ما هو موت الغفلة؟ وما هو دعاء موت الغفلة؟

يدخل الإنسان في سباق على الحياة وملذَّاتها، وكأنَّ كل فرد يملك كل ما في الحياة، ولكنَّ موت الغفلة يخبرنا أنَّه ليس بين دنيانا وآخرتنا سوى لحظة، وأنَّ الموت أقرب إلينا من حبل الوريد، وقال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ} [آل عمران: 185]، فالموت هو النهاية المؤكدة الصادقة في الدنيا، وعند ذكر هذه الكلمة (الموت) يشعر خلق الله بالخوف والرهبة، ولا يستثنى من هذا الشعور صغير أو كبير، غني أو فقير.



ما هو موت الغفلة؟

قيل في موت الغفلة هو ذلك الموت الذي يأتي دون إنذار وبشكل مباغت، ويحدث دون سبب أدى إليه أو مؤشر مرضي أو معاناة، ويسمى أيضاً (بموت الفوات) دون سكرات أو مقدمات، كما يسمى (موت السكتة)؛ أي إنَّه يأخذ الإنسان من حياته الدنيا على غفلة منه.

في الآونة الأخيرة انتشر موت الغفلة بين صفوف الشباب، فلا نعلم من فينا يسبق الآخر، ولا نعلم كم بقي لنا في هذه الدنيا الفانية، فالموت رسالة لكل الأجيال بمختلف الأعمار لا يستأذن أحد، ويخطف الأشخاص من حولنا في لحظة ولا ندري متى يخطفنا، قال الله عز وجل: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20]، وقد ثابر علماء الفقه في تحليل إحداثيات موت الغفلة وانقسموا بين مؤيد إلى أنَّه سوء الخاتمة، وبعضهم رفض الاعتراف بأنَّه دليل سوء الخاتمة، فما هي علاقة موت الغفلة بخاتمتنا؟

عرض الكثير من علماء الدين أمثلة عن موت الغفلة وبأنَّه لا يجوز من خلاله الحكم على المتوفى بأنَّه في ضلال أو ليس له جنة أو موته دليل دخوله إلى النار أو عقاب من رب العالمين، فلا يصح الادعاء بأنَّ موت الغفلة من دلائل سوء الخاتمة، فمثلاً شخص معروف بطيبته وحسن أعماله وغير مؤذٍ وقائم الليل وصائم ومتصدق على قدر استطاعته انتقاه ربه فجأة.

ربما حدث خلاف ذلك مع شخص آخر ومات أيضاً فجأة وكان ذا سيرة سيئة ومحب لملذات الحياة ومغروراً ولا يطيع الله في أعماله ومقلاً في أعمال الخير، فهل يجوز مساواة الاثنين بالحكم بسوء الخاتمة؟

من هنا وجب علينا عدم الحكم على صلاح الإنسان من خلال طريقة موته، فقد ورد في صحيح مسلم عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (يُبعَثُ كُلُّ عَبدٍ علَى ما ماتَ عليه)؛ أي بمعنى أنَّ الإنسان يبعث يوم الحساب على ما توفي عليه، فموت الغفلة قد يكون رحمة للمؤمنين من عند الله سبحانه وتعالى ومغفرة، فعدم الشعور بالألم وإن كان ذلك وشعر بضيق أو شدة أو ألم، فمن المرجح أنَّ الصبر على هذا الشعور مغفرة أيضاً ورحمة.

في لقاء سابق مع سماحة الشيخ "ابن جبرين" رحمه الله سئل عن موت الغفلة وعن أسبابه، وهل بالإمكان تفاديه؟ وهل يكثر هذا الموت في آخر الزمن أم هو في كل زمان؟ وهل فعل الصدقات وأعمال الخير منجية؟ وغير هذه الأسئلة المتعلقة بموت الغفلة، وجاءت إجابته رحمه الله كالآتي:

(ورد في بعض الآيات أنَّ في آخر الزمان يكثر موت الغفلة وله صور كثيرة، فمنها ما يسمى بالسكتة القلبية؛ بأن يتوقف القلب ويحصل بعدها الموت في تلك اللحظة، ولا يتمكن الأهالي من العلاج ولا من استدعاء الأطباء لحصول تلك السكتة بغتة دون مقدمات آلام أو أمراض، ومن صورها الغشية والإغماء الذي يحصل بعدها طروح الروح، فيحصل الموت فجأة ولا يكون هناك مقدمات ولا علامات قبله، فتحصل الوفاة في تلك اللحظة.

كذلك قال تكثر صور الحوادث المرورية للسيارات التي تودي بحياة مجموعات من الناس؛ وذلك يعود إلى تهور بعض السائقين وركوبهم الأخطار وتعرضهم لأسباب الحوادث بالسرعة الجنونية التي يكون من آثارها حوادث الانقلاب والاصطدام، وينتج عن ذلك زهق أرواح في تلك اللحظة.

لقد تحدث رحمه الله عن أمثلة أخرى مثل القتال مع اللصوص وقطاع الطرق وغير ذلك من الأمثلة التي تدل على أنَّ موت الغفلة ليس دليلاً على سوء الخاتمة؛ بل ربما هو نعمة ورحمة ومغفرة وقرب من الله بكل ما فيه من خير).

إقرأ أيضاً: كيف نتجاوز فقدان شخص عزيز؟

علامات موت الغفلة:

أكد علماء الفقه والدين أنَّ من يموت موت الغفلة لا يجب تجهيزه حتى يتحقق موته وتعلن خروج روحه، فذكروا دلالات يجب التأكد من وجودها للتأكد من الموت، ومن هذه العلامات:

  1. انخساف صدغيه وميل أنفه.
  2. غيبوبة سواد عينيه في البالغين.
  3. انفصال كفيه بأن تسترخي عصبة اليد.
  4. تنخلع الكف من الذراع وتظهر وكأنَّها منفصلة عن جلدتها وعن عظم الزند.
  5. استرخاء الرجلين ولينهما.
  6. تغيير رائحته.

هذه من أعظم العلامات التي تؤكد موته والتأكيد على ملاحظته مخافة أن يكون قد تعرض لسكتة قلبية، وربما يستيقظ منها بعد يوم أو يومين وقد لوحظ حدوث ذلك كثيراً، وقد أشار بعض علماء الفقه بأنَّ سبب كراهية موت الغفلة هو الخوف من عدم تمكن المتوفى من صك وصيته، وعدم مقدرته على الاستعداد للمعاد بالتوبة وغيرها من الأعمال الصالحة، وهذا ناتج عن تهاون الناس فيأتيهم الموت وتضيع الحقوق.

شاهد بالفيديو: ما يقال في التعزية والمواساة

هل يمكن حماية أنفسنا من موت الغفلة؟

صرح بعض الناس بأنَّنا نستطيع حماية أنفسنا من الموت المفاجئ، فكيف ذلك؟ وما هي الخطوات التي أكدوا عليها؟ قامت بالكتابة عن هذا الموضوع "ياسمين الصاوى" فقالت إنَّه أُطلق على موت الغفلة متلازمة الموت المفاجئ، والمصابون بها لا يعانون من عيوب في القلب؛ بل يبدو الأمر شائعاً بين صغار السن وحتى الأطفال الرضع، وغالباً يبدو الشخص بحالة صحية جيدة قبل التعرض للموت المفاجئ، إلا أنَّ الموضوع لا يخلو من بعض الأعراض التي من الوارد حدوثها أحياناً، ولخصتها في النقاط الآتية:

  1. الدوخة والدوار.
  2. صعوبة التنفس.
  3. عدم انتظام ضربات القلب.
  4. الإجهاد المفاجئ في أثناء الحركة.
  5. ألم الصدر خاصة في أثناء الرياضة.
  6. فقدان القدرة على التوازن.

أهم الخطوات للوقاية من الموت المفاجئ تقديم الإسعافات الأولية وإسعاف المصاب لأقرب مستشفى ومحاولة إنقاذه باستخدام الصدمات الكهربائية، والعمل على وقاية نفسك من الأدوية التي قد تسبب ظهور علامات الموت المفاجئ، كذلك الأمر في حال ظهور حمى أو مشكلات القلب يجب معالجتها فوراً، ولا بد من التأكيد على النظام الغذائي المتوازن والكشف العام على الجسم عند الأطباء المتخصصين، فهذا كل ما يمكن فعله فيما يتعلق بتجنب موت الفجأة أو الغفلة دون أسباب مباشرة ويبقى قضاء الله وقدره هو الذي يحكم البشر ويحدد مصائرهم.

دلائل من القرآن الكريم عن موت الغفلة:

جاء في كتاب الله عز وجل آيات عدة تؤكد حتمية الموت، وشملت عِبراً ونصائح للمتفكرين بالله ومن أهم الدلائل القرآنية:

  1. سورة البقرة الآية 180: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}.
  2. سورة البقرة الآية 28: {كنتم أمواتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يحييكم ثم إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
  3. سورة النساء الآية 78: {أينما تَكُونُوا يُدْرِككمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كنتم فِي بُرُوجٍ مشيدة}.
  4. آل عمران الآية 185: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
  5. سورة آل عمران الآية 145: {مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}.
  6. سورة النساء الآية 97: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً}.
إقرأ أيضاً: نظريات وآراء أهم الفلاسفة عن الموت

ما هو دعاء موت الغفلة؟

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص يحفظ من موت الفجأة، وما يتم تداوله حول وجود دعاء عار عن الصحة ولا أصل له في السنة، والأصدق أن يدعو الإنسان بما كان رسول الله يدعو به، فقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ إنَّي أعوذُ بك من زوالِ نعمَتِك، وتَحَوُّلِ عافيَتِك، وفجْأةِ نقمتِك، وجميعِ سَخَطِك) رواه مسلم والله أعلم.

موت الغفلة تم ذكره سابقاً قد يأتي للإنسان في أي وقت مهما بلغ من منزلة في الحياة، ولا يحتاج إلى مقدمات أو مرض ويأتي في أي سن أو مكان، فما على الإنسان إلا الاستعاذة من موت الغفلة فهو يجعل الإنسان محصناً ومحاطاً بالملائكة، والإكثار من ذكر الله والدعاء والاستعاذة من موت الغفلة، ودائماً الدعاء بحسن الخاتمة قبل النوم وفي كل وقت، وهنا لا بد أيضاً من الإشارة إلى بعض النقاط التي تعد بمنزلة حصن لنا من موت الغفلة، وأبرز تلك النقاط:

  1. الالتزام بالفرائض: الصلاة والصيام والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلاً، كلها حصن لنا ورصيد في حسناتنا يجبر الله خواطرنا بها يوم الحساب.
  2. تذكير النفس دائماً بالموت: الإكثار من التذكير به يصلح حال الإنسان ويعينه على التوبة إلى الله دائماً.
  3. التوبة الصادقة: بالإقلاع التام عن كل معصية وعدم العودة إليها والندم على ارتكابها وأداء الحقوق إلى أصحابها.
  4. حسن الظن بالله عز وجل: الله رحيم غفور حليم بعبده كما كرمه بالدنيا سيكرمه أضعافاً في الآخرة، ويجب على الإنسان أن يثق بقدرة ربه وبكرمه ورحمته، ويقول الله تعالى: (أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظُنَّ بي ما شاء).

في الختام:

إنَّ الله أعلم بخلقه وأعلم بملكه وأعلم بما قبل الموت وما بعده، فسكرات الموت حق على كل إنسان كيفما جاء، فأحسن إلى خاتمتك بالأعمال الحسنة والقلب الطيب المترفع عن الحقد والمحب لله أولاً ولرسوله وخلقه ثانياً، وكرِّم ذاتك في الدنيا بالأخلاق الحميدة والسمعة الطيبة وطاعة خالقك، وكن دائماً على يقين أنَّ الله لا يضيع أجر المحسنين والمؤمنين، وهو العادل والحق، ورحمة الله واسعة فأكثر من الاستغفار لتكسب الآخرة.




مقالات مرتبطة