ما هو قانون "برايس" (Price)، وما هي أهميته؟

اكتشف "ديريك برايس" (Derek Price)، الذي كان فيزيائياً بريطانياً ومؤرِّخاً للعلوم وخبيراً في مجال المعلوماتية شيئاً عن أقرانه في الأوساط الأكاديمية؛ إذ لاحظَ أنَّ بعض الأشخاص يتصدَّرون العناوين دوماً، ويهيمنون على الساحة في موضوعٍ أو مجالٍ ما، وهُنا اكتشف "برايس" قانونه الذي ينصُّ على أنَّ 50% من العمل يُنجز من قبل الجذر التربيعي لمجموع عدد الأشخاص الذين يشاركون في العمل.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن قانون "برايس" وأمثلته وتطبيقاته في المجالات أو الشركات التي تضم 100 شخصاً.

لقد عرفتُ قانون "برايس" وتعلَّمته حين كنتُ أحضر محاضرةً للدكتور "جوردان بيترسون" (Jordan Peterson)، وهو بروفيسور في علم النفس، ومؤلِّف كتاب "12 قاعدة للحياة" (12 Rules For Life)؛ إذ يقول: "كلَّما نمت شركتك وتطوَّرت، فإنَّ عدم الكفاءة ينمو ويتزايد بدرجة كبيرة، في حين تتزايد الكفاءة تدريجياً وبمُعدَّل ثابت أو بصورة خطية".

أمثلة عن قانون "برايس":

كان لديَّ نحو 25 زميلاً يمارسون نفس العمل في وظيفتي الأولى التي حصلتُ عليها في مجال المبيعات، وقد لاحظتُ أمراً غريباً بعد الشهر الأول في تلك الوظيفة؛ فقد وجدتُ أنَّ أربعةً من زملائي فقط ساهموا بكسب ما يزيد عن نصف إجمالي المبيعات، وكان يُنظَر إلى هؤلاء الأشخاص المُبجَّلين على أنَّهم نجومٌ على الأرض.

لقد كان عمري 17 عاماً في ذلك الوقت، ولم يكن لديَّ أي فكرةٍ عن سبب حدوث ذلك، ولم أكن أعلم أنَّ هذه العلاقة تصحُّ على كلِّ شيءٍ تقريباً في مجال الأعمال، ويُطلَق عليها "قانون الجذر التربيعي لبرايس" (Price’s square root law)، وقد بدأت في الأوساط الأكاديمية.

هذا يعني أنَّ قانون "برايس" صحيحٌ ودقيقٌ جداً؛ ويعني ذلك في المثال الذي أوردتُه أعلاه أنَّ خمسة أشخاصٍ - وهو الجذر التربيعيُّ لإجمالي عدد العمال البالغ 25 عاملاً في وظيفتي - ينبغي أن يُساهموا بتحقيق 50% من المبيعات، وقد ساهم أربعة مُوظفين في الطابق الذي أعمل به بتحقيق 50%-60% من المبيعات؛ فقليلٌ من الأشخاص فقط مسؤولون عن إضافة غالبية القيمة للأعمال، ويُعَدُّ قانون "برايس" مماثلاً جداً لمبدأ "باريتو" (Pareto)، ولكنَّ الفرق بينهما هو أنَّ "برايس" نظرَ إلى العلاقة بين الأشخاص والعمل الذي يُنجزونَه.

شاهد بالفيديو: 9 قواعد أساسية لزيادة الإنتاجية في العمل

نتائج قانون "برايس" والآثار المترتبة عليه:

يتحدث الدكتور "بيترسون" في إحدى محاضراته عن هيمنة قليل من المؤلِّفين فقط على مبيعات الكتب، ويأتي على ذكر الكاتب الأمريكي "ستيفن كينغ" (Stephen King) الذي كان متفوِّقاً ومسيطراً على أعلى مُعدَّلات المبيعات لعقودٍ من الزمن؛ إذ باع أكثر من 350 مليون كتابٍ، أمَّا بالنسبة إلى المؤلِّفة البريطانية "جي كي رولينغ" (J.K. Rowling)، فقد باعَت أكثر من 400 مليون كتاب.

إن نظرتَ إلى عدد الكتب المُباعَة في عامٍ واحد، فعلى الأرجح سترى النسبة الحسابية الموصوفة من خلال قانون "برايس"؛ إذ توجد قِلَّةٌ قليلةٌ فقط من المؤلِّفين من بين مئات الآلاف منهم مسؤولون عن 50% من مبيعات الكتب، ولكنَّ هذا أكثر تماشياً مع مبدأ "باريتو".

لا حاجة إلى مقارنة النظريات على كل حال، فغالباً ما تقتصر تلك النظريات والقوانين على كونِها أشياء نظريةً فقط وليست أكثر من مُجرَّد نماذج وأمثلة، وإنَّما ما يهمُّنا هو تداعياتها ونتائجها؛ إذ يحبُّ الأشخاص الأكاديميُّون والمدوِّنون المفكِّرون تحليلَ العالم وهم جالسون على كراسي خلف مكاتبهم الجلدية ويشربون مشروباتهم المُفضَّلة، كما يحبُّون شرحَ كيفية عمل العالم من حولهم.

أمَّا بالنسبة إلينا، فإنَّنا لا نملك الوقتَ الكافي لدراسة جميع النماذج الفكرية الموجودة والبالغ عددُها 1419 نموذجاً؛ إذ ما يزال يتحتَّم علينا ارتداء ملابسنا في كل صباح والذهاب للعمل كي نتمكَّن من تأمين معيشتنا ودفع الفواتير المترتبة علينا، ولكنَّها ليست طريقةً مثمرةً لعيش حياة مُنتِجة أيضاً.

إذ لا يمكنك أن تسكن في برجٍ عاجيٍّ بعيداً عن أرض الواقع وتبدأ بانتقاد العالم، ولكنَّك لا يجب أن تنتقد أيضاً الظُّلم والاضطهاد فيما تعملُ بجدٍّ لكسب مالك ولقمة عيشك؛ إذ نعلم جميعاً أنَّ الحياة ليست سهلةً، وأنَّ النظريات الموضوعة كقانون "برايس" ما هي إلَّا أفكارٌ فحسب وليست حقائق، فهي لا تصمُد في جميع المواقف ولا تنطبق على كل الحالات.

لذلك علينا أن نتوقف لبُرهةٍ ونفكِّر فيما يمكننا تعلُّمه من ذلك قبل أن يخرج مجموعة من الحمقى المتباهين والسَّاعين لِلَفت الأنظار ويضعوا نظرياتٍ عن جميع القيود والعوائق في قانون "برايس"؛ وذلك لأنَّ فهم الفكرة الكامنة وراءَ هذا القانون يمكن أن تسهِّل حياتَنا بدرجة كبيرة.

لذا؛ أريدُ منك أن تسأل نفسك إن كنت في وضعٍ يسمح لك بإنشاء قيمةٍ جوهرية وهامَّة في ظلِّ مهنتك التي تمارسها حالياً، فإن لم تكن كذلك، عليك أن تمضيَ قدُماً وتواصل رحلتك باحثاً عن مكانٍ آخر لك حيثُ يمكنك فعلُ ذلك.

كذلك عليك إتقانُ عملك وما تفعله جيداً، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكِّنك من تحقيق قيمةٍ لأفعالك؛ إذ ينبغي لنا أن نكون واقعيين ونفهم أنَّه لا توجد طرائق مُختصرة في هذه الحياة، كما يلزمنا بعضُ الوقت كي نصبح أشخاصاً جيِّدين، ناهيك عن تحوُّلنا لأشخاصٍ عظماء.

يجب على الشركات كذلك توظيف مزيد من الأشخاص الماهرين والذين قدَّموا من قبل مُساهماتٍ لشركاتٍ أخرى في الماضي، وهذا واحدٌ من أهم دروس الأعمال التي تعلَّمتها من خلال المراقبة البسيطة لعمل قلة قليلة من الأشخاص الذين يضيفون أعظم القيمة للشركات التي يعملون فيها.

فعلُ الأمور التي تُتقِنُها جيداً:

إنَّ أفضل نصيحةٍ مهنية يمكن للمرء أن يتلقاها هي فعل الأمور التي يُتقنها ويُجيدها حقاً، وهو ما قاله المستشار الإداريُّ والمدرِّسُ "بيتر دراكر" (Peter Drucker) على مدى عقودٍ من الزمن، فحين تفعل الأمور التي تتقنها جيداً، ستتمكَّن من إكساب أعمالك مزيداً من القيمة والعَظَمة.

بالنسبة إلي أُطبِّق هذه النصيحة في حياتي دوماً؛ إذ يمكنني إضفاء مزيد من القيمة حين أعمل في شركتي العائلية أكثر ممَّا أستطيع فعله عند عملي في شركةٍ كبيرة، كما أنَّني أستطيع تزويد مُدوَّنتي بقيمةٍ أعظم عند العمل عليها بالطريقة التي أُتقنها جيداً بدلاً من استخدام تطبيق "إنستغرام" (Instagram) مثلاً.

إقرأ أيضاً: مبدأ باريتو: قاعدة 80-20

حين تُضفي قيمةً أعظم على العمل الذي تمارسه، ستشعرُ بحالٍ أفضل، إضافة إلى تحقيق مزيد من المكاسب والأرباح، وهو ما لا يُعدُّ من الآثار الجانبية السيئة لإنجاز أعمال عظيمة.

إقرأ أيضاً: 12 طريقة للعمل بذكاء وتحقيق إنتاجية أكبر دون بذل جهد كبير

في الختام:

الحياة ليسَت متكافئةً أو ذاتَ تطور تدريجي وثابت، ومن ثمَّ لا مكان فيها للأشخاص ذوي التقدُّم المحدود والبطيء، فثمَّة عددٌ قليلٌ من الأشخاص في كلِّ مجال مسؤولون عن نصف النتائج وحدهم، وقد أثبتنا ذلك الآن بعد وصولنا لنهاية المقال؛ لذا عليك إيجاد المجال الذي يمكنك أن تكون فيه من ضمن الأقلية المُبجَّلة ذات الأهمية العُظمى والمتابعة فيه؛ إذ ستحصل حينها على أغلبية الفوائد المترتبة على ذلك، لتجدَ حياتَك أفضل بكثير ممَّا هي عليه الآن.




مقالات مرتبطة