ما هو جنون الارتياب، وهل نحن معرضون للإصابة به؟

هل قابلت يوماً شخصاً لا يثق أبداً بالناس من حوله، ويبقى متوجساً منهم ودائم الشك بصدق نواياهم تجاهه، ويخاف الجميع ويعتقد أنَّه دائماً تحت المراقبة؟ في الواقع كل ما يحس به هذا الشخص من مشاعر وينتابه من هواجس وأفكار ومخاوف غير منطقية هو أمر خارج عن إرادته، وبشكل أدق قد يكون هذا الشخص مصاباً بمرض نفسي يُطلق عليه اسم جنون الارتياب أو "البارانويا"، فإذا أردت أن تعرف أكثر عن هذا المرض النفسي وتتعرف إلى أسباب الإصابة به، وإذا كان أي شخص معرضاً للإصابة بجنون الارتياب، فتابع القراءة.



أولاً: ما هو جنون الارتياب؟

جنون الارتياب أو "البارانويا" هو مرض عصبي ينطوي على طريقة تفكير غير منطقية تجعل الشخص المصاب به دائم الشعور بالقلق والتوجس ممن حوله، فيخاف من الجميع ويعتقد أنَّهم يضمرون له الشر ويراقبونه بقصد إلحاق الأذى به، والحقيقة هي أنَّه لا يوجد شيء من هذه الأفكار صحيح على أرض الواقع وكل ما يشعر به لا يتعدى كونه أوهاماً تدور في عقله فقط؛ إذ يرتبط اضطراب جنون الارتياب بثلاثة اضطرابات رئيسة، وهي:

1. اضطراب الشخصية المرتابة:

ينتشر هذا الاضطراب بين الرجال أكثر من النساء، وغالباً ما يبدأ ظهوره في فترة الطفولة أو المراهقة، ولكنَّه يُعَدُّ الاضطراب الأخف من بين أنواع الاضطرابات الثلاثة، ويتصف أصحاب هذا الاضطراب بأنَّهم شكاكون لا يثقون بأحد.

2. اضطراب الوهام:

هو نوع أخطر من السابق، وهو أحد أنواع الذهان، ولا يمتلك المصاب به القدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم ويصدق كل الأوهام التي تدور في رأسه، فقد يعتقد بوجود شخص يتجسس عليه دون أي دليل على وجوده في الحقيقة.

3. انفصام الشخصية البارانويدي:

أشد الاضطرابات الثلاثة، وينتج عنه هلوسة وأفكار غريبة وأوهام واضطرابات في السلوك بشكل يؤثر في سير الحياة الطبيعية ويتطلب تدخلاً علاجياً قد يستمر مدى الحياة.

ما هو الفرق بين جنون الارتياب "البارانويا"، وبين جنون العظمة؟

يخلط الكثير من الناس بين جنون الارتياب وجنون العظمة، وقد تجد في كثير من المقالات استخداماً لمصطلح "البارانويا" للإشارة إلى جنون العظمة، في حين أنَّ هذا المصطلح يعبِّر عن جنون الارتياب الذي كنَّا قد شرحنا قبل قليل عنه، فمريض "البارانويا" يشعر دائماً أنَّه مضطهد وأنَّه مهدد على الرغم من عدم امتلاكه أي دليل على مشاعره تلك.

تبدأ الأمور بمشاعر بسيطة مرتبطة بعدم الإحساس بالراحة والأمان لتتدهور فيما بعد وتتحول إلى مرض عقلي قد يكون له تأثير كبير في صحة المريض العقلية وفي استمرار حياته بشكل طبيعي، أما في حال جنون العظمة يشعر المريض أنَّه بطل خارق لديه من الصفات ما لا يوجد عند غيره من كل النواحي وليس مجرد غرور أو ثقة بالنفس، ويُعرف بأنَّه مرض المشاهير من أمثال "هتلر"، فالشخص المصاب بجنون الارتياب لا يعاني مثل هذه الأوهام ويستطيع عموماً إكمال حياته، وفي الحالات العادية دون أيَّة عوائق إلا فيما يخص حياته الاجتماعية.

شاهد: 6 عادات خاطئة تقضي على صحتك النفسيّة

ثانياً: ما هي أعراض مرض جنون الارتياب؟

توجد مجموعة من الأعراض التي تظهر على مريض جنون الارتياب والتي تمكِّنك من التعرف إليه عند تعاملك معه، وعندها عليك توخي الحذر من تصرفاتك وأقوالك وسلوكاتك حتى لا تصبح أنت أيضاً ضمن دائرة الشك والارتياب الخاصة به، والجدير بالذكر أنَّ هذه الأعراض تختلف بين شخص وآخر، وقد لا تظهر جميعها عند المصاب، ويرجع هذا الاختلاف إلى نوع الاضطراب وشدته:

  1. دائم الشك بتصرفات الآخرين ونواياهم.
  2. التوجس من كل فعل أو حركة أو عمل يقوم به الآخرون وعدم الثقة بهم.
  3. الشعور بأخذ وضعية الدفاع دائماً، فكل كلمة منك ولو كانت عفوية يضعها تحت المجهر ويضخمها بشكل غير عقلاني أبداً، كما يبني ردود فعله على أساس تهيؤاته واعتقاداته، لذلك غالباً ما يكون عدائياً.
  4. الشعور دائماً بأنَّه المقصود من أي تصرُّف أو حديث، وهذا ما يجعله يحس دائماً بالإهانة.
  5. دائم القلق والتوتر والخوف المبالغ فيه دون أي سبب منطقي.
  6. تفضيله البقاء وحده؛ وذلك لأنَّ العزلة تعطيه شعوراً بالأمان، وحتى في حال قرر إقامة علاقات اجتماعية لا ينجح بذلك لأنَّه يشعر أنَّ مثل هذه العلاقات تعكر صفو حياته.
  7. عدم قبول النقد والاعتقاد بأنَّ رأيه فقط هو الصائب وآراء الآخرين فقط لاستفزازه وإزعاجه.
  8. ظهور أعراض هلوسة في بعض الحالات الشديدة.

من الهام أن نعرف أنَّ الأشخاص المصابين بـ "البارانويا" أو جنون الارتياب لا يشعرون أنَّهم غير طبيعيين أو أنَّ المشكلة تنبع منهم؛ بل هم مقتنعون تماماً أنَّهم تحت التهديد وأنَّ الجميع يحاولون الإيقاع بهم وإيذاءهم.

ثالثاً: ما هي الأسباب الكامنة وراء الإصابة بجنون الارتياب؟

جنون الارتياب مثله مثل الأمراض والاضطرابات العقلية والشخصية الأخرى لا يُعرف سبب واضح ومحدد للإصابة به، والأسباب عبارة عن مزيج من العديد من العوامل التي يؤدي كل منها دوراً في جعل شخص ما أكثر عرضةً للإصابة من غيره، وسنحاول فيما يأتي الإحاطة بهذه العوامل جميعاً:

  1. تؤدي العوامل الجينية والوراثية دوراً في الإصابة.
  2. أثبتت الدراسات أنَّ الأشخاص الذين يعيشون حياة غير مستقرة تجعلهم دائماً تحت الضغط وفي موضع قلق أكثر عرضةً للإصابة بجنون الارتياب من الآخرين، وربما يكون هذا السبب إجابة عن تساؤل هل نحن معرضون للإصابة بجنون الارتياب؟ ففي حال كنت تحت ضغط نفسي مستمر عليك الانتباه جيداً إلى صحتك النفسية والجسدية وتوخي الحيطة والحذر لحماية نفسك من خطر الإصابة بجنون الارتياب.
  3. الإدمان وتعاطي أنواع محددة من المخدرات كالكوكايين أيضاً من الأسباب، فمن المعروف كيف تؤثر المخدرات في الناقلات العصبية وفي كيمياء الدماغ.
  4. معاناة الشخص من أمراض نفسية أخرى.
  5. من المرجح أنَّ الإصابة ترجع إلى مرحلة الطفولة، فسوء المعاملة التي يتعرض لها الأطفال من قِبل أحد الوالدين أو مرورهم بتجارب صعبة وقاسية تؤثر في نظرتهم للحياة وطريقة تفكيرهم وتضعف ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين.

رابعاً: تشخيص جنون الارتياب وعلاجه

تشخيص جنون الارتياب:

من الصعب جداً كما ذكرنا إقناع الشخص المصاب بجنون الارتياب بإصابته، كما من الصعب على المريض نفسه اكتشاف مرضه بنفسه، ففي حال كان المريض أحد المقربين لك أو أحد أفراد عائلتك ولاحظت الأعراض السابقة عليه، يمكنك توجيهه ومساعدته على الذهاب إلى الطبيب أو المختص النفسي للقيام بتشخيص المرض بشكل أدق ووصف العلاج اللازم.

قد يواجه الطبيب بعض المشكلات عند تشخيص "البارانويا"؛ وذلك لوجود تشابه بين أعراضها وأعراض العديد من الأمراض النفسية الأخرى كضعف الثقة بالنفس، فتشخيص جنون الارتياب يتطلب الإجراءات الآتية:

  1. إجراء فحوصات واختبارات لتوصيف حالة المريض الصحية واستبعاد أو تأكيد وجود أمراض أخرى تصاحب غالباً جنون الارتياب مثل الاكتئاب، والتأكد أيضاً من أنَّ المريض لا يعاني من أثر جانبي لأحد الأدوية.
  2. البحث في التاريخ الطبي للمريض وعائلته.
  3. الفحص البدني ومجموعة من الاختبارات النفسية.
  4. علاج جنون الارتياب.

شاهد أيضاً: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

ترتبط النتائج الإيجابية للعلاج دائماً بدراسة المسببات بشكل جيد، ومعرفة شدة الحالة ونوعها، وتتضمن الخطة العلاجية لمرضى جنون الارتياب:

1. العلاج الدوائي:

يتضمن العلاج الدوائي مجموعة من الأدوية التي تساعد المريض على التخلص من أعراض القلق والتوتر التي ترافقه بسبب إصابته بجنون الارتياب، وتتضمن مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للذهان اللانمطية تحت إشراف طبي وغيرها.

2. العلاج النفسي والسلوكي المعرفي:

الهدف الأساسي من هذا العلاج هو محاولة مساعدة المريض على تقبًّل مشكلاته وزيادة ثقته بنفسه والتخفيف من حدة المشاعر التي يحسها وتعليمه كيف يتحكم بها ليتمكن من ضبط سلوكه بهدف تحسين حياته وعلاقاته الاجتماعية، وإذا كان سبب الإصابة تعاطي المخدرات فلا بد من وضع خطة علاجية تتضمن تخليص المريض من إدمانه.

إقرأ أيضاً: الانهيار العصبي: أعراضه، أسبابه، كيفية الوقاية منه

هل من الممكن أن تصبح حالة المصاب بجنون الارتياب خطيرة؟

من المؤسف أنَّ مرض جنون الارتياب من الممكن أن يتطور ويصل إلى مرحلة صعبة تؤثر تأثيراً كبيراً في حياة المريض، فقد تلاحقه التخيلات والأوهام لدرجة تسيطر فيها على حياته، كما قد تترافق مع هلوسات سمعية وبصرية، وقد يصل الأمر إلى إصابة الشخص بانفصام الشخصية، وهنا بالتأكيد سيخضع المريض لرحلة علاج طويلة وصعبة عليه وعلى المحيطين به، وخاصةً أنَّ تناوله للأدوية لن يكون سهلاً، فقد يمتنع عنها معتقداً أنَّها ستسبب الأذى له وتهدد حياته.

إقرأ أيضاً: 7 أمراض نفسية أغرب من الخيال

في الختام:

نأمل أن نكون قد استطعنا من خلال المقال السابق إعطاء معلومات شاملة وكافية عن مرض جنون الارتياب، لكن يبقى أن ننتبه جيداً إلى نقطة هامة وهي أنَّنا بوصفنا أشخاصاً عاديين لسنا مؤهلين أبداً لإصدار تقييمات أو تشخيص في حال صادفنا بعض هذه الأعراض عند أشخاص من محيطنا، ويبقى الطبيب النفسي هو صاحب الكلمة الفصل في حقيقة إصابة شخص ما أو عدم إصابته.




مقالات مرتبطة