ما هو تأثير التشخيص غير الدقيق لاضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه"؟

من خلال الصعوبات التي واجهَتها ابنتي في السنة الدراسية الأولى، اكتشفنا مقدار الجهد الذي استغرقه الجلوس والتعلم. بدايةً، فقد كانت الأصغر سناً في صفها؛ وهذا عرَّضها إلى خطر تشخيصها باضطراب "فرط الحركة وتشتت الانتباه" (ADHD).



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الدكتورة "لويز كازدا" (Luise Kazda)، والتي تُحدِّثُنا فيه عن تجربتها في تأثير التشخيص غير الدقيق لاضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) في الأفراد.

ومع أنَّها عانت بشدة لتركيز انتباهها والتحكم بفرط الحركة، إلَّا أنَّ مشكلاتها كانت مثيرة للإحباط أكثر من كونها معوقة للعملية التعليمية، وقد استمرت صعوبات إنهاءِ المهام ضمن وقت محدد، ناهيك عن مجهود الأعصاب الذي يُصرَف على طفلٍ بحاجة إلى اهتمامٍ إضافي، والغضب أو الحزن الظاهرَين على وجهها؛ وهذا دفعني إلى التساؤل عن حاجتها إلى بعض الدعم الطبي، وربما سيكون التشخيص حلاً مباشراً للمشكلة؟

ما هي المشكلة؟

أدَّت زيادة الوعي باضطراب "فرط الحركة وتشتت الانتباه" (ADHD) إلى ارتفاع مستمر في عدد الأطفال المُشخَّصين وعلاجهم منه، وسيكون هذا جيداً في حال كان القصد التحسُّن في العثور على الأطفال الذين يعانون من "فرط النشاط وتشتُّت الانتباه" (ADHD) وتشخيصهم ومساعدتهم.

ولكنَّني وجدتُ من خلال دراستي المنشورة حديثاً في المجلة الطبية "جاما نيتوورك أوبن" (JAMA Network Open) أنَّ السبب المتوقع لهذه الزيادات في تشخيصات اضطراب "فرط الحركة وتشتت الانتباه" (ADHD) إلى حدٍ كبير هو وجود أطفال مثل ابنتي، والذين تقع سلوكاتهم ضمن نطاق طبيعي - ولكن محبط - أجريتُ هذا البحث مع زملاء من "جامعة سيدني" (University of Sydney) و"جامعة بوند" (Bond University).

وخَلُصَت دراستنا إلى أنَّه من غير المرجح أن يستفيد هؤلاء الأطفال من تصنيفهم باضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD)، وقد يتضررون بسببه في الواقع، كما تؤدي هذه الزيادة في التشخيصات غير الدقيقة إلى ضياع الموارد والدعم المحدود لغير أهله؛ وهذا يؤدي إلى استبعاد العديد من الأطفال ذوي السلوكات الخطيرة، والذين سيستفيدون من هذا الدعم.

ما هو اضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD)؟ ولماذا أثار هذا الموضوع الجدل في الآونة الآخرة؟

هو "نمط سلوكي متكرر يتَّسم بالاندفاع الذي يؤثر في الأداء أو التطور بسبب تشتت الانتباه و/ أو فرط النشاط".

إنَّه أحد أكثر اضطرابات الطفولة انتشاراً، والذي يؤثر في حوالي 5 -7% من الأطفال، وخلال العقود الماضية احتدم النقاش حول صوابية التشخيصات إضافة إلى ارتفاع معدلات التشخيص، وانقسم الناس بين مؤيد ومعارض.

كان الطبيب الأمريكي البارز "ألن فرانسيس" (Allen Frances) من أشد المنتقدين لاتجاه التشخيص غير الدقيق باضطراب "فرط الحركة وتشتت الانتباه"، ووصف ذلك أنَّه "إضفاء الطابع الطبي "التطبُّب" على السلوكات اليومية، والتي تشكل جزءاً من الحالة الإنسانية الاعتيادية".

بينما يشير آخرون إلى أنَّ الزيادات في تشخيص الأطفال ترجع إلى حدٍ كبير إلى التَّحسُّن الذي ظهر على الأطفال الذين لم يُشخَّصوا من قبل.

ويدَّعي الجانبان وجود أدلة على حُججهم، ولكنَّنا فوجئنا بعد البحث والتقصي باكتشاف عدم وجود أي دليل علمي أو سبب رئيس لزيادة معدلات التشخيص؛ لذلك استعرضنا نتائج أكثر من 300 دراسة عن اضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) على مدى السنوات الأربعين الماضية، لتحديد استفادة الأطفال من تشخيصهم، كما سمح لنا تصميم دراستنا بتلخيص مجموعة كبيرة ومتنوعة من الدراسات بطريقة حديثة.

شاهد بالفديو: 7 وصايا للوالدين للتعامل مع صعوبات التعلم عند الأطفال

آلية العمل والنتائج:

وجدنا تزايد عدد الطلاب الأطفال والمراهقين المشخَّصين باضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) حول العالم منذ الثمانينيات، والذين يتعالجون بناءً على ذلك.

فكما نعلم سيختلف الأمر بين أن نلاحظ سلوكات مرتبطة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو وجود الحد الأدنى منها، وبين الإصابة باضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) الشديد.

عموماً، تتسم مرحلة الطفولة بسرعة التشتت وكثرة النسيان ومواجهة صعوبة في الجلوس أو انتظار الدور، وسنجد هذه السمات عند معظم الأطفال بمعدلاتٍ خفيفة لا تؤثر في الحياة "الطبيعية".

ومع ذلك، لا توجد نقطة بيولوجية فاصلة وواضحة تُميِّز مريض اضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) عن غيره، كما تختلف طرائق تشخيص اضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) أيضاً بين البلدين، وتتغير مع مرور الوقت؛ إذ تصبح المعايير عموماً أقل صرامة؛ وهذا يفسر سبب اكتشاف العديد من الحالات الجديدة المحتملة، اعتماداً على مدى انخفاض مستوى معايير التشخيص.

في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يعاني نصف الأطفال الذين شُخِّصَت إصابتهم باضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) تقريباً من أعراض خفيفة، ويعاني حوالي 15% فقط من مشكلات حادة، وحسب دراسة إيطالية؛ يعاني 1% فقط من مجموع الأطفال من سلوكات شديدة مرتبطة باضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD)؛ إذ - عموماً - تتناقص أعداد الأطفال المصابين بفرط النشاط وقلة الانتباه عما كانت عليه قبل 20 عاماً.

وتقودنا هذه الأسباب والإحصائيات إلى استنتاجٍ هام بأنَّ نسبة كبيرة من أعداد التشخيصات الإضافية - وخصوصاً لدى الأطفال الذين لم يكن من الممكن تشخيصهم قبل 20 عاماً - ستكون بأحسن أحوالها لحالات لا يمكن تصنيفها باضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD).

على سبيل المثال: تُظهِر إحدى الدراسات أنَّ زيادة التشخيصات في السويد قد تجاوزت خمسة أضعاف المعدل الطبيعي على مدى الـ 10 سنوات الأخيرة، بينما لم يُلحَظ زيادة في أعراض اضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) على الحالات السريرية بما يتناسب مع التشخيصات، وهذا إن دلَّ على شيء؛ فهو يدل على انخفاض مستوى معايير التشخيص، وأنَّ الأطفال المشخَّصون باضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) في الغالب هم أقل حدةً وأكثر شبهاً بالأطفال العاديين.

ونتيجة لذلك؛ فإنَّ الأطفال الأصغر سناً من زملائهم في الصف مثل ابنتي، معرَّضون إلى خطر التشخيص الخاطِئ باضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD)؛ وذلك لأنَّ عدم نضجهم النسبي هو سببٌ كافٍ لوصف سلوكهم بـ "غير الطبيعي".

ما هو تأثير التشخيص غير الدقيق لاضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه"؟ ولماذا يُعَدُّ التشخيص الصحيح هامَّاً؟

فيما يلي بعض النقاط التي تفسر لماذا يُعَدُّ التشخيص الصحيح للمرض هامَّاً:

1. الأطفال الذين يعانون من أعراض خفيفة:

من غير المرجح أن يستفيد الأطفال الذين يعانون من أعراضٍ خفيفة لاضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) من هذا التشخيص، كما أنَّهم وأُسرهم سيدفعون ثمناً باهظاً، فضلاً عن الأضرار المحتملة بعد التشخيص والعلاج؛ وذلك لأسباب عدَّة:

  • بدلاً من أن يُقدِّم التشخيص دعماً إضافياً للمريض، سيؤدي تشخيص غير دقيق إلى اضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) إلى آثار اجتماعية ونفسية وأكاديمية سلبية، إذا ما قُورِنَ الفرد مع أقرانه ذوي السلوكات المماثلة غير المشخَّصين.
  • يُقلِّل الدواء أعراض اضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) المتوسط، إلى حدٍ كبير عند الأطفال المصابين به، ولكن تظهر فاعليته عند وصفه للحالات الشديدة.
  • ناهيك عن الآثار السلبية لأدوية الذين يعانون من أعراض متوسطة في النتائج الأكاديمية - مثل الرياضيات ودرجات القراءة - بالمقارنة مع الأشخاص ذوي السلوكات المماثلة الذين لا يتعاطون أيَّة أدوية، كما أنَّ الأدوية لن تقلل من مخاطر السلوك الإجرامي أو التعرُّض إلى جروح أو الضعف الاجتماعي بقدر ما تقللها في الحالات الشديدة.

2. الأطفال الذين يعانون من أعراض حادة:

من الهام أيضاً تشخيص الأطفال الذين يعانون من أعراض اضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) الأكثر حدة بشكلٍ صحيح حتى لا يفوتهم الدعم الذي تشتد الحاجة إليه.

مع تزايد معدلات تشخيص اضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD)، تكافح المدارس بشكلٍ متزايد لدعم كل طفلٍ مشخَّص بشكلٍ كاف؛ إذ تتناقص حصة التمويل والدعم التي يمكن أن يحصل عليها كل طفل مع تزايد عدد الأطفال المشخَّصين بذلك؛ وهذا يعني تخلُّف الأشخاص الذين يعانون من أعراض حادة عن الرَّكب.

إقرأ أيضاً: فرط الحركة عند الأطفال: تعريفه، وأعراضه، وأسبابه، وأهم طرق علاجه

ما العمل؟

في ضوء المخاطر المحتملة المرتبطة بتشخيص إصابة الطفل باضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه" (ADHD) المتوسط، نُوصي الأطباء والآباء والمعلمين بالعمل معاً باتباع "نهج التشخيص المتدرج"، وهذا يضمن حصول الحالات الشديدة على التشخيص والعلاج السريع والفعال.

بالنسبة إلى الذين تظهر لديهم أعراض الإصابة بدرجة متوسطة، يمكن استثمار الوقت في الانتظار، وربما لن يحتاج معظمهم إلى تشخيص يصنفهم أو علاج لتخفيف الأعراض.

وهذا سيؤدي إلى تجنُّب الضرر المحتمل للحالات الفردية من الأطفال، وسيضمن تخصيص الموارد حسب الحاجة الضرورية إليها؛ إذ ستكون أكثر فاعلية.

المصدر




مقالات مرتبطة