للتغلب على مشكلاتٍ معقَّدة عبر عملية التفكير التصميمي.

شاهد بالفيديو: 5 نصائح للخروج بأفكار إبداعية جديدة

مفاهيم التفكير التصميمي الأساسية:

هناك 3 مفاهيم تعتمد عليها عقلية التفكير التصميمي:

1. التواصل:

التعاطف هو أحد مبادئ التفكير التصميمي؛ إذ يقوم عليه التواصل الصادق الذي ينبع من القلب، فلا تشكل الأفكار المفاهيمية روابط بين الناس، فهي تحلِّل منطقياً الاحتمالات الممكنة بعيداً عن المشاعر، ولكن كي يُحدِثَ شيء تغييراً، يجب أن يشعر به الأطراف المعنيون جميعاً؛ أي إنَّ التغيير يتطلب الشعور. والإمكانية الأخرى التي يمنحك إياها الاتصال هي فهم أنَّ التفكير التصميمي يستثمر العملية الإبداعية لإيجاد حل أو تطوير منتج لإنسان، ولكن كيف لك أن تعرف هذا الشخص ورغباته وحاجاته ما لم تتواصل معه؟ لذا، كلما ازداد تعاطفك، كان تواصلك أعمق ومنحُك نظرة ثاقبة أكثر، حيث يقوم التفكير التصميمي على التعاطف لأنَّه يكوِّن علاقاتٍ أقوى بين الشخص الذي يصمِّم وأولئك الذين يصمِّم لأجلهم.

2. العصف الذهني:

التفكير هو جوهر النشاطات الإبداعية في عملية التفكير التصميمي، لكنَّ الوصول إلى أفكار جديدة ليس الهدف الوحيد منه؛ بل يسعى أيضاً إلى إطلاق العنان للإبداع والخيال عبر خلق منافسة بين الأفكار على مبدأ الفوز للفكرة الأفضل بغضِّ النظر عمَّن يطرحها، ويمنح هذا الالتزام البسيط بالعملية الحرية للفِرَق، فعوضاً عن الخوف من مشاركة أفكارهم لأنَّها قد تكون عديمة الأهمية، أنت تشجعهم بهذه الطريقة على الوصول إلى أفكار جديدة يمكِن أن تنجح عارفين أنَّها قد تُطبَّق، والتحدي الذي تواجهه العديد من الشركات هو اعتقاد القادة أنَّ أفكارهم هي الأفضل، لكنَّ النجاح الحقيقي يحصل حين تكوِّن فريقاً من المحترفين الماهرين وتمكِّنُهم من اتخاذ القرارات وتمنحهم حق التعبير عن آرائهم وتضمن انتقاء أفضل فكرة حقاً.

3. الاختبار:

لا تخمِّن ما إذا كانت افتراضاتك صحيحةً عن الفكرة، أو ما إذا كنتَ وصلتَ إلى الشكل النهائي للمنتج، أو كيف ستكون ردة فعل الناس عليه؛ بل اختبِرها لتخرج بإجابات دقيقة عن تلك الأسئلة، حيث يتجاهل العديدون هذه الخطوة من العملية؛ إذ لا يُعَدُّ تجريب فكرة لفترة قصيرة اختباراً لها؛ بل يجب أن تلتزم بفترةٍ طويلةٍ من الاختبار، وتسمح لنا عملية التفكير التصميمي بتطبيق فكرة والتعديل عليها وتحسينها، وعندما نحدِّد إطاراً زمنياً ثابتاً وواضحاً ونترك متسعاً من الوقت، سوف نتمكَّن من فهم سبب نجاح الفكرة أو فشلها.

يتطلب التفكير التصميمي أن نختبر الأفكار مراراً وتكراراً؛ فالاختبار يرشدك نحو الابتكار، وما من منتَجٍ ناجحٍ عالمياً إِلَّا ومرَّ بالعديد من الاختبارات خلال فترات مطولة. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أنَّ أعظم ابتكاراتنا نتجَت بالصدفة خلال تجريب منتجات أخرى، على سبيل المثال: الملاحظات اللاصقة كانت نتيجةً لتجريب منتج آخر؛ لذا أهم جزء من هذه العملية هو اختبار أفكارك حتى تصل إلى فكرةٍ ناجحة، ثمَّ اصقلها حتى تصل إلى منتَجٍ ناجح.

إقرأ أيضاً: العصف الذهني وأهميته في إيجاد الحلول لمشاكلك

مراحل التفكير التصميمي:

لنلقِ نظرةً على مراحل التفكير التصميمي الخمس:

المرحلة الأولى، التعاطف:

الهدف من هذه المرحلة هو الوصول إلى فهمٍ عميق للعملاء الذين تصمِّم المنتج لأجلهم والأمور التي تحرك مشاعرهم، فيجب أن تسأل ما هي الأمور التي تزعجهم؟ وكيف يقضون يومهم؟ وما هي الأشياء التي تسبب لهم التوتر؟ فهي عملية اكتشاف مشكلاتهم ورغباتهم الحقيقية في الحياة، ويجب أن تقابل الشركات أشخاصاً في هذه المرحلة بحيث تصمِّم آخذةً في الحسبان الإمكانيات التقنية، وتركز على وجهة نظر العميل وآرائه وأفكاره دون تحيُّز.

يُعَدُّ التعاطف الخطوة الأولى بسبب الحاجة إلى فهم هذه القِيَم ووجهات النظر العميقة، فحين يتعلق الأمر بحل مشكلاتٍ يعاني منها الإنسان يجب أن يملك المصمِّم تعاطفاً قوياً وإلَّا سيواجه صعوبةً في التصميم؛ فالتعاطف مرحلة أساسية في العملية، ويجب أن نستوعب عملية تفكير المُشتري ووجهة نظره إن كنا نرغب بالتصميم نيابةً عنه، ومن المستحيل فهم والشعور بمشكلات العميل ما لم تتمتع بالتعاطف، فهناك منهجية واضحة لعملية الاكتشاف من هذه المرحلة، خطواتها كالتالي:

  1. الانغماس: انغمِس كلياً في بيئة تحاكي بيئة العميل، بحيث تشعر وترى وتعيش - إلى حد بسيط - ما يعيشونه يومياً.
  2. تحليل السوق: هناك شركاتٌ عدَّة تقدِّم خدمة تحليل سوق عميلك، حيث يجرون بحثاً عبر الإنترنت ويزورون المنشآت المحلية كي يتعرَّفوا إلى أنماط سلوك الأشخاص الذين تستهدفهم، ثمَّ يكتبون وصفاً يقدِّم المعلومات التي طلبتَها عن عميلك.
  3. إجراء مقابلات مع العملاء: هذه أهم طريقة للتعرُّف إلى عميلك، حيث يسمح إجراء المقابلات مع العملاء لهم بأن يقدِّموا إجاباتهم مباشرةً لك، فعوضاً عن الحصول على تفسير للبيانات من قِبَل شخص آخر، ستحصل عليها بهذا الشكل من المصدر الأصلي. ينطلق التفكير التصميمي من التعاطف الذي يربط العملية التصميمية من تفكيرنا إلى مشاعر العميل، ويرشدنا إلى أفضل طريقة للتصرف.

المرحلة الثانية، التحديد:

يجب أن تصف الشركات والعلامات التجارية التي تستخدم عملية التفكير التصميمي المشكلة التي يحاولون حلها مستخدمين كلماتٍ تعبِّر عن الوضع الفعلي الذي يواجهونه بدقة؛ أي باختصار، لا يمكِنك معرفة ما إذا حقَّقتَ هدفك ما لم تعرف كيف تقيس النتائج، على سبيل المثال: في كرة القدم نحن نعرف متى يتم إحراز هدف لأنَّ أحدهم حدَّد كيف يتم تسجيل الأهداف، والشخص الذي وضع قواعد اللعبة شرح أنَّ المشكلة هي تحريك الكرة من إحدى جهتي الملعب إلى نهاية الجهة المقابلة، كما حدَّد أنَّ الحل هو تحريك اللاعبين للكرة في الملعب، وأنَّهم سيحققون هدفهم حين تصل الكرة إلى منطقة محدَّدة، ويمكِن تطبيق المنطق نفسه على عملية التفكير التصميمي؛ إذ يجب أن يحدِّد المُفكر بوضوح المشكلة التي يرغب بالعثور على حل لها، وعبر تحديد المشكلة بدقة نفهم ما الذي تتعامل معه كي نتمكن من تطوير حلول فعَّالة.

كي تحدِّد المشكلة، اطرح وأجِب عن أسئلةٍ على نمط الأسئلة التالية:

  • ما هي المشكلة أو المشكلات التي نحاول حلها؟
  • بالنيابة عن مَن نحاول حل المشكلة؟
  • ما هي الأساليب المختلفة للتعامل مع المشكلة؟
  • مَن الذي يعاني من المشكلة؟
  • أين تحصل المشكلة؟
  • هل المشكلة مادية أم نفسية أم تقنية؟
  • ما هو السياق المحيط بالمشكلة؟
  • ما أهمية حل هذه المشكلة بالنسبة إلى جمهورنا؟
  • هل سيحصل المستخدم على قيمةٍ أكبر بعد حل هذه المشكلة؟

يستطيع المصمِّمون العودة إلى اكتشافاتهم خلال مرحلة التعاطف والتركيز على استثمار تلك المعرفة في هذه المرحلة، وانطلاقاً من ذلك يستطيع المصمِّم كتابة بيان للمشكلة يرشده خلال بقية العملية.

المرحلة الثالثة، العصف الذهني:

تركز هذه المرحلة في التفكير التصميمي على الابتكار القائم على الأفكار التي توصَّلتَ إليها؛ فبحلول هذه المرحلة يكون المُفكر التصميمي قد فهم العميل عبر التعاطف وحدَّد المشكلة وهو الآن مستعد لدخول مرحلة التفكير؛ أي يجب أن يملك فهماً قابلاً للتطبيق عن جمهوره، وخلالها يتجاوز التفكير المحدود حتى يصل إلى الإبداع.

التفكير خارج الصندوق هو محطُّ التركيز هنا؛ لأنَّ الأفكار غير التقليدية هي التي تولِّد حلولاً مبتكَرة، والتحدي هو عدم السماح لأنماط تفكيرك والعناصر التي تحدُّك بأن تمنعك من الوصول إلى الأفكار الجديدة. يقاوم المُفكر خلال هذه المرحلة رغبته بالقلق بشأن الميزانية وإمكانية التوسيع، ولأنَّ القلق يُعيق الإبداع، ركِّز على الاحتمالات الممكِنة عوضاً عن العوامل التي تقيدك.

أسلوب رائع يمكِنك اتباعه خلال هذه المرحلة وهو إنشاء "خريطة ذهنية" (mind map)، وهي أداة عصف ذهني ممتازة. لتطبيقها تبدأ برسم دائرة مركزية تحوي المشكلة التي تركز على حلها، ثمَّ تتفرع منها أفكارك، وكل فكرة تقود إلى فكرة أخرى، وفي النهاية سيكون أمامك شبكة من الأفكار التي تتضمن حلولاً محتمَلة للمشكلة، وفي هذه المرحلة يزيد احتمال العثور على حل فعَّال كلما تمكَّن فريق التفكير التصميمي من اقتراح أفكار أكثر، وحالما يتوصلون إلى قائمة من الحلول الممكنة يمكِنهم الانتقال إلى المرحلة التالية.

إقرأ أيضاً: استراتيجية العصف الذهني ودورها في حل المشاكل

المرحلة الرابعة، النماذج الأولية:

يحصل الابتكار حين تصبح الفكرة واقعاً، وتنفيذ نماذج أولية صغيرة الحجم وغير مكلفة هو أساس اختبار حلِّك سواء كان المنتج مادياً أم تقنياً، فامتلاك نموذج يعمل ويمكِن تجريبه ضروري للعثور على حل ناجح، وكما ذكرنا سابقاً، الفوز للفكرة الأفضل؛ ففي هذه المرحلة يمكِنك إنشاء نموذج لتقييم مدى نجاح الفكرة، وهو ضروري لكنَّ تفاصيله لا تزال قابلةً للتعديل، ويمكِن للنماذج الأولية أن تكون مجسماتٍ أو مخططاتٍ أو صور رقمية للفكرة، ويكون الهدف في هذه المرحلة من التفكير التصميمي هو العثور على نقطة التقاطع بين الوظيفة والفائدة والإمكانية؛ أي إنَّك تحاول تصميم "أفضل حل قابل للتطبيق" (The most viable solution) بأقل استثمار أولي ممكن؛ فعبر صنع نموذج أولي، ستحصل على طريقة غير مكلفة لاختبار حلولك على أرض الواقع.

مفتاح صنع النماذج الأولية هي البساطة، فكلما ازداد تعقيد النموذج كانت النتيجة أقل من المرجوة، وأهم الابتكارات قابلة للاستخدام وبسيطة في الوقت نفسه؛ لذا لا ضرورة لتستثمر العديد من المصادر مثل المواهب والوقت والتمويل، والهدف هنا هو إنتاج نموذج أولي يعمل لاختبار فكرتك.

المرحلة الخامسة، الاختبار:

المرحلة الأخيرة من التفكير التصميمي هي الاختبار، وهي تتطلب أشخاصاً فعليين لإنتاج بيانات حقيقية؛ ففي هذه المرحلة تسمح للأشخاص الذين صمَّمتَ الحل من أجلهم باختباره، وتذكَّر أنَّ هذه المرحلة الأخيرة ليست بالضرورة آخر ما سيقوم به المُفكرون التصميميون؛ بل هي المرحلة التي يحددون فيها مدى فاعلية حلهم، فالابتكار هو الشكل الأول لتصميم المنتج، وقد يطوِّر الفريق بعده نماذج عدَّة أخرى للفكرة التي تثبت أنَّها الأفضل، وسيكون كل نموذج أفضل من الذي سبقه.

سيواجه فريق التفكير التصميمي صعوباتٍ في تصميم منتج مرغوب وقابل للاستخدام دون المرور بمرحلة اختبار متكاملة تبيِّن كيف سيتفاعل المستخدم مع الحل، فإذا كان الحل القابل للتطبيق غير مرغوب به، فهو غير قابل للتوسع. وجزء من عملية التفكير التصميمي هي معرفة أنَّك قد تضطر للعودة إلى خطوات سابقة وإعادة التصميم حتى تنجح، فمن الشائع أن تبدأ مجدداً وتطوِّر نموذجاً أولياً آخر أو نماذج عدَّة مختلفة.

في الختام:

سواء كانت شركتك كبيرةً أم ناشئةً، من المجدي أن تبذل جهدك ووقتك في تعلُّم عملية التفكير التصميمي؛ لأنَّها ستقدِّم لك أسلوباً منظَّماً للتفكير والتغلب على المشكلات المعقَّدة بطريقة بسيطة، وإذا كانت شركتك ترغب بالتأثير في مجموعاتٍ كبيرةٍ من الناس عبر المنتج أو الخدمة التي تقدِّمها، فالاستثمار في عملية التفكير التصميمي منذ البداية سيوفِّر عليك الأموال والجهد في النهاية؛ لذا صمِّم بأسلوب صحيح من أول مرة ولا ترتكب خطأ التسرع لدرجة أن تفوتك فرص تقديم حلول فعلية للجمهور الذي تحاول الوصول إليه.

المصدر




مقالات مرتبطة